الجهاد و الشهادةسيرة أهل البيت (ع)مقالاتمناسباتمنوعات

الإخبار باستشهاد الحسين (عليه السلام)‏

من جملة معجزات النبي المصطفى‏ المهمة هي اخباراته و تنبؤاته عن المستقبل و احداثه، و التي حفظتها لنا الاسناد و الوثائق التاريخية المعتبرة، و ان من له إطلاع على‏ تاريخ الإسلام سوف لن يتردد أو يشكك في تلك الاخبارات، ذلك أنها قد تحققت بحذافيرها. و في زمننا المعاصر، و بسبب سيطرة الافكار المادية على‏ الناس، و ضعف الارتباط بعوالم الغيب، و التشكيك بعالم الحقائق و كثرة الاهتمام بالظواهر و التجمُّلات و الانغماس بالملذات في الماكل و الملبس و المشرب، قلَّ التأمل و التفكير في هذه العوالم و الحقائق، و ان اكبر ما يشغل بال البشرية الماديّة هو الاكل و الشرب و اللباس و الالتذاذ الجنسي، و من أجل هذه التوافه تراهم يُشعلون الحروب و يُجَيِّشُون الجيوش، و يرتكبون المجازر الجماعية و يقترفون آلاف المظالم و الجنايات للوصول الى‏ غايتهم تلك.
فالبشرية اليوم تعتبر كل الامور مقدمات لهذه المتطلبات المادية الثلاث، و اذا نادت- كذبا او صدقا بالحريات و الاستقلال و السياسة و العدالة و القانون و المساواة و رعاية الحقوق و حبّ الوطن و نشر العلم و الثقافة و تأسيس الجامعات و الكليّات و المعاهد و المصانع و الشركات و مكافحّة الرجعية و الدعوة الى‏ التقدمية و… الخ فكل ذلك انما هو للوصول الى‏ تلك المطالب الثلاثة، المأكل و الملبس و الجنس و سدِّ حاجتها منها. و من هنا نجد أن الانسان لن يصل الى‏ الاستغناء أبداً، بل تزداد رغباته و احتياجاته يوماً بعد آخر.
إن الاكل و الشرب و الالتذاذ الجنسي امرٌ مشترك بين كل البشر و كل الحيوانات و لكنه ليس قدراً مشتركاً جامعاً للبشرية حول محور واحد يمنعها من التجاوز على‏ بعضها البعض، و لا يمكنه ان يُخمدُ نيران الحرص و الطمع التي تسعر اوارها في نفس البشرية. و هذا القدر المشترك لا يثني احداً من الناس عن التفكير بالاكثار من الاسترباح باي وسيلة كانت حتى‏ بغصب حقوق الآخرين و نهب اموالهم.
و لسنا في هذا المقام بصدد بيان مضار و عواقب المدنيّة المجرّدة عن الإنسانية و أنها لا تتناسب مع شأن و مقام الإنسان و الهدف من خلقه، و أنها عاجزة عن حلِّ مشاكل البشرية، فان كل ذلك يحتاج الى‏ بحث مفصل، و انما غرضنا الحالي هو أن نبيّن ان البشر اليوم قد غرق في مستنقع الماديات، يسبحُ من اجل التمتع بالحظوظ الحيوانية، و انه يتخبط في الظلمات الى‏ درجة الغفلة عن انوار الحقائق و مصابيح عوالم ماوراء المادة، و إذا كان بعض الناس يرون بصيصاً ضعيفاً لتلك الانوار و الحقائق فان انشغالهم بامور الدنيا يؤدي بهم الى‏ نسيان مصدر ذلك النور و جهته فَيبقَوْنَ تائهين في ظلماتٍ و ظلمات.
إنَّ إدراك و فهم الانسان المعاصر، راقٍ الى‏ درجة أنه و على‏ الرغم من إنغماسه بالمادة و الامور الدنيوية و على‏ الرغم من إنَّ زخارف الدنيا تبهر نظره، تترشح منه أحياناً حقائق كبيرة، الا انَّ الماديات و قواه الحيوانية و نزعاته الهامشية تطغى‏ عليه فتغطي تلك الافرازات الفكرية و تحجبها فلا تعُدُّ مؤثرة في حياته و لا تقدر على‏ تمزيق تلك الستائر السميكة التي نسجتها دوافعه المادية.
فاذا لم تكن تلك الحُجُب و الستائر الغليظة، و اذا كان الناس اليوم يستغلّون تلك الملكات الاخلاقية العالية، و اذا كان هناك منهج و اطروحة اخلاقية صحيحة، لتعاضدت النهضة الصناعية مع المنهج الاخلاقي المعنوي الصحيح و تمكنامن صناعة دنيا آمنة سعيدةً مستقرةً هادئة.
و لكي يقبل الإنسان المعاصر مناهج الانبياء الاصلاحية فكرياً و مادياً عليه أن يطالع بدقّة حياة الانبياء و سيرتهم ليقف على‏ بعض المواقف التي تعتبر أدلة إطمئنان معقولة للهداية و الفلاح.
و تاريخ الأنبياء الماضين و إنْ لم تكن جزئياته بل و حتى‏ بعض الخطوط العامة له، مضبوطة و مدونة و محفوظة و إنْ بقى منها شي فانه قابل للنقاش، و لكن تاريخ نبينا الاكرم محمد (صلى الله عليه و آله) و ائمة الهدى‏ أوصياؤه و تلامذته، بقي واضحاً محفوظاً مسنداً بالوثائق و المدارك المعتبرة الصادقة، مما يُمكِّنُ المحققين و العلماء من الوصول الى‏ حقائق قيمة فيما يرتبط بالنبوة و الوحي و فلسفة بعث الانبياء.
فاحوال و اخلاق النبي الاكرم محمد (صلى الله عليه و آله) و حروبه و صُلحه و سائر ملامح حياته الشريفة، و تاريخ حياة والديه و اجداده و جدّاته و اقاربه و قومه و قبيلته و أصحابه، كلها محفوظة مدونة و معلومة مسندة، و إنَّ بعضها يُعدُّ فوق المعتبر من جهة القيمة السندية، اذ أنّه مقترنٌ بشواهد و قرائن توجب اليقين عندنا الى‏ درجة الاحساس بمعاصرة ذلك الزمن و العيش فيه، و بعضها قد وصل الينا عن طريق أسانيد متواترة كثيرة جداً الى‏ حدِّ الاطمئنان.
و من جملة الامور التي تفرض علينا القبول و الاطمئنان هو ما يرتبط بموضوعنا و هو الاخبار عن المستقبل و التنبؤ باحداثٍ تحققت بلا زيادة و لا نقصان، و هو ما يسمى‏ بالإخبارات الغيبية.
فكل من طالع تاريخ الإسلام، لن يشكّ أبداً بأنَّ الرسول الاعظم (صلى الله عليه و آله) قد أخبر عن احداث و وقائع مستقبلية، قد حدث قسم منها في فترة حياته و تحقق قسم منها بعد التحافه بالرفيق الاعلى‏ كما أخبر، و إنَّ مثل هذه الموارد تتعدى‏ العشرات بل المئات من القضايا، و إنَّ هذه الاخبارات تورث اليقين خاصة بضم القرائن و الشواهد اليها بعد أنْ ثبت صدورها عنه صلوات اللَّه عليه و آله بالقطع و التواتر.
و من جملة تلك الإخبارات، مقتل عمار بن ياسر (رضوان اللَّه تعالى‏ عليه) على‏ يد الفئة الباغية، فمهما كان الإنسان مشككاً الا انه سيذعن بقبول خبر مقتل عمّار الذي صرح ابن حجر و غيره بتواتره، مضافاً الى‏ وجود القرائن و الشواهد الباعثة على‏ الاطمئنان له. فكتب السيرة و الحديث و تراجم الصحابة و غيرها، ذكرت و روت عن رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) انه قال لعمّار: «تَقْتُلكَ الفِئَةُ الباغيةُ»
و قد تكرر ذلك القول من النبي (صلى الله عليه و آله) حين بناء المسجد النبوي الشريف في المدينة، و في وقت حفر الخندق فيما كان عمارٌ سبّاقاً في العمل، و في مواضع اخرى‏، و قد رُوي ذلك الخبر في بعض اسانيده بهذا النحو:
«تقتُلكَ الفئةُ الباغيةُ تدعُوهم الى‏ الجَنَّة و يدعوكَ الى‏ النار»
و في بعضها: «تقتُلكَ الفئةُ الباغيةُ و قاتلُكَ في النار»
و في بعضها الاخر: «تَقْتُلُ عمّارَ الفِئَةُ الباغيةُ» 
إنَّ هذا الخبر كان معروفاً عند المسلمين عامةً بل و حتى‏ عند المنافقين، و من هنا فان عمر بن العاص إضطرب كثيراً عندما سمع بمقتل عمّار الذي يقاتل الى‏ صف سيد الولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)، فجاء (اي عمرو) الى‏ معاوية قائلًا: لقد قُتِلَ عمّار!!
فقال معاوية: ثمّ ماذا؟
فقال عمرو: سمعت رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) يقول: «تَقْتُلُ عمّارَ الفِئَةُ الباغيةُ». فاضطرّ معاوية الى‏ الاحتيال للتخلص من تبعة دم عمار أمام جيشه و تضليلهم فقال: إنّما قتل عمّار من أخرجه من داره!!
و عندما وصل هذا التضليل الى‏ اسماع علي (عليه السلام) قال: على‏ هذا يكون رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) هو الذي قتل حمزة 
و عندما استشهد عمّار نزل خزيمة بن ثابت (ذو الشهادتين) الى‏ ساحة المعركة و كان في جيش علي (عليه السلام) لكنه الى‏ ذلك الوقت لم يقاتل، و قد كان مقتل عمار على‏ يد الفئة الباغية دليلًا قاطعاً لخزيمة على‏ حقانية علي (عليه السلام) و كان خزيمة يقول: سمعت رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) يقول: «عمّارٌ تَقْتُلُهُ الفِئَةُ الباغيةُ» 
و كان «ذو الكلاع» أحد قادة جيش معاوية، و اميراً على‏ اربعة آلاف فارس، فقال يوماً لمعاوية: كيف تقاتل علياً و معه عمار؟
فقال معاوية: سيعود عمّار الينا و يقتلُ معنا.
و صادف ان قتل «ذو الكلاع» قبل استشهاد عمّار، فقال معاوية: لو كان ذو الكلاع حيّا لاخذ نصف العسكر معه الى‏ عليّ‏ عندما نراجع كتب التاريخ، فكما اننا لا نشك بأصل وجود عمّار وياسر و سميّة، فكذلك لا نشك باخبار النبي (صلى الله عليه و آله) بقتل عمار، و كما اننا على‏ يقين من قتل عمار في صفين بيد جيش معاوية كذلك نحن على‏ يقين من أنَّ النبي (صلى الله عليه و آله) قد اخبر بشهادته كذلك، و قد اعترف عمرو بن العاص و معاوية بهذه الحقيقة أيضاً. و نظير هذا الخبر، اخبارات غيبية اخرى‏ وردت عن النبي (صلى الله عليه و آله) و هي مشهورة و مسلَّمة كاخباره- صلوات اللَّه عليه و آله إن اوّل الناس لحوقاً به من اهل بيته هي ابنتُه فاطمةَ الزهراء عليها السلام و كذلك اخباره بخروج عائشة و نباح كلاب الحوأب عليها، و إخباره بقتال أمير المؤمنين علي ابن ابى طالب (عليه السلام) للناكثين و القاسطين و المارقين و إخباره باستشهاد علي (عليه السلام) و اخباره بارتداد بعض الصحابة و اخباره بفتوحات المسلمين و غير ذلك من الاخبارات، نكتفي بما نقلناه مراعاةً للإختصار، و نضيف ان هذا دليلٌ و برهان‏ على‏ صحة ادّعاء النبوة من رجل لم يدرس عند أحد و يُخبر عن الغيب و تتحقق اخباراته بعد ثلاثين أو اربعين او ستين سنة؛ بل و حتى‏ بعد الف سنة و اكثر و اقل. و هذا لوحده كافٍ لذوي الايمان و البصيرة لاثبات نبوة الرسول الاكرم محمد (صلى الله عليه و آله) و اثبات نبوات الانبياء و ارتباطهم بالسماء.
و من جملة اخبارات النبي محمد (صلى الله عليه و آله) بالمغيبات هو اخباره باستشهاد ولده الإمام الحسين (عليه السلام) و الذي وردت فيه روايات متعدده بطرق اهل السنّة في تواريخهم و كتبهم الحديثية و تراجمهم فضلًا عن ورودها بطرق الشيعة و علمائهم، و هذا يدعم صحة تلك الاخبارات و يثبتها، مضافاً الى‏ انه يجعلها متواترة بالمعنى‏.
و قد ذكّرنا ببعض تلك الروايات فيما مضى‏، و نضيف هنا بعض الروايات الواردة في مصادر معتبرة جداً عند السنة:
1- روى‏ ابن سعد و الطبراني عن عائشة أنَّ النبي (صلى الله عليه و آله) قال: «أخْبَرني جبرَئيلُ أنَّ الحُسَين يُقتلُ بَعدِي بارضِ الطفِّ و جاءني بهذِهِ التُربَةِ فاخبرني أنَّ فيها مضجعَهُ»
و في الملاحم روى‏ هذا الحديث بتفصيل زائد، و رواه الخليلي في الارشاد عن عائشة و ام سَلَمة بهذا اللفظ: «إنّ جبرئيلَ أخبرني أنّ إبني الحُسَينُ يُقْتَلُ و هذه تربةُ تِلكَ الارض»
و في سندٍ آخر عن عائشة، قال رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله): «إنَّ جبرئيلَ أراني التُربَةَ التي يُقْتَلُ عليها الحُسينُ فاشتدَّ غَضَبُ اللَّه على‏ من‏ يَسفِكُ دَمَهُ» 
2- روى‏ ابو داود و الحاكم عن امِّ الفَضل بنت الحارث أنَّ النبي (صلى الله عليه و آله) قال: «أتاني جبرَئيلُ فأخبرني أنَّ أُمّتي سَتَقتُلُ إبني هذا «يعني الحسين» و أتاني تُربةً من تُربَةٍ حمراء» 
3- روى‏ الطبراني و ابويعلى عن زينب بنت جحش عن رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) انه قال: «إنَّ جبرئيلَ أتاني و أخبرني أَنَّ ابني هذا تَقْتُلُهُ أُمَّتي قلتُ: فأرِني تُربَتَه، فاتاني بتُربةٍ حمراء» 
4- روى‏ أحمد ابن حنبل ان النبي الاكرم (صلى الله عليه و آله) قال: «لَقَد دَخَلَ عَلَيَّ البَيتَ مَلَكٌ لم يَدخُل عليَّ قبلَها فقالَ لي: ان إبْنَكَ هَذا حُسيناً مقتولٌ و ان شئتَ أرَيتكَ من تُربةِ الارضِ الّتي يُقتَلُ بها قال: فأخرَجَ تُربةً حمراءَ» 
5- و روى‏ ابن سعد عن ام سلمة ان النبي (صلى الله عليه و آله) قال: «أخبرني جبرئيلُ بانّ ابنيَ الحسين (عليه السلام) يقتل..».
و روى‏ ابن عساكر عن ام سلمة الحديث بهذا اللفظ: «إنَّ جبرئيلَ أخبرني أنَّ ابني هذا يُقتلُ فاشتدَّ غَضَبُ اللّهِ على‏ مَنْ يَقتُلُه» 
و عن عبد اللَّه ابن يحيى‏ عن أبيه إنَّه سافر مع علي (عليه السلام) و كان على‏ مطهرته فلما حادى‏ بيوتنا و هو منطلقٌ الى‏ صفين فنادى‏ علي (عليه السلام): «صَبراً يا أبا عبد اللَّه صبراً يا أبا عبد اللَّه صبراً يا أبا عبد اللَّه بشاطئ الفُرات»، فقلت له: ماذا أبا عبد اللَّه؟ فقال: دخلت على‏ رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) و عيناه تفيضان.
قال: قام من عندي جبرئيل (عليه السلام) قبل و حدّثني أنَّ الحسين يُقتل بشط الفرات. قال: فقال: هل لك الى‏ ان أشمَّك من تربته؟ فقلت: نعم. فمدَّ يَدَه فقبض قبضةً من تراب فأعطانيها فلم أملك عينيّ أنْ فاضتا. 
و رواه أحمد بن حنبل و ابن الضحاك عن علي (عليه السلام) كما رواه عبد اللَّه بن يحيى‏ عن أبيه عن علي (عليه السلام).
7- روى‏ الخوارزمي ان البيهقي نقل في تاريخه ان النبي (صلى الله عليه و آله) قال للحسين (عليه السلام): «إنَّ لك في الجنّة دَرَجَةً لا تَنالُها إلّا بالشهادة»
قال ابو علي السلامي: و من هنا كان الحسين (عليه السلام) و حينما اجتمعت عليه الجيوش علم انه سيُقتل و لذا فانه صبر على‏ ذلك و لم يجزع الى‏ ان استشهد عليه افضل السلام. 
8- روى‏ السبط ابن الجوزي: لما وصل الحسين (عليه السلام) أرض كربلاء قال: «ما يقال لهذه الأرض‏ فقالوا كربلاء و يقال لها أرض نينوى‏ قرية بها فبكى‏ و قال‏: كرب و بلاء أخبرتني أُم سلمة قالت: كان جبرئيل عند رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) و أنت‏ معي‏ فبكيت فقال رسول اللَّه: دعي ابني فتركتك فأخذك و وضعك في حجرة فقال جبرئيل أتحبُّه؟ قال نعم. قال فان أُمتك ستقتله. قال و إن شئت أن أريك تربة أرضه التي يقتل فيها. قال نعم. قالت فبسط جبرئيل جناحه على‏ أرض كربلاء فأراهُ إياها.
فلما قيل للحسين (عليه السلام) هذه أرض كربلاء شمها و قال هذه و اللَّه هي الأرض التي أخبر بها جبرئيل رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) و إنني أقتل فيها.
و في رواية قبض منها قبضة فشمها و قد ذكر ابن سعد في الطبقات عن الواقدي بمعناه. و روى‏ ابن بنت منيع حديثين في هذا الباب عن ام سلمة .
9- ذكر ابن الاثير و الطبري و آخرون عن رجل من بني فزاره قال: لما كان زمن الحجّاج بن يوسف كنا في دار الحارث بن أبي ربيعة التي في الّتمّارين، التي أقطعت بعد زهير بن القَيْن، من بني عمرو بن يَشكرَ من بَجيلة، و كان اهل الشام لا يدخلونها، فكنا مُخْتَبِئين فيها، قال: فقلت للفَزاريّ: حدّثني عنكم حين أقبلتم مع الحسين بن عليّ؛ قال: كنا مع زهير بن القيْن البَجَليّ حين أقبلنا من مكة نساير الحسين، فلم يكن شئ أبغض إلينا من أن نسايره في منزل، فإذا سار الحسين تخلف زهير بن القَيْن، و إذا نزل الحسينُ تقدّم زهير، حتى‏ نزلنا يومئذ في منزل لم نجد بُدّاً من أن ننازله فيه، فنزل الحسين في جانب، و نزلنا في جانب، فبينا نحن جلوس نتغدى‏ من طعام لنا، إذ أقبل رسولُ الحسين حتى‏ سلّم، ثم دخل فقال: يا زهير بن القَيْن، إنّ أبا عبد اللَّه الحسين بن عليّ بعثني إليك لتأتيَه، قال: فطرح كلّ إنسان ما في يده حتى‏ كأننا على‏ رؤوسنا الطير.
قال أبو مخنف: فحدّثتني دَلهم بنت عمرو امرأة زهير بن القَيْن، قالت: فقلت له: أيبعث إليك ابن رسول اللَّه ثمّ لا تأتيه! سبحان اللَّه! لو أتيتَه فسمعتَ من كلامه! ثم انصرفت؛ قالت: فأتاه زهير بن القَيْن، فما لبث أن جاء مستبشراً قد أسفر وجهُه؛ قالت: فأمر بفسطاطه و ثَقَله و متاعه فقُدّم، و حُمل إلى‏ الحسين، ثم قال لأصحابه: مَنْ أحبّ منكم أن يتبعني و إلا فإنه آخر العهد، إني سأحدّثكم حديثاً، غَزوْنا بلَنْجَر، ففتح اللَّه علينا، و أصبنا غنائم، فقال لنا سَلمان الفارسيّ: أفرِحتم بما فتح اللَّه عليكم، و أصبتم من الغنائم! فقلنا: نعم، فقال لنا: «إذا أدركتم شباب آل محمد فكونوا اشدّ فرحاً بقتالكم معهم مما أصبتم من الغنائم»، فأمّا أنا فإنيّ أستَودعكم اللَّه. قال: ثم و اللَّه مازال في أوّل القوم حتّى‏ قُتل.
و عبارة إبن الاثير هي: «إذا أدركتم سيَّد شباب آل محمد فكونوا اشدَّ فرحاً بقتالكم مَعَهُ بما أصبتم اليومَ من الغنائم».
و ذكر الطبري «سلمان الباهليّ» بدلًا من سلمان الفارسيّ و هو الاصح اذ ان سلمان الباهلي هو الذي قُتل في بَلنجر. 
10- روى‏ ابن الاثير عن غرفة الأزدي و كان من اصحاب رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) من اهل الصفّة قال: دخلني شكٌ من شأن علي (عليه السلام) فخرجنا مع علي (عليه السلام) إلى‏ شاطئ الفرات فعدل‏ عن الطريق و وقف وقفنا حوله فقال و أومأ بيده: هذا موضع رواحلهم و مناخ ركابهم و مهراق دمائهم بأبي من لا ناصر له في الأرض و لا في السماء إلّا اللَّه‏ فلما قتل الحسين (عليه السلام) خرجت حتى‏ اتيت المكان الذي قتلوا فيه فاذا هو كما قال ما أخطأ شيئا. قال: فاستغفرت اللَّه مما كان منى من الشك و علمت أنَّ عليا (عليه السلام) لم يقدم إلّا بما عهد اليه فيه. 
11- رُوي عن سويد بن غفلة حديثٌ أن رجلا أتى‏ أمير المؤمنين (عليه السلام) و قال: عبرت وادي القرى‏ و قيل لي أن خالد بن عرفطة قد مات فاستغفرت له و قال له علي أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يموت حتى‏ يقود جيشا ضالًا و صاحب رايته حبيب ابن حمار.
فقام رجل إليه و قال: يا أمير المؤمنين أنا أحبك و أنا حبيب بن حمار. فقال له علي (عليه السلام) إنك ستكون حامل رايته و ستدخل برايتك من هذا الباب و أشار إلى‏ الباب الذي كان أمامه.
و ما أن مرّت الأيام حتى‏ أرسل إبن زياد عمر بن سعد لحرب الحسين (عليه السلام) و كان خالد بن عرفطة أحد قادة الجيش و حبيب بن حمار صاحب لوائه و وردا من نفس الباب الى‏ مسجد الكوفة و صح بذلك إخبار أمير المؤمنين (عليه السلام).
12- روى‏ «الملّا» إنَّ علياً (عليه السلام) لما مرَّ بمكان قبر الحسين (عليه السلام) قال:
«هيهُنا مَناخُ رِكابِهمْ و هيهُنا مَوضُعُ رحالهم و هيهُنا مَهراقُ دمائِهِمْ فتيةٌ مِنْ‏ آل مُحَمَّدِ يُقتلونَ بِهذِهِ العَرَصَةِ تبكي عَلَيهُم السماءُ و الأرض» 
و روى‏ هذا الحديث، الحافظ عبد العزيز الجنابذي في «معالم العترة الطاهرة» عن الاصبغ بن نباته عن علي (عليه السلام) باختلاف طفيف في الالفاظ. 
13- قال ابو حنيفة الدنيوري لمّا ورد الحسين (عليه السلام) و اصحابه الى‏ كربلاء فوقف الحر و أصحابه امام الحسين و منعوهم من المسير و قال انزل بهذا المكان فالفرات منك قريب. قال الحسين (عليه السلام) و ما اسم هذا المكان؟ قالوا له كربلاء. قال ذات كربٍ و بلاء و لقد مرَّ أبي بهذا المكان عند مسيره الى‏ صفين و أنا معه فوقف فسأل عنه فاخبر باسمه فقال ههنا محط ركابهم و ههنا مهراق دمائهم فسئل عن ذلك فقال‏ «ثِقلٌ لِالِ مُحمَّدٍ ينزِلونَ ههُنا» و رواه الدميري و لكنه ذكر كلمة «نفرٌ» بدل «ثقلٌ»
14- روى‏ الحسن ابن كثير و عبد خير أنَّ علياً (عليه السلام) لمّا وصل الى‏ كربلاء وقف و بكى و قال: «بأبِي أُغيلمةٌ يُقتلون هيهُنا، هذا مَناخُ ركابهم و هذا مَوضِعُ رِحالِهم، هذا مصرعُ الرَجُلْ» 
15- روى‏ الديلمي عن معاذ أنَّ رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) قال: «نُعِيَ إلىَّ الحُسينُ و أُتِيتُ بتُربَتِهِ و أُخبِرتُ بقاتِلِهِ» 
16- روى‏ ابن عساكر عن ابن عمر ان رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) قال: «لا بارَكَ اللّهُ في يزيدَ الطَعان اللّعانِ أما إنَّهُ نُعِيَ اليَّ حبيبي و سَخيلي حُسينٌ أُتيتُ بتُربتِهِ و رأيتُ قاتِلَهُ اما إنَّهُ لا يُقتلُ بين ظهراني قومٍ فلا ينصروه إلّا عِمَّهُمُ اللَّه بِعِقابٍ» 
17- روى‏ ابن عساكر عن علي (عليه السلام) انه قال لعمر بن سعد: كَيفَ أنْتَ إذا أقَمتَ مَقاماً تُخَيَّر فيهِ بينَ المنيُة و النار فَتَخْتارَ النارَ» 
18- و روى‏ البيهقي ان رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) أُخبر بقتل الحسين‏ في الطف و هو مكان قريب من الكوفة يعرف بكربلاء.
19- روى‏ ابن ابى الحديد في ضمن خبر عن امير المؤمنين انه قال لتميم بن اسامة بن زهير التميمي و كان ابنه الحصين طفلًا رضيعاً و أخبره بأن ابنه الحصين هذا سيشترك في قتل ولده الحسين (عليه السلام).
و هذا ما حصل فلم يزل الحصين حتى‏ عيّنه ابن زياد على‏ الشرطة و أرسله يوم التاسع من المحرم إلى‏ كربلاء ليبلغ عمر بن سعد بقتال الحسين و يحذره من امهاله.
20- و كذلك ذكر ابن ابى الحديد ضمن إخبار امير المؤمنين بالمغيبات انه‏قال للبداء ابن عازب: «أيُقتَلُ الحُسينُ و أنتَ حَيُّ فلا تنصُره» ؛ فقال البراء: «لا كانَ ذلك يا أمير المؤمنين»
و كان البراء حينما قُتل الحسين (عليه السلام) يتذكر هذا الحديث و يبكي حسرةً على‏ عدم نصرته للحسين (عليه السلام). 
21- نقل الخوارزمي عن شيخ الإسلام الحاكم الجشمي أنّ أمير المؤمنين لما سار إلي صفين نزل بكربلاء و قال لابن عباس: أتدري ما هذه البقعة؟ قال: لا.
قال: لو عرفتها لبكيت بكائي، ثم بكى‏ بكاءاً شديداً، ثم قال: ما لي و لآل أبي سفيان. ثم التفت الى‏ الحسين و قال: صبراً يا بني فقد لقى‏ أبوك منهم مثل الذي تلقى‏ بعده. 
22- يقول اليعقوبي في تاريخه: و كان اول صارخة صرخت في المدينة امّ سلمة زوج رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله)، كان دفع اليها قارورة فيها تربة، و قال لها: إن جبرئيل أعلمني ان امَّتي تقتل الحسين (عليه السلام)، و أعطاني، هذه التربة و قال لي: إذا صارت دماً عبيطاً فاعلمي أن الحسين (عليه السلام) قد قتل. و كانت عندها، فلمّا حضر ذلك الوقت جعلت تنظر إلى القارورة في كلّ ساعة، فلمّا رأتها قد صارت دماً صاحت: وا حسيناه! و ابن رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله)! و تصارخت النساء من كلّ ناحية، حتى‏ ارتفعت المدينة بالرجة التي ما سُمع بمثلها قط. 
و روى‏ ابن حجر هذا الحديث عن «الملا» و ابن أحمد في زيادة المُسند، بتفاوت بسيط و روى‏ أنَّ تلك التربة هي تربة مكان قتل الحسين (عليه السلام) . و مثل هذه الاخبار المروية عن رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) و عن أمير المؤمنين (عليه السلام) كثيرة، و منها يُعلم أنَّ الشهادة قد كتبت على‏ الحسين (عليه السلام) و قد كانت شهادته من اكبر مناقبه و فضائله و من جملة مقاماته صلوات اللَّه عليه و آله اجمعين. 

المصدر: http://h-najaf.iq

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى