مقالات

الولادة المكرمة في الكعبة المعظمة

علي موسى الكعبي

مقدمة

بينما كان العالم يغرق في ظلام الجاهلية الجهلاء التي غطّت كلّ أفنائه بالوثنية والشرك، بدأ الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله يرى آثار فضل ربّه وإكرامه، ويسمع الهتاف من السماء قبل أن يظهر له أمين الوحي جبرئيل، فكان لا يمرّ بحجرٍ ولا شجرٍ إلّا سلّم عليه، وكُشِف له عن بصره، فشاهد أنواراً قدسية وأشخاصاً نورانيين، وبانت عليه علامات وصفات، وظهرت فيه آيات بيّنات استدلّ بها بَحرا الراهب على نبوّته، وهو في طريقه الى الشام، يصحب عمّه شيخ البطحاء أبا طالب رضى الله عنه في قافلته.

وما أن رأى النبي الأكرم صلى الله عليه وآله تباشير الخير والرحمة، وانقطع الى عبادة ربّه وهو في ربيعه الثلاثين، شاءت الإرادة الربانية أن يولد وصي النبي وصاحب سرّه وابن عمّه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في الكعبة المعظّمة.

وعام مولده العام الذي بدأت ***** بشائر الوحي تأتي من أعاليها

فيه الحجارة والأشجار قد هتفت ***** للمصطفى وهو رائيها وصاغيها

وإذ درى المصطفى فيه ولادة مو***** لانا العليّ غدا بالبشر يطريها

وبات مستبشراً بالطفل قال به ***** لنا من النعم الزهراء ضافيها

أوهام الشكّ وأرقام اليقين

لا ريب أنّ ولادة أمير المؤمنين عليه السلام في الكعبة المشرّفة تعتبر منقبةً عظيمةً وفضيلةً باهرةً اختصّ بها دون سواه، لما فيها من الدلالة على أنّه عليه السلام محلّ عناية اللَّه سبحانه منذ يوم ولادته، لأنّه قد طهّره اللَّه سبحانه بأن جعل مولده في أعظم بيوت عبادته، وذلك من تجليات الاصطفاء الذي شاءته الإرادة الإلهية، ومن هنا فقد أبى أعداء فضله العميم وحسّاد مجده الأثيل أن ينصتوا الى صوت الحقّ الصادر من أعماق التاريخ على لسان المؤرّخين والمحدّثين الذين قالوا بتواتره وكونه محلّ اتّفاق بين المسلمين، فحاولوا أن يثيروا الشكوك حول هذه الفضيلة لصرف الأنظار عنها، وذلك في اتجاهين:

الأوّل: يثبت هذه الفضيلة لأمير المؤمنين عليه السلام لكنّه ينكر تفرّده بها.

الثاني: ينكر هذه الفضيلة ولا يثبتها لأمير المؤمنين عليه السلام.

أمّا أصحاب الاتّجاه الأوّل فيرون أنّ أوّل من ولد في الكعبة هو حكيم بن حزام، ولا ينكرون ولادة أمير المومنين عليه السلام فيها، قال الفاكهي في “أخبار مكّة”: أوّل من ولد في الكعبة حكيم بن حزام

وقال في موضع آخر: أوّل من ولد في الكعبة من بني هاشم من المهاجرين علي بن أبي طالب (أخبار مكّة /الفاكهي٢٢٦:٣).

وغير الفاكهي كثيرون أثبتوا هذه الفضيلة لأمير المؤمنين عليه السلام وأشركوا معه غيره، وهو حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبدالعزّى القرشي الأسدي، ابن أخي خديجة أمّ المؤمنين “رضي اللَّه عنها”. قيل: إنّه ولد في الكعبة قبل عام الفيل باثنتي عشرة سنة، أو بثلاث عشرة سنة، ومات سنة خمسين، أو أربع وخمسين. وقيل: عاش في الجاهلية ستين سنة، وعاش في الإسلام ستّين سنة (راجع ترجمته في جمهرة أنساب العرب / ابن حزم: ١٢١، تهذيب الكمال /المزّي ١٧٠:٧ /١٤٥٤، المنتظم / ابن الجوزي٢٨٦:٥ /٣٧٤، الإصابة / ابن حجر ٣٢:٢ /١٦٩٥، تهذيب التهذيب / ابن حجر ٤٤٦:٢ /٧٧٥، التاريخ الكبير / البخاري١١:٣ /٤٢).

ومستند أصحاب هذا الاتجاه ثلاث روايات:

الأولى: رواها الزبير بن بكّار “ت ٢٥٦ هـ”في “جمهرة نسب قريش” ( جمهرة نسب قريش٣٥٣:١).

ونقلها عنه أبو الفرج ابن الجوزي “ت ٥٩٧ هـ” في “صفة الصفوة” (صفة الصفوة٧٢٥:١).  وفي “المنتظم” (المنتظم٢٦٩:٥ /٣٧٤). والمزّي “ت ٧٤٢ هـ” في “تهذيب الكمال” (تهذيب الكمال١٧٣:٧). والذهبي “ت ٧٤٨ هـ” في “سير أعلام النبلاء” (سير أعلام النبلاء٤٦:٣). وابن حجر “ت ٨٥٢” في “الإصابة” (الإصابة٣٢:٢). وغيرهم.

والثانية: رواها الحاكم النيسابوري “ت ٤٠٥ هـ” في “المستدرك” (المستدرك على الصحيحين٤٨٢:٣).

والثالثة: رواها الأزرقي “ت ٢٢٣ هـ” في “أخبار مكّة” (أخبار مكّة١٧٤:١).

وقد استقصى زميلنا الفاضل شاكر شبع في مقال له بعنوان “الولادة في الكعبة المعظّمة فضيلة لعلي عليه السلام خصّه بها ربّ البيت” (في مجلّة “تراثنا” العدد “٢٦” ص: ٧-٤٢).

المصادر الرئيسية لهذه الروايات وفق تسلسلها التاريخي، وأخضعها للبحث والتحقيق، وخرج بنتائج باهرة، أهمها: أنّ تلك الروايات جميعاً مرسلة، ورواتها ضعفاء، ومخالفة للمشهور، وتعرّضت بعض مصادرها للتحريف والتلاعب، ممّا يسقط الاعتماد عليها، فلا نعيد الكلام حول تقييم هذه الروايات هنا، ولكن نذكّر أنّ الإرسال في هذه الروايات ينبئ عن أنّها قد تكون وليدة الفترة الأموية التي اجتهد حكّامها – وعلى رأسهم معاوية – بكلّ حيلة في “إطفاء نور أمير المؤمنين عليه السلام، والتحريض عليه، ووضع المعايب والمثالب له، ولعنوه على جميع المنابر، وتوعّدوا مادحيه، بل حبسوهم وقتلوهم، ومنعوا من رواية حديث يتضمّن له فضيلة، أو يرفع له ذكراً، حتى حظروا أن يسمّى أحد باسمه” (شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد١٧:١).

والرواية تناسب الأسلوب الذي ابتدعه معاوية في التغطية على فضائل أمير المؤمنين عليه السلام المتواترة والمتّفق عليها، بنسبتها الى غيره، إنكاراً لتفرّده بها، وقد كتب معاوية ذلك في كتاب عمّمه الى جميع الآفاق، جاء فيه، “إذا جاءكم كتابي هذا، فادعوا الناس الى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأوّلين، ولا تتركوا خبراً يرويه أحدٌ من المسلمين في أبي تراب؛ إلّا وتأتوني بمناقضٍ له في الصحابة، فإنّ هذا أحبّ إليّ، وأقرّ لعيني، وأدحض لحجّة أبي تراب وشيعته”.

قال الراوي: فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها، فظهر حديث كثير موضوع، وبهتان منتشر (شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد٤٦:١١).

ولكن ما زاد ذلك أمير المؤمنين عليه السلام إلّا رفعةً وسموّاً “وكان كالمسك كلّما ستر انتشر عرفه، وكلّما كتم تضوّع نشره، وكالشمس لا تستر بالراح، وكضوء النهار إن حُجِبت عنه عينٌ واحدة أدركته عيون كثيرة” (شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد١٧:١).

وعلى تقدير صحّة الرواية بولادة حكيم بن حزام في الكعبة المشرّفة، فقد يكون ذلك لمحض المصادفة والاتّفاق، وقد صرّح بذلك عبدالرحمن الصفوري الشافعي ت ٨٩٤ في “نزهة المجالس٢٠٤:٢ – القاهرة” حيث قال: وأمّا حكيم بن حزام فولدته أمّه في الكعبة اتّفاقاً لا قصداً. (علي وليد الكعبة / الأردوبادي: ٤٠).

ويدلّ على ذلك أيضاً ما جاء في الرواية من لفظ “أعجلها الولاد” و”ولدت على النطع” كما جاء في رواية مصعب بن عثمان التي يقول فيها: دخلت أُمّ حكيم بن حزام الكعبة مع نسوة من قريش، وهي حامل مُتمّ بحكيم بن حزام، فضربها المخاض في الكعبة، فأُتيت بنطع حيث أعجلها الولاد، فولدت حكيم بن حزام في الكعبة على النطع (جمهرة نسب قريش / ابن بكار٣٥٣:١).

ولو تهيّأت أمّ حكيم للولادة لما جُعلت ثيابها لَقىً، كما جاء في رواية عبداللَّه بن أبي سليمان عن أبيه، قال: إن فاختة ابنة زهير بن الحارث بن أسد بن عبدالعزّى – وهي أمّ حكيم بن حزام – دخلت الكعبة وهي حامل، فأدركها المخاض فيها، فولدت حكيماً في الكعبة، فحُمِلت في نطعٍ، وأُخِذ ما تحت مَثْبِرها (المَثْبِر: الموضع الذي تلد فيه المرأة). ، فغُسِل عند حوض زمزم، وأُخذت ثيابها التي ولدت فيها، فجُعلت لَقىً (أخبار مكّة / الأزرقي١٧٤:١).

وعليه فإنّ ولادة حكيم بن حزام لا يترتّب عليها أدنى فضل أو مكرمة سوى طهارة المكان الذي ولد فيه وشرفِهِ، بينما اكتسبت ولادة أمير المؤمنين عليه السلام أهميّتها بشرف الاصطفاء الإلهي والمشيئة الربّانية لا بخصوص فضل المكان وحسب، فإذا كان حكيم بن حزام قد سبق بفضل المكان بمحض المصادفة والاتّفاق، فإنّ أمير المؤمنين عليه السلام قد تفرّد بشرف المكان وبكيفية الولادة على وفق الإرادة الإلهية والعناية الربانية.

الاتّجاه الثاني

إنّ أصحاب هذا الاتّجاه قد أمعنوا في إنكار هذه الفضيلة على الرغم من كونها من الحقائق الناصعة والمسلّمة تاريخيّاً، فادّعوا أنّه لم يولد قبل حكيم بن حزام ولا بعده أحد في الكعبة المعظّمة، وأنّ القول بولادة علي بن أبي طالب عليه السلام هو مزعمة كثير من الشيعة، وهو ضعيف عند العلماء، ولا يعترف به المحدّثون، ولم يثبت عند بعضهم، وفي ما يلي بعض أقوالهم:

١ – روى الحاكم في “المستدرك” بالإسناد عن مصعب بن عبداللَّه في نسب حكيم بن حزام، قال: وأمّه فاخته بنت زهير بن أسد بن عبدالعزّى، وكانت ولدت حكيماً في الكعبة، وهي حامل، فضربها المخاض وهي في جوف الكعبة، فولدت فيها، فحملت في نطع، وغسل ما كان تحتها من الثياب عند حوض زمزم، ولم يولد قبله ولا بعده في الكعبة أحد.

وكلام مصعب الأخير ينطوي على إنكار ولادة أمير المؤمنين عليه السلام في الكعبة، وقد ردّه الحاكم في ذيل الرواية بقوله: وهم مصعب في الحرف الأخير، فقد تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرّم اللَّه وجهه في جوف الكعبة .

( المستدرك / الحاكم٤٨٣:٣).

٢ – ذكر الشيخ علي بن برهان الدين الحلبي الشافعي ت ١٠٤٤ هـ في سيرته “إنسان العيون ج١ ص: ١٦٥”، أنّ أمير المؤمنين عليه السلام ولد في الكعبة، وعمره – يعني عمر النبي صلى الله عليه وآله – ثلاثون سنة.

ثمّ قال: وقيل: الذي ولد في الكعبة حكيم بن حزام. وقال بعضهم: لا مانع من ولادة كليهما في الكعبة لكن في “النور”: حكيم بن حزام ولد في الكعبة، ولا يعرف ذلك لغيره، وأمّا ما روي أنّ عليّاًعليه السلام ولد فيها فضعيف عند العلماء ( علي وليد الكعبة / الأردوبادي: ٨٣).

٣ – ذكر ابن أبي الحديد في “شرح نهج البلاغة” أنّ حديث الولادة مزعمة كثير من الشيعة، والمحدّثون لا يعترفون بذلك، ويزعمون أنّ المولود في البيت حكيم ابن حزام ( شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد ١٤:١).

٤ – قال الديار بكري في “تاريخ الخميس٣٠٧:٢”: ولد |على عليه السلام| بمكّة بعد عام الفيل بسبع سنين، ويقال: كانت ولادته في داخل الكعبة، ولم يثبت ( علي وليد الكعبة / الأردوبادي: ٨٥).

ولم يقل أحد بأنّ أمير المؤمنين عليه السلام ولد بعد عام الفيل بسبع سنين، فكيف ثبت ذلك عند الدياربكري، ولم تثبت ولادة أمير المؤمنين عليه السلام في الكعبة مع كثرة القائلين بذلك؟

أرقام اليقين

إنّ ما ذكره أصحاب الإتّجاه الثاني معارض بإجماع أهل البيت عليهم السلام وعلماء الطائفة، واعتراف كثير من المحدّثين والمحقّقين العامّة، وتصريح كثير من النسّابة والمؤرّخين والشعراء في إثبات هذه الفضيلة لأمير المؤمنين عليه السلام على الجزم واليقين.

وقد أجاد الشيخ الحجّة محمد علي الأردوبادي “ت ١٣٨٠” في كتابه “علي عليه السلام وليد الكعبة” في تحقيق هذه المسألة، وكونها معتمدة عند العلماء وثابتة عند المؤرّخين والنسابة، ومتواترة مشهورة بين الأمّة. وفي ما يلي نذكر أرقام اليقين التي تدفع أوهام الشكّ وإثارات أصحاب الاتّجاه الثاني.

الولادة المعظّمة في حديث أهل البيت

نقل عن أهل البيت عليهم السلام الكثير من الأخبار والروايات التي تحدّثوا فيها عن طبيعة تلك الولادة ومحلّها وملابساتها، وقد حكى السيد هاشم البحراني “ت ١١٠٧ هـ” تواتر حديث الولادة في الكعبة حيث قال: رواية أنّ أمير المؤمنين عليه السلام ولد في الكعبة بلغت حدّ التواتر، وهي معلومة في كتب العامّة والخاصّة. ( غاية المرام / البحراني: ١٣).

وفي ما يلي نذكر بعض رواياتهم عليهم السلام:

١ ـ روى ابن الفتال عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة الثمالي، قال: سمعت علي بن الحسين عليهما السلام يقول: إنّ فاطمة بنت أسد ضربها الطلق وهي في الطواف، فدخلت الكعبة، فولدت أمير المؤمنين عليه السلام فيها ( روضة الواعظين / ابن الفتال: ٨١، بحار الأنوار٢٣:٣٥ /١٧).

٢ ـ وروى ابن المغازلي الشافعي بالإسناد عن الإمام موسى بن جعفرعليه السلام، عن أبيه، عن محمّد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين عليهم السلام قال: كنت جالساً مع أبي ونحن زائرون قبر جدّناصلى الله عليه وآله وهناك نسوان كثيرة، إذ أقبلت امرأة منهنّ، فقلت لها: من أنت يرحمك اللَّه؟ قالت: أنا زيدة بنت قريبة بن العجلان من بني ساعدة، فقلت لها: فهل عندك شي ء تحدّثينا؟ فقالت: إي واللَّه، حدّثتني أُمّي أمّ عمارة بنت عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان الساعدي، أنّها كانت ذات يوم في نساء من العرب، إذ أقبل أبو طالب كئيباً حزيناً، فقلت له: ما شأنك، يا أبا طالب؟ قال: إنّ فاطمة بنت أسد في شدّة المخاض، ثمّ وضع يديه على وجهه، فبينما هو كذلك إذ أقبل محمّدصلى الله عليه وآله، فقال له: ما شأنك يا عمّ؟ فقال: إنّ فاطمة بنت أسد تشتكي المخاض، فأخذ بيده وجاء وهي معه، فجاء بها الى الكعبة، فأجلسها في الكعبة، ثمّ قال: اجلسي على اسم اللَّه، فطلقت طلقة، فولدت غلاماً مسروراً نظيفاً منظّفاً، لم أرَ كحسن وجهه، فسمّاه أبو طالب عليّاً ( وجاء في بعض الروايات أنّ الذي سماه هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وروي أيضاً أنّ أبا طالب سمع هاتفاً يقول له: سمّه عليّاً). وحمله النبي صلى الله عليه وآله حتى أدّاه الى منزلها . قال علي بن الحسين عليه السلام: فواللَّه ما سمعت بشي ءٍ قط إلّا وهذا أحسن منه ( مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام / ابن المغازلي:٣/٦، الفصول المهمّة / ابن الصبّاغ: ٣٠، كشف الغمّة / الإربلي٥٩:١، عمدة عيون صحاح الأخبار / ابن البطريق ٨/٢٧).

٣ ـ وروى الشيخ الطوسي في أماليه بعدّة أسانيد، منها عن أبي عبداللَّه جعفر ابن محمّدعليه السلام، عن آبائه عليه السلام – في حديثٍ طويل – قال: كان العبّاس بن عبدالمطّلب ويزيد بن قعنب جالسين ما بين فريق بني هاشم الى فريق عبدالعزّى بإزاء بيت اللَّه الحرام، إذ أتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أمّ أمير المؤمنين عليه السلام وكانت حاملة بأمير المؤمنين عليه السلام لتسعة أشهر وكان يوم التمام، قال: فوقفت بازاء البيت الحرام وقد أخذها الطلق، فرمت بطرفها نحو السماء، وقالت: أي ربّ، إنّي مؤمنة بك وبما جاء به من عندك من رسلٍ وكتب، وإنّي مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم الخليل، وأنّه بنى بيتك العتيق، فأسألك بحقّ هذا البيت ومن بناه، وبهذا المولود الذي في أحشائي، الذي يكلّمني ويؤنسني بحديثه، وأنا موقنة أنّه إحدى آياتك ودلائلك، لمّا يسّرت عليَّ ولادتي…

قال العباس بن عبدالمطّلب ويزيد بن قعنب: لمّا تكلّمت فاطمة بنت أسد ودعت بهذا الدعاء، رأينا البيت قد انفتح من ظهره، ودخلت فاطمة فيه، وغابت عن أبصارنا، ثمّ عادت الفتحة والتزقت بإذن اللَّه، فرمنا أن نفتح الباب لتصل إليها بعض نسائنا فلم ينفتح الباب، فعلمنا أنّ ذلك أمرٌ من أمر اللَّه تعالى، وبقيت فاطمة في البيت ثلاثة أيّام.

قال: وأهل مكّة يتحدّثون بذلك في أفواه السكك، وتتحدّث المخدّرات في خدورهنّ، فلمّا كان بعد ثلاثة أيّام انفتح البيت من الموضع الذي كانت دخلت فيه، فخرجت فاطمة وعلي عليه السلام على يديها…

(الأمالي / الشيخ الطوسي: ١٥١١/٧٠٦، بحار الأنوار / المجلسي ٣٦:٣٥ /٣٧٠). الحديث.

٤ ـ وروى ابن شهر آشوب عن الحسن بن محبوب، عن أبي عبداللَّه الصادق عليه السلام أنّه قال: انفتح البيت من ظهره، ودخلت فاطمة فيه، ثمّ عادت الفتحة والتصقت، وبقيت فيه ثلاثة أيّام، فأكلت من ثمار الجنّة… الحديث (المناقب / ابن شهر آشوب١٧٤:٢، بحار الأنوار / المجلسي ١٨:٣٥).

وواضح أنّ بعض هذه الروايات قد اقتصر على الإشارة الإجمالية لمولده عليه السلام والتذكير بفضله، بينما توسّعت بعضها بسرد التفاصيل بحذافيرها، ومنها بيان كيفيّة دخول فاطمة بنت أسد البيت ودعائها وبقائها في البيت وأكلها من ثمار الجنّة.

٥ ـ ولم يقتصر ذكر الولادة على الروايات وحسب، بل جاء في الأدعية والزيارات المأثورة عن أهل البيت عليهم السلام التصريح بولادة أمير المؤمنين عليه السلام في الكعبة المعظّمة، ففي زيارة أمير المؤمنين عليه السلام في يوم مولد النبي صلى الله عليه وآله في ١٧ ربيع الأوّل التي رواها محمد بن مسلم الثقفي، عن جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام: السلام عليك يا من شرّفت به مكّة… السلام عليك يا من ولد في الكعبة، وزوّج في السماء بسيّدة النساء… السلام على المخصوص بالطاهرة التقيّة ابنة المختار، المولود في البيت ذي الأستار (إقبال الأعمال / ابن طاوس: ٦٠٨-٦١٠، المزار / الشهيد الأوّل: ٩١-٩٥، بحار الأنوار٣٧٤:١٠٠-٣٧٥).

وفي زيارة أخرى لأمير المؤمنين عليه السلام رواها ابن طاوس: السلام على المولود في الكعبة، المزوّج في السماء… (مصباح الزائر / ابن طاوس: ١٤٦، بحار الأنوار / المجلسي٣٠٢:١٠٠ /٢٢).

حديث الولادة عن الصحابة والتابعين

وجاء حديث ولادة أمير المؤمنين عليه السلام في الكعبة المشرّفة على لسان بعض الصحابة والتابعين، ومنهم:

١ ـ جابر بن عبداللَّه الأنصاري رضى الله عنه، روى حديثه الكنجي في “كفاية الطالب ص: ٤٠٦ – ٤٠٥” وابن شهر آشوب في “مناقب آل أبي طالب ج٢، ص: ١٧٣ – ١٧٢” وابن شاذان في “الفضائل: ص: ٥٦ – ٥٤”.

٢ ـ العباس بن عبدالمطّلب رضى الله عنه، روى حديثه الشيخ الطوسي في “الأمالي: ص: ١٥١١ / ٧٠٦” ورواه ابن شهر آشوب في “المناقب ج٢ ص: ٧٤” عن أنس بن مالك، عن العباس بن عبدالمطّلب.

٣ ـ عائشة، روى حديثها الشيخ الطوسي في “الأمالي: ص: ١٥١١ / ٧٠٦”.

٤ ـ عتاب بن أسيد، روى حديثه الشيخ الطوسي في “مصباح المتهجّد ص: ٨١٩” والعلّامة المجلسي في “البحار ج٣٥ ص: ٧ / ٧”.

٥ ـ ميثم التمّار، روى حديثه الشيخ أبو الفوارس الرازي في “أربعينه ص: ٩ مخطوط” مسنداً . (راجع علي عليه السلام وليد الكعبة / الأردوبادي: ٦١-٦٢ ).

والطبري في “نوادر المعجزات ص: ٣٢-٣٣ /١٢” وابن شاذان في “الفضائل: ص: ٢”، والشيخ حسين بن عبد الوهّاب المعاصر للسيد المرتضى في “عيون المعجزات ص: ٢٥ – ٢٤”.

٦ ـ يزيد بن قعنب، روى حديثه ابن شهر آشوب في “المناقب ج٢ ص: ١٧٢ – ١٧٣”، وابن الفتال في “روضة الواعظين: ص: ٧٦-٨١”.

وروى الحديث مسنداً عن سعيد بن جبير، عن يزيد بن قعنب، الشيخ الصدوق في “علل الشرائع ج١ ص: ٣ / ١٣٥” و”معاني الأخبار ص: ١٠/٦٢” و”الأمالي ص: ٢٠٦/١٩٤”، وعماد الدين الطبري في “بشارة المصطفى ص: ٧-٩”، والإربلي في “كشف الغمّة ج١ ص: ٦٠”، والديلمي في “إرشاد القلوب: ص ٢١١”، والعلامة الحلّي في “كشف اليقين: ص: ١٧” و”نهج الحقّ ص: ٢٣٣”.

إجماع أعلام الطائفة

أجمع أعلام الإمامية، وفيهم المحدّثون والمؤرّخون والنسّابة القدامى والمحدّثون، وبكلمات شتى مؤدّاها أنّ أمير المؤمنين عليه السلام ولد في الكعبة يوم الجمعة الثلاثين بعد عام الفيل، ولم يولد قبله ولا بعده مولود في بيت اللَّه تعالى سواه، وتلك فضيلة مختصّة به، لم يشركه فيها أحد قبله ولا بعده، إعلاءً لقدره وفضله، وإجلالاً لمحلّه من التعظيم عند ربّه، وفي ما يلي نذكر بعضهم مرتّبين حسب التسلسل التاريخي، مع الإشارة الى مراجع أقوالهم:

١ ـ السيد أبو الحسن محمّد بن الحسين الموسوي المعروف بالشريف الرضي، المتوفّى سنة ٤٠٦ هـ في كتاب “خصائص الأئمّةعليهم السلام ص: ٣٩”.

٢ ـ الشيخ أبو عبداللَّه محمّد بن محمّد بن النعمان البغدادي، المعروف بالشيخ المفيد ت ٤١٣ هـ في “المقنعة ص: ٤٦١” “الإرشاد ج١ ص: ٥”.

٣ ـ السيد علم الهدى علي بن الحسين الموسوي المعروف بالشريف المرتضى ت ٤٣٦ هـ في “شرح القصيدة البائيّة المذهّبة للسيد الحميري ص: ٥١ طبعة مصر في سنة ١٣١٣ هـ” ( الغدير / الأميني٢٤:٦، علي عليه السلام وليد الكعبة / الاردوبادي: ٢٦-٢٧).

٤ ـ العلّامة المحدّث أبو الفتح محمّد بن علي الكراجكي ت٤٤٩ه في “كنز الفوائد ج١ ص: ٢٥٥”.

٥ ـ شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي ت ٤٦٠ه، في كتاب المزار من “التهذيب ج١، ص: ١٩”.

٦ ـ أمين الإسلام الشيخ المفسّر أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي في “إعلام الورى ص: ١٥٣” و”تاج المواليد ص: ١٢”.

٧ ـ الشيخ الفقيه أبو الحسين سعيد بن عبداللَّه بن الحسين بن هبة اللَّه، المعروف بالقطب الراوندي ت ٥٧٣ هـ في “الخرائج والجرائح ج٢، ص: ٨٨٨”.

٨ ـ الحافظ رشيد الدين أبو عبداللَّه محمّد بن علي بن شهر آشوب السروي المازندراني ت ٥٨٨ هـ في “مناقب آل أبي طالب ج٢ ص: ١٧٥”.

٩ ـ الشيخ أبو علي محمّد بن الحسن الواعظ الشهيد النيسابوري، المعروف بابن الفتال، من أعلام القرن السادس في “روضة الواعظين ص: ٧٦”.

١٠ ـ الحافظ شمس الدين أبو الحسن يحيى بن الحسن الأسدي الحلّي الربعي، المعروف بابن البطريق ت ٦٠٠ هـ في “عمدة صحاح الأخبار ص: ٢٤”.

١١ ـ السيد رضي الدين علي بن موسى بن طاوس الحلّي ت ٦٦٤ هـ في “إقبال الأعمال ص: ٦٥٥”.

١٢ ـ الشيخ الوزير بهاء الدين أبو الحسن علي بن عيسى الإربلي ت ٦٩٣ في “كشف الغمّة ج١ ص: ٥٩”.

١٣ ـ العلّامة جمال الدين أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلي ت ٧٢٦ هـ في “نهج الحقّ وكشف الصدق ص: ٢٣٢” و”كشف اليقين ص: ١٧”.

١٤ ـ الشيخ المحدّث أبو محمدّ الحسن بن أبي الحسن الديلمي، من أعلام القرن الثامن في “إرشاد القلوب ص: ٢١١”.

١٥ ـ السيد حيدر بن علي الحسيني العبدلي الآملي، من أعلام القرن الثامن في “الكشكول في ما جرى على آل الرسول ص: ٨٦ و١٨٩”.

١٦ ـ الشيخ علي بن محمّد بن يونس البياضي ت ٨٧٧ هـ في “الصراط المستقيم ج٢ ص: ٢١٥”.

١٧ ـ الشيخ تقي الدين إبراهيم بن علي العاملي الكفعمي ت نحو ٩٠٠ هـ في “المصباح ص: ٥١٢”.

النسّابة والمؤّرخون

ذكر كثير من النسّابة والمؤّرخين أنّ أمير المؤمنين عليه السلام ولد في الكعبة المعظّمة، وهم أعلم الناس بمواقع الولادة والأنساب، ومنهم:

١ – أبو الحسن علي بن الحسين بن علي الهذلي المسعودي ت ٣٣٣ أو ٣٤٥ في “مروج الذهب ج٢، ص: ٣٤٩”.

وقال في “إثبات الوصيّة”: روي أنّ فاطمة بنت أسد كانت تطوف بالبيت، فجاءها المخاض وهي في الطواف، فلمّا اشتدّ بها دخلت الكعبة، فولدته في جوف الكعبة على مثال ولادة آمنة النبي صلى الله عليه وآله

، وما ولد في الكعبة قبله ولا بعده غيره ( أي من حيث الكيفية، فقد ولدعليه السلام مستقبلاً الأرض بكفّيه رافعاً رأسه الى السماء، ذاكراً اسم اللَّه). (إثبات الوصية / المسعودي: ١١١ ).

٢ ـ وذكر ذلك المؤرخ الحسن بن محمّد بن الحسن القمّي في “تاريخ قم: ١٩١” الذي ألّفه سنة ٣٧٨ هـ وقدّمه الى الصاحب بن عباد، وترجمه الى الفارسيّة الشيخ الحسن بن علي بن الحسن القمّي سنة ٨٦٥ هـ ( الغدير / الأميني٢٤:٦.)

٣ ـ السيد الشريف النسّابة نجم الدين أبو الحسن علي بن محمّد العلوي العمري، المعروف بابن الصوفي، من أعلام القرن الخامس الهجري، قال في “المجدي”: ولدت فاطمة بنت أسد عليّاًعليه السلام في الكعبة، وما ولد قبله أحد فيها ( المجدي في أنساب الطالبيين / العمري: ١١).

٤ ـ الشيخ المؤرّخ النسّابة جمال الدين أحمد بن علي بن الحسين الحسيني، المعروف بابن عنبة ت ٨٢٨ ه، قال في “عمدة الطالب” في معرض حديثه عن ولادة علي عليه السلام: ولد بمكّة في بيت اللَّه الحرام يوم الجمعة الثالث عشر من رجب سنة ثلاثين من عام الفيل، ولم يولد قبله ولا بعده مولود في بيت اللَّه الحرام سواه إكراماً له وتعظيماً من اللَّه تعالى، وإجلالاً لمحلّه من التعظيم ( عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب: ٥٨.)

٥ ـ وذكر ذلك أيضاً السيد محمد بن أحمد بن عميد الدين علي الحسيني في “المشجر الكشّاف للسادة الأشراف ص: ٢٣٠ طبعة مصر” ( الغدير / الأميني٢٥:٦ /٢٠.)

٦ ـ وذكره أيضاً محمّد بن عبدالغفار الغفاري القزويني في “تاريخ نگارستان ص: ١٠ طبعةسنة ١٢٤٥ هـ” وتاريخ تأليف الكتاب سنة ٩٤٩ هـ ( الغدير / الأميني٢٥:٦ /٢٢).

٧ ـ وفي أُرجوزة في مواليد الائمّةعليهم السلام ووفياتهم للعلّامة أبي صالح محمّد المهدي بن بهاء الدين محمّد الملقّب بالصالح بن الشيخ معتوق بن عبدالحميد الفتوني العاملي النباطي النجفي النسابة، المتوفّى سنة ١١٨٣ ه، صاحب “حديقة النسب” قال:

مولده الجمعة يوم السابع ***** فى شهر شعبان ببيت الصانع

وقد خلت منه ثلاثون سنه ***** من مولد النبيّ فاعلم سُنَنه

( علي وليد الكعبة / الأردوبادي: ٧٢).

الكتب المؤلّفة في المولد العظيم

ولم تقتصر جهود العلماء على تسجيل هذه الحادثة في ثنايا كتبهم، بل أفردوها بالتأليف في كتب خاصّة بها، منها:

١ ـ مولد أمير المؤمنين وخبره مع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله – للقاضي أبي البختري وهب بن وهب بن كثير بن عبداللَّه بن زمعة بن الأسود بن المطّلب القرشي المدني البغدادي قاضيهما، المتوفّى سنة ٢٠٠ ه.

ترجم له ابن النديم في “الفهرست ص: ١١٣” والخطيب في “تاريخ بغداد ج١٣ ص: ٤٥١”، وكتابه هذا ذكره النجاشي في فهرسته برقم ١١٥٥، وذكره الطوسي في فهرسته برقم ٧٧٨ بهذا الاسم، ورواه عنه بإسناده إليه عن الصادق عليه السلام.

وذكره الخطيب في “تاريخ بغداد ج٧ ص: ٤١٩” في ترجمة الحسن بن محمّد العلوي، باسم كتاب “مولد علي بن أبي طالب ومنشأه وبدء إيمانه وتزويجه فاطمة”، وذكره ابن شهر آشوب في “معالم العلماء برقم ٨٥٩” ( أهل البيت في المكتبة العربية / الطباطبائي: ٨٠٢/٦٣٧، الذريعة / آقا بزرك٢٧٤:٢٣).

٢ ـ مولد أمير المؤمنين عليه السلام – للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي المتوفّى ٣٨١ ه، ينقل عنه السيد ابن طاوس في كتاب “اليقين” في الباب٤٣ ( الذريعة / آقا بزرك٢٧٤:٢٣). والذي في “اليقين” لابن طاوس ورد الكتاب بعنوان “مولد مولانا علي عليه السلام بالبيت” (راجع كتابخانه ابن طاوس / اتان كلبرك: ٤٢٥).

٣ ـ مولد أمير المؤمنين عليه السلام – للحافظ أبي العلاء الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمّد العطار الهمداني المقرئ، صدر الحفاظ وشيخ همدان وإمام العراقين ت ٥٦٩ ه، نقل عنه السيد ابن طاوس في “اليقين” الباب ١٩٤ ص:٤٨٥. (أهل البيت في المكتبة العربية / الطباطبائي: ٨٠١/٦٣٦، كتابخانه ابن طاوس / اتان كلبرك: ٣٣٢، مجلّة تراثنا.. العدد ٢٥ ص: ٨٤).

٤ ـ علي عليه السلام وليد الكعبة – للشيخ الفاضل والأديب الماهر الميرزا محمّد علي بن ميرزا أبي القاسم الأردوبادي النجفي ت ١٣٨٠ه، طبع في النجف سنة وفاة المؤلّف ١٣٨٠ه مع مقدّمة لسبطه السيد مهدي بن الميرزا محمد بن الميرزا جعفر بن الميرزا محمّد بن المجدّد الشيرازي، ثمّ أُعيد طبعه في قم، وطبع بتحقيق قسم الدراسات الإسلامية – مؤسّسة البعثة سنة ١٤١٢ ه، وترجم الكتاب الى الفارسية، وطبعت ترجمته، وهو كتاب فريد في بابه، عزيز في وجود نظائره، غزير في مادّته، ضمّنه مؤلّفه بحثاً استدلالياً لبيان حديث الولادة الميمونة.

٥ ـ مولود كعبه – بلغة الأردو – للسيد علي نَقي اللكهنوي، طبع سنة ١٣٥١ه (الذريعة / آقا بزرك٢٧٧:٢٣).

حديث الولادة على لسان أعلام العامّة

صرّح الكثير من أعلام العامّة بولادة أمير المؤمنين عليه السلام في الكعبة المشرّفة، وقال بعضهم بتواتر ذلك وشهرته في الدنيا كالحاكم النيسابوري والدهلوي والآلوسي وغيرهم، واعترف بعضهم بكون ذلك فضيلةً خصّه اللَّه بها، ولم يولد قبله ولا بعده في البيت سواه كالجويني والقفال وابن الصبّاغ وغيرهم، وفي ما يلي نذكر أقوالهم بحسب ترتيب وفياتهم:

١ ـ الحافظ الفقيه محمّد بن علي القفال الشاشي الشافعي ت ٣٦٥ ه، قال في كتابه “فضائل أمير المؤمنين عليه السلام”: لم يولد في الكعبة إلاّ علي عليه السلام (إحقاق الحقّ / الشهيد التستري٤٨٩:٧).

٢ ـ الحاكم أبو عبداللَّه محمّد بن عبداللَّه الحافظ النيسابوري ت ٤٠٥ ه، قال في “المستدرك”: قد تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرّم اللَّه وجهه في جوف الكعبة (المستدرك / الحاكم٤٨٣:٣).

وروى الحافظ أبو عبداللَّه محمّد بن يوسف الكنجي الشافعي ت ٦٥٨ هـ عن الحافظ أبي عبداللَّه محمّد بن محمود النجّار مسنداً عن الحاكم النيسابوري أنّه قال: ولد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بمكّة في بيت اللَّه الحرام، ليلة الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب سنة ثلاثين من عام الفيل، ولم يولد قبله ولا بعده مولود في بيت اللَّه الحرام سواه، إكراماً له بذلك، وإجلالاً لمحلّة في التعظيم (كفاية الطالب / الكنجي: ٤٠٧).

٣ ـ محمد بن طلحة الشافعي ت ٦٥٢ هـ في كتابه “مطالب السؤول ص: ١١”. قال: ولد علي عليه السلام في الكعبة، البيت الحرام (علي وليد الكعبة / الأردوبادي: ٧٦).

٤ ـ شمس الدين أبو المظفّر يوسف بن قزأُوغلي علي الشهير بسبط ابن الجوزي ت ٦٥٤ هـ قال في “تذكرة الخواص”: روي أنّ فاطمة بنت أسد كانت تطوف بالبيت وهي حامل بعلي عليه السلام، فضربها الطلق، ففتح لها باب الكعبة، فدخلت فوضعته فيها (تذكرة الخواص / سبط ابن الجوزي: ١٠).

٥ ـ الحافظ أبو عبداللَّه محمّد بن يوسف الكنجي الشافعي ت ٦٥٨ ه، نقل في كتابه “كفاية الطالب” قول الحاكم النيسابوري وقد تقدّم، ونقل حديثاً طويلاً في ولادة أمير المؤمنين عليه السلام في الكعبة (راجع كفاية الطالب / الكنجي: ٤٠٥).

٦ ـ الحافظ المحدّث إبراهيم بن محمّد الجويني الشافعي ت ٧٣٠ ه، قال في “الفرائد”: لم يولد في الكعبة إلّا علي عليه السلام (فرائد السمطين / الجويني٤٢٥:١).

٧ ـ الحافظ نور الدين علي بن محمّد بن الصبّاغ المكّي المالكي ت ٨٥٥ هـ قال في “الفصول المهمّة”: ولد علي عليه السلام بمكّة المشرّفة بداخل البيت الحرام في يوم الجمعة الثالث عشر من شهر اللَّه الأصمّ رجب الفرد، سنة ثلاثين من عام الفيل…. ولم يولد في البيت الحرام قبله أحد سواه، وهي فضيلة خصّة اللَّه تعالى بها إجلالاً له، وإعلاءً لمرتبته، وإظهاراً لتكرمته ( الفصول المهمّة / ابن الصبّاغ: ٣٠).

وحكى ذلك عنه الفقيه المؤرّخ نور الدين علي بن عبداللَّه الشافعي السمهودي ت ٩١١ هـ في “جواهر العقدين”، والشيخ علي بن برهان الدين الحلبي ت ١٠٤٤ هـ في “إنسان العيون ص ١٦٥ ( علي وليد الكعبة / الأردوبادي: ١١٤). ، والشيخ مؤمن بن حسن مؤمن الشبلنجي، من أعلام القرن الثالث عشر في “نور الأبصار” (نور الأبصار / الشبلنجي: ٨٥).

٨ ـ عبدالرحمن الصفوري الشافعي ت ٨٩٤ هـ قال في “نزهة المجالس ج٢، ص: ٢٠٤ طبعة القاهرة”: رأيت في “الفصول المهمّة في معرفة أحوال الأئمّة” لأبي الحسن المالكي بمكّة شرفّها اللَّه، أنّ عليّاًرضى الله عنه ولدته أمّه بجوف الكعبة شرّفها اللَّه، وهي فضيلة خصّه اللَّه تعالى بها، ذلك أنّ فاطمة بنت أسد رضي اللَّه عنها أصابها شدّة الطلق، فأدخلها أبو طالب الكعبة، فطلقت طلقة، فولدته يوم الجمعة في رجب سنة ثلاثين من عام الفيل بعد تزوّج النبي صلى الله عليه وآله خديجة بثلاث سنين، وأمّا حكيم بن حزام فولدته أمّه في الكعبة اتّفاقاً لا قصداً (علي وليد الكعبة / الأردوبادي: ٤٠).

٩ ـ الشيخ علي بن برهان الدين الحلبي الشافعي ت ١٠٤٤ هـ في سيرته “إنسان العيون ص: ١٦٥” قال: إنّه عليه السلام ولد في الكعبة، وعمره – يعني عمر النبي صلى الله عليه وآله – ثلاثون سنة (علي وليد الكعبة / الأردوبادي: ٨٢-٨٣).

١٠ ـ العلامة محمود بن محمّد بن علي الشيخاني القادري الشافعي المدني، من أعلام القرن الحادي عشر في “الصراط السوي ص: ١٥٢ مخطوطة المكتبة الناصرية في لكهنو بالهند”. قال: لم يولد قبله ولا بعده مولود في بيت اللَّه الحرام سواه إكراماً له بذلك وإجلالاً لمحلّه في التعظيم (مجلّة تراثنا – العدد ٢٦ – ص: ١٦).

١١ ـ العلامة صفي الدين أحمد بن الفضل بن محمّد باكثير الحضرمي الشافعي، من أعلام القرن الحادي عشر، قال في “وسيلة المآل”: وكانت ولادته – يعني أمير المؤمنين عليه السلام – بالكعبة المشرّفة، وهو أوّل من ولد بها، بل لم يعلم أنّ غيره ولد بها (وسيلة المآل / ابن باكثير: ٢٨٢ مخطوطة المكتبة المرعشية مكتوبة سنة ١٢٨٠ هـ).

١٢ ـ المحدّث ولي اللَّه أحمد بن عبدالرحيم الدهلوي، الشهير بشاه ولي اللَّه ت ١١٧٩ ه، والد عبدالعزيز الدهلوي. قال في كتابه “إزالة الخفاء ج٢، ص: ٢٥١ طبعة الهند”: تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين عليّاًرضى الله عنه في جوف الكعبة، وأنّه ولد في يوم الجمعة ثالث عشر من شهر رجب بعد عام الفيل بثلاثين سنة في الكعبة، ولم يولد فيها أحدٌ سواه قبله ولا بعده (الغدير / الأميني ٢٢:٦، علي وليد الكعبة / الأردوبادي: ٢٢).

١٣ ـ العلّامة محمّد مبين بن محبّ اللَّه بن أحمد اللكهنوي الأنصاري الحنفي ت ١٢٢٥ ه، قال في “وسيلة النجاة ص: ٦٠ طبعة كلشن فيض لكهنو – الهند”: ولادة معدن الكرامة – يريد أمير المؤمنين عليه السلام – في جوف الكعبة، ولم يولد أحدٌ فيها غيره، وقد خصّه اللَّه تعالى بهذه الفضيلة، وشرّف الكعبة بهذا الشرف (مجلّة تراثنا – العدد ٢٦ ص: ٢١).

١٤ ـ شهاب الدين أبو الثناء السيد محمود الآلوسي ت ١٢٧٠ ه، في “سرح الخريدة الغيبية في شرح القصيدة العينية ص: ١٥”، والقصيدة العينية لعبد الباقي العمري، قال أبو الثناء عند قول الناظم:

أنت العليّ الذي فوق العُلى رُفعا ***** ببطن مكّة عند البيت إذ وُضِعا

في كون الأمير كرّم اللَّه وجهه ولد في البيت أمرٌ مشهور في الدنيا، وذكر في كتب الفريقين السُنّة والشيعة، الى أن قال: ولم يشتهر وضع غيره كرّم اللَّه وجهه كما اشتهر وضعه، بل لم تتّفق الكلمة عليه، وما أحرى بإمام الأئمّة أن يكون وضعه في ما هو قبلةٌ للمؤمنين، وسبحان من يضع الأشياء في مواضعها وهو أحكم الحاكمين (الغدير / الأميني٢٢:٦، علي عليه السلام وليد الكعبة / الأردوبادي: ٢٣).

١٥ ـ الشيخ محمد صديق خان الحسيني البخاري القنوجي ت ١٣٠٧ هـ قال في “تكريم المؤمنين بتقويم مناقب الخلفاء الراشدين ص: ٩٩ – طبعة الهند – سنة ١٣٠٧ هـ” عند ذكره ولادة أمير المؤمنين عليه السلام: ولادته في مكّة المكرّمة في جوف بيت اللَّه الحرام، ولم يولد أحدٌ غيره في هذا المكان المقدّس (مجلّة تراثنا – العدد ٢٦ – ص: ٢١).

من وحي الولادة في الشعر العربي

نظمّ كثير من الشعراء هذه المأثرة الجليلة وصاغوها في قالب الشعر منذ القرن الثاني وإلى اليوم، وفي ما يلي مختارات من الشعر الذي يثبت خصوصية ولادة أميرالمؤمنين عليه السلام في الكعبة:

١ ـ السيد الحميري، المتوفى سنة ١٧٩ هـ.

قال في ميلاد أمير المؤمنين عليه السلام:

وَلَدَتْهُ في حرم الإله وأمْنِهِ ***** والبيتُ حيث فِناؤه والمسجدُ

بيضاءُ طاهرةُ الثياب كريمةٌ ***** طابت وطاب وليدُها والمولدُ

في ليلةٍ غابت نُحوسُ نُجومها ***** وبَدَتْ مع القمر المنير الأسعُدُ

ما لُفّ في خِرقِ القوابل مثله ***** إلّا ابن آمنةَ النبيُّ محمّدُ

(المناقب / ابن شهر آشوب١٧٥:٢، روضة الواعظين / ابن الفتال: ٨١) .

٢ ـ محمد بن منصور السرخسي.

قال في ميلاده عليه السلام:

ولَدته منجبة وكان ولادها ***** في جوف كعبة أفضل الأكنانِ

وسقاه ريقته النبيّ ويا لها ***** من شربةٍ تُغني عن الألبانِ

حتّى ترعرع سيداً سنداً رضاً ***** أسداً شديدَ القلب غير جبانِ

عَبَد الإله مع النبيّ وإنّه ***** قد كان بعدُ يُعدّ في الصبيانِ

(المناقب / ابن شهر آشوب١٧٥:٢) .

٣ ـ أبو الحسن علاء الدين الشيخ علي بن الحسين الحلّي، المعروف بابن الشهفية، المتوفّى نحو سنة ٧٠٠ ه.

قال في غديرية طويلة:

أم هل ترى في العالمين بأسرهم ***** بشراً سواه ببيت مكّة يولدُ

في ليلة جبريل جاء بها مع ال ***** -ملأ المقدّس حوله يتعبّدُ

فلقد سما مجداً عليُّ كما علا ***** شرفاً به دون البقاع المسجدُ

(الغدير / الأميني٣٦٠:٦) .

٤ ـ السيد عبدالعزيز بن محمّد بن الحسن الحسيني السريجي الأوالي، المتوفّى نحو سنة ٧٥٠ ه.

قال من قصيدة في مدح أمير المؤمنين عليه السلام:

ولي بودّ أمير النحل حيدرة ***** شغلٌ عن اللهو والإطراب ألهاني

هاتِ الحديث سميري عن مناقبه ***** ودع حديث رُبى نجدٍ ونعمانِ

مَن غَيرُه بَطَن العلم الخفيّ ومن ***** سواه قال اسألوني قبل فقداني

من كان في حرم الرحمن مولده ***** وحاطه اللَّه من بأسٍ وعدوانِ

(الغدير / الأميني٢٠:٦-٢١) .

٥ ـ السيد حسين بن شمس الحسيني المعاصر للشيخ علي بن محمد بن يونس البياضي، المتوفى سنة ٨٧٧ ه.

قال من اُرجوزة في تواريخ الأئمّة المعصومين عليهم السلام:

ومولد الوصي أيضاً في الحرم ***** بكعبة اللَّه العليّ ذي الكرم

من بعد عام الفيل في الحساب ***** عشر وعشرين بلا ارتياب

(الصراط المستقيم / البياضي٢١٥:٢) .

٦ ـ المولى محمد طاهر بن محمّد حسين القمّي، المتوفّى سنة ١٠٩٨ه.

قال من قصيدة في مدح أمير المؤمنين عليه السلام:

قد ردّت الشمس للمولى أبي حسن ***** روحي فدا المرتضى ذي المعجز الجلل

طوبى له كان بيت اللَّه مولده ***** كمثل مولده ما كان للرسل

(الغدير / الأميني٣٢٠:١١) .

٧ ـ المحدّث الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي، المتوفّى سنة ١١٠٤ ه.

قال من اُرجوزة له في تواريخ المعصومين عليهم السلام:

مولده بمكّة قد عُرفا ***** في داخل الكعبة زيدت شرفا

وذاك في ثالث عشر من رجب ***** فقدره علا وحقّه وجب

على رُخامةٍ هناك حمرا ***** معروفة زادت بذاك قدرا

فيالها مزيّة عليّه ***** تخفض كلّ رُتبة عليّه

ما نالها قطّ نبيّ مرسل ***** ولا وصيّ آخرٌ وأوّل

أما سمعت قصّة ابن قعنب ***** ينطق عن مقصودنا بالعجب

وإنّه محقّق مشهور***** يثبته المدقّق النحرير

طوبى لمن أحبّه ووالى ***** ومن أطاعه يجازى فضلا

ويل لمن أبغضه ومن عصى ***** وذاك بعض ما به قد خصّصا

(علي عليه السلام وليد الكعبة / الأردوبادي: ٥٥-٥٦) .

٨ ـ المولى محمد مسيح المعروف بمسيحا الفسوي الشيرازي، المتوفّى سنة ١١٢٧ ه.

قال من قصيدة في مدح أمير المؤمنين عليه السلام:

هو الذي كان بيت اللَّه مولده ***** فطهّر البيت من أرجاس أوثانِ

هو الذي من رسول اللَّه كان له ***** مقام هارون من موسى بن عمرانِ

(الغدير / الأميني٣٧٠:١١، علي عليه السلام وليد الكعبة / الأردوبادي: ٨٨) .

٩ ـ السيد نصر اللَّه الحائري، الشهيد سنة ١١٥٤ ه.

قال من قصيدة علوية:

مَن شرّف البيت بميلاده ***** وحِجْرُهُ والحَجَرُ الأنورُ

وقد صفا عيش الصفا فيه وال ***** – مروة أضحت بالهنا تخطرُ

(علي عليه السلام وليد الكعبة / الأردوبادي: ٨٨) .

١٠ ـ الشيخ حسين نجف التبريزي النجفي، المتوفّى سنة ١٢٥٢ ه.

قال من قصيدته العلوية الكبيرة:

جعل اللَّه بيته لعليّ ***** مولداً يا له عُلاً لا يُضاهى

لم يشاركه في الولادة فيه ***** سيد الرسل لا ولا أنبياها

علم اللَّه شوقها لعليّ ***** علمه بالذي به من هواها

إذ تمنّت لقاءه وتمنّى ***** فأراها حبيبه ورآها

ما ادّعى مدّعٍ لذلك كلّا ***** من ترى في الورى يروم ادّعاها

فاكتست مكّة بذاك افتخاراً ***** وكذا المشعران بعد مناها

بل به الأرض قد علت إذ حوته ***** غدت أرضها مطاف سماها

(الغدير / الأميني٢٩:٦) .

١١ ـ الشيخ صالح بن درويش التميمي الكاظمي ت١٢٦١ه.

قال في همزيته التي عارض بها همزية البوصيري:

غايةُ المدحِ في عُلاك ابتداءُ ***** ليتَ شِعري ما تصْنَعُ الشعراءُ

لم تَلِد هاشميّةٌ هاشمياً ***** كعليّ وكُلّهم نُجباءُ

وضعتهُ ببطن أول بيتٍ ***** ذاك بيتٌ بفخره الاكتفاءُ

(أعيان الشيعة ٦٣: ٣٦ طبعة ثانية عام ١٣٨٠ه وما بعدها) .

١٢ ـ الشيخ حسين بن محمّد بن علي الفتوني الهمداني، من أعلام القرن الثالث عشر.

قال في اُرجوزته المسمّاة بالدوحة المهدية، التي فرغ منها سنة ١٢٧٨ ه.

وفي ضُحى الجمعة قد تولّدا ***** مطهراً مكرّماً مسدّدا

وكان ذا في كعبة الرحمن ***** لسبعة خلون من شعبان

وقد روي أنّ الإمام المنتجب ***** مولده ثالث عشر من رجب

مولده بعد ثلاثين سنه ***** من مولد النبيّ يقفو سننه

(علي عليه السلام وليد الكعبة / الأردوبادي: ٨٩) .

١٣ ـ الشيخ محمد الصالح، المولد سنة ١٢٩٧ ه.

قال من قصيدةٍ علوية:

بالبيت قد وضعته فاطمةٌ ***** رفعاً له قد شُرّفت وضعا

للَّه أُمّ أرضعت أسداً ***** رضع النبيّ علومه رضعا

تاللَّه لو كُشف الغطاء رأت ***** نوراً ومُلْتَقِماً لها ضَرْعا

(الغدير / الأميني ٩٤:٦) .

١٤ ـ الميرزا إسماعيل الشيرازي، المتوفّى سنة ١٣٠٥ه.

قال في موشّحته بمناسبة المولد المقدّس:

حبّذا آناء أُنسٍ أقبلت ***** أدركت نفسي بها ما أمّلت

وضعت أمّ العُلى ما حملت ***** طاب أصلاً وتعالى محتدا

مالكاً ثقل ولاء الأمم ***** آنست نفسي من الكعبة نور***

مثلما آنس موسى نار طور ***** يوم غشّى الملأ الأعلى سرور

قرع السمع نداءٌ كندا ***** شاطئ الوادي طوى من حرمٍ

ولدت شمس الضحى بدر التمام ***** فانجلت عنّا دياجير الظلام

زاد يا بشراكُم هذا غلام ***** وجهه فلقة بدرٍ يهتدى

بسنا أنواره في الظلم ***** هذه فاطمة بنت أسد

أقبلت تحمل لاهوت الأبد ***** فاسجدوا ذُلّاً له في من سجد

فله الأملاك خرّت سُجّدا ***** إذ تجلّى نوره في آدم

سيّدٌ فاق عُلاً كلّ الأنام ***** كان إذ لا كائنٌ وهو إمام

شرف اللَّه به البيت الحرام ***** حين أضحى لعلاه مولدا

فوطا تربته بالقدم

(الغدير / الأميني ٢٩:٦-٣٢) .

١٥ ـ السيد مصطفى بن الحسين الكاشاني النجفي، المتوفّى سنة ١٣٣٦.

قال من قصيدة يمدح بها أمير المؤمنين عليه السلام:

أنت شرّفت زمزماً والمصلّى***** بل وركن الحطيم والمستجارا

حازت الكعبة التي خارها اللـ ***** ـه بميلادك السعيد فَخَارا

(علي عليه السلام وليد الكعبة / الأردوبادي: ٩٣) .

١٦ ـ عبدالمسيح الأنطاكي, المتوفّى سنة ١٣٤١ه.

قال في قصيدته العلوية التي تربو على خمسة آلاف بيت:

في رحبة الكعبة الزهرا قد انبثقت ***** أنوار طفلٍ وضاءت في مغانيها

واستبشر الناس في زاهي ولادته ***** قالوا السعود له لابدّ لاقيها

قالوا ابن من فأُجيبوا إنّه ولد ***** من نسل هاشم من أسمى ذراريها

هنّوا أبا طالب الجواد والده ***** والأُمّ فاطمة هبّوا نهنّيها

إنّ الرضيع الذي شام الضياء ببي ***** -ت اللَّه عزّته لا عزّ يحكيها

أمّا الوليد فلاقى الأرض مبتسماً ***** فما رغا رهباً ما كان خاشيها

(علي عليه السلام وليد الكعبة / الأردوبادي: ٧٩-٨٠) .

١٧ ـ السيد رضا الهندي، المتوفّى سنة ١٣٦٢ ه.

قال في مدح أمير المؤمنين عليه السلام:

لمّا دعاك اللَّه قدماً لأن ***** تولد في البيت فلبّيته

شكرته بين قريش بأن ***** طهّرت من أصنامهم بيته

(ديوان السيد رضا الهندي: ٢٥) .

١٨ ـ السيد حسن بن محمود الأمين، المتوفّى سنة ١٣٦٨ه.

قال من قصيدة بائية طويلة:

وُلِدتَ في البيت بيت اللَّه فارتفعت ***** أركانه بك فوق السبعة الحُجبِ

وتلك منزلةٌ لم يؤتها بشرٌ ***** بلى ومرتبة طالت على الرُّتبِ

(أعيان الشيعة٢٨٥:٥) .

١٩ ـ السيد محسن الأمين العاملي، المتوفّى سنة ١٣٧١ ه.

قال في مقصورته العلوية:

لك يا أمير المؤمنين مناقبٌ ***** ظهرت ظهورالشمس في وقت الضُّحى

مشهورة لا يستطاع جحودها ***** فالناس مذعنةٌ بها حتى العدى

نصّ الغدير كفاك فضلاً إنّه ***** لك في الرقاب جميعها عقد الولا

هي من فضائلك العظيم الشأن إح ***** -داها إلى أمثالها الفضل انتهى

وولدت في البيت الحرام ولم يكن ***** هذا لغيرك من يكون ومن مضى

يكفيك ما قد جاء في التطهير أو***** في “قُلْ تَعالَوْا” أو أتى في “هَلْ أتى”

(علي عليه السلام وليد الكعبة / الأردوبادي: ١٠٤-١٠٥) .

وله أيضاً:

من خصّ مولده في بيته شرفاً ***** للبيت يوم أقام البيت بانيه

لذاك قبلة من صلّى لخالقه ***** غدا ومقصد من للحجّ يأتيه

٢٠ ـ الأستاذ جعفر النقدي، المتوفّى سنة ١٣٧٢ ه.

قال في قصيدةٍ يمدح بها أمير المؤمنين عليه السلام:

لا تعجبوا إذ أتى في البيت مولده ***** فليس ذلك من علياه بالعجب

لأنّ فوق الثرى من أجله رُفع الب ***** يتُ العتيقُ وفيهِ خُصّ بالرُّتبِ

وله أيضاً:

زهرت به أكناف مكّة منذ غدا ***** ميلاده في البيت ذي الأستارِ

ما البيت شرّفه ولكن شرّف الـ ***** ـبيتُ الحرام بساطع الأنوارِ

وله أيضاً:

من خصّ مولده في بيته شرفاً ***** للبيت يوم أقام البيت بانيه

لذاك قبلة من صلّى لخالقه ***** غدا ومقصد من للحجّ يأتيه

(علي عليه السلام وليد الكعبة: ١٠٣) .

٢١ ـ السيد علي نقي النقوي الهندي، المتوفّى نحو سنة ١٣٨٠ ه.

قال في موشّحة بمناسبة ميلاد أمير المؤمنين عليه السلام:

من بدا فازدهر البيت الحرام ***** وزهت منه ليالي رجب

طرب الكون لبشرٍ وهَنَا ***** إذ بدا الفخر بنورٍ وسنا

وأَتَى الوحي ينادي معلنا ***** قد أتاكم حجّة اللَّه الإمام

وأبو الغرّ الهداة النجب ***** خصّه الرحمن بالفضل الصراح

ومزايا أشرقت غُرّاً وضاح ***** وسما منزله هام الضراح

فغدا مولده خير مقام ***** طأطأت فيه رؤوس الشُّهب

إنّه أوّل بيت وضعا ***** للورى طُرّاً فأضحوا خُضّعا

وعلى الحاضر والبادي معا ***** حجّة أصبح فرضاً ولزام

طاعة تتّبع أقصى القرب ***** وهو في القبلة في كلّ صلاة

وملاذ ترتجى فيه النجاة  ***** وقد استخلصه اللَّه حماة

فلئن يأت إليه مستهام ***** في ملمّ داعياً يستجبِ

تلكم فاطمة بنت أسد ***** أمّت البيت بكرب وكمد

ودعت خالقها الباري الصمد ***** بحشاً فيه من الوجد الضرام

قد علّته قبسات اللهب ***** نادت اللهمّ ربّ العالمين

قاضي الحاجات للمستصرخين ***** كاشف الضّر مجيب السائلين

إنّني جئتك من دون الأنام ***** أبتغي عندك كشف الكرب

بينما كانت تناجي ربّها ***** وإلى الرحمن تشكو كربها

وإذا بالبشر غشّى قلبها ***** من جدار البيت إذ لاح ابتسام

عن سنا ثغرٍ له ذي شنب

((الشَّنب: جمال الثغر وصفاء الأسنان)) .

دخلت فاطم فارتدّ الجدار***** مثلما كان ولم يكشف ستار

إذ تجلّي النور وانجاب الشرار***** عن سنا بدرٍ به يجلو الظلام

والورى تنجو به من عطب ***** لم يكن في البيت مولودٌ سواه

إذ تعالى عن مثيلٍ في علاه ***** أوتي العلم بتعليم الإله

فغذاه درّه قبل الفطام ***** يرتوي منه بأهنا مشرب

آية اللَّه علي المرتضى***** لم يزل للدين سيفاً منتضى

حكمهُ جارٍ وعدلٌ ما قضى ***** رشد الناس الى دار السلام

كلّهم من عجمٍ أو عرب

(الغدير / الأميني٣٣:٦-٣٥، شعراء الغري / اليعقوبي٤٣٦:٦-٤٣٨) .

وله من قصيدة أُخرى ميلادية يباري بها قصيدة إيليا أبي ماضي:

طرب الكون من البشر وقد عمّ السرور***** وغدا القمريّ يشدو في ابتسام للزهور

وتهانت ساجعاتٍ في ذرى الأيك الطيور***** لم ذا البشر وما هذي التهاني؟

لست أدري

أشرقت طلعة نور عمّت الكون ضياءا ***** لا أرى بدراً على الأفُق ولم أبصر ذُكاءا

وتفحّصت فلم أدرك هناك الكهرباءا ***** فبماذا ضاء هذا الكون نورا؟

لست أدري

قمت أستكشف عنه سائلاً هذا وذاك ***** فرأيت الكلّ مثلي في اضطراب وارتباك

وإذا الآراء طُرّاً في اصطدامٍ واصطكاك ***** وأخيراً عمّها العجز فقالت:

لست أدري

وإذا نبّهني عاطفة الحبّ الدفين***** وتظيَّنْتُ وظن الألمعي عين اليقين

أنّه ميلاد مولانا أمير المؤمنين***** فدع الجاهل والقول بأنّي

لست أدري

لم يكن في كعبة الرحمن مولود سواه ***** إذ تعالى في البرايا عن مثيل في علاه

وتولّى ذكره في محكم الذكر الإله ***** أيقول الغِرّ فيه بعد هذا:

لست أدري

(الغدير / الأميني٣٥:٦-٣٧، شعراء الغري اليعقوبي٤٣٨:٦-٤٤١ ) .

٢٢ ـ الشيخ محمّد علي الأردوبادي، المتوفّى سنة ١٣٨٠ه.

قال من قصيدة في مدح أمير المؤمنين عليه السلام:

لقد شرف البيت في مولد ***** زهت بسناه عراص النجف

بنفس الرسول وزوج البتول ***** وأصل العقول ومعنى الشرف

وباب مدينة علم النبي***** وصارم دعوته والخلف

وجاء مطهّر بيت الإله ***** فعن مجده كلّ رجسٍ قذف

أزاح عن البيت أوثانهم ***** وأزهق من عَن هُداه صدف

وكان الخليلُ له رافعاً ***** قواعده فلّه ما رصف

فليس من البدع أن اُسدلت ***** على شبله منه تلك السجف

(علي عليه السلام وليد الكعبة / الأردوبادي: ١٠٥) .

وله أيضاً:

سبق الكرام فهاهمُ لم يلحقوا ***** في حلبة العلياء شأو كُمَيْتِهِ

إذ خصّه المولى بفضل باهر***** فيه يميّزْ حيّه من مَيْتِهِ

لم يتّخذ ولداً وما أن يتّخذ ***** إلّا وكان ولاده في بَيْتِهِ

في البيت مولده يحقّق أنّه ***** دون الأنام ذُبالة في زيته

(الغدير / الأميني٣٣:٦) .

وله أيضاً:

وليس ولادهُ في البيت بدعاً ***** فإبراهيم شاد له دعامه

وهذا البيت بيت أبيه قدماً ***** وفاطمة به وضعت غُلامه

(علي عليه السلام وليد الكعبة / الأردوبادي: ٩٤) .

٢٣ ـ الشاعر المسيحي بولس سلامة :

قال في ملحمته التاريخيّة الكبرى المسمّاة “عيد الغدير”:

سمع الليل في الظلام المديد ***** همسة مثل أنّة المفؤودِ

من خفيّ الآلام والكبت فيها ***** ومن البشر والرجاء السعيدِ

حرّة لزّها المخاض فلاذت ***** بستار البيت العتيق الوطيدِ

كعبة اللَّه في الشدائد تُرجى ***** فهي جسر العبيد للمعبودِ

صبرت فاطِمُ على الضيم حتى***** لهث الليل لهثة المكدودِ

وإذا نجمةٌ من الاُفق خفّت ***** تطعن الليل بالشعاع الحديدِ

وتدانت من الحطيم وقرّت ***** وتدلّت تدلّي العنقودِ

تسكب الضوء في الأثير دَفيقاً ***** فعلى الأرض وابل من سعودِ

كان فجران ذلك اليوم فجرٌ***** لنهارٍ وآخرٌ للوليدِ

(الغدير / الأميني٣٧:٦-٣٨، علي عليه السلام وليد الكعبة / الأردوبادي: ١٠٥-١٠٦) .

وبعد عرض كلّ هذه الأرقام تبيّن لنا اتّفاق علماء المسلمين بمن فيهم المحدّثون والمؤرّخون المتقدّمون والمتأخرون على ولادة أمير المؤمنين عليه السلام في البيت العتيق، وليس ذلك من مزاعم الشيعة وحدهم، ولا هو ضعيف عند العلماء والمحدّثين، على ما ذكره أصحاب الاتّجاه الثاني في ما قدّمناه.

وآخر دعوانا أن الحمد للَّه ربّ العالمين ..

المصدر: http://arabic.balaghah.net

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى