الجهاد و الشهادةسيرة أهل البيت (ع)مناسباتمنوعات

سيرة رسول الله صلّى الله عليه وآله مع المنافقين

الأستاذ سعيد العذاري
كان المنافقون يتصيدون كلّ شبهة وكلّ حيلة وكلّ ثغرة لينفذوا منها لبلبة الأفكار والعواطف، وإشاعة الاضطراب في العقول والقلوب; ولإيقاد نار الفتنة بين المسلمين، ومن ثم التشكيك بصحة الرسالة والرسول، وكانت الفتنة مرتعهم الخصب للعمل والحركة ; لتحقيق مصالحهم في القضاء على الإسلام عقيدة وشريعة وقيادة وكياناً.
وكان رسول الله صلّى الله عليه واله يتعامل بحذر مع المنافقين لأنّهم الأعداء من الداخل، وكان يحذّر منهم أحياناً، ويستخدم القوة أحياناً أخرى تبعاً للظروف وللمصلحة الاسلامية العليا، وكان يعمل على تحجيم نشاطهم وإفشال مخططاتهم بالرفق واللين أو بالشدّة والقوة تبعاً لدرجة خطورتهم على وحدة المسلمين وعلى الكيان الإسلامي.
فكان رسول الله صلّى الله عليه واله مرناً في التعامل مع عبدالله بن أبي سلول لأنّه احد زعماء أهل المدينة، وله أتباع وأصحاب، فقد راعى مشاعر عشيرته في التعامل المرن معه; لئلا تحدث فتنة بين المسلمين، فعلى الرغم من مواقفه السلبية ودوره في خلق الاضطرابات والفتن إلا أنّ رسول الله صلّى الله عليه واله تركه لعشيرته وللظرف المناسب، فحينما اقترح عمر بن الخطاب على رسول الله صلّى الله عليه واله القيام بقتله رفض صلّى الله عليه واله هذا المقترح، وحينما طلب إبنه عبدالله القيام بقتله بنفسه، اجابه رسول الله صلّى الله عليه واله: «بل نترفّق به ونحسن صحبته ما بقي معنا»([1]).
وبهذا الاسلوب المرن والرفق به استطاع تحجيم دوره وتأثيره، وبدأت عشيرته تؤنّبه وتحجّم نشاطه، وتمنعه من إثارة الفتنة.
وكان صلّى الله عليه واله يكتفي برد شبهات بعضهم، وردّ أكاذيب وإشاعات بعضهم مادامت لا تؤثر على الكيان الإسلامي، ولاتؤثر على البرامج والمخططات، وأحياناً كان يحذرهم من عذاب الله تعالى لا من العقوبة القانونية أوعقوبته صلّى الله عليه واله، وبهذه المواقف الحكيمة إستطاع تحجيمهم واعادة بعضهم الى الاستقامة ومن ثم الإخلاص، والسيرة النبوية حافلة بمثل هذا الاستيعاب.
ومن أجل المحافظة على وحدة المسلمين وإنهاء البلبلة والاضطراب بين صفوفهم لم يكشف أسماء المنافقين إلا لعدد محدود من المسلمين وأمرهم بكتمانها كما ورد في كتب السيرة([2]).
وكان  يكتفي بالقول: «إنّ في أصحابي منافقين»([3]).
والحكمة من عدم كشف أسمائهم هي:
1 ـ الحيلولة دون إلتحاقهم بالمشركن .
2 ـ الحيلولة دون تعاطف ذويهم معهم.
3 ـ الحيلولة دون ضعف معنويات البعض ممّن يتصف بضعف الايمان خشية من كشف إسمه في المستقبل.
4 ـ منحهم فرصة للعودة الى الاستقامة.
5 ـ منحهم فرصة للقناعة بالإسلام تأثراً بمفاهيمه ومبادئه وعدالته، أو تأثراً بأخلاق رسول الله صلّى الله عليه واله.
وأمّا تعامله صلّى الله عليه واله مع المنافقين الذين يشكلون خطراً حقيقياً على الصف الإسلامي وعلى حركة الإسلام في مواجهة الأخطار الخارجية، فانّه تعامل معهم بشدة، وخصوصاً بعد أن عجزت أساليب المداراة عن إصلاحهم، فقد أمر صلّى الله عليه واله «بأخراج بعضهم من المسجد إخراجاً عنيفاً»([4]).
وأمر باحراق بيت أحدهم الذي أصبح مقراً لاجتماعاتهم المراد منها خلق الاضطراب في صفوف المسلمين.
وأمر بهدم واحراق مسجد ضرار لأنه أصبح مقراً لالقاء الفتنة بين المسلمين، وقال لاثنين من الصحابة: «إنطلقا الى هذا المسجد الظالم أهله، فاهدماه وحرّقاه»([5]).
فقد كان صلّى الله عليه واله يتعامل مع المنافقين برحابة صدر وإستيعاب مخالفاتهم، وبقي فترة ليست بالقصيرة يواجههم بالمداراة ويمنحهم الفرصة تلو الأخرى لكي يشعروا عظمة الإسلام وعظمة الرسول صلّى الله عليه واله، ويفسح لهم المجال أو الفرصة للإيمان الخالص، أو الاستقامة، ولكنّه أخيراً استخدم القوة لأنّها الحل الحقيقي أو الموقف الحقيقي بعد إصرارهم على تآمرهم، لأنّ استمرار المداراة يشجعهم أحياناً على الاستمرار في التآمر.

المصادر :
([1])  السيرة النبوية لابن هشام 3: 305.
([2])  السيرة النبوية لابن كثير 4: 35.
([3])  مسند أحمد بن حنبل 5: 40.
([4])  السيرة النبوية لابن هشام 2: 125.
([5])  السيرة النبوية 4: 174.

المصدر: https://www.sibtayn.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى