مقالات

علاقة البكاء بالدعوى

بسم الله الرحمن الرحمن الرحيم

البكاء دليل على وجود تأثُّر ما في القلب.. لكن ما هو ذلك التأثر؟ وممَّ هو؟ وهل هو ذو قيمة ويستند إلى موقف صائب؟ وهل وهل…؟؟؟

إنها أسئلة لا يمكننا أن نعرف إجابتها على وجه الدقة من خلال البكاء نفسه، ولذلك علينا أن نحذر من التفاعل مع البكاء الذي يمكن أن نواجهه في سلوك شخص ما..

كثير من البسطاء (الطيِّبين) حين يواجهون بكاء شخص ما، يستعجلون في الاستنتاج ويظنون أنه مظلوم، ويتسرعون في اتخاذ موقف لصالحه متأثرين ببكائه..!

فلنضرب مثالاً لذلك:
حين يُطرد موظف ما من عمله بسبب خطأ جسيم ارتكبه، من الممكن أن ينهار الموظف ويبكي.. ولكن هل ينفع بكاؤه للحكم بأنه مظلوم وأنه طُرد بغير وجه حق؟

البكاء ليس دليلاً كافياً على الظلامة..

قد يكون بكاؤه نابعاً من الندم على الخطأ الذي ارتكبه والذي أدى به إلى الحرمان من لقمة عيشه وكونه معرضاً لمشكلة مالية.. ولذلك هو يبكي حسرةً وتألماً.. وهذه الحالة التي يشعر بها (من الحسرة والندم والقلق) تساعده على البكاء، وهو بإمكانه في لحظة بكائه أن يدعي أن الإدارة ظلمته وأخرجته بغير وجه حق..

هنا يقع البسطاء أصحاب القلوب الطيبة في الخطأ، حيث يقولون: لو كان كاذباً لما كان يبكي.. من المؤكد أنه مظلوم..!

إنهم لا يدركون أن البكاء نابع من شعور آخر، وأنَّ الباكي يستغل الحالة البكائية لطرح دعواه لكي تكون مصدقةً من قبل الطيبين الذين لم يتعودوا التفكير في مثل هذه المواضيع، حيث يقعون تحت تأثير العاطفة ويستعجلون بإصدار الحكم لصالح الباكي..

هذا المثال يتكرر في صور مشابهة في حياتنا بمختلف المجالات..

فالأب يحكم ـ بحكم عاطفيته ـ لبنته التي تبكي، ويجزم بأن معلمتها ظلمتها..!

والمجتمع يتعاطف مع المرأة التي تبكي، ويجزم بأن زوجها ظلمها..!

والأسوأ من ذلك أن بعض الذين يعيشون حالة من المرض والمعاناة النفسية، يمكنهم افتعال البكاء بسهولة عندما يشعرون بالحاجة إلى ذلك.. وبهذا الأسلوب يتمكنون من كسب تضامن جماعة من الناس الطيبين لصالحهم.. وقد لا يتصور الطيبون أن الباكي هو مجرد إنسان كاذب، ولكنه يحسن استثمار البكاء وجعله مرافقاً لكذبته التي يجعلها تبدو كالحقيقة وربما كظلامة كبرى بفعل تأثير البكاء..

كثيرٌ من المشاكل الاجتماعية تتعقد بسبب دخول عنصر البكاء فيها.. ومع أن البكاء قد يكون صادقاً كما قد يكون كاذباً، إلاّ أنَّ المشكلة ليست ـ بالضرورة ـ نابعة من كذب البكاء، ولكنها عادة تنبع من التلفيق (الذكي) بين البكاء والدعوى، أي ضمِّ البكاء إلى الدعوى من غير مبرر منطقي.. وهي حيلة وخداع يمارسه الإنسان كوسيلة لإقناع الناس بحقانية موقفه..

وهنا تظهر أهمية الاحتكام إلى ذوي الكفاءة والخبرة في المجال الاجتماعي والديني لحل المشاكل والقضايا الشائكة؛ لأن الكفاءة والخبرة تعني ـ فيما تعني ـ عدم التأثر بالأساليب العاطفية من قبيل البكاء، بل تحييد جميع المؤثرات العاطفية، والنظر في المعطيات المنطقية التي تُطرح من كل الأطراف وتقييمها بميزان العقل والشرع.
والله ولي التوفيق.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى