التعليممقالات

نحو اعلان ثقافي اسلامي عالمي …

لم يعد أمام الولايات المتحدة إلا أن تعلن الحرب بضراوة، فلم يعد هناك من مانعٍ في التردد، بات كل شيء جاهزاً على أكمل صورة، فالحملات الاعلامية الهائلة والموجهة طوال الاشهر الخمسة الفائتة ضد من تسمّيهم “اشراراً “و”طغاة” لم تنقطع على شاشات التلفزة العالمية، وبات مفهوم الارهاب أشبه بوصفة طبية يتجرعها سكان العالم كل يوم.
التحرك السياسي الدؤوب كان في حالة اشتعال منذ 11 أيلول ولم يألُ طاقم السياسة الامريكية جهداً في تهديدٍ بلدٍ من بلدان العالم أو وعيد آخر بحجة إدانة الارهاب، بالاضافة الى الغليان الامني الذي رافق هذه الحملة والذي اصبح جزءً من فاتورة يومية تدفعها كثير من الحكومات لتوفير الامن لسيدة العالم.
اليوم وجهت السياسة الامريكية الضربة القاضية للعقل البشري في اعلان ستين مثقفاً امريكياً الحرب على الارهاب واعتبروها بمثاب الضرورة الاخلاقية التي لا محيد عنها ليشكل هذا الاعلان آخر حجر صلبٍ لمبدأ الحرب الشاملة.
يطلعنا هذا البيان الفوّاح برائحة المحبة والرأفة على شعوبنا الاسلامية تشكيل غطاءٍ ثقافي وأخلاقي لنهج الحرب القادمة. وبعيداً عن السياسة فإنّ الدفاع عن القيم الكونية فريضة واجبة على كل إنسان وأن الشرائع السماوية بأجمعها تشرّع الحرب لأجل الدفاع وردع المعتدي اذا لم يأبه بكل ندءات السلام والتفاوض، هذا اللغة التي تحمل طابعاً فكرياً بامتياز تشكل غطاءً لا يعود بعدها لمثقفينا وعلمائنا – المصرّين على أن مبدأ الحرب ليس لصالح الانسانية – أية قدرة على المواجهة إذ بهذا الامر تتمّ الحجة ويستكمل البرهان.
على الجميع – اذن – أن يشارك في هذه الحرب “العادلة” على “الارهاب” وأمريكا مستعدة لمدّ يد العون لكل من يساهم، وبهذا الاسهام الجليل نكون قد اهتدينا الى ضوء القرآن المجيد الذي عشيتْ عنه تلك الزمرة”المارقة “التي تدافع عن الاسلام وتقف بوجه التعنّت الامريكي والوحشية الاسرائيلية كل يوم. وبحسب التصدير المعلن عن” مؤسسة القيم الامريكية “فإنّ نزراً من المسلمين يشوّهون مسعة الدين والاسلام بتلك السلوكات الوحشية ويمارسون”أعمالاً مفجعة” بحق العالم وبخاصة ما جرى في نيويورك سيتي حيث سقط ثلاثة آلاف اميركي ضحية هذا الاعتداء.
وهنا لا بدّ من إبراز سؤال يكون برسم المثقفين الامريكيين عن مدى اطلاعهم – وهم كذلك – على المجازر الوحشية التي ارتكب بحق المواطنين المسلمين في البوسنة والهرسك وبعدها في كوسوفا وقديما وحديثاً في لبنان وفلسطين وهل أن صوت القيم الكونية كان حاضراً آنذاك. قبل 11 أيلول لم يكن ثمة أموات ولا قتلى ولا مشردون ولا معذّبون ولا اسرى ولا أعمال مفجعة يستحق الردّ عليها واطلاق بوق العدالة الانسانية.
إن ثمن سيطرة 20% من سكان هذا العالم على ثروات 80% منه يؤدي الى وفاة 40 مليون انسان كل عام بينهم 15 مليون ونصف من الاطفال حسب تقرير منظمة اليونيسيف 1995. وإن نمط التنمية الحديث يوصل عدد الموتى كل يومين ما يساوي موتى القنبلة الذرية التي ألقيت على هيروشيما في نهاية الحرب العالمية الثانية.
في هذا البيان يطالعنا على مفردة من مفردات القيم الانسانية وهي أن” جميع الناس خلقوا احراراً “وهل تساءل هؤلاء المثقفين الامريكيين عن استعباد معظم دول العالم الثالث بحث ظهرت المجاعات في التسعينيات على المستوى المحلي في افريقيا جنوب الصحراء الكبرى وفي جنوب آسيا وفي بعض اجزاء امريكا اللاتينية واقفلت مراكز الصحة والمدارس ابوابها وحرم مئات الملايين من الاطفال من حق التعليم الابتدائي وعاد ظهور الاوبئة في أوروبا الشرقيةوالبلقان. أليست وحدانية السوق هي العبودية الجديدة في هذا الزمن؟! وأضحى البنك الدولي باعتباطياته المعهودة يعتبر أن البلد الذي يزيد نسبة الدخل الفردي فيه عن الدولار الواحد بلداً غنياً ! ألم تكن الحرب ضد العراق مناسبة قيّمة أمام الولايات المتحدة لاختبار الصواريخ الموجهة بأشعة اللايزر؟! وأليست العبودية المستحدثة هو وثيقة الاقتراح التي قدمها جورج بوش الاب عن مشروع النظام العالمي الجديد في ظل عولمة صارخة؟!
الكلام هنا لا يعني الامريكيين بالدرجة الاولى بقدر ما يعني مثقفينا ومفكرينا الذي غمروا مكتباتنا بنقد العقل العربي والاسلامي وأنه بات من الواضح أن يعدّوا العدة لمواجعة الاطروحة الموجهة ضدّنا من قبل مثقفيهم. فإعلامنا مشغول هذه الايام ببرامج المسابقات الباذخة والتفنن بابراز جسد المرأة العربية (حضارياً)، وثمة استنتاج خطير برز بعد 11 أيلول يفضي للقول بأن مجمل قنواتنا الفضائية وصفحات الانترنت لم تكن تجدي نفعاً فخمسة اشهر كانت كافية للولايات المتحدة بتشويه صورتنا عالمياً أما نحن فمشغولون بالرد على العقائد الفاسدة والتضخيم لبعض الشخصيات الدينية على حساب الترويج للدين.
آن الأوان ليجتمع مثقفونا وعلماؤنا ليقروا سبل المواجهة مع هذا الاعلان الخطير والذي يشكّل أرضية متينة للمواجهة القادمة1.

  • 1. المصدر: جريدة السفير العدد: 9145، جريدة اللواء العدد:10427 لسماحة الشيخ عفيف النابلسي حفظه الله.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى