نور العترة

السيرة الأخلاقيّة العمليّة لأهل البيت عليهم السلام : الإمام الحسين عليه السلام

كان قمّةً في حُسن الأخلاق ، وطيب المعاشرة ، والجود والكرم ، والسجايا العظيمة.

من ذلك علوّ همّته ، وعالي كرامته ، وشرافة طبعه في إحسانه وإشفاقه حتّى على أعدائه ، ومن استعدّ لقتاله.

كما تلاحظ أخلاقه الكريمة مع الحرّ بن يزيد الرياحي وأصحابه في طريق العراق.

حيث جاؤوا في حرّ الظهيرة ، ووصلوا إلى منطقة ذي حسم عطاشىٰ ، وهم زهاء ألف فارس.

وقد كان الإمام الحسين عليه السلام قد أمر فتيانه بالاستقاء من الماء ، والإكثار منه من سَحَر ذلك اليوم في منزل شراف.

فقال الإمام الحسين عليه‌السلام : اسقوا القوم ، وارووهم من الماء ، ورشفوا الخيل ترشيفاً (۱).

بالرغم من علمه صلوات الله عليه بأنّهم قتلته ، وأنّهم لا يسقونه قطرةً من الماء.

لكن مع ذلك حنَّ إليهم في ذلك الصحراء الذي كان وادياً غير ذي زرع ، فأنقذهم من الظمأ ، وأرواهم من العطش ، حتّى أروىٰ خيلهم.

فقد أقبل فتيةُ الإمام الحسين عليه السلام يملؤون القصاع والطساس من الماء ، ثمّ يدنونها من الفرس ، فإذا عبّ فيها ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً عزلت عنه ، حتّى سقوا خيلهم كلّها.

قال علي بن طعان المحاربي : كنت مع الحرّ يومئذٍ ، وجئته في آخر من جاء من أصحاب الحرّ ، فلمّا رأى الحسين عليه السلام ما بي وبفرسي من العطش قال : أنخ الراوية ، والراوية عندي السقاء ، وفي لغة الحجاز الجمل .

ثمّ قال عليه السلام : أنخ الجمل ، فأنخته.

فقال عليه السلام : ياابن أخي اشرب ، فجعلت كلّما أشرف سال الماء من السقاء. فقال الحسين عليه السلام : إخنث السقاء أي اعطفه.

فلم أدرِ كيف أفعل ، فقام هو عليه السلام فخنثه ، فشربت حتّى ارتويت وسقيت فرسي (۲).

ومن معالي سجاياه عطيّته الكريمة للأعرابي مع استحياءه منه ، فقد وَفَدَ أعرابيّ إلى المدينة ، فسأل عن أكرم الناس بها ، فدُلّ على الحسين عليه السلام ، فدخل المسجد فوجده مصلّيّاً فوقف بإزاء وأنشأ : ـ

لم يخب الآن من رجالك ومن حرّكَ من دون بابك الحَلَقة
أنت جوادٌ وأنت معتمدٌ أبوك قد كان قاتلَ الفسقة
لولا الذي كان من أوائلِكم كانت علينا الجحيمُ منطبقة

فسلّم الحسين عليه السلام وقال : يا قنبر هل بقي من مال الحجاز شيء ؟

قال : نعم أربعة آلاف دينار ، فقال : هاتِها ، قد جاء من هو أحقُّ بها منّا ، ثمّ نزع بُرده ولفّ الدنانير فيها ، وأخرج يده من شقِّ الباب حياءً من الأعرابيّ وأنشأ : ـ

خُذها فإنّي إليك معتذرٌ واعلم بأنّي ذو شفقة
لو كان في سيرنا الغَداة عصاً أمسَت سمانا عليك مندفقة
لكنّ ريبَ الزمان ذو غِيَرٍ والكفّ منّي قليلةُ النفقة

فأخذها الأعرابي وبكىٰ ، فقال عليه السلام له : لعلّك استقللت ما أعطيناك ، قال : لا ولكن كيف يأكل التراب وجودَك (۳).

الهوامش

۱. الترشيف : هو الاستقصاء في الشرب حتّى لا يبقى شيء من الماء ، وترشيف الخيل سقيها وإمهالها حتّى ترتوي كاملاً ، لأنّها تشرب الماء بدفعات لا دفعة واحدة.

۲. معالي السبطين / ص ۱٦٦.

۳. بحار الأنوار / ج ٤٤ / ص ۱۹۰ .

مقتبس من كتاب : [ أخلاق أهل البيت عليهم السلام ] / الصفحة : ٦۱ ـ ٦۳

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى