نور العترة

تكنية علي (ع) بابي تراب …

نص الشبهة: 

في غزوة العشيرة كنى النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» أمير المؤمنين علياً «عليه السلام» بـ: «أبي تراب» وكانت أحب كناه إليه، ولكن الأمويين كانوا يعيرونه بها.

وملخص القضية: كما يرويها لنا عمار بن ياسر: أنه بعد أن نزل الرسول «صلى الله عليه وآله» ومن معه في موضع هناك، ذهب عمار وعلي «عليه السلام» لينظرا إلى عمل بعض بني مدلج، كانوا يعملون في عين لهم ونخل؛ فغشيهما النوم، فانطلقا حتى اضطجعا على صور من النخل، وفي دقعاء من التراب.
قال عمار: فوالله ما أهبنا إلا رسول الله «صلى الله عليه وآله» يحركنا برجله، وقد تتربنا من تلك الدقعاء التي نمنا فيها؛ فيومئذ قال رسول الله عليه الصلاة والسلام لعلي بن أبي طالب: ما لك يا أبا تراب، لما يرى عليه من التراب، الحديث (البداية والنهاية ج3 ص247، والآحاد والمثاني مخطوط في كوبرلي رقم235، وصحيح ابن حبان مخطوط، والبحار ج19 ص188، ومسند أحمد ج4 ص263 و264، وتاريخ الطبري ج2 ص123 و124، والكامل لابن الأثير ج2 ص12 ط صادر، وسيرة ابن هشام ج2 ص249 و250، ومستدرك الحاكم ج3 ص140، وكنز العمال ج15 ص123 و124 عن المصنف، والبغوي، والطبراني في الكبير، وابن مردويه، وأبي نعيم في معرفة الصحابة، وابن النجار، وغيرهم، وعن ابن عساكر، وشواهد التنزيل ج2 ص342، ومجمع الزوائد ج9 ص136 و100 عن الطبراني في الأوسط والكبير، والبزار وأحمد، ووثق رجال عدد منهم، وتاريخ الخميس ج1 ص364، وترجمة الإمام علي (عليه السلام) من تاريخ ابن عساكر ج3 ص86 بتحقيق المحمودي، وأنسـاب الأشـراف ج2 ص90، والسيرة الحلبية ج2 ص126، وطبقات ابن سعد، والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص363، ودلائل النبوة للبيهقي ج2 ص303، ونقل أيضاً عن كتاب الفضائل لأحمد بن حنبل رقم295، والغدير ج6 ص334، وعيون الأثر لابن سيد الناس ج1 ص226، والإمتاع للمقريزي ص55، وعلى كل حال، فإن من يراجع غزوة العشيرة في كتب التاريخ والحديث، يجد هذا الحديث مثبتاً في أكثر تلك المصادر).

الجواب: 

لكن ما تضمنته هذه الرواية من تحريك النبي «صلى الله عليه وآله» لعمار وعلي «عليه السلام» برجله لا يمكن أن يصح؛ لأنه ينافي أخلاق رسول الله «صلى الله عليه وآله»..

فلا بد من طرح هذه الفقرة من الرواية، وأما ما عداها فلا ضير بالأخذ به.
وقد تقدمت الإشارة إلى رواية تكنيته «عليه السلام» بأبي تراب حين الحديث عن المؤاخاة أيضاً، فراجع.
وقد أحسن عبد الباقي العمري حيث يقول مشيراً إلى هذه القضية:

يا أبا الأوصياء أنت لطـه *** صهره وابن عمه وأخـوه
إن لله في معانيك سـراً *** أكثر العالمين ما علمـوه
أنت ثاني الآباء في منتهى*** الدور وآباؤه تـعـد بـنوه

التزوير والافتراء

ولكنهم يقولون هنا: إنه «عليه السلام» كان إذا عتب على فاطمة، وضع على رأسه التراب؛ فإذا رآه النبي «صلى الله عليه وآله» عرف ذلك، وخاطبه بهذا الخطاب 1.
ويقولون أيضاً: إنه «عليه السلام» غاضب فاطمة «عليها السلام»، وخرج إلى المسجد ونام على التراب، فعرف النبي «صلى الله عليه وآله» بالأمر، فبحث عنه فوجده، فخاطبه بهذا الخطاب 2.
ويزيدون على ذلك قولهم: كان في علي على فاطمة شدة فقالت: والله لأشكونك إلى رسول الله، فانطلقت، وانطلق علي بأثرها، فشكت إلى رسول الله غلظ علي وشدته عليها.
فقال: يا بنية اسمعي واستمعي، واعقلي: إنه لا إمرة لامرأة لا تأتي هوى زوجها، وهو ساكت.
قال علي «عليه السلام»: فكففت عما كنت أصنع وقلت: والله، لا آتي شيئاً تكرهينه أبداً 3.
وقصة أخرى، تقول: كان بين علي وفاطمة كلام، فدخل رسول الله، فألقى له مثالا فاضطجع عليه، فجاءت فاطمة؛ فاضطجعت من جانب، وجاء علي واضطجع من جانب، فأخذ رسول الله بيد علي فوضعها على سرته، وأخذ بيد فاطمة فوضعها على سرته، ولم يزل حتى أصلح بينهما 4.
ويقولون أيضاً: إنه حين المؤاخاة لم يؤاخ النبي «صلى الله عليه وآله» بينه وبين أحد، فاشتد عليه ذلك، وخرج إلى المسجد، ونام على التراب، فلحقه «صلى الله عليه وآله»، ولقبه بهذا اللقب.
ولكن كل ذلك لا يصح: فعدا عن أننا لم نفهم سر هذا التصرف الذي انتهجه «صلى الله عليه وآله» فيما يزعمون للصلح بين الزوجين، حيث اضطجع، ووضع يديهما على سرته!! كما لم نفهم السبب في أنه «صلى الله عليه وآله» قد أنحى باللائمة على بنته بدلاً من أن يدافع عنها أمام من يظلمها.
عدا عن ذلك، فإننا نسجل ما يلي:
1 ـ إن فاطمة أجل من أن تغضب علياً «عليه السلام»، وأتقى وأرفع من ذلك، وهي الصديقة الطاهرة التي أذهب الله عنها الرجس وطهرها تطهيراً، بنص الكتاب العزيز.
كما أن علياً أجل وأتقى وأرفع من أن يغضب فاطمة «عليها السلام» وسيرته وتطهير الله له من الرجس، ومن كل مشين، بنص كتابه العزيز أدل دليل على ذلك.
2 ـ لقد قال علي «عليه السلام» وكأنه يتنبأ بما سوف يفتريه عليه الحاقدون: «فوالله ما أغضبتها، ولا أكرهتها على أمر، حتى قبضها الله عز وجل، ولا أغضبتني، ولا عصت لي أمراً، ولقد كنت أنظر إليها؛ فتنكشف عني الهموم والأحزان» 5.
3 ـ إن وضعه التراب على رأسه كلما غاضبها لا يصدر من رجل عاقل، حكيم لبيب، له علم ودراية أمير المؤمنين «عليه السلام»، لأنه أشبه بلعب الأطفال.
4 ـ إن أمير المؤمنين «عليه السلام» الذي هو قسيم الجنة والنار، لم يكن ليؤذي الله تعالى والنبي «صلى الله عليه وآله»؛ لأن جزاء من يؤذي الله ورسوله ليس هو الجنة قطعاً.
وقد قال النبي: إن من آذى فاطمة «عليها السلام» فقد آذاه، أو من أغضبها فقد أغضبه 6.
وقال: إن الله ليغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها 7.
5 ـ لقد قالت فاطمة لعلي «عليه السلام»: أما عهدتني كاذبة، ولا خائنة، ولا خالفتك منذ عاشرتني، «فصدقها» «عليه السلام»، في ذلك 8.
6 ـ إن علياً لم يكن ليغضب من النبي «صلى الله عليه وآله»، ويعتب عليه، وهو يعلم أنه لا يأتي بعمل من عند نفسه، كما أن سيرته «عليه السلام» مع النبي لتؤكد على أنه كان يلتزم حرفياً بكل ما يصدر عنه، حتى إنه حينما أمره النبي «صلى الله عليه وآله» أن يسير لفتح خيبر ولا يلتفت، مشى «عليه السلام» ما شاء الله، ثم وقف، فلم يلتفت وقال: يا رسول الله الخ.. 9.
7 ـ أضف إلى ذلك: أن النبي «صلى الله عليه وآله» حينما كان يستشير أصحابه في الموارد المختلفة، في بدر وأحد وغيرهما، كان أصحابه يتكلمون بما شاءوا، ولم يكن علي «عليه السلام» يبدي رأياً، ولا يقدم بين يدي الله ورسوله بشيء أصلاً، إلا ما روي في شأن الإفك على مارية، حيث أشار «عليه السلام» بطلاق عائشة ليكون ذلك بمثابة إنذار لها؛ لترتدع عن مواقفها وأعمالها، وتكف عن أذى رسول الله وأزواجه.
8 ـ وأخيراً.. لماذا يغضب ويعتب ؟ أليس قد آخاه بنفسه قبل الهجرة ؟!. ثم هو لم يزل يؤكد على أخوته له، كلما اقتضت المناسبة ذلك.

وعلى كل حال، فنحن لن نكذب النبي «صلى الله عليه وآله»، والقرآن، ونصدق هؤلاء، فنحن نذر هذه الترهات لهم، تدغدغ أحلامهم، وترضي حقدهم على علي وأهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

لماذا الوضع والاختلاق؟!

ولعل سر وضع هذه الترهات هو:
1 ـ إنهم يريدون أن يظهروا أنه قد كان في بيت علي «عليه السلام» من التناقضات والمخالفات مثل ذلك الذي كان في بيت النبي «صلى الله عليه وآله» نفسه، مما كانت تصنعه بعض زوجاته «صلى الله عليه وآله» وليمكن ـ من ثم ـ أن يقال: إن ذلك أمر طبيعي، ومألوف، وهو من مقتضيات الحياة الزوجية؛ فلا غضاضة فيه على أحد، ولا موجب للطعن والإشكال على أي كان، فزوجة النبي تتصرف كما كانت تتصرف بنت النبي «صلى الله عليه وآله».
وكما كانت عائشة تغضب النبي «صلى الله عليه وآله»، فإن فاطمة كانت تغضب علياً، وكانت خشنة معه.
2 ـ ومن الجهة الثانية فكما أن قوله «صلى الله عليه وآله» من أغضبها (أي فاطمة) فقد أغضبني، ينطبق على فلان وفلان، فإنه ينطبق على علي نفسه، إذاً فكما أغضب أبو بكر فاطمة فقد أغضبها علي أيضاً، وتكون واحدة بواحدة، فلا يكون ذلك موجباً للإشكال على أولئك دونه «عليه السلام».
3 ـ بل إنهم يريدون بذلك أن يظهروا علياً «عليه السلام» بصورة الرجل الذي لم يكن مرضياً من فاطمة، وقد تزوجته بدون رضى منها.
ولعل قبول النبي «صلى الله عليه وآله» بتزويجه قد كان لأجل دفع غائلته وشره، وبذلك يسلبون عنه فضيلة الصهر للنبي «صلى الله عليه وآله».

قيمة هذه الكنية

لقد علل ابن عباس تسمية علي «عليه السلام» بأبي تراب، بأنه «عليه السلام» صاحب الأرض، وحجة الله على أهلها بعده، وبه بقاؤها، وإليه سكونها، ولقد سمعت رسول الله «صلى الله عليه وآله» يقول: إنه إذا كان يوم القيامة، ورأى الكافر ما أعد الله لشيعة علي من الثواب والزلفى والكرامة، قال: يا ليتني كنت تراباً، أي يا ليتني كنت من شيعة علي 10.
يضاف إلى ذلك: أن الإمام علياً «عليه السلام» الذي كان يعتز بهذه الكنية، كان لا يعتبر الدنيا هدفاً له، يعيش من أجله وفي سبيله، وإنما يعتبرها وسيلة إلى هدفه الأسمى، وغايته الفضلى، وإذا رأى نفسه يتصرف منسجماً مع هدفه، ومع نظرته؛ فإنه سوف يرتاح، وينشرح لذلك، فكانت هذه الكنية من النبي «صلى الله عليه وآله» له بمثابة إعلام له: بأنه سوف يبقى في مواقفه وتصرفاته محتفظاً بالخط المنسجم مع أهدافه، وأنه لسوف يبقى مستمراً في وضعه للدنيا في موضعها الذي يليق بها، ولن تغره بزبارجها وبهارجها، ولن يبتلي بالتناقض بين مواقفه وتصرفاته، وبين ما يدعي أنه هدف له، فمن أجل ذلك كانت هذه الكنية أحب كناه إليه «عليه السلام».
وأما الأمويون، الذين كانوا يعيرونه «عليه السلام» بها، فقد كان موقفهم أيضاً منسجماً مع نظرتهم ومع ما يعتبرونه من القيم لهم، فإن غايتهم وهدفهم هو الدنيا، وعلى أساس وجدانها وفقدانها يقيّمون الأشخاص والمواقف، فيحترمون أو يحتقرون.
وإذا كان علي أبا تراب، ولا يهتم بالدنيا، ولا يسعى لأن ينال منها إلا ما يحفظ له خيط حياته، انطلاقاً من الواجب الشرعي، ويبلغه إلى أهدافه التي رسمها الله سبحانه له، فإن بني أمية سوف يرونه فاقداً للعنصر الأهم الذي يكون به المجد الباذخ، والكرامة والسؤدد بنظرهم، ويصبح من الطبيعي أن يعيروه بكنية من هذا القبيل، فإن ذلك هو الذي ينسجم كل الانسجام مع غاياتهم ونظرتهم تلك التي تخالف الدين والقرآن، ولا تنسجم مع الفطرة السليمة والمستقيمة 11.

  • 1. السيرة الحلبية ج2 ص127، وأنساب الأشراف ج2 ص90.
  • 2. البداية والنهاية ج3 ص347، والغدير ج6 ص336 عن سيرة ابن هشام ج2 ص237، وعمدة القاري ج7 ص630، والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص363 عن صحيح البخاري، والمناقب للخوارزمي ص7، وأنساب الأشراف ج2 ص90، ومعرفة علوم الحديث للحاكم ص211.
  • 3. طبقات ابن سعد ط ليدن ج8 ص16.
  • 4. المصدر السابق.
  • 5. مناقب الخوارزمي ص256، وكشف الغمة ج1 ص363، البحار ج43 ص134.
  • 6. البخاري ط مشكول ج5 ص36، والبحار ج28 ص76، وراجع: إحقاق الحق ج10 ص190، وحلية الأولياء ج2 ص40، وينابيع المودة ص360، 171، 173، والسنن الكبرى ج10 ص201 و64، ومستدرك الحاكم ج3 ص159، وتلخيصه بهامشه، وأعلام النساء ج4 ص125، وكنز العمال ج13 ص93، والإصابة ج4 ص378، وتهذيب التهذيب ج12 ص441، وثمة مصادر أخرى ذكرت ذلك تعقيباً على قصة مكذوبة هي قصة خطبة علي (عليه السلام) لبنت أبي جهل فراجع: ذخائر العقبى ص37 و38، وكفاية الطالب ص365، ومقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص53، ونظم درر السمطين ص176، والسيرة النبوية لدحلان (بهامش السيرة الحلبية) ج2 ص10، والخصائص للنسائي ص120، وصفة الصفوة ج2 ص13، والجامع الصحيح ج5 ص698، ومسند أحمد ج4 ص328 والبداية والنهاية ج6 ص333 والصواعق المحرقة ص188.
  • 7. راجع: فرائد السمطين ج2 ص46، ومجمع الزوائد ج9 ص203، ومقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص52، وكفاية الطالب ص364، وذخائر العقبى ص39، وأسد الغابة ج5 ص522، وتهذيب التهذيب ج12 ص442، وينابيع المودة ص173 و174 و179 و198، ونظم درر السمطين ص177، ومستدرك الحاكم ج3 ص154 و158، وتلخيصه للذهبي مطبوع بهامشه، وكنز العمال ج13 ص96، وج6 ص219، وج7 ص111 والغدير ج7 ص231 ـ 236، وإحقاق الحق ج10 ص116، وراجع: السنن الكبرى ج7 ص64، والصواعق المحرقة ص186، وسير أعلام النبلاء ج2 ص132.
  • 8. روضة الواعظين ص151.
  • 9. أنساب الأشراف بتحقيق المحمودي ج2 ص93، وترجمة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) لابن عساكر بتحقيق المحمودي ج1 ص159، وصحيح ابن حبان ترجمة علي (مخطوط في مكتبة قبوسراي في استانبول)، وفضائل الخمسة من الصحاح الستة ج1 ص200، والغدير ج10 ص202.
  • 10. سفينة البحار ج1 ص121.
  • 11. الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه و آله)، العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الخامسة، 2005 م. ـ 1425 هـ. ق، الجزء الخامس.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى