نور العترة

وفاة الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام


قيل للمنصور في أحد الأيام، وكان قد أتمّ القضاء على الكثيرين من آل علي (ع): الشّكر لله يا أميرالمؤمنين، فقد تخلّصت أخيراً من كلّ خصومك . . قال المنصور: لا، فالأمر ليس كذلك؛ فأنا لن أحسّ بالرّاحة طالما كان جعفر بن محمدٍ على قيد الحياة . .

لم يمض على هذا الحديث وقت طويل، حين أعلن أنّ الإمام الصادق عليه السلام، قد توفّي في المدينة مسموماً. وكان في الخامسة والسّتين من عمره الشّريف.

ولمّا وصل خبر استشهاد الإمام إلى المنصور، بدأت دموع التّماسيح تنهمر على وجهه وهو يقول: إنّا لله وإنّا إليه راجعون. ثمّ سارع فكتب إلى واليه على المدينة، محمد بن سليمان، كتاباً جاء فيه: إن كان جعفر بن محمد قد أوصى إلى رجل بعينه، فقدّمه واضرب عنقه. يريد بذلك أن يتخلّص من وصيّ الإمام عليه السلام. لكنّ الإمام كان أقدر منه على ترتيب الأمور، وأصوب إلهاماً وتفكيراً. فقد نصّ عليه السلام على إمامة ولده موسى بن جعفر من بعده، أمام عددٍ من أصحابه المخلصين، ثمّ عمد إلى كتابة وصيّة، هي التي وقعت في يد عامل المنصور على المدينة فيما بعد، وجاء فيها أنّه أوصى إلى خمسةٍ وهم: أبوجعفر المنصور، ومحمد بن سليمان والي المدينة، وعبد الله الأفطح، ابن جعفر، وموسى بن جعفر، وحميدة زوجته.

حار الوالي في أمره، فكتب إلى المنصور يعلمه بفحوى الوصيّة، وحين عرف المنصور جليّة الأمر أسقط في يده وقال: ليس إلى قتل هؤلاء من سبيل وهكذا فوّت الإمام بحسن تقديره وثاقب تفكيره على المنصور فرصة البطش بالإمام من بعده.

كانت وفاته رحمه الله سنة 148 للهجرة، ودفن بالبقيع إلى جانب أبيه وجدّه، وجدّته الزهراء، وعمّه الحسن رضوان الله وسلامه عليهم. وكانت حياته الشريفة حافلة بالأحداث الجسام، في فترةٍ حسّاسةٍ من التاريخ الإسلامي، وعهد يشكل منعطفاً هامّاً في مسيرة الحياة الإسلامية، طبعه عليه السلام بطابعه الشريف، حتى سمّي بحقٍّ « عصر الإمام الصادق »، كان عصراً اختلطت فيه المفاهيم، وتضاربت الآراء والمذاهب، يأخذ بعضها – على كثرتها – برقاب بعض، واحتاج الأمر إلى فيصل صدقٍ يميز خبيثها من طيّبها، فكان الإمام الصادق عليه السلام خير فيصل لهذا الأمر. ولا تزال تعاليمه ومواقفه إلى اليوم فيصل صدقٍ بين الحقّ والباطل. ولا تزال كلماته وحكمه مناراً يهدي إلى سواء السّبيل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى