روايات أهل البيت(ع)

الخلافة…

نص الشبهة: 

تزعم الشيعة: أن أبا بكر وعمر اغتصبا الخلافة من علي وتآمرا عليه لكي يمنعوه منها ..الخ افترائهم.

نقول: لو كان ما ذكرتموه حقاً فما الذي دعا عمر إلى إدخاله في الشورى مع من أدخله فيها؟ ولو أخرجه منها كما أخرج سعيد بن زيد، أو قصد إلى رجل غيره فولاه ما اعترض عليه أحد في ذلك بكلمة؟! فصح ضرورة بما ذكرنا أن القوم أنزلوه منزلته غير غالين ولا مقصرين، «رضي الله عنهم أجمعين»، وأنهم قدموا الأحق فالأحق، والأفضل فالأفضل، وساووه بنظرائه منهم. ويؤكد هذا: البرهان التالي؛ وهو: أن علياً «رضي الله عنه» لما تولى بعد قتل عثمان «رضي الله عنه» سارعت طوائف المهاجرين والأنصار إلى بيعته، فهل ذكر أحد من الناس أن أحداً منهم اعتذر إليه مما سلف من بيعتهم لأبي بكر وعمر وعثمان؟! أو هل تاب أحد منهم من جحده للنص على إمامته؟! أو قال أحد منهم: لقد ذكرت هذا النص الذي كنت أنسيته في أمر علي؟!

الجواب: 

بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
وبعد..
فإننا نجيب بما يلي:
أولاً: إذا كان ما ذكر من غصب أبي بكر وعمر وعثمان الخلافة من علي «عليه السلام» افتراءً، فلا شك في أنه لم يأت من قبل الشيعة، لأن الشيعة وجدوه في كتب أهل السنة بالتحديد، فلماذا ينسب السائل ذلك إلى الشيعة، ويعتبره افتراءً منهم؟!
وإن أحب السائل أن نذكر له شطراً من المصادر غير الشيعية، فعلنا.. ولكننا نحيله على المؤلفات التي تعرضت لهذا الأمر، وذكرت مصادره، وننصحه بمراجعتها، ليقف على صدق ما نقول.. ومن هذه المؤلفات: الغدير للعلامة الأميني، ولا بأس بمراجعة كتاب مأساة الزهراء «عليها السلام» شبهات وردود.
ثانياً: إن إشراك عمر لعلي «عليه السلام» في الشورى لم يكن تفضلاً منه، بل اضطر إلى إشراكه، لأنه لم يكن في الأمة من هو مثل علي «عليه السلام»، لكي يفوض عمر إليه الأمر.. فكان لا بد له من تدبير الأمر بطريقة تمنع من المواجهة مع الناس ومع علي «عليه السلام»، وتفضي إلى إبعاده، فاختار الشورى التي دبرت بنحو لا يصل علي «عليه السلام» من خلالها إلى الخلافة من جهة، ولا يستطيع مقاومتها من جهة أخرى. وهذا ما حصل بالفعل..
ومن جهة أخرى، فإن عمر كان يعلم: أن كثيراً من الناس لا يرضون بشورى ليس فيها علي «عليه السلام».
ولم يكن يمكن لعلي «عليه السلام» أن يمتنع عن الدخول في الشورى، لأن ذلك هو غاية ما يتمناه الطامعون بالخلافة، حيث تصبح لقمة سائغة لهم، ولا يستطيع ـ بسبب اعتزاله ـ أن يعترض ويبين الحق، أو أن يطالب بشيء بعدها..
وقد ضمن عمر أن تصل الأمور إلى النتيجة التي يتوخاها، وهي إبعاد علي «عليه السلام» حين جعل حسم الأمر بيد عبد الرحمان بن عوف، الذي كان يعرف كيف يحقق مرام عمر.. وهذا ما حصل بالفعل..
ثالثاً: لا يصح قياس سعيد بن زيد ولا غيره بعلي «عليه السلام»، الذي لا يجهل أحد موقعه من هذا الدين.. فتجاهل سعيد بن زيد ليس له أية سلبية، بخلاف تجاهل علي «عليه السلام»، وعلي هو القائل عن أصحاب الشورى:
«متى اعترض الريب فيَّ مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر» 1.
رابعاً: لا يستطيع عمر أن يولي أحداً ابتداءً، ويترك علياً «عليه السلام».. لعدم وجود شخص يستطيع أن يواجه علياً «عليه السلام».. وسيرى الناس كلهم: أنه لا مبرر لتصرف كهذا، وسيدفعهم ذلك إلى الكون في صف علي «عليه السلام»، وسيلبون أي نداء يطلقه إليهم، وسيرونه محقاً في ذلك.. ولن تبلغ الأمور إلى الحد الذي بلغته حين استولى أبو بكر الأمر.
خامساً: قول السائل: «إن القوم أنزلوه منزلته، وساووه بنظرائه» لا يمكن قبوله، لأن أصحاب الشورى لم يكونوا نظراء لعلي «عليه السلام»، وقد أبطل علي نفسه ذلك بقوله: «متى اعترض الريب فيَّ مع الأول منهم، حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر» ؟! 2.
وقد تمنى عمر أن تكون له واحدة من ثلاث كانت لعلي «عليه السلام»:
إحداها: أنه زوجه ابنته، وولدت له.
والأخرى: سد الأبواب إلا بابه في المسجد.
والثالثة: أنه أعطاه الراية يوم خيبر 3.
سادساً: قول السائل: إن القوم: «قدموا الأحق فالأحق، والأفضل فالأفضل» غير مقبول أيضاً، وذلك لسببين:
ألف: لأن الأحقية لا يحددها الناس، بل الله تعالى هو الذي يعطي هذا الحق لمن يعلم أنه الأفضل..
ب: إن الحديث عن الحق والأحقية لا ينسجم مع عقائد أهل السنة، لأنهم يرون أن الحق ينشأ من البيعة والإختيار، فكيف تكون البيعة ويكون الإختيار مبنيين على ثبوت الحق، والأحقية ؟!
ويتضح ما قلناه بصورة أتم: إذا رجعنا إلى ما يقوله معتزلة بغداد، من أن علياً «عليه السلام» كان هو الأفضل، ولكن الله قدم المفضول عليه، وهو أبو بكر..
كما أن ابن أبي الحديد المعتزلي في خطبته في أول شرحه لنهج البلاغة: قد حمد لله على أن «قدم المفضول على الفاضل لحكمة اقتضاها التكليف» 4.
وقد وقع المعتزلي هنا في تناقض ظاهر، فإنه يرى: أن الإمامة بالإختيار لا بالنص، ثم ينسب تقديم أبي بكر على علي «عليه السلام» إلى الله سبحانه، ويحمده على هذا التقديم.. مع أن الله لم يكن هو الذي فعل ذلك، ولا سيما على القول بالتفويض الإلهي الذي يذهب إليه المعتزلة..
سابعاً: بالنسبة لاعتذار الناس لعلي «عليه السلام» عن بيعتهم لأبي بكر، نقول:
ألف: إن عدم الوجدان لا يدلُّ على عدم الوجود.
ب: إن عدم اعتذارهم لا يدلُّ على عدم خطأهم فيما فعلوه، لأن عدم الإعتذار قد يكون لأجل أنهم اعتبروا أن رجوعهم إليه، وإصرارهم عليه بقبول الخلافة والبيعة كاف في التكفير عن خطيئتهم.
ج: لعل أكثر الناس كانوا لا يحتاجون إلى الإعتذار، لأنهم انساقوا إلى بيعة أبي بكر حباً بالسلامة، وخوفاً من العقاب، بعد أن رأوا بأم أعينهم ما جرى لمالك بن نويرة وأصحابه، وما جرى على الزهراء، وعلى علي «عليهما السلام» وغير ذلك، فكانوا يرون أنفسهم معذروين في بيعتهم لغير علي «عليه السلام».
أما القلة القليلة الباقية، فإما ماتوا، وإما كانوا من المتآمرين عليه، المضمرين للغدر به، ويعملون على هدم حكمه، وتقويض سلطانه.. كما أظهرته الحروب اللاحقة.
وهناك أمور أخرى يمكن الوقوف عندها في الإجابة على هذا السؤال آثرنا صرف النظر عنها لكي لا يساء فهم ما نرمي إليه..
د: وبعد.. فليس لأحد أن يزعم أن علياً عليه السلام قد وافق على مبدأ الشورى، لأننا نجيبه بأن علياً عليه السلام لم يعترف بأن الله ورسوله قد وضعا مبدأ الشورى لتكون هي الوسيلة لتعيين الحاكم.. بل قد تعامل مع ما فرضه الحاكم الممسك بزمام الأمور عليه..
ولو كانت الشورى هي المبدأ في إختيار الحاكم لكان لنا أن نسأل عن مبرر حكومة عمر نفسه، فإنه لم تكن بالشورى، والكلام في هذا الموضوع طويل.. وله موضع آخر.
والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله.. 5.

  • 1. نهج البلاغة، الخطبة الشقشقية.
  • 2. نفس المصدر السابق.
  • 3. راجع: مسند أحمد ج2 ص26 والمستدرك للحاكم ج3 ص125 ومجمع الزوائد ج9 ص120 والصواعق المحرقة الفصل3 باب9 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص37 والمصنف لابن أبي شيبة ج7 ص500 ومسند أبي يعلى ج9 ص453 ونظم درر السمطين ص129 والعمدة لابن البطريق ص176 وفتح الباري ج7 ص13 وبحار الأنوار ج39 ص28 و 31 وكتاب الأربعين ص445 والمراجعات ص218 والسقيفة للمظفر ص64.
    وراجع: الغدير ج3 ص203 وج10 ص68 وتحفة الأحوذي ج10 ص139 والقول المسدد ص33 وراجع: وذخائر العقبى ص77 وكنز العمال ج13 ص110 وتفسير جوامع الجامع ج3 ص525 وج9 ص417 وخصائص الوحي المبين ص164 وتفسير الثعلبي ج9 ص262 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص121 و 122 والمناقب للخوارزمي ص277 و 332 ومطالب السؤول ص174 وكشف الغمة ج1 ص338 ونهج الإيمان ص442 وجواهر المطالب لابن الدمشقي ج1 ص187 وينابيع المودة ج2 ص170.
  • 4. راجع شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج1 ص3.
  • 5. ميزان الحق.. (شبهات.. وردود)، السيد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، 1431 هـ. ـ 2010 م.، الجزء الثاني، السؤال رقم (82).
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى