مقالات

الثقافة الإسلامية…

في الحديث عن المسألة الثقافية في المجال الإسلامي، هناك مداخل نظرية عامة، وهناك سياقات تاريخية أثرت في تحديد صورة وطبيعة اتجاهات النظر لهذه المسألة.

في المداخل النظرية العامة، ارتبطت المسألة الثقافية بالعناوين الكبرى المتصلة بمصير ومستقبل الأمة، حيث ارتبطت بعناوين الحضارة والنهضة والأمة والهوية والدين. فهناك من اتخذ المسألة الثقافية مدخلاً للاهتمام بتجديد الحضارة الإسلامية، وإطاراً للنظر بهذا المستوى من الاهتمام، على خلفية أن الثقافة هي التي تصنع الحضارة، وكونها تمثل روح الحضارة، وباعتبار أن الحضارات لا تقوم بدون الثقافات، ومنها الحضارة الإسلامية التي بدأت بآية ﴿ … اقْرَأْ … ﴾ 1، الآية التي جعلت في البدء كانت الثقافة.

وهناك من اتخذ المسألة الثقافية مدخلاً للاهتمام بالنهضة والتغيير والإصلاح في الأمة، على خلفية أن الثقافة هي شرط النهضة، أو من شروطها الأساسية، التي تتقدم على غيرها من الشروط الأخرى، وباعتبار أن النهضة هي مهمة ثقافية في جوهرها، وليست هناك نهضة بدون ثقافة، وفي هذا النطاق تأتي محاولات الشيخ محمد عبده، ومحمد إقبال، ومالك بن نبي، وآخرين.

وهناك من اتخذ المسألة الثقافية، إطاراً لتحليل أزمة ومشكلة الأمة، وتصوير أن أزمة الأمة هي أزمة فكرية في الأساس، وسائر الأزمات الأخرى السياسية والاجتماعية والاقتصادية، تأتي نتيجة لهذه الأزمة الفكرية، أو أنها مظهر من مظاهرها، أو انعكاس لها في جانب محدد، وبالتالي فإن الأزمة الفكرية هي الأزمة الأم، والعلة الكبرى في الأمة، وفي هذا النطاق تأتي محاولات المعهد العالمي للفكر الإسلامي.

وهناك كذلك من اتخذ المسألة الثقافية، إطاراً لحماية الهوية من الاختراق والاستلاب والتبعية، وإطاراً للدفاع عن العقيدة والدين والأخلاق، ونهجاً لإعادة الثقة بالإسلام، وفي هذا النطاق تأتي محاولات معظم العلماء والمفكرين في العالم العربي، الذين عاصروا قيام الدولة العربية الحديثة  في النصف الثاني من القرن العشرين.

هذا من حيث عموم المداخل النظرية العامة في النظر للمسألة الثقافية.

أما من حيث السياقات التاريخية، في تحديد صور واتجاهات النظر في المسألة الثقافية، فبحكم أن السياق التاريخي ما بين النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وبدايات القرن العشرين، كان مسكوناً بهاجس النهضة والتمدن والتقدم، فقد تأثرت المسألة الثقافية بطبيعة هذه القضايا، وتجلت في حركة وخطاب الشيخ محمد عبده، الذي اعتنى بمسألة نفي التعارض بين الدين والمدنية، كما تجلت في خطاب محمد إقبال، الذي اعتنى بمسألة تجديد التفكير الديني في الإسلام، وبإعادة وصياغة بناء الفلسفة الإسلامية على أسس جديدة، تأخذ بعين الاعتبار المأثور من فلسفة الإسلام، إلى جانب ما جرى على المعرفة الإنسانية من تطور في نواحيها المختلفة. وتجلت كذلك في خطاب مالك بن نبي لاحقاً، الذي جعل من الحضارة محوراً لجميع أفكاره، وذلك حين اعتبر أن مشكلة كل شعب هي في جوهرها مشكلة حضارته، ولا يمكن لشعب أن يفهم أو يحل مشكلته، ما لم يتعمق في فهم العوامل التي تبني الحضارات أو تهدمها.

ومن بعد زوال الخلافة العثمانية، وقيام دولة تركيا الحديثة، في العقد الثالث من القرن العشرين تحدد سياقاً تاريخياً فرض الاهتمام بفكرة شمولية الإسلام في المسألة الثقافية، وذلك لمواجهة تداعيات تلاشي الإطار الرمزي لوحدة الأمة، والتصدي لفكرة العلمانية التي فصلت الدين عن الدولة، ولهذا جاء التركيز على فكرة شمولية الإسلام في الأدبيات الإسلامية المعاصرة2.

  • 1. القران الكريم: سورة العلق (96)، من بداية السورة إلى الآية 1، الصفحة: 597.
  • 2. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ ـ الأربعاء / 4 أكتوبر 2006م، العدد 14648.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى