مقالات

متى يكون الدعاء لغير الله شركاً؟

بسم الله الرحمن الرحيم

بقلم: زكريا بركات

سأل أحدُ الإخوة عن وصف المؤمنين (عباد الرحمن) بـ (الَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخر) [الفرقان: 68] ، مُتصوِّراً أنَّ معنى ذلك حرمةُ أن ينادي الإنسان أحداً غير الله ويطلب منه الحوائج..

فأقول مُجيباً ـ ومن الله التوفيق ـ :

إنَّ الدعاء يأتي بمعنيين: النداء و العبادة، ومن هنا جاء في لسان العرب: “قد يكون الدُّعاءُ عِبادة” . فالشرك المحرَّم هو أن يدعو الإنسانُ غيرَ الله بمعنى دعاء العبادة، وأمَّا دعاء النداء فهذا ليس مُحرَّماً في نفسه.

وهذا التفريق بين استعمالي الدعاء ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى من سورة الأعراف / 194 : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) ، فالدعاء الأوَّل معناه: العبادة، بينما الدعاء الثاني معناه النداء من أجل طلب الحاجة.. وفي تفسير “المنتخب” الذي كتب من قبل لجنة من علماء الأزهر، تمَّ شرحُ الآية هكذا: “إنَّ الذين تعبدون من غير الله، وترجون النفع منهم، خاضعون لله بحكم تكوينهم، من حيث كونهم مُسخَّرين لأمره مثلكم، فإن كنتم صادقين فى زعمكم أنَّهم يقدرون على شيء، فاطلبوه منهم فلن يحقِّقوه لكم”.

فلاحظ أنَّهم فهموا الآية كما بيَّنَّا، فترجموا الدعاء الأوَّل بالعبادة، وترجموا الدعاء الثاني بطلب الحاجة.

في الحقيقة أنَّ الآية تقول: إنَّ من لا يستجيب للدعاء بمعنى الطلب، فهو لا يستحقُّ الدعاء بمعنى العبادة..

فأمَّا الدعاء بمعنى طلب الحاجة، مع الاعتقاد بأن الذي نناديه ونطلب منه هو سببٌ سبَّبه الله، و واسطة جعلها الله، فهذا لا ربط له بالعبادة، فهو دعاء بمعنى النداء وطلب الحاجة ممن يستطيعها بإذن الله تعالى.. بل هذا من مظاهر التوحيد، لأنَّ قبول الجعل الإلهي من مظاهر قبول الله تعالى، فإبليس رفض السجود لآدم، فطُرد من الجنَّة، وذلك لأنَّ الخضوع لآدم كان مطلوباً لله، وكان سبباً إلى مرضاة الله، فرفضه هو المبغوض عند الله.. وهكذا حين يقبل الإنسانُ بواسطة يعتقد أنها واسطةٌ جعلها الله تعالى، فهذا الخضوع للواسطة هو خضوع لمن جعل الواسطة، ورفضها رفضٌ لمن جعلها، فنافي الواسطة هو الآثم وليس المُثبت..

ومن هنا نجد المفسِّر الشعراوي قال في تفسير (الَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً) : “هذه الآية للمفتونين في الأسباب الذين ينتظرون منها العطاء، وينسْونَ المسبِّب سبحانه” انتهى محل الشاهد من كلامه..

فالذي يدعو السبب من غير غفلة عن المسبِّب سبحانه وتعالى، فهذا لا تتكلَّم عنه الآية.

وممَّا يؤكِّد ذلك: التعبيرُ عن المدعو بالإله، قال الله تعالى: (الَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً) ، فهل وصفُ الإله هو من قبل الله تعالى؟ كلا بلا ريب، بل هو وصفٌ من قبل الداعين الذين يمارسون الشرك المرفوض.. فمعنى الآية: أنَّ العبادة المرفوضة هي أن يَقْرِنَ الإنسانُ بالله (تعالى) مخلوقاً يتصوَّر أنه إلهٌ.. فالمعتقَدُ الخاطئ هو الذي يجعل الممارسة مرفوضة؛ لأنها تكون بذلك من الشرك..

وأمَّا من كان مُعتقَدُه صحيحاً، فيكون دعاؤه لغير الله دعاءَ نداءٍ وطلبَ حاجة، ولا علاقة له بالعبادة الشركيَّة..

والحمد لله ربِّ العالمين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى