إسئلنا

شبهة حول الّلطم…

نص الشبهة: 

لماذا لم يلطم النبي «صلى الله عليه وآله» عندما مات ابنه إبراهيم؟! ولماذا لم يلطم علي «عليه السلام» عندما توفيت فاطمة «عليها السلام»؟!

الجواب: 

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله الطيبين الطاهرين.. وبعد..
فإنني أجيب على هذا السؤال بما يلي:
أولاً: إن ابراهيم لم يقطع بالسيوف ولم يطعن بالرماح، ولم تسحق عظامه بحوافر الخيل، ولم يقطع رأسه ويطاف به في البلاد، ولم يجر عليه سبي، ولا أي شيء آخر مما يعتبر هتكاً لحرمة الإسلام واستذلالاً لرسول الله «صلى الله عليه وآله»، ولأهل بيته الذين أمرنا الله بمودتهم.
ثانياً: ليس اللطم من الواجبات، وإنما هو أمر إختياري يختار ما يناسبه، ويليق بحاله. فالمأموم يلطم على إمامه ونبيه ويبكيه، ويقيم له العزاء المناسب.. ولكن ليس بالضرورة أن يلطم النبي «صلى الله عليه وآله» على فرد من أفراد لسائر الناس، لأنه يراعي المصالح المترتبة على هذا الأمر من موقعه كنبي، أو إمام..
وقد قال «عليه السلام» فيما يرتبط بما فعله جنود معاوية، الذين أغاروا على أطراف بلاده:
«ولقد بلغني: أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة، والأخرى المعاهدة، فينتزع حجلها، وقلبها، وقلائدها، ورعاثها 1 ما تمنع منه إلا بالاسترجاع والاسترحام، ثم انصرفوا وافرين، ما نال رجلاً منهم كلم، ولا أريق لهم دم؛ فلو أن امرءاً مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً، بل كان به عندي جديراً» 2.
فإذا كان الموت بالمسلم لأجل معاهدة سلبت حجلها، أو قلبها. فما بالك بما جرى على الإمام الحسين «عليه السلام» وبنات رسول الله «صلى الله عليه وآله» في كربلاء، فهل يستكثر اللطم وضرب السلاسل، أو التطبير من أجل تلك الجرائم النكراء.
ثالثاً: إن الشيعة لا يقولون بوجوب اللطم، بل هم لا يمنعون منه من أراده، لأن المطلوب هو إظهار الحزن، وإدانة هذه الفجائع، والإعتراض على النهج العدواني، الذي بلغ إلى هذه الحدود المخيفة والخطرة على الدين وأهله، والتي يصبح بذل كل غالٍ ونفيس في مواجهتها أمراً مرضياً، بل حتماً مقضياً لدى كل عاقل وغيور على الإسلام وأهله..
وكل إنسان يختار من وسائل إظهار هذا الغضب ما يناسب حاله وامكاناته.
رابعاً: إن أحداً لا يستطيع نفي حصول أمر من شخص بضرس قاطع إلا إن كان نبياً، وقد جاءه الوحي بذلك، أو يكون نفس الشخض قد أخبر عن نفسه بأنه لم يفعل، أو أن يكون مطلعاً على كل لحظات حياة ذلك الشخص، ولم يخف عليه شيء منها، فما معنى نفي حصول اللطم والبكاء من النبي «صلى الله عليه وآله» أو من غيره بهذه الصورة الجازمة والحتمية.
غاية ما هناك: أن يقول القائل: لم يبلغني، أو لم أره فعل كذا..
فإذا وجدنا أن عائشة ونساء الصحابة يفعلن هذا الأمر، حين توفي رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ويخبرن عنه، فإن ذلك يقوي احتمال أن يكون جواز هذا الفعل هو المرتكز في الأذهان في ذلك الزمان.
ويعبر عن هذا الإرتكاز قول دعبل في رثاء الإمام الحسين «عليه السلام»، وإنشاده ذلك بحضرة الإمام الرضا «عليه السلام»:
أفاطم لو خلت الحسين مجدلاً *** وقد مات عطشاناً بشط فرات
إذن للطمت الخد فاطم عنده *** وأجريت دمع العين في الوجنات
ولم يعترض الإمام الرضا «عليه السلام»، ولا قال له: إن اللطم حرام لم تفعله الزهراء «عليها السلام».
وقد تحدثنا عن ذلك في إجابة على سؤال آخر، فلا نعيد.. 3.

  • 1. الرعاث: جمع رعثة: القرط، والحجل: الخلخال، والقلب: السوار.
  • 2. نهج البلاغة، بشرح عبده ج 1 ص 64 و 65 خطبة رقم 26 والأخبار الطوال ص 211 و 212 والغارات ج 2 ص 475 و 476 والمبرد في الكامل ج 1 ص 20 والعقد الفريد ج 4 ص 70 ومعاني الأخبار ص 310 وأنساب الأشراف (ط مؤسسة الأعلمي) ج 2 ص 442.
  • 3. ميزان الحق.. (شبهات.. وردود)، السيد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، 1431 هـ. ـ 2010 م.، الجزء الثاني، السؤال رقم (48).
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى