مقالات

شبهات وردود…

نص الشبهة: 

يزعم الشيعة : أن أبا بكر وعمر « رضي الله عنهما » كانا كافرين ، ثم نجد أن علياً « رضي الله عنه » وهو الإمام المعصوم عند الشيعة قد رضي بخلافتهما ، وبايعهما الواحد تلو الآخر ، ولم يخرج عليهما . وهذا يلزم منه : أن علياً غير معصوم ، حيث إنه بايع كافرين ، ناصبَيْن ظالمَيْن ، إقراراً منه لهما . وهذا خارم للعصمة ، وعون للظالم على ظلمه ، وهذا لا يقع من معصومٍ قط . أو أن فعله هو عين الصواب!! لأنهما خليفتان مؤمنان صادقان عادلان ، فيكون الشيعة قد خالفوا إمامهم في تكفيرهما وسبهما ، ولعنهما ، وعدم الرضى بخلافتهما! فنقع في حيرة من أمرنا : إما أن نسلك سبيل أبي الحسن « رضوان الله عليه » ، أو نسلك سبيل شيعته العاصين ؟!

وصياغة أخرى تقول : لماذا بايع علي « عليه السلام » أبا بكر وعمر ، ولم يخرج عليهما . أليس ذلك إقرار منه لهما بالفضل ؟! أم أن المعصوم الأول عند الرافضة يبايع كافرين ظالمين ، ويعين على الظلم وأهله ؟!

الجواب: 

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله الطيبين الطاهرين . . وبعد . .

هل بايع علي عليه السلام أبا بكر وعمر وعثمان ؟!

أولاً : إننا لا نرضى ولا نرى مبرراً لما صدر من السائل من توصيف أبي بكر وعمر بالكافرين ، ونرى في ذلك تجاوزاً للحدود لا بد من الإعتذار منه ، والإقلاع عنه .
ثانياً : ان ما يذكر عن بيعته « عليه السلام » لأبي بكر وعمر ، لا تساعد عليه الشواهد ، ونذكر منها ما يلي :
ألف : قوله « عليه السلام » : « فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام ، يدعون إلى محق دين محمد « صلى الله عليه وآله » ، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به علي أعظم من فوت ولايتكم هذه » 1 .
فقد دل هذا النص على انه « عليه السلام » بقي ممسكاً يده ولم يبايع مدة من الزمن . .
ولكنه بعد أن رأى الخطر محدقاً بالإسلام بادر إلى نصر دين محمد « صلى الله عليه وآله » ، ولكنه لم يذكر أنه قد نصره بالبيعة لهما ، فلعله نصره بمد يد العون للذين استولوا على الأمر ، ليمنع من محق الدين .
ب : ادَّعوا : أن علياً « عليه السلام » بايع أبا بكر ، ثم اختلفوا في وقت بيعته له ، فقيل : بعد ستة أشهر 2 .
وقيل : بعد وفاة الرسول الأكرم « صلى الله عليه وآله » بأيام قلائل 3 .
وقيل : بعد وفاة الصدّيقة الطاهرة مع الإختلاف في وقت وفاتها .
وقيل : بعد وفاته « صلى الله عليه وآله » بأربعين ، وباثنين وسبعين ، أو بخمسة وسبعين ، وبثلاثة أشهر ، وبثمانية أشهر ، إلى غير ذلك من أقوال . .
وزعموا : أن سبب بيعته هو : أنه كان لعلي « عليه السلام » وجه من الناس في حياة فاطمة « عليها السلام » ، فلما توفيت انصرفت وجوه الناس عنه ، فبادر إلى البيعة بعد رسول الله « صلى الله عليه وآله » بستة أشهر ، قيل للزهري : فلم يبايعه علي ستة أشهر ؟!
قال : لا والله ، ولا أحد من بني هاشم ، حتى بايعه علي « عليه السلام » 4 .
ونقول :
ألف : إن بيعة علي « عليه السلام » لها أهمية بالغة لدى جميع الناس آنئذٍ . وقد كانت مرصودة من الكبير والصغير ، فلا يعقل خفاؤها إلى هذا الحد . خصوصاً أنه هو صاحب الحق الأصلي [والناس يراقبون كل تصرفاته ويتوقعون منه صدور شيء ما] .
ب : لقد هتك هؤلاء القوم حرمة علي « عليه السلام » ، وهددوه بالقتل ، وضربوا زوجته ، وقتلوا ولده ، وباشروا بإحراق بيته عليه وعلى زوجته وأولاده . . ولم يراعوا حرمة لهم . بل لقد كان للسيدة الزهراء « عليها السلام » النصيب الأكبر من هذا الأذى كله . .
يضاف إلى ذلك : أنه قد حمل الزهراء وابنيها : الحسن والحسين « عليهم السلام » ، ودار بهم على بيوت المهاجرين والأنصار ، وأهل بدر وغيرهم ، يطلبون نصرتهم ، فلم يستجيبوا لهم . .
فما معنى قولهم بعد ذلك كله : إنه لما توفيت فاطمة « عليها السلام » رأى انصراف وجوه الناس عنه ، فضرع للبيعة ؟!
أليس قد ظهر هذا الإنصراف عنه منذ الأيام الأولى ، حيث هوجم هو والزهراء ، وولدها « عليهم السلام » ؟! ثم طلبوا نصرة الناس لهم ، فلم يستجب لهم سوى أربعة ؟!
وكيف يقول القرطبي في المفهم : « كان الناس يحترمون علياً « عليه السلام » في حياتها كرامة لها ، لأنها بضعة من رسول الله « صلى الله عليه وآله » وهو مباشر لها . فلما ماتت وهو لم يبايع أبا بكر انصرف الناس عن ذلك الإحترام ، ليدخل فيما دخل فيه الناس ، ولا يفرق جماعتهم » 5 .
ج : لقد حورب مالك بن نويرة وقتل ، وحورب مانعوا الزكاة ، لأنهم أرادوا أن يبايعوا علياً « عليه السلام » ، فلو أن علياً وأهل البيت « عليهم السلام » بايعوا في وقت مبكر ، فإن هؤلاء لا يعرِّضون أنفسهم للقتل بتريّثهم في إعطاء الزكاة لغير أهل بيت نبيهم .
د : إن الضغوط التي واجهها علي « عليه السلام » في الأيام الأولى من ارتحال الرسول الأعظم « صلى الله عليه وآله » قد بلغت أقصى مداها . . وقد خفت تلك الضغوط عليه بعد ذلك ، فلماذا يصوّرون الأمر بعكس ما هو واقع ومشهود ؟!
غاية ما هناك : أن محاولاتهم معه لإجباره على البيعة قد تكررت في البدايات حتى يئسوا منه ، فاكتفوا منه بتكاثرهم عليه حتى مسح أبو بكر على يده ، ثم صاحوا : بايع ، بايع ، بايع أبو الحسن .
هـ : إنه « عليه السلام » لم يبايع ، بدليل : ما تقدم من أنه « عليه السلام » أقسم على عدم البيعة ، فقال لعمر : إذاً ـ والله ـ لا أقبل قولك ، ولا أحفل بمقامك ، ولا أبايع 6 . ولم يكن علي « عليه السلام » بالذي يحنث بقسمه . .
و : يمكن أن يقال أيضاً : إن حديث احتجاج طائفة من الصحابة على أبي بكر يدل على أن علياً « عليه السلام » لم يبايع أبا بكر ، فبعد أن امتنع « عليه السلام » عن بيعة أبي بكر في اليوم الأول صعد أبو بكر المنبر في اليوم التالي ، فتشاور قوم فيما بينهم .
فقال بعضهم : والله لنأتينه ولننزلنه عن منبر رسول الله « صلى الله عليه وآله » .
وقال آخرون منهم : والله ، لئن فعلتم أعنتم على أنفسكم . . ثم اتفقوا على استشارة علي « عليه السلام » في ذلك ، فلما أخبروه بالأمر قال : وأيم الله لو فعلتم ذلك لأتيتموني شاهرين بأسيافكم ، ومستعدين للحرب والقتال ، وإذن لأتوني ، وقالوا لي : بايع وإلا قتلناك . فلا بد لي من أن أدفع القوم عن نفسي 7 .
فدلّ هذا الخبر على أن تصرفهم هذا سوف يؤدي إلى حرب . . ولا يؤدي إلى حرب إلا إذا خيَّر بين البيعة وبين القتل ، فإذا اختار عدم البيعة وقعت الحرب ، التي تفرض أن يأتي الناس إليه متأهبين للقتال . حيث سيضطر إلى دفع القوم عن نفسه بهذه الطريقة .
ثالثاً : لو كان علي « عليه السلام » يرى أن أبا بكر كان أهلاً للخلافة لم يمتنع عن بيعته ستة أشهر كما ذكرته بعض الروايات التي رواها أهل السنة في مصادرهم وفي صحاحهم ، مثل البخاري ومسلم ، وغيرها . .
رابعاً : إن الأحداث التي رافقت بيعة السقيفة ، ومنها الهجوم على بيت الزهراء « عليها السلام » ، وضربها ، وإسقاط جنينها ، والسعي لإحراق دارها عليها بمن فيها ، وفيها علي والزهراء ، والحسن والحسن « عليهم السلام » ـ إن ذلك كله ـ يدل على أن المطلوب هو إكراه علي « عليه السلام » على البيعة ، ومن الثابت أنه لا بيعة لمكره 8 وبيعة المكره لا تدل على الرضا بولايته .
وإنما يرد الإشكال الذي ذكره السائل لو كان بايع طائعاً مختاراً . ولم يكن الأمر كذلك .
خامساً : إن البيعة لا تعد إقراراًَ بالفضل ، ولا تدل على أن من تكون البيعة له من أهل العدالة ، كيف وقد بايع الناس ، ومنهم ابن عمر يزيد بن معاوية ، وبايع الناس ، وفيهم أعيان من التابعين الوليد بن يزيد المرواني . . الذي استفتح بالقرآن ، فخرجت له آية : ﴿ وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ﴾ 9 ، فرمي القرآن ، بالنشاب ، وهو يقول :
تـهددنـي بـجبار عنيـد *** فـهـا أنا ذاك جـبـار عنيـد
إذا ما جئت ربك يوم حشر *** فـقـل يا رب مـزقـني الوليد 10
والحمد لله والصلاة والسلام على محمد وآله . . 11 .

  • 1. راجع : نهج البلاغة (بشرح عبده) ج3 ص119 الكتاب رقم 62 وبحار الأنوار ج33 ص596 و 597 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج17 ص151 .
  • 2. صحيح البخاري (ط دار الفكر) ج5 ص82 وصحيح مسلم ج5 ص154 وشرح أصول الكافي ج7 ص218 والصوارم المهرقة ص71 ومناقب أهل البيت « عليهم السلام » للشيرواني ص413 وشرح مسلم للنووي ج12 ص77 وفتح الباري ج7 ص378 وعمدة القاري ج17 ص258 وصحيح ابن حبان ج14 ص573 ونصب الراية للزيلعي ج2 ص360 والبداية والنهاية ج5 ص307 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص568 والإكمال في أسماء الرجال ص168 .
  • 3. مروج الذهب ج2 ص201 والسيرة الحلبية ج3 ص485 و 489 والكامل في التاريخ ج2 ص325 والإمامة والسياسة ج1 ص14 وقاموس الرجال للتستري ج9 ص154 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص447 .
  • 4. راجع : السنن الكبرى للبيهقي ج6 ص300 وفتح الباري ج7 ص379 والمصنف ج5 ص472 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج6 ص46 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص448 وعن صحيح البخاري (كتاب المغازي) ج4 ص1549 وعن صحيح مسلم (كتاب الجهاد) ج4 ص30 والطرائف لابن طاووس ص238 وبحار الأنوار ج28 ص353 وج29 ص202 واللمعة البيضاء ص755 و 756 وأعيان الشيعة ج4 ص188 وكشف الغمة للإربلي ج2 ص103 وغاية المرام ج5 ص327 وسفينة النجاة للتنكابني ص126 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج10 ص456 .
  • 5. الغدير ج8 ص36 وج10 ص361 .
  • 6. الإحتجاج للطبرسي ج1 ص181 ـ 185 و (ط دار النعمان سنـة 1386 هـ) ج1 ص94 ـ 97 وبحار الأنوار ج28 ص185 .
  • 7. الإحتجاج ج1 ص181 ـ 185 و (ط دار النعمان سنة 1386 هـ) ج1 ص94 ـ 97 وبحار الأنوار ج28 ص189 ـ 191 والخصال للصدوق ص461 و 462 واليقين لابن طاووس ص336 و 337 والدر النظيم ص441 و 442 ونهج الإيمان ص578 و 579 وغاية المرام ج2 ص120 .
  • 8. راجع : البداية والنهاية ج10 ص90 ومقاتل الطالبيين ص190 وتاريخ الأمم والملوك و (ط أورپا) ج3 ص200 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج6 ص190 والكامل في التاريخ ج5 ص532 .
  • 9. القران الكريم: سورة ابراهيم (14)، الآية: 15، الصفحة: 257.
  • 10. راجع : بهج الصباغة ج5 ص339 وج3 ص193 والحور العين ص190 ومروج الذهب ج3 ص226 والأغاني (ط دار إحياء التراث) ج7 ص49 والكامل في التاريخ ج5 ص290 وفوات الوفيات للكتبي ج2 ص590 وكتاب الفتوح لابن أعثم (ط دار الأضواء) ج8 ص302 و 303 وكتاب الأربعين للشيرازي ص347 وبحار الأنوار ج38 ص193 وكتاب الأربعين للماحوزي ص388 ومناقب أهل البيت للشيرواني ص479 وشجرة طوبى ج1 ص150 .
  • 11. ميزان الحق (شبهات . . و ردود) ، السيد جعفر مرتضى العاملي ، المركز الإسلامي للدراسات ، الطبعة الأولى ، سنة 1431 هـ ـ 2010 م ، الجزء الأول ، السؤال رقم (3) .
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى