الجهاد و الشهادة

عدَّةالمجاهد:2-الإعداد العقائدي‏

يقول تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾1.

يتوجه الأمر بالجهاد في هذه الاية الكريمة إلى ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ﴾، وهم صنف خاص من الناس خاطبهم الله سبحانه في أكثر من مورد من كتابه العزيز بأجمل خطاب، ووصفهم بأشرف الصفات والأحوال، وبيّن بذلك ما لهم من الفضل العميم والأجر العظيم عنده.

وفي اية القتال عرفهم تعالى بأنهم الذين يقاتلون في سبيل الله ﴿إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ..﴾2.

ولأنهم قاموا لله وقاتلوا في سبيله، فقد جعل البشارة لهم في الاية السالفة الذكر﴿.. فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ .. وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾3.


والإيمان الذي اعتبره الله تعالى أساساً في المجاهدين في سبيله هو صفة عقائدية اختصها الله تعالى بفئةٍ من الأمة الإسلامية دون غيرها من الأمم، ففي القران ورد خطاب المؤمنين بلفظة ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ في نحو 98 موضعاً، وأما الأمم السابقة فعبّر عنها بصفات أخرى مثل: أصحاب وقوم وبني… كقوله تعالى:﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ ..﴾4، وقوله:أصحاب مدين.وبني إسرائيل، فالتعبير بلفظة الذين امنوا مما يختص التشرف به بهذه الأمة بل ببعضها.

وإذا كان الخطاب بالجهاد للذين امنوا وتشرفوا بهذا الخطاب فحرّيّ‏ٌ بنا ان نتعرَّف على صفات هؤلاء وعلاماتهم.

علامات المؤمنين
نعرض بعض علاماتهم الأساسية التي عرضها القران الكريم فهم:


1-يؤمنون بالله

قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ ...﴾5.

2-يؤمنون برسول الله‏ صلى الله عليه وآله وسلم

وللاية السابقة تتمة ففيه ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِه﴾.
والإيمان بالرسول يتضمن الإيمان بالقران الكريم وبرسالات الأنبياء السابقين وهذا ما أكده تعالى بقوله: ﴿والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ.﴾.6
والإيمان برسول الله‏ صلى الله عليه وآله وسلم ليس حالة قلبية فحسب، بل له ترجمة عملية وهي عدم التحرك إلا بإذنه، إذ هو القائد الإلهي لمسيرةالإنسانية لذا قال تعالى في مقام تعريفه للمؤمنين ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِه7.

3-يؤمنون بالاخرة

ففي تكملة لاية سبقت قال تعالى ﴿والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ8.

ويُمكن أن تجمع هذه الصفات بصفة تعمها تكرَّرت في القران الكريم وهي صفة الإيمان بالغيب.
قال تعالى:﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْب9.

دور الإيمان في بناء المجاهد

وقد توجَّه الأمر بالجهاد للمؤمنين لما للإيمان من دور أساس في صياغة شخصية المجاهد في سبيل الله فالمؤمن بالغيب يوقن بأن الله تعالى له ملك كل شي‏ء وهو السبب الحقيقي للوجود كله حدوثاً وبقاء وبيده الاحياء والإماتة.

قال تعالى:﴿إِنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ﴾10.

وعليه فالمؤمن المجاهد يوقن بأن:

1-النصر من عند الله‏

قال تعالى:﴿وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيم11.

وهذا يعني ان الكثرة العددية وقلة العدد والعتاد ليست هي الميزان للنصر والهزيمة بل تعلق المجاهدين بملك السموات والأرض هو اساس النصر في معركة الجهاد فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله.وهذا ما حكاه القران لنا في قصة طالوت وجالوت.

وما تكرَّر في غزوة بدر حيث قال تعالى:﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُم12.

بينما في واقعة حنين لم يكن الأمر كبدر بسبب إعجاب قسم من المسلمين بكثرتهم مما سبب ضعفاً في اعتمادهم على الله تعالى قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِين13.

وبناء على ما مضى أشار الإمام الخميني ‏قدس سره إلى أن انتصار الثورة الإسلامية في إيران كان بتدخل إلهي لذا قال: “ان هذه القدرة ليست بشرية، فأن يتحول وطن مثلاً دفعة واحدة ليس شيئاً يستطيع البشر أن يحققوه، فهذه القدرة قدرة إلهية، إنها قدرة الله، والبشر ليسوا شيئاً يستطيع أن يواجه هذه القدرة لله”.

2-ان الله يثبِّت المجاهدين المؤمنين

قال تعالى:﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ* وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ14.

3-أن الله يُرعب ويهزم أعداءه

قال تعالى:﴿سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ..﴾15.

وقال تعالى:﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى16.

وقد اشار الإمام الخميني قدس سره إلى هذا الإيمان في انتصار الثورة الإسلامية في إيران فقال قدس سره:”الم يكن سر انتصار هذا الشعب هو الرعب الذي القاه الله في قلوب هؤلاء الطغاة“.

وكان يقول قدس سره:”الم يحن الوقت للذين لم يهتموا بالمعنويات ولم يؤمنوا بالغيب ان يستيقظوا من غفوتهم؟ من اسقط الطائرات العامودية لكارتر، هل نحن اسقطناها؟!! إن الرمال جنود الله، وكذا الرياح جنود الله“.وفي تجربة المقاومة الإسلامية في لبنان شواهد كثيرة وواضحة عشناها مشاهدة وعياناً.

4-ان القتل في ساحة الجهاد فوز عظيم

فقد اخبرنا القران الكريم ان المقتول في سبيل الله حي يرزق فقال تعالى ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ17.

بل ورد في روايات أهل العصمة ما يوجب عشق الشهادة لأنها تكفِّرِ الذنوب وتظلل الشهيد بأجنحة الملائكة وتستحضر الحور العين وتوجب الجنة.

وأخيراً

إذا كان هذا هو دور الإيمان نعرف السرَّ في أمر الله بالجهاد للذين امنوا.

*الإعداد العقائدي‏,سلسلةعدة المجاهد-الدروس الثقافية,نشر جمعية المعارف الاسلامية.


1-المائدة:35.
2-التوبه:111.
3-التوبة:111-112.
4-هود:28.
5-الحجرات:15.
6-البقرة:4.
7-النور:62.
8-البقرة:4.
9-البقرة:3.
10-التوبة:116.
11-ال عمران:126.
12-ال عمران:123.
13-التوبة:25.
14-الأنفال:9-10.
15-ال عمران:151.
16-الأنفال:17.
17-ال عمران:169.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى