منوعات

مظلومية الزهراء (عليها السلام) في نهج البلاغة

تواترت الروايات في ذكر منزلة الزهراء (عليها السلام), ذلك في قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): ((إِنَّمَا فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي، فَمَنْ أَغْضَبَهَا أَغْضَبَنِي))([1]), وهذا الحديث صريح على أن من أغضبها فقد أغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم), ومن أغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد أغضب الله سبحانه, وهذا مصيره جهنم وبئس المصير. والروايات تشير إلى أنها (عليها السلام) غضبت على أبي بكر وأصحابه الذين اغتصبوا حقها واعتدوا عليها([2]). وهي أول من ظلم من أهل بيت النبوة بعد رسول الله (صلوات الله عليهم) فقد اغتصبوا حقها وسلبوا إرثها واعتدوا عليها, فبئس ما خلفوا به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). الذي أوصى بها وبين منزلتها منه, إلا إنَّ الظالمين لم يألوا فيها ذما ولا وصية.

وترجم أمير المؤمنين (عليه السلام) مظلوميتها في كلام له عند دفنها (سلام الله عليها). إذ زار قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم قال: ((السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ عَنِّي، وَعَنِ ابْنَتِكَ النَّازِلَةِ فِي جِوَارِكَ، وَالسَّرِيعَةِ اللَّحَاقِ بِكَ!))([3]), يشير هذا النص إلى أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يسمع نداءه (عليه السلام) وفيه يصف أمير المؤمنين (عليه السلام) الحال التي كانت عليها الزهراء (صلوات الله عليها), فهي أقرب من نزل إلى جواره من أهل بيته (عليهم السلام), وأول من لحق به كما وعدها([4]).

ويظهر حزنه (عليه السلام) في قوله: ((قَلَّ يَا رَسُولَ اللهِ عَنْ صَفِيَّتِكَ صَبْرِي، وَرَقَّ عَنْهَا تَجَلُّدِي، إِلاَّ أَنَّ لِي فِي التَّأَسِّيِ بِعَظِيمِ فُرْقَتِكَ، وَفَادِحِ مُصِيبَتِكَ، مَوْضِعَ تَعَزّ، فَلَقَدْ وَسَّدْتُكَ فِي مَلْحُودَةِ قَبْرِكَ، وَفَاضَتْ بَيْنَ نَحْرِي وَصَدْرِي نَفْسُكَ{إنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}))([5]) وهنا يبين الإمام (عليه السلام) عِظم مصيبته المتمثلة بفقد رسول الله وابنته ( صلوات الله عليهم), ولكن عند النظر إلى قوله (قلَّ يا رسول الله عن صفيتك صبري) يظهر أن حزنه لفقدها ولما حل بها قبل استشهادها, ثم يسترجع فهو مؤمن بقضاء الله وقدره مسلِّم له أموره وكيف لا وهو خير من خلق بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

 وأما قوله: (( فَلَقَدِ اسْتُرْجِعَتِ الْوَدِيعَةُ، وَأُخِذَتِ الرَّهِينَةُ! أَمَّا حُزْنِي فَسَرْمَدٌ، وَأَمَّا لَيْلِي فَمُسَهَّدٌ، إِلَى أَنْ يَخْتَارَ اللهُ لِي دَارَكَ الَّتِي أَنْتَ بِهَا مُقِيمٌ))([6]), فهي وديعة الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) عند أمير المؤمنين (عليه السلام) وعند أمته التي حابتها في حقها, وسيظهر أمر هذه الوديعة وما جرى عليها يوم الورود.

 وفي قوله: ((وَسَتُنَبِّئُكَ ابْنَتُكَ بِتَضَافُرِ([7]) أُمَّتِكَ عَلَى هَضْمِهَا، فَأَحْفِهَا السُّؤَالَ، وَاسْتَخْبِرْهَا الْحَالَ، هذَا وَلَمْ يَطُلِ الْعَهْدُ، وَلَمْ يَخْلُ مِنْكَ الذِّكْرُ))([8]), فيبين الإمام (عليه السلام) هنا ما قامت به العصابة التي أغضبت الزهراء (صلوات الله عليها) واغتصاب حقها وسلب إرثها, ويقول لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إنها سوف تشكو إليك ما حلَّ بها من أمتك بعدك, فاسألها عن كل ما جرى عليها واستخبر منها الحال التي صار عليها هؤلاء القوم, مع علمك بما فعلوه بها, ويدل قوله هذا على أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سيكون خصمهم يوم القيامة, لما خلفوا به ذريته, وأما قوله: هذَا وَلَمْ يَطُلِ الْعَهْدُ، وَلَمْ يَخْلُ مِنْكَ الذِّكْرُ, فيبين سرعة انقلابهم ونكثهم لما أوصاهم به بعده وهذا مصداق لقوله تعالى: ((وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ))([9]).

وقوله: ((وَالْسَّلاَمُ عَلَيْكُمَا سَلاَمَ مُوَدِّع، لاَ قَال وَلاَ سَئم، فَإنْ أَنْصَرِفْ فَلاَ عَنْ مَلاَلَة، وَإِنْ أُقِمْ فَلاَ عَنْ سُوءِ ظَنٍّ بِمَا وَعَدَ اللهُ الصَّابِرِينَ))([10]) يبدأ الوداع في هذا المقطع فختمه أمير المؤمنين (عليه السلام) بما بدأ به كلامه وهو السلام,  ثم يذكر أن هذا الوداع لا عن بغض أو سئم او ملل أو سوء ظن بوعد الله وحاشا لأمير المؤمنين (عليه السلام) أن يكون كذلك.

ومما سبق يتبين حجم مصاب أمير المؤمنين (عليه السلام) بفقدهما (صوات الله عليهما) وعند تأمل النص نرى أنه يسير في بكائية واضحة, فكأن أمير المؤمنين (عليه السلام) يتكلم ويبكي في هذا النص لما حل به من مصيبة. ويؤكد هذا ما روي عنه (عليه السلام) عندما سأله عمار بن ياسر (رضوان الله عليه) (( يا سيّدي ما بالكُم تَأمرونا بالصَبر على المصيبة ونراكم تَجزعَون ؟

فقال (عليه السلام) : يا عمّار إن العزاء عَن مِثلِ مَن فقَدته لعزيز . يا عمّار ، لَما فقَدتُ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت فاطمة الزهراء هي الخَلَف منه والعوض عنه ، وكانت صَلواتُ الله عليها إذا نطَقَت مَلأَت سمعي بكلامِهِ ، وإن مَشَت حَكَتْ كريم قوامه ، فوَالله يا عمّار ما أحْسَسْتُ بوجع المصيبة إلا بوفاتها ، وما أحَسستُ بألم الفراق إلا بفراقها .

قال عمّار: فأبكاني كلامه وبكاؤه فبكيتُ رحمةً له ، فقلت : يا أمير المؤمنين اعلم أن الناس صنفان: مقرر ومفتَقِرٌ إليك ، وقول الناصح ثقيل))([11]), وهكذا يعبر الإمام (عليه السلام) عن مصيبة الزهراء التي حلت بها ومصيبته بفقدها في هذا الكلام الذي جمع كل ما جرى عليهما بعبارات واضحة ومختصرة لأن صاحب المصاب لا يطنب في الكلام وإنما يوجز فقد أوجز الإمام (عليه السلام) ما حدث في هذا.

[1] الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار: 6/ 388, صحيح البخاري: 5/ 21, وينظر: مسند البزار: 6/ 150.

[2] ينظر:  مسند أحمد: 1/ 232, وينظر: صحيح البخاري: 5/ 139.

[3] نهج البلاغة, تحقيق: علي أنصاريان: 278.

[4] ينظر: سنن الدارمي: 1/ 216, وينظر: صحيح البخاري: 4/ 203.

[5] نهج البلاغة: 278- 279.

[6] نهج البلاغة: 279.

[7] أي اجتماعهم, ينظر: لسان العرب: 4/ 489.

[8] نهج البلاغة: 279.

[9] سورة آل عمران: 144.

[10] نهج البلاغة: 279.

[11] الأربعين في حب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): 4/ 469.

المصدر: http://inahj.org

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى