مقالات

حق الله تعالى بين الوصف والتطبيق عند الإمام علي (عليه السلام)

الباحث: الشّيخ سجاد عبد الحليم الرّبيعي
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصَّلَاة والتَّسليم على طبيب نفوسنا وحبيب قلوبنا مُحَمّد (صلَّى الله عليه وآله) وعلى أهل بيته وصحبه المنتجبين.
يتجلى الرب على عباده في جميع نواحي الحياة المتعلقة بمعيشتهم على الأرض، وقد عرض أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة إلى كثير من هذه الحقوق التي منها: حقه سبحانه وتعالى على  عباده في التعرف على ذاته وقد اوكل (عليه السلام) تلك المعرفة إلى القران الكريم وإلى السنة النبوية الشريفة، يقول لمن سأله عن وصف الرب سبحانه(فَانْظُرْ أَيُّهَا السَّائِلُ ، فَمَا دَلَّكَ الْقُرْآنُ عَلَيْه مِنْ صِفَتِه فَائْتَمَّ بِه ، واسْتَضِئْ بِنُورِ هِدَايَتِه ومَا كَلَّفَكَ الشَّيْطَانُ عِلْمَه ، مِمَّا لَيْسَ فِي الْكِتَابِ عَلَيْكَ فَرْضُه ، ولَا فِي سُنَّةِ النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وآله ) وأَئِمَّةِ الْهُدَى أَثَرُه ، فَكِلْ عِلْمَه إِلَى اللَّه سُبْحَانَه ، فَإِنَّ ذَلِكَ مُنْتَهَى حَقِّ اللَّه عَلَيْكَ)[1].
فمن حق المسلم أن يفكر في الذات الإلهية، ولكن في حدود ما رسمه الدين بمصدريه الرئيسيين، وذلك حسماً للخلاف وتجنباً من المروق، فمن حق الله عليك حتى تعبده حق عبادته أن تعرفه. واذا كان ذلك حقه سبحانه نحو ذاته القدسية فان من حقوقه على العباد نحو أنفسهم، مراعاة بعضهم البعض، بالتناصح فيما بينهم، وبذل العون الى محتاجهم وضعيفهم ، والعلم بما سنَّه الله من حقوق دون الاخلال بشيء منها[2].
ومن حقوقه سبحانه، ما فرضه على عباده من نصيب فيما رزقهم من مال، وهو حق من الأهمية بمكان، لأن صيانة المجتمع من الانزلاق في هاوية الشح والفوضى والتسلط والحسد تتوقف على ادائه فهو في اساسه تطهير للنفس بالنسبة للمعطي والسمو بها عن التكالب الدؤوب على شهوات الدنيا، وهو في ذات الوقت طمأنة لنفس الفقير بتحسيسه بان هناك ثمة من يعطف عليه ويحاول التخفيف من محنة الفقر التي يعيشها، وبهذا الحق الإلهي يزول الحقد والحسد، باستجابة النفس لنداء الواجب والحب فيأمن الغني على ماله ويطمئن  الفقير على حاله، لذلك نجد أمير المؤمنين (عليه السلام) ومن منطق اسلامي سمى  الزكاة (حق الله)، فضمن وصيته لعماله على الصدقات، يأمر كل منهم اذا وصل إلى مكان عمله وتجمع الناس حوله بالقول (أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ وَلِيُّ اللَّه وخَلِيفَتُه ، لِآخُذَ مِنْكُمْ حَقَّ اللَّه فِي أَمْوَالِكُمْ ، فَهَلْ لِلَّه فِي أَمْوَالِكُمْ مِنْ حَقٍّ فَتُؤَدُّوه إِلَى وَلِيِّه)[3].
والسؤال في السياق يدل كما يبدو، ان الزكاة في منظور أمير المؤمنين (عليه السلام)، وان كانت واجبة على كل مسلم في ماله نصاب يستحق اخرجها، إلا أنها لا تؤخذ منه كرهاً؛ لأن في اخراجها بطريق الإكراه ما يفقدها قيمتها الاخلاقية، فالاقتناع الداخلي من لدن الإنسان بانها حق الهي هو المحرك لقيمتها الأخلاقية، فحق الله سبحانه على الإنسان، يجب أن ينبع من فكر الإنسان، واقتناع الذاتي بذلك الحق دون أي تأثير خارجي كما يرى أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو القائل (من عرف نفسه فقد عرف ربه)[4].
الهوامش:
[1] نهج البلاغة، خطب الإمام علي ( ع ): 1 /162.
[2] ينظر منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، حبيب الله الهاشمي الخوئي(ت : 1324 هـ)، تحقيق : سيد إبراهيم الميانجي، ط4 ، مط الاسلامية بطهران ، مؤسسة الثقافية الامام  المهدي ( عج ): 6 /302 .
[3] نهج البلاغة، خطب الإمام علي ( ع ): 3 /24.
[4] بحار الأنوار، العلامة المجلسي:14 /415 .

المصدر: http://inahj.org

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى