نور العترة

ولادة الامام الحسن عليه السلام

الوليد الجديد

أطل على العالم الإسلامي نور الإمامة من بيت أذن الله أن يرفع ، ويذكر فيه اسمه ، وانبثق من دوحة النبوّة والإمامة فرع طيب زاك رفع الله به كيان الإسلام ، وأشاد به صروح الإيمان ، وأصلح به بين فئتين عظيمتين.

لقد استقبل حفيد الرسول (ص) وسبطه الأكبر سيد شباب أهل الجنّة دنيا الوجود في شهر هو أبرك الشهور وأفضلها حتّى سمّي شهر الله ، وهو شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ، وكان ذلك في السنة الثانية ، أو الثالثة من الهجرة (۱) وقد شوهدت في طلعة الوليد طلعة الرسول (ص) وبدت فيه شمائل النبوة ومحاسن الإمامة.

ولما أذيع نبأ ولادة الصديقة بالمولود المبارك غمرت موجات من السرور والفرح قلب النبيّ (ص) فسارع إلى بيت ابنته ـ أعزّ الباقين ، والباقيات عليه من أبنائه ـ ليهنئها بمولودها الجديد ويبارك به لأخيه أمير المؤمنين ، ويفيض على المولود شيئاً من مكرمات نفسه التي طبق شذاها العالم باسره ولما وصل (ص) إلى مثوى الامام نادى :

« يا أسماء : هاتيني ابني .. »

فانبرت أسماء ، ودفعته إليه في خرقة صفراء فرمى بها.

وقال :

« ألم أعهد إليكم أن لا تلفوا المولود في خرقة صفراء ؟ »

وقام (ص) فسرّه ، وألباه بريقه (۲) وضمّه إلى صدره ، ورفع يديه بالدعاء له.

« اللهم : إني أعيذه بك ، وذريّته من الشيطان الرجيم .. » (۳)

سنن الولادة :

واخذ (ص) بإجراء مراسيم الولادة وسننها على مولوده المبارك وهي :

١ ـ الأذان والإقامة :

وأذن (ص) في أذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى (٤) وفي الخبر « ان ذلك عصمة للمولود من الشيطان الرجيم » (٥).

همسة رائعة همس بها خير بني آدم في أذن وليده ، ليستقبل عالم الوجود باسمى ما فيه ، فأيّ بداية منح بها الإنسان أفضل من هذه البداية التي منح بها السبط الأكبر ؟! فان أوّل صوت قرع سمعه هو صوت جدّه الرسول (ص) علّة الموجودات ، وسيّد الكائنات ، وأنشودة ذلك الصوت.

« الله أكبر لا إله إلا الله »

بهذه الكلمات المنطوية على الإيمان بكلّ ماله من معنى يستقبل بها الرسول (ص) سبطه فيغرسها في أعماق نفسه ، ويغذي بها مشاعره ، وعواطفه لتكون انشودته في بحر هذه الحياة.

٢ ـ التسمية :

والتفت (ص) إلى أمير المؤمنين ، وقد أترعت نفسه العظيمة بالغبطة والمسرات فقال له :

« هل سمّيت الوليد المبارك ؟ »

فأجابه الإمام :

« ما كنت لاسبقك يا رسول الله »

وانطلق النبي (ص) فقال له :

« ما كنت لأسبق ربّي .. »

وما هي الّا لحظات وإذا بالوحي يناجى الرسول ، ويحمل له « التسمية » من الحقّ تعالى يقول له جبرئيل : « سمّه حسنا » (٦).

حقّاً إنّه اسم من أحسن الأسماء وكفى به جمالاً وحسنا أن الخالق الحكيم هو الذي اختاره ليدلّ جمال لفظه على جمال المعنى وحسنه.

٣ ـ العقيقة : (۷)

وانطوت سبعة أيّام على ولادة حفيد الرسول (ص) فاتّجه (ص) إلى بيت الإمام (ع) ليقوم ببعض التكريم والاحتفاء فجاء بأقصى ما عنده من البرّ والتوسعة فعق عنه بكبش واحد (۸) واعطى القابلة منه الفخذ وصار فعله هذا سنة لأمّته من بعده.

٤ ـ حلق رأسه :

وحلق (ص) رأس حفيده بيده المباركة ، وتصدق بزنته فضة على المساكين (۹) وطلى رأسه بالخلوق (۱۰) حقا لم نر حناناً مثل هذا الحنان ، ولا عطفاً يضارع هذا العطف.

٥ ـ الختان :

واجرى (ص) عليه الختان في اليوم السابع من ولادته (۱۱) لأن ختان الطفل في ذلك الوقت أطيب له وأطهر (۱۲).

٦ ـ كنيته :

وكناه النبي (ص) أبا محمّد (۱۳) ولا كنية له غيرها ، وبهذا انتهت جميع مراسيم الولادة التي قام النبيّ (ص) بها لسبطه الأكبر.

ألقابه :

ولقب (ع) بالسبط ، والزكي ، والمجتبى ، والسيّد ، والتقي.

ملامحه :

أمّا ملامحه ، فكانت تحاكي ملامح جدّه الرسول (ص) فقد حدث أنس ابن مالك قال : لم يكن أحد أشبه بالنبي من الحسن بن علي (۱٤) وقد صوّر رواة الأثر صورته بما ينطبق على صورة جدّه (ص) فقالوا : إنّه كان أبيض مشربا بحمرة ادعج العينين (۱٥) ذا وفرة (۱٦) عظيم الكراديس (۱۷) بعيد المنكبين (۱۸) جعد الشعر (۱۹) كث اللحية (۲۰) كأن عنقه إبريق فضّة (۲۱) وهذه الأوصاف تضارع أوصاف النبيّ (ص) حسب ما ذكره الرواة من أوصافه (ص) ، وكما شابه جدّه في صورته فقد شابهه وماثله في أخلاقه الرفيعة (۲۲).

رأى النبيّ (ص) أن سبطه الحسن (ع) صورة مصغّرة عنه ، يضارعه في أخلاقه ، ويحاكيه في سمو نفسه ، وانّه قبس من سناه ، يرشد أمّته من بعده إلى طريق الحقّ ، ويهديها إلى سواء السبيل ، واستشف (ص) من وراء الغيب أن كلّ ما يصبو إليه في هذه الحياة من المثل العليا سيحقّقه على مسرح الحياة ، فافرغ عليه أشعة من روحه العظيمة ، وقابله بالعناية والتكريم ، وأفاض عليه حنانه وعطفه ، من حين ولادته ونشأته ، وسنقدم عرضاً مفصلاً لالوان ذلك التكريم والاحتفاء الذي صدر من النبي (ص) تجاه الحسن في حال طفولته وصباه.

الهوامش

۱. الاصابة ج ١ ص ٣٢٨ ، الاستيعاب ج ١ ص ٣٦٨ تأريخ الخلفاء للسيوطي ص ٧٣ ، دائرة المعارف للبستاني ج ٧ ص ٣٨. ذكر هؤلاء انّ ولادته عليه السلام كانت في السنة الثالثة من الهجرة في النصف من شهر رمضان ، وجاء فى شذرات الذهب ج ١ ص ١٠ ان ولادته كانت في الخامس من شهر شعبان. وهو اشتباه ظاهر ولعلّه اشتبه بالإمام الحسين (ع) فان ولادته كانت في الخامس من شهر شعبان وذهب جماعة ان ولادته « ع » كانت في السنة الثانية من الهجرة ، وجاء في مرآة العقول ص ٣٩٠ ما نصّه : إنّ التحقيق انّه لا منافاة بين تأريخى الولادة لأن كلا مبنى على اصطلاح في مبدأ التأريخ غير الاصطلاح الذي عليه بناء الآخر وتفصيله ان فيه ثلاث اصطلاحات « الأول » : ان يكون مبدؤه فى شهر ربيع الأول فان الهجرة إنّما كانت فيه ، وبناء الصحابة عليه إلى سنة ستّين ورواية ان الحسن ولد سنة اثنتين من الهجرة محمول على هذا المبنى. « الثاني » ان يكون مبدؤه شهر رمضان السابق على شهر ربيع الأول الذي وقعت فيه الهجرة لأنّه اوّل السنة الشرعيّة ورواية ان الحسن (ع) ولد سنة ثلاث مبنى على هذا. « الثالث » : ما اخترعه عمر وهو ان مبدأه المحرم انتهى.

وما أفاده صاحب « مرآة العقول » رافع للتعارض بين القولين وامّا ما أفاده الاستاذ محمّد فريد وجدي فى « دائرة المعارف ج ٣ ص ٤٤٣ » انّ ولادة الحسن عليه السلام كانت قبل الهجرة بستّ سنين فهو مخالف لإجماع المؤرّخين فانّه قبل الهجرة لم يكن الإمام امير المؤمنين متزوّجاً بالصديقة كما أوضحنا ذلك ، وامّا كيفيّة ولادة الصدّيقة بالإمام (ع) فقد جاء بيانها في تأريخ الخميس ج ١ ص ٤٧٠ انّه لما حان وقت ولادتها بعث إليها رسول الله (ص) أسماء بنت عميس وأمّ أيمن فقرأتا عليها آية الكرسي والمعوّذتين وحدثت أسماء فقالت : قبلت فاطمة بالحسن (ع) فلم أر لها دما فقلت يا رسول الله إنّي لم أر لفاطمة دماً في حيض ولا نفاس فقال (ص) أما علمت انّ فاطمة طاهرة مطهّرة لا يرى لها دم في طمث ولا ولادة ، وكانت مدّة حملها به ستّة أشهر ، وذهب صاحب « الفصول المهمة » إلى خلافه وعليه فلم يولد مولود عمره ستّة أشهر فعاش إلّا عيسى بن مريم عليه السلام كما ذكر ذلك فقيد العلم الأميني ; في « أعيان الشيعة ج ٤ ص ٣ ».

۲. سرأه : قطع سرته ، ألباه بريقه ، مأخوذ من اللباء ، وهو اوّل اللبن عند الولادة ، والمراد انّه « ص » أطعمه بريقه كما يطعم الصبي اللباء.

۳. دائرة المعارف للبستاني ٧ / ٣٨.

٤. مسند الإمام أحمد بن حنبل ٦ / ٣٩١ ، صحيح الترمذي ١ / ٢٨٦ ، صحيح أبي داود ٣٣ / ٢١٤ ، وقيل إنه لم يفعل ذلك بنفسه ، وإنما اوعز إلى أسماء بنت عميس وأمّ سلمة أن تفعلا ذلك به ساعة الولادة ذكره الشبلنجي في نور الأبصار ص ١٠٧.

٥. الجواهر كتاب النكاح.

٦. تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٧٠ وجاء فيه انّ أمين الوحي جبرئيل هبط على النبي (ص) فقال له : إن ربّك يقرؤك السلام ويقول لك علي منك بمنزلة هارون من موسى ولكن لا نبيّ بعدك فسمّ ابنك هذا باسم ولد هارون ، فقال له (ص) وما كان اسم ابن هارون يا جبرئيل ؟ فقال شبّر فقال له (ص) : إنّ لساني عربي فقال : سمّه الحسن ففعل (ص) ذلك.

وقريب من هذا ذكره العاملي رحمه الله في « أعيان الشيعة » وجاء في « اسد الغابة » ، وتأريخ الخميس ج ١ ص ٤٧٠ انّ اسم الحسن لم يكن معروفاً في الجاهليّة وجاء في تأريخ الخميس ان رسول الله اسماه بهذا الإسم في اليوم السابع من ولادته ، وهذا القول بعيد لأن التسمية وقعت عقيب الولادة بلا فصل كما ذهب إليه كافة المؤرّخين ، وجاء فى الاستيعاب ج ١ ص ٣٦٨ ، وفي الأدب المفرد ص ١٢٠ انّه لما ولد الحسن عليه السلام جاء رسول الله « ص » فقال اروني ابني فما اسميتموه ؟ قالوا حربا ، فقال « ص » بل هو حسن ، فلمّا ولد الحسين قال اروني ابني فما اسميتموه ؟ قالوا حربا ، فقال « ص » بل هو حسين ، فلمّا ولد الثالث قال ما اسميتموه ؟ قالوا حربا ، فقال « ص » بل هو محسن ، ثمّ قال صلى الله عليه وآله وسلّم إنّي سمّيتهم بأسماء ولد هارون شبّر وشبير ، ويمكن ان يقال إن هذه الرواية موضوعة ، اولا إن العداء بين الهاشميين وآل حرب غير خفي فما هو المحبّذ لآل البيت بتسمية أبنائهم باسم حرب الذي ينتمي إليه الأمويون وثانيا إن إعراض الرسول « ص » عن اسم حرب حين ولادة الحسن « ع » هو كاف في إعراض آل البيت عن تسمية الحسين والمحسن بهذا الاسم ، وثالثاً إنّ المحسن لم يولد في حياة الرسول « ص » فهذه الامور تبعد صحّة الرواية التي ذكرها صاحب « الاستيعاب » وغيره وروى أحمد بن حنبل فى مسنده عن علي « ع » انّه قال : لما ولد لي الحسن سمّيته باسم عمّي حمزة ولما ولد الحسين سمّيته باسم أخي جعفر فدعاني رسول الله «ص» فقال إنّ الله قد أمرني ان اُغيّر اسم هذين فسمّاهما حسناً وحسيناً ، وهذه الرواية أيضاً ضعيفة فان الرسول « ص » اسمي حفيديه عقيب ولادتهما ولم يذهب أحد الى ما ذكره الإمام أحمد.

۷. العقيقة في اللغة صوف الجذع وشعر كلّ مولود من الناس وهي مأخوذة من العق وهو الشق والقطع سمي الشعر المذكور بذلك لأنّه يحلق عنه والعقيقة من المستحبّات الأكيدة وذهب بعض الفقهاء إلى وجوبها ، وقال « ص » حين ذبحها بسم الله عقيقة عن الحسن اللهم عظمها بعظمه ولحمها بلحمه اللهم اجعلها وقاء لمحمد وآله.

۸. تأريخ الخميس ج ١ ص ٤٧٠ مشكل الآثار ١ / ٤٥٦ ، الحلية ٧ / ١١٦ ، صحيح الترمذي ١ / ٢٨٦ ، أعيان الشيعة ج ٤ ص ١٠٨ ، وذكر الشبلنجي في نور الابصار والطحاوي في مشكل الآثار ١ / ٤٥٦ ، والحاكم في المستدرك ج ٤ ص ٢٣٧ ان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عق عن الحسن والحسين عن كلّ واحد بكبشين وهذه الرواية ضعيفة فقد طعن بها شمس الدين الذهبي في تلخيص المستدرك المطبوع على هامش مستدرك الحاكم ج ٤ ص ٢٣٧ فقال إن راويها سوار وهو ضعيف الرواية هذا اوّلاً وثانياً ان أئمّة الفقه لم يذكروا في تشريع العقيقة إلّا واحدة.

۹. ًتأريخ الخميس ١ / ٤٧٠ ، نور الأبصار ص ١٠٧ صحيح الترمذي ١ / ٢٨٦ وجاء فيها ان زنة شعره كانت درهما أو بعض درهم.

۱۰. الخلوق : طيب مركب من زعفران وغيره ، وفي البحار ١٠ / ٦٨ انّ العادة في الجاهليّة كانوا يطلون رأس الصبي بالدم ، فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم : الدم من فعل الجاهليّة ، ونهى أسماء عن فعل ذلك.

۱۱. نور الأبصار : ص ١٠٨.

۱۲. جواهر الأحكام كتاب النكاح ، وجاء فيه انّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : طهّروا أولادكم يوم السابع فانّه أطيب ، وأطهر ، وأسرع لنبات اللحم ، وانّ الأرض تنجس من بول الأغلف أربعين يوماً.

۱۳. اسد الغابة ٢ / ٩ ، والكنية هي ان تصدر بأب أو أم ، وهي من سنن الولادة فعن الإمام محمّد الباقر عليه السلام : إنا لنكنّي اولادنا في صغرهم مخافة النبز ان يلحق بهم.

۱٤. فضائل الأصحاب : ص ١٦٦ ، وفي صحيح الترمذي ٢ / ٣٠٧ عن علي عليه السلام قال : الحسن أشبه برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ما بين الصدر إلى الرأس ، والحسين أشبه بالنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ما كان أسفل من ذلك ، وفي الاصابة عن البهي قال : تذاكرنا من أشبه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم من أهله فدخل علينا عبد الله بن الزبير ، فقال : أنا احدّثكم بأشبه أهله به ، واحبّهم إليه الحسن بن علي ، ورواه الهيثمى في مجمعه ٩ / ١٧٥ ، وفي المحبر ص ٤٦٩ انّ فاطمة عليها السلام كانت ترقص ولدها الحسن وتقول له : وا بأبي شبه أبي غير شبيه بعلي.

۱٥. الادعج : شدة في سواد العين مع سعتها.

۱٦. الوفرة : الشعر السائل على الأذنين ، أو هو الشعر المجتمع على الرأس.

۱۷. الكراديس : جمع مفرده الكردوسة ، وهي كل عظمين التقيا في مفصل أو العظم الذي يجتمع عليه اللحم ، والمراد ضخم الأعضاء.

۱۸. المنكبين تثنية منكب ، وهو مجتمع رأس الكتف والعضد.

۱۹. الجعد : الشعر الذي فيه التواء ، وتقبض ، وهو خلاف المسترسل.

۲۰. كث اللحية : قصرها مع كثرة شعرها.

۲۱. تأريخ الخميس ١ / ١٧١ ، وذكر البستاني في دائرة المعارف ٧ / ٣٨ بعض هذه الأوصاف.

۲۲. تأريخ اليعقوبي ٢ / ٢٠١ ، وعن الغزالي في احياء العلوم انّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال للحسن : « اشبهت خلقي وخلقي ».

مقتبس من كتاب : [ حياة الإمام الحسن بن علي عليهما السلام دراسة وتحليل ] / الجزء : ۱ / الصفحة : ٤۹ ـ ٥٦

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى