الجهاد و الشهادة

عدَّة المجاهد:1-الإعداد الروحي‏

يقول تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون1.

يأمر المولى عز وجل في هذه الاية الكريمة قبل الأمر بالجهاد في سبيله بتحصيل التقوى. فنحتاج إلى معرفة حقيقة التقوى وأهميتها، ودورها في بناء النفس، وعلاقة الجهاد بها.

منزلة التقوى

التقوى هي روح الإسلام، وأساس الإيمان، وأحد الأهداف الكبرى لبعثة سيد الأنام ‏صلى الله عليه وآله وسلم، فلا عجب أن تحوز هذه الخصلة اهتماما بالغا في النصوص الشرعية.

1-هي ميزان التفاضل
لم يعترف الإسلام بالمبدأ العرقي أو السلطة أو الجاه أو المال كمعيار وأساس للتفاضل بين البشر، بل جعل معيار التفاضل التقوى:قال تعالى﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ2.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في خطبة الوداع:”ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى إن أكرمكم عند اللّه أتقاكم3.

2-هي غاية العبادة
جعل الله تعالى العبادة غايةً للخلق:﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾4.
وجعل التقوى غايةً للعبادة ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾5.

3-هي شرط القبول
قال تعالى في مقام اشتراط قبول الأعمال بالتقوى:﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِين6.
وكل عبادة أو عمل غير مؤسس على التقوى فهو هباء منثور، لقوله عز وجل:﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ﴾7.

معنى التقوى

التقوى بحسب اللغة والعرف هي التحفظ عن الوقوع في المكروه، وصون النفس عن المكاره.
واما بحسب الشرع فالتقوى عبارة عن ملكة نفسانية تصدّ النفس عن الوقوع في المعاصي والمحارم، وتحجزها عن تقحم الشبهات، وتحملها على الطاعات.

مراتب التقوى
للتقوى مراتب، أدناها يبدأ من:


1-ترك الحرام
وهذه المرتبة هي التي أرادها الإمام الصادق عليه السلام لما سئل عن التقوى فقال:”لا يفقدك الله حيث أمرك، ولا يراك حيث نهاك8.

وهناك مرتبة أعلى للتقوى، هي:

2-ترك غير الحرام حذراً
وقد أشار إليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله:”لا يبلغ العبد حقيقة التقوى حتى يدع مالا بأس حذرا مما به البأس9.
ومن جميل ما ورد في الاحتياط في أمور الدين ما ذكره بعض العابدين حينما سئل عن التقوى فقال: هل دخلتم أرضا فيها شوك؟ فقيل نعم، فقال: كيف تعمل وما تصنع؟ قيل:نتوقى ونتحرز، فقال:إصنعوا في طريق الدين كذلك، فتوقوا عن المعاصي، كما يتوقى، الماشي رجله من الشوك.

علامات المتقي

ورد للمتقي علامة هي انه لو وضع عمله على طبق مكشوف ويدور به على العالمين، لم يكن فيه ما يستخفي به، ويستحيى منه10.
وهذا يدل على الثبات الروحي للمتقي الذي لا يزلزله تدخل الناس.

آثار التقوى

ذكرت للتقوى اثار كثيرة وبركات جمّة تكاد تفوق حد الإحصاء، نذكر منها ما يلي:

1-المتقي في ضمان الله وأمانه
قال تعالى:﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا, وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِب11.

وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:”لو أن السموات والأرض كانتا رتقا على عبد ثم اتقى الله لجعل الله له منهما فرجا ومخرجاً”.

ومن وصية الإمام الصادق عليه السلام الى رجل من أصحابه:”فاني أوصيك بتقوى الله عز وجل، فان الله قد ضمن لمن اتقاه أن يحوله عما يكره الى ما يحب، ويرزقه من حيث لا يحتسب“.

وعنه‏ عليه السلام:”من اعتصم بالله بتقواه عصمه الله، ومن أقبل الله عليه وعصمه لم يبال لو سقطت السماء على الأرض، وإن نزلت نازلة على أهل الأرض فشملهم بلية كان في حرز الله بالتقوى من كل بلية، أليس الله تعالى يقول﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِين12.

2-التقوى واصلاح العمل
قال تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا,يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ...﴾13.

وعن أمير المؤمنين عليه السلام:”أوصيكم بتقوى الله الذي ابتدأ خلقكم وإليه يكون معادكم.. فان تقوى الله دواء داء قلوبكم، وبصر عمى أفئدتكم، وشفاء مرض أجسادكم، وصلاح فساد صدوركم، وطهور دنس أنفسكم وجلاء غشاء أبصاركم، وأمن فزع جأشكم، وضياء سواد ظلمتكم”.

3-العز في ظل التقوى
عن الصادق عليه السلام قال:”من أخرجه الله من ذل المعصية الى عز التقوى أغناه الله بلا مال، وأعزه بلا عشيرة، وانسه بلا بشر، ومن خاف الله عز وجل أخاف الله منه كل شي‏ء، ومن لم يخف الله عز وجل أخافه الله من كل شي‏ء“.

4-الحفظ من الأعداء
قال تعالى:﴿وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئً14.

5-غفران الذنوب‏
قال تعالى:﴿أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ، يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ﴾15.

6-الجنة لأصحاب التقوى
قال الله تعالى:﴿لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللّهِ وَمَا عِندَ اللّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ﴾16.
وعن النبي ‏عليه السلام قال:”أكثر ما يدخل به الجنة تقوى الله وحسن الخلق“.

التقوى في ساحة الجهاد

أمر الله تعالى بالتقوى قبل الجهاد في سبيل الله ليدل على ان الحركة الجهادية لا يراد منها تحقيق النتائج الدنيوية كيفما حصلت، بل لا بد أن تكون ضمن الأسس الربَّانية التي أولها الإيمان وثانيها التقوى لذا خاطب الله المؤمنين وأمر بالتقوى ثم بعد ذلك أمرهم بالجهاد.

والتقوى لها دور أساس في ساحة الجهاد:

1-فهي الضمان الإلهي للحفظ من الأعداء ورد كيدهم.

يقول تعالى:﴿وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا﴾17.

وهذا ما يولِّد الاطمئنان لدى المجاهد في عمله الجهادي.

2-وهي التي تثبت المجاهد وإن كان وحيداً في وسط المعركة لا ينسى أن يشعر بقرب الله وانسه به لان “من أخرجه الله الى عزِّ التقوى… انسه بلا بشر” كما ورد عن الإمام الصادق ‏عليه السلام.

3-وأخيراً هي التي من خلالها يشعر المجاهد انه يُقدِّم لله تعالى وان الله يتقبل عطائه فإن وصل الى الشهادة كان في مقام أمين لأنه “انما يتقبل الله من المتقين” و”إن المتقين في مقام أمين“.
*الإعداد الروحي‏,سلسلةعدة المجاهد-الدروس الثقافية,نشر جمعية المعارف الاسلامية.


1-المائدة:35
2-الحجرات:13
3-مورد الحكمة ج‏4 ص‏3629.
4-الذاريات:56
5-البقرة:121
6-المائدة:27
7-التوبة:109
8-الوسائل السعادة ج‏15 ص‏229.
9-نهج السعادة ج‏7 ص‏58.
10-الكافي ج‏2 ص‏76.
11-الطلاق:2-3
12-الدخان:51
13-الاحزاب:70-71
14-ال عمران:120
15-نوح:3-4
16-ال عمران:198
17-نهج السعادة ج7 ص58.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى