بين يدي القائم (عج)

عصر الغيبة الكبرى

بدء الغيبة الكبرى
كانت وفاة عليّ بن محمّد السمريّ (329هـ) إيذاناً بابتداء عصر الغيبة الكبرى. وكان التوقيع الصادر عن الإمام عليه السلام إلى عليّ بن محمّد قبل وفاته بستّة أيّام هو الإعلان عن انتهاء فترة الغيبة الصغرى. فلم تكن الغيبة الكبرى واحتجاب الإمام عليه السلام عن شيعته وقواعده أمراً مفاجئاً وغير متوقّع، بل قد مهّد لهذه الغيبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلامالّذين تواترت عنهم الأخبار الدالّة على ذلك، فضلاً عن الدور الّذي لعبته الغيبة الصغرى في ذلك. ونصّ التوقيع المبارك عن الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف:

“بسم الله الرحمن الرحيم، يا عليّ بن محمّد السمري، أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنّك ميّت ما بينك وبين ستّة أيّام فاجمع أمرك ولا توصِ إلى أحدٍ فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامّة فلا ظهور إلّا بإذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلب وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي لشيعتي من يدّعي المشاهدة ألا فمن ادّعى المشاهدة، قبل خروج السفيانيّ والصيحة فهو كذّاب مفترٍ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم”1.

وهناك جملة من الأمور والقضايا الّتي لا بدّ من الإطلالة عليها في هذا البحث وهي:

1- خصائص الغيبة الكبرى

أ ـ أوّل ما تمتاز به هذه المرحلة هو انقطاع الناس عن القائد الإسلاميّ والموجّه الإلهيّ للتجربة الإسلاميّة، حتّى ينقضي أمد هذه الغيبة الكبرى في اليوم الموعود، حيث يشرق فيه نور الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف ويظهر لعامّة الناس، وهي على عكس الفترات السابقة الّتي عاشتها الأمّة في العصر النبويّ وعهود الأئمّة عليهم السلام، كما أنّها تختلف عن مرحلة الغيبة الصغرى والّتي امتازت بالاتّصال غير المباشر مع الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف.
ب ـ انتشار الظلم والجور، وانحسار الإسلام عن الحياة السياسيّة.
ج ـ التشكيك في وجود الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف لاحتجابه عن واقع الحياة ولطول زمان غيبته عجل الله تعالى فرجه الشريف، ثمّ طغيان التيّارات الضالّة الّتي تُسبّب بروز ظاهرة التشكيك واتّساعها في حياة الأمّة الإسلاميّة.

2- كيفيّة احتجاب الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف

يمكن تصوير تحرّك ونشاط الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف خلال احتجابه في عصر الغيبة الكبرى بأحد شكلين:

أ ـ أطروحة خفاء الشخص: وهي الأطروحة المتعارفة في ذهن عدد من الناس، وأنّ الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف يختفي بجسمه عن الأنظار، فهو يرى الناس ولا يرونه، وبالرغم من أنّه قد يكون موجوداً في مكان إلّا أنّه يُرى المكان خالياً منه.
روى الصدوق عن الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال عن القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف: “لا يُرى جسمه ولا يُسمّى باسمه”2.

وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: “الخامس من ولد السابع يغيب عنكم شخصه ولا يحلّ لكم تسميته”3.

وهذه الأطروحة أسهل افتراض عمليّ لاحتجاب الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف عن الناس، ويتمّ ذلك عن طريق الإعجاز الإلهيّ، وهذا الاحتجاب قد يزول أحياناً عندما توجد مصلحة في زواله.

ب ـ أطروحة خفاء العنوان: ونريد بذلك أنّ الناس يرون الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف بشخصه، دون أن يكونوا عارفين أو ملتفتين إلى حقيقته، فقد ذكر الشيخ الطوسيّ في الغيبة عن السفير الثاني أنّه قال: “والله إنّ صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم كلّ سنة، يرى الناس ويعرفهم ويرونه ولا يعرفونه”4.

3- الشيعة في عصر الغيبة الكبرى

أثمرت الثورات العلويّة ضد الحكم العبّاسيّ ظهور دول شيعيّة. وانتشر التشيّع في القرن الرابع الهجريّ في كافّة أصقاع العالم الإسلاميّ، وبدأت رقعته بالاتّساع أكثر في القرون الخمسة الّتي تلته، وظهرت الفرقة الإسماعيليّة في إيران، ووصل السادات المرعشيّون إلى سدّة الحكم في مازندران وقزوين في القرن الثامن، وحظي العلّامة الحلّي ونجله فخر المحقّقين في بلاط السلطان محمّد خدابنده الّذي أعلن عن تشيّعه بمكانة سامية وانتشر المذهب الشيعيّ بشكلٍ أكبر.

وفي بداية القرن العاشر الهجريّ ظهر الشاه إسماعيل الصفويّ ذو النزعة الشيعيّة، وجعل إيران دولة واحدة والمذهب الشيعيّ مذهباً رسميّاً للدولة.

وكذلك بدأت الحركات الثوريّة الشيعيّة نشاطها المميّز ورفعت لواء الجهاد ضدّ الكفر والطاغوت، ومارست النضال ضدّ كافّة ألوان الظلم والجور. وكانت لهم لمساتهم على المسرح الثقافيّ عبر التبليغ الهادئ، فقد فتح إدريس بن الحسن المثنّى بلاد المغرب من خلال التبليغ، وهكذا الحال في أندونيسيا الواقعة في الشرق الأقصى للعالم الإسلاميّ. وفي القرن الخامس للهجرة اعتنق جمع غفير من الهنود الإسلام على يد اثنين من الشيعة. وجعل آل بويه الثقافة الإسلاميّة وتعاليم آل البيت عليهم السلامأساس حكومتهم. 

وإذا كان هولاكو قد أمر بإعادة بناء مسجد الخليفة ومرقد الإمام الكاظم عليه السلام بعد قتله لـ(900) ألف من الأبرياء من أهالي بغداد، فإنّما تمّ هذا الأمر بحنكة وشجاعة مؤيّد الدِّين العلقميّ والشيخ نصير الدِّين الطوسيّ، وهما من أبرز الشخصيّّات الشيعيّة آنذاك. وكان هدف الشيخ الطوسيّ من وراء ذلك هو الحيلولة دون سفك المزيد من الدماء. وقد استطاع عبر نفوذه في مؤسّسات المغول إنقاذ العديد من علماء الإسلام من سطوتهم وسيوفهم، وجعل أعداء الإسلام ينقادون للإسلام والإيمان وشعائر التشيّع.

وببركة النهضة الثوريّة لعلماء الشيعة أُدخل الدِّين الّذي سُحِق تحت وطأة المغول إلى قلوب الفاتحين المغول أنفسهم، بل نُشر الدِّين بزخم هائل.

وفي بداية القرن الخامس عشر الهجريّ، قامت في إيران حكومة إسلاميّة بقيادة الإمام الخمينيّ قدس سره بعد جهادٍ طويل ضدّ الاستبداد الداخليّ والاستعمار الثقافيّّ والسياسيّ والاقتصاديّ واستندت إلى ولاية الفقيه الجامع للشرائط. وأدخلت هذه الثورة العالم عصراً جديداً أدّى إلى تجنيد القوى الكبرى إمكاناتها للقضاء عليها وعلى المذهب الشيعيّ.

وإلى جانب هذا النشاط الثوريّ والجهاديّ تألّق الفكر الشيعيّ على يد العلماء الّذين بذلوا جهوداً مضنية في سبيل تقدّم العلوم الإسلاميّة5.

وعلى سبيل المثال فقد ظهرت مدرسة الشيخ المفيد الّتي جمعت بين مدرستي قمّ وبغداد، وأخذت سيراً تصاعديّاً منذ عهد الغيبة الكبرى وحتّى يومنا هذا. وخَلَف الشيخَ المفيد السيّد المرتضى والشيخ الطوسيّ اللذان أسّسا مدرسة الفقهاء الأصوليّة. وقد أدخل الشيخ الطوسيّ الفقه مرحلة جديدة بفضل الأفكار البكر الّتي لم يسبقه إليها أحد، وترك تصانيف علميّة قيّمة في مختلف الأصعدة. وتمكّن هؤلاء العلماء من إخراج المرجعيّة الشيعيّة من الانزواء والعزلة، وكانت لهم إحاطة بمختلف العلوم كالفقه والكلام والتفسير والمباني العلميّّة لأهل السنّة، ممّا أتاح لهم فرصة الجلوس على كرسيّ الكلام والفقه في بغداد، وانثالت عليهم وفود الطلّاب من سائر المذاهب.

لكنّ الفتن والاضطرابات أجبرت الشيخ الطوسيّ على الهجرة إلى مدينة النجف الأشرف الّتي تحوّلت إلى مركز فقهيّ للشيعة فيما بعد (448هـ).

وبرزت حلب إلى جانب النجف ـ كمركز فقهيّ ـ على يد سلّار وهو من تلامذة السيّد المرتضى، وكذلك الحلّة لوجود ابن إدريس الحلّي فيها، وظهر فيها فقهاء كبار أمثال: المحقّق الحلّي والعلّامة الحلّي، وهكذا جبل عامل الّذي برز فيه الشهيد الأوّل والشهيد الثاني اللذان بلورا مشروع الفقه السياسيّ الشيعيّ.

وكانت بلدة قمّ مركزاً فقهيّاً اشتهر في القرون الأولى، ومن أبرز فقهائها: ابن بابويه ومحمّد بن قولويه.

وبعد انتصار الثورة الإسلاميّة في إيران والحملات المسعورة الّتي قادها حزب البعث على الحوزة العلميّّة في النجف الأشرف هاجر العلماء والطلّاب إلى مدينة قمّ، وانتقل مركز ثقل النشاط الفقهيّ الشيعيّ إلى قم المقدّسة.

4- تكاليف الأمّة الإسلاميّة في عصر الغيبة الكبرى


أ ـ الإيمان بالإمام المهديّ المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف
من التكاليف المطلوبة إسلاميّاً حال الغيبة: الاعتراف بالمهديّّ عجل الله تعالى فرجه الشريف كإمام مفترض الطاعة وقائد فعليّ للأمّة، وإن لم يكن عمله ظاهراً للعيان، ولا شخصه معروفاً لدى الناس.
وهذا من الضروريّات العقائديّة الواضحة، في مدرسة الشيعة الإماميّة، فإنّه الإمام الثاني عشر الموجّه لقواعده الشيعيّة، وهو المعصوم المفترض الطاعة الحيّ منذ ولادته إلى زمان ظهوره.

وحَسْبُ الفرد المسلم أن يعلم أنّ إمامه وقائده مطّلع على أعماله وملمّ بأقواله، وأنّ عمله الصالح وتصعيد درجة إخلاصه وتعميق شعوره بالمسؤوليّة تجاه الإسلام والمسلمين، يشارك في تحقيق شروط الظهور ويقرّب اليوم الموعود.

ب ـ الانتظار الإيجابيّ
الانتظار هو التوقّع الدائم لتنفيذ الغرض الإلهيّ الكبير وحصول اليوم الموعود الّذي تعيش فيه البشريّة العدل الكامل بقيادة الإمام المهديّّ عجل الله تعالى فرجه الشريف.
وهذا التوقّع الدائم لا يرفع التكاليف الإلهيّة بالنسبة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله والدفاع عن شعائر الله ودفع الفساد الاجتماعيّ والفرديّ، بل إنّه يدلّ على تأكّد الواجبات والتكاليف ولزوم الاستعداد التامّ للوقوف إلى جنب الإمام المهديّّ عجل الله تعالى فرجه الشريف في غيبته وظهوره.

وينسجم الانتظار في بعض مستوياته مع الإعداد والتمهيد لظهور الإمام المهديّ المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف القائم بالقسط والعدل، وهو الانتظار الإيجابيّ الّذي أكّدت الروايات أنّه أفضل أعمال أمّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم في عصر الغيبة الكبرى، أمّا الانتظار السلبيّ فهو الجلوس في البيت والقبول بالظلم وعدم الأمر بالمعروف فهذا ممّا لا يمكن أن يكون مقبولاً عند الأئمّة عليهم السلام.

ج ـ العمل الإسلاميّ قبل الظهور
إنّ الفرد الّذي يهرب بنفسه من الظلم، وهكذا المجتمع الّذي لا يعمل أفراده لرفع الظلم، لن يستطيع الوصول إلى حدّ الوعي والإخلاص المطلوب.كما أنّ الأمّة إذا شاع بين ظهرانيها الظلم والتعسّف، وكانت راضية به مستسلمة تجاهه، لا يوجد فيها عمل ضدّه، ولا تفكير لرفعه، سوف تكون أمّة خائنة غير متحمّلة لمسؤوليّاتها. ولن تكون هذه الأمّة على مستوى إصلاح البشريّة كلّها في اليوم الموعود، وهي قاصرة عن إصلاح مجتمعها الصغير. لهذا فالتفكير الجدّي والعمل الصالح الجهاديّ هو الأساس لتصعيد درجة الإخلاص والشعور بالمسؤوليّة، وذلك هو الشرط الأساس لتكفّل مهمّة اليوم الموعود.

ومن الشبهات الكبيرة أنّ الاعتقاد بالمهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف يمنع عن العمل الاجتماعيّّ الإصلاحيّ، وأنّ شرط الظهور هو كثرة الظلم وامتلاء الأرض جوراً. وهذا اعتقاد غير صحيح، لأنّ الأرض لو امتلأت تماماً بالظلم وانعدم الإيمان منها لما أمكن إصلاحها عن طريق القيادة العامّة، بل يكون الإصلاح منحصراً بالمعجزة، أو إرسال نبوّة جديدة، وهو خلاف ضرورة الدّين من أنّه لا نبيّ بعد رسول الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم.

5- الحكم الإسلاميّ في عصر الغيبة:

إنّ معنى الانتظار لغة هو: الترقّب والتوقّع. وعليه فقد يُتوهّم أنّ علينا أن نعيش في فترة الغيبة مترقّبين فقط لليوم الموعود الّذي يبدأه الإمام المنتظرعجل الله تعالى فرجه الشريف بالقضاء على الكفر، وبالقيام بتطبيق الإسلام لنعيش الحياة تحت ظلاله في دِعَة وأمان، دون القيام بمسؤوليّة تحكيم الإسلام في حياتنا بكلّ مجالاتها، وبخاصّة مجالها السياسيّ الآن وقبل الظهور وذلك لإيمان بعض الناس الموهوم بأنّ مسؤوليّة تحكيم الإسلام في كلّ مجالات الحياة هي وظيفة الإمام المنتظرعجل الله تعالى فرجه الشريف، وبالتالي لا يقع تكليف ذلك علينا قبل ظهوره.

إلّا أنّنا متى حاولنا تجلية واقع الأمر بما يرفع أمثال هذه الألوان من التوهّمات، نجد أنّ منشأ هذه المفارقة هو محاولة عدم الفهم، أو سوء الفهم في الواقع.

يقول الشيخ المظفّر رحمه الله: “وممّا يجدر أن نعرفه في هذا الصدد: ليس معنى انتظار هذا المصلح المنقذ (المهديّ)، أن يقف المسلمون مكتوفي الأيدي فيما يعود إلى الحقّ من دينهم، وما يجب عليهم من نصرته، والجهاد في سبيله، والأخذ بأحكامه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

بل المسلم أبداً مكلّف بالعمل بما أُنزل من الأحكام الشرعيّة، وواجب عليه السعي لمعرفتها على وجهها الصحيح بالطرق الموصلة إليها حقيقة، وواجب عليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ما تمكّن من ذلك وبلغت إليه قدرته (كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيّته)6 “7.

ويقول الصافي الكلبايكانيّ: “وليُعلم أنّ معنى الانتظار ليس تخلية سبيل الكفّار والأشرار، وتسليم الأمور إليهم، والمراهنة معهم، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإقدامات الإصلاحيّة.

فإنّه كيف يجوز إيكال الأمور إلى الأشرار مع التمكّن من دفعهم عن ذلك، والمراهنة معهم، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغيرها من المعاصي الّتي دلّ عليها العقل والنقل وإجماع المسلمين؟
ولم يقل أحد من العلماء وغيرهم بإسقاط التكاليف قبل ظهوره عجل الله تعالى فرجه الشريف، ولا يُرى منه عين ولا أثر في الأخبار.

نعم، تدلّ الآيات والأحاديث الكثيرة على خلاف ذلك، بل تدلّ على تأكّد الواجبات والتكاليف والترغيب إلى مزيد الاهتمام في العمل بالوظائف الدينيّة كلّها في عصر الغيبة.
فهذا توهّم لا يتوهّمه إلّا من لم يكن له قليل من البصيرة والعلم بالأحاديث والروايات”8.

إنّ الّذي يُستفاد من الروايات في هذا المجال، هو أنّ المراد من الانتظار هو: وجوب التمهيد والتوطئة لظهور الإمام المنتظر عليه السلام، ويدلّ على ذلك ما يلي:

1- ما روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: “يخرج رجل يوطّئ (أو قال: يمكّن) لآل محمّد، كما مكّنت قريش لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وجب على كلّ مؤمن نصره (أو قال: إجابته)…”9.

2- ما روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً: “يخرج ناس من المشرق فيوطّئون للمهديّ”10.

3- ما روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً: “يأتي قوم من قِبَل المشرق، ومعهم رايات سود، فيسألون الخير فلا يعطَونه، فيقاتلون فيُنصرون، فيعطون ما سألوه، فلا يقبلونه حتّى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي، فيملأها قسطاً، كما ملأوها جوراً، فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم، ولو حبواً على الثلج”11.

6- ضرورة الحكم الإسلاميّ في زمن الغيبة

يُعتبر وجوب قيام حكم إسلاميّ في زمن الغيبة من ضروريّات الدِّين الّتي لا تحتاج إلى محاولة إثبات أو تجشّم استدلال.

يقول الفيض الكاشانيّ: “فوجوب الجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتعاون على البرّ والتقوى، والإفتاء، والحكم بين الناس بالحقّ، وإقامة الحدود والتعزيرات، وسائر السياسات الدينيّّة، من ضروريّات الدِّين، وهو القطب الأعظم في الدِّين، والمهمّ الّذي ابتعث الله له النبيّين، ولو تُركت لعطّلت النبوّة، واضمحلّت الديانة، وعمّت الفتنة، وفشت الضلالة، وشاعت الجهالة، وخربت البلاد، وهلك العباد، نعوذ بالله من ذلك”12.

ويقول صاحب الجواهر: “وبالجملة، فالمسألة من الواضحات الّتي لا تحتاج إلى أدلّة”13.

ويقول السيد البروجرديّ: “اتّفقت الخاصّة والعامّة على أنّه يلزم في محيط الإسلام وجود سائس وزعيم يدير أمور المسلمين، بل هو من ضروريّات الإسلام”14.

ولعلّ ما يترتّب على ترك امتثال هذا الوجوب من محاذير شرعيّة، يكفي في لفت النظر إلى ضروريّاته الدينيّة.

وربّما كان أهمّها ما يلي:

1- تعطيل التشريع الإسلاميّ في أهمّ جوانبه ـ الجانب السياسيّ ـ وحرمته من الوضوح بمكان، نظراً إلى أنّه تشريع عطِّل، وإلى ما ينجم عن تعطيله ارتكاب المحارم، وانتشار الجرائم، وشيوع الموبقات وأمثالها.

يقول العلّامة الحلّي، في تعطيل الحدود، وهي فرع من فروع التشريع السياسيّ: “إنّ تعطيل الحدود يُفضي إلى: ارتكاب المحارم، وانتشار المفاسد، وذلك مطلوب الترك في نظر الشرع”15.

ويقول الشهيد الثاني: “فإنّ إقامة الحدود ضرب من الحكم، وفيه مصلحة كلّيّة، ولطف في ترك المحارم، وحسم لانتشار المفاسد”16.

2- الخضوع لحكم الكافر ـ وهو ممّا ينجم عن تعطيل التشريع السياسيّ الإسلاميّ أيضاً، وأُفرد بالذكر هنا نظراً لأهمّيته ولوضوحه. ولأنّه ليس وراء عدم الخضوع للحكم الإسلاميّ ممّن يعيش في بقعة جغرافيّة سياسيّة، إلّا الخضوع للحكم الكافر، لأنّه لا ثالث للإسلام والكفر، إذ الحكم حكمان: حكم الله وحكم الجاهليّة.

ـ بدأت الغيبة الكبرى بعد وفاة علي بن محمّد السمريّ (329هـ) وهي مستمرّة إلى الآن.

الخلاصة 

ـ من خصائص الغيبة الكبرى:
أ ـ انقطاع الناس عن القائد.
ب ـ انتشار الظلم والجور.
ج ـ التشكيك في وجود الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف.

ـ في زمن الغيبة يحتجب الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف عن الناس بحيث يراهم ولا يرونه أو يرونه ولا يعرفونه.
ـ كان هناك العديد من الثورات العلويّة في زمن الغيبة والتي ساهمت في انتشار التشيّع، كما كان للعلماء دور كبير في نشر الإسلام والحفاظ على المسلمين وإقامة حكم الدِّين لا سيّما على يد الإمام الخمينيّ قدس سره في إيران.

ـ من تكاليف الأمّة في عصر الغيبة:

أ ـ الإيمان بالمهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف.
ب ـ الانتظار الإيجابيّ.
ج ـ العمل الإسلاميّ قبل الظهور.

ـ يُعتبر إقامة الحكم الإسلاميّ من ضروريّات الدِّين التي لا تحتاج إلى دليل.

* بحوث في الحياة السياسية لأهل البيت عليهم السلام، سلسلة المعارف الإسلامية ، نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


1- الغيبة، الطوسي، م.س: 242.
2- بحار الأنوار، م.س: 51/143.
3- م.ن.
4- من لا يحضره الفقيه، م.س:2/520.
5- راجع كتاب: تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام للسيّد حسن الصدر، والذريعة إلى تصانيف الشيعة للآقا بزرك الطهراني، وأعيان الشيعة للسيّد محسن الأمين، وغيرها من الكتب الّتي تكفّلت ببيان النتاج الفكريّ لعلماء الشيعة.
6- بحار الأنوار، م.س، 72/39.
7- عقائد الإماميّة، الشيخ محمّد رضا المظفّر: 80.
8- منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر عليه السلام، لطف الله الصافي الكلبايكاني:499 ـ 500. مؤسسة الوفاء، بيروت.
9- راجع: أعيان الشيعة، م. س: 2/51..
10- م.ن. 
11- الغيبة، النعماني،م.س:174.
12- مفاتيح الشرائع، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
13- جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:617.
14- البدر الزاهر في صلاة الجمعة والمسافر:52.
15- مختلف الشيعة في أحكام الشريعة، كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
16- مسالك الأفهام إلى شرح شرائع الإسلام، كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى