سادة القافلةسيرة أهل البيت (ع)في رحاب نهج البلاغةمناسباتمنوعات

الإمام علي عليه السلام والقران الكريم – الثاني

إحتجاجه أمير المؤمنين صلوات الله عليه على قريش واليهود

* – المفسر باسناده إلى أبي محمد العسكري عليه السلام أنه قال : كذبت قريش واليهود بالقرآن ، وقالوا : سحر مبين تقوله ، فقال الله : ألم ذلك الكتاب أي يا محمد هذا الكتاب الذي أنزلناه عليك هو بالحروف المقطعة التي منها ألف لام ميم ، وهو بلغتكم وحروف هجائكم فأتوا بمثله إن كنتم صادقين ، واستعينوا على ذلك بسائر شهدائكم .

ثم بين أنهم لا يقدرون عليه بقوله : قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا .

ثم قال الله : ألم أي القرآن الذي افتتح بالم هو ذلك الكتاب الذي أخبرت به موسى فمن بعده من الأنبياء فأخبروا بني إسرائيل أني سأنزله عليك يا محمد كتابا عزيزا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد لا ريب فيه لا شك فيه لظهوره عندهم كما أخبرهم أنبياؤهم أن محمدا ينزل عليه كتاب لا يمحوه الباطل ، يقرؤه هو وأمته على سائر أحوالهم هدى بيان من الضلالة للمتقين الذين يتقون الموبقات ، ويتقون تسليط السفه على أنفسهم ، حتى إذا علموا ما يجب عليهم علمه ، عملوا بما يوجب لهم رضا ربهم .

قال : وقال الصادق عليه السلام : ثم الألف حرف من حروف قولك الله ، دل بالألف على قولك الله ، ودل باللام على قولك الملك العظيم القاهر للخلق أجمعين ودل بالميم على أنه المجيد المحمود في كل أفعاله ، وجعل هذا القول حجة على اليهود ، وذلك أن الله لما بعث موسى بن عمران ثم من بعده من الأنبياء إلى بني إسرائيل لم يكن فيهم قوم إلا أخذوا عليهم العهود والمواثيق ليؤمنن بمحمد العربي الأمي المبعوث بمكة الذي يهاجر إلى المدينة ، يأتي بكتاب بالحروف المقطعة افتتاح بعض سوره ، يحفظه أمته فيقرؤنه قياما وقعودا ومشاة ، وعلى كل الأحوال ، يسهل الله عز وجل حفظه عليهم .

ويقرنون بمحمد صلى الله عليه وآله أخاه ووصيه علي بن أبي طالب عليه السلام الآخذ عنه علومه التي علمها ، والمتقلد عنه لأماناته التي قلدها ، ومذلل كل من عاند محمدا بسيفه الباتر ، ومفحم كل من جادله وخاصمه بدليله القاهر ، يقاتل عباد الله على تنزيل كتاب الله حتى يقودهم إلى قبوله طائعين وكارهين ، ثم إذا صار محمد صلى الله عليه وآله إلى رضوان الله عز وجل وارتد كثير ممن كان أعطاه ظاهر الايمان ، وحرفوا تأويلاته ، وغيروا معانيه ، ووضعوها على خلاف وجوهها ، قاتلهم بعد على تأويله حتى يكون إبليس الغاوي لهم هو الخاسر الذليل المطرود المغلوب .

قال : فلما بعث الله محمدا وأظهره بمكة ثم سيره منها إلى المدينة وأظهره بها ثم أنزل عليه الكتاب وجعل افتتاح سورته الكبرى بالم ، يعني ألم ذلك الكتاب وهو ذلك الكتاب الذي أخبرت أنبيائي السالفين أني سأنزله عليك يا محمد لا ريب فيه فقد ظهر كما أخبرهم به أنبياؤهم أن محمدا ينزل عليه كتاب مبارك لا يمحوه الباطل ، يقرؤه هو وأمته على سائر أحوالهم ثم اليهود يحرفونه عن جهته ويتأولونه على غير جهته ، ويتعاطون التوصل إلى علم ما قد طواه الله عنهم من حال أجل هذه الأمة وكم مدة ملكهم .

فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله منهم جماعة فولى رسول الله عليا عليهما السلام مخاطبتهم فقال قائلهم : إن كان ما يقول محمد حقا لقد علمنا كم قدر ملك أمته ؟ هو إحدى وسبعون سنة : الألف واحد ، واللام ثلاثون ، والميم أربعون ، فقال علي عليه السلام : فما تصنعون بالمص وقد أنزلت عليه ؟ قالوا : هذه إحدى وستون ومائة سنة ، قال : فماذا تصنعون بالر وقد أنزلت عليه ؟ فقالوا : هذه أكثر هذه مائتان وإحدى وثلاثون سنة ، فقال علي عليه السلام : فما تصنعون بما انزل إليه المر ؟ قالوا : هذه مائتان وإحدى وسبعون سنة ، فقال علي عليه السلام : فواحدة من هذه له أوجميعها له ؟ فاختلط كلامهم فبعضهم قال له : واحدة منها ، وبعضهم قال : بل يجمع له كلها وذلك سبعمائة وأربع سنين ، ثم يرجع الملك إلينا يعني إلى اليهود .

فقال علي عليه السلام : أكتاب من كتب الله نطق بهذا أم آراؤكم دلتكم عليه ؟ فقال بعضهم : كتاب الله نطق به ، وقال آخرون منهم : بل آراؤنا دلت عليه ، فقال علي عليه السلام : فأتوا بالكتاب من عند الله ينطق بما تقولون ، فعجزوا عن إيراد ذلك ، وقال للآخرين : فدلونا على صواب هذا الرأي ؟ فقالوا صواب رأينا دليله أن هذا حساب الجمل .

فقال علي عليه السلام : كيف دل على ما تقولون وليس في هذه الحروف إلا ما اقترحتم بلا بيان ؟ أرأيتم إن قيل لكم إن هذه الحروف ليست دالة على هذه المدة لملك أمة محمد صلى الله عليه وآله ، ولكنها دلالة على أن كل واحد منكم قد لعن بعدد هذا الحساب ، أو أن عدد ذلك لكل واحد منكم ومنا بعدد هذا الحساب دراهم أو دنانير أو أن لعلى على كل واحد منكم دين عدد ماله مثل عدد هذا الحساب .

قالوا : يا أبا الحسن ليس شئ مما ذكرته منصوصا عليه في ألم والمص والر والمر فقال علي عليه السلام : ولا شئ مما ذكرتموه منصوص عليه في ألم والمص والر والمر فان بطل قولنا لما قلنا ، بطل قولك لما قلت ، فقال خطيبهم ومنطيقهم : لا تفرح يا علي ، إن عجزنا عن إقامة حجة فيما تقولهن على دعوانا فأي حجة لك في دعواك إلا أن تجعل عجزنا حجتك ، فإذا ما لنا حجة فيما نقول ولا لكم حجة فيما تقولون .

قال علي عليه السلام : لا سواء ، إن لنا حجة هي المعجزة الباهرة ثم نادي جمال اليهود : يا أيتها الجمال اشهدي لمحمد ، ولوصيه ، فتبادر الجمال : صدقت صدقت يا وصي محمد ، وكذب هؤلاء اليهود .

فقال علي عليه السلام : هؤلاء جنس من الشهود ، يا ثياب اليهود التي عليهم اشهدي لمحمد ولوصيه ، فنطقت ثيابهم كلها : صدقت صدقت يا علي نشهد أن محمدا رسول الله حقا وأنك يا علي وصيه حقا ، لم يثبت محمد قدما في مكرمة إلا وطئت على موضع قدمه ، بمثل مكرمته ، فأنتما شقيقان من أشرف أنوار الله ، فميزتما اثنين ، وأنتما في الفضائل شريكان ، إلا أنه لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وآله .

فعند ذلك خرس ذلك اليهودي ، وآمن بعض النظارة منهم برسول الله ، وغلب الشقاء على اليهود وسائر النظارة الآخرين ، فذلك ما قال الله تعالى لا ريب فيه إنه كما قال محمد ووصي محمد عن قول محمد صلى الله عليه وآله عن قول رب العالمين . ثم قال : هدى بيان وشفاء للمتقين من شيعة محمد وعلي إنهم اتقوا أنواع الكفر فتركوها ، واتقوا الذنوب الموبقات فرفضوها ، واتقوا إظهار أسرار الله وأسرار أزكياء عباده الأوصياء بعد محمد صلى الله عليه وآله فكتموها ، واتقوا ستر العلوم عن أهلها المستحقين لها ، وفيهم نشروها .

إحتجاجه على المدعي التناقض في ايات القران

* – عن عبيد الله عبيد ، عن أبي معمر السعداني أن رجلا أتى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقال : يا أمير المؤمنين إني قد شككت في كتاب الله المنزل ، قال له علي عليه السلام : ثكلتك أمك ، وكيف شككت في كتاب الله المنزل ؟ قال : لأني وجدت الكتاب يكذب بعضه بعضا ، فكيف لا أشك فيه ، فقال علي بن أبي طالب عليه السلام : إن كتاب الله ليصدق بعضه بعضا ، ولا يكذب بعضه بعضا ، ولكنك لم ترزق عقلا تنتفع به فهات ما شككت فيه من كتاب الله عز وجل .

قال له الرجل : إني وجدت الله يقول : فاليوم ننسيهم كما نسوا لقاء يومهم هذا .

وقال أيضا : نسوا الله فنسيهم .

وقال : وما كان ربك نسيا فمرة يخبر أنه ينسى ، ومرة يخبر أنه لا ينسى ، فأنى ذلك يا أمير المؤمنين ؟

قال : هات ما شككت فيه أيضا ؟

قال : وأجد الله يقول : يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا  .

وقال : وقد استنطقوا فقالوا : والله ربنا ما كنا مشركين .

وقال : ويوم القيمة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا .

وقال : إن ذلك لحق تخاصم أهل النار .

وقال : لا تختصموا لدى وقد قدمت إليكم بالوعيد .

وقال : اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون فمرة يخبر [ أنهم يتكلمون ، ومرة ] أنهم لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ، ومرة يخبر أن الخلق لا ينطقون ، ويقول عن مقالتهم : والله ربنا ما كنا مشركين ومرة يخبر أنهم يختصمون ، فأنى ذلك يا أمير المؤمنين ؟ وكيف لا أشك فيما تسمع ؟

قال : هات ويحك ما شككت فيه .

قال : وأجد الله عز وجل يقول : وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة .

ويقول : لا تدركه الابصار وهويدرك الابصار وهو اللطيف الخبير .

ويقول : ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى .

ويقول : يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون ، به علما ومن أدركته الابصار فقد أحاط به العلم ، فأنى ذلك يا أمير المؤمنين ؟ وكيف لا أشك فيما تسمع ،  قال : هات أيضا ويحك ما شككت فيه .

قال : وأجد الله تبارك وتعالى يقول : وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا  فيوحي باذنه ما يشاء .

وقال : وكلم الله موسى تكليما .

وقال : وناداهما ربهما .

وقال : يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك .

وقال : يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك فأنى ذلك يا أمير المؤمنين ؟ وكيف لا أشك فيما تسمع ؟ قال : هات ويحك ما شككت فيه .

قال : وأجد الله جل جلاله .

يقول : هل تعلم له سميا وقد يسمى الانسان سميعا بصيرا وملكا وربا فمرة يخبر أن له أسامي كثيرة مشتركة , ومرة يقول : هل تعلم له سميا فأنى ذلك يا أمير المؤمنين ؟ وكيف لا أشك فيما تسمع ؟ قال : هات ويحك ما شككت فيه .

قال : ووجدت الله تبارك اسمه يقول : وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء .

ويقول : ولا ينظر إليهم يوم القيمة ولا يزكيهم .

ويقول : كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون كيف ينظر إليهم من يحجب عنه ، فأنى ذلك يا أمير المؤمنين ؟ وكيف لا أشك فيما تسمع ؟ قال : هات ويحك أيضا ما شككت فيه .

قال : وأجد الله عز ذكره يقول : أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور .

وقال : الرحمن على العرش استوى وقال : وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم .

وقال : إنه هو الظاهر والباطن وهو معكم أينما كنتم .

وقال : ونحن أقرب إليه من حبل الوريد فأنى ذلك يا أمير المؤمنين وكيف لا أشك فيما تسمع ؟ قال : هات أيضا ويحك ما شككت فيه .

قال : وأجد الله جل ثناؤه يقول : وجاء ربك والملك صفا صفا .

وقال : ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة .

وقال : هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة .

وقال : هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا فمرة يقول : يأتي ربك ، ومرة يقول : يوم يأتي بعض آيات ربك ، فأنى ذلك يا أمير المؤمنين ؟ وكيف لا أشك فيما تسمع ؟ قال : هات ويحك ما شككت فيه .

قال : وأجد الله جل جلاله يقول : بلهم بلقاء ربهم كافرون وذكر المؤمنين .

فقال : الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون .

وقال : تحيتهم يوم يلقونه سلام وقال : من كان يرجوا لقاء الله فان أجل الله لآت .

وقال : من كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا فمرة يخبر أنهم يلقونه ، ومرة يخبر أنه لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار ومرة يقول : ولا يحيطون به علما فأنى ذلك يا أمير المؤمنين وكيف لا أشك فيما تسمع ؟ قال : هات ويحك ما شككت فيه .

قال : وأجد الله تبارك وتعالى يقول : ورأي المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها .

وقال : يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هوالحق المبين .

وقال : ويظنون بالله الظنونا فمرة يخبر أنهم يظنون ومرة يخبر أنهم يعلمون ، والظن شك ، فأنى ذلك يا أمير المؤمنين ؟ وكيف لا أشك فيما تسمع ؟ قال : ويحك هات ما شككت فيه .

قال : وأجد الله تعالى ذكره يقول : قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون .

وقال : الله يتوفى الأنفس حين موتها .

وقال : توفته رسلنا وهم لا يفرطون .

وقال : الذين تتوفاهم الملائكة طيبين .

وقال : الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فأنى ذلك يا أمير المؤمنين ؟ وكيف لا أشك فيما تسمع ؟وقد هلكت إن لم ترحمني وتشرح لي صدري فيما عسى أن يجري ذلك على يديك فإن كان الرب تبارك وتعالى حقا والكتاب حقا ، والرسل حقا ، فقد هلكت وخسرت ، وإن تكن الرسل باطلا فما على بأس ، وقد نجوت .

فقال علي عليه السلام : قدوس ربنا قدوس ، تبارك وتعالى علوا كبيرا ، نشهد أنه هوالدائم الذي لا يزول ، ولا نشك فيه ، وليس كمثله شئ وهوالسميع البصير ، وأن الكتاب حق ، والرسل حق ، وأن الثواب والعقاب حق ، فان رزقت زيادة إيمان أو حرمته فان ذلك بيد الله إن شاء رزقك ، وإن شاء حرمك ذلك ولكن سأعلمك ما شككت فيه ، ولا قوة إلا بالله ، فان أردا الله بك خيرا أعلمك بعلمه ، وثبتك ، وإن يكن شرا ضللت وهلكت .

أما قوله : نسوا الله فنسيهم إنما يعني نسوا الله في دار الدنيا لم يعملوا بطاعته فنسيهم في الآخرة أي لم يجعل لهم في ثوابه شيئا ، فصاروا منسيين من الخير ، وكذلك تفسير قوله عز وجل : فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا يعني بالنسيان أنه لم يثبهم كما يثيب أولياءه الذين كانوا في دار الدنيا مطيعين ذاكرين ، حين آمنوا به وبرسله ، وخافوه بالغيب .

وأما قوله : وما كان ربك نسيا فان ربنا تبارك وتعالى علوا كبيرا ليس بالذي ينسى ولا يغفل ، بل هو الحفيظ العليم ، وقد يقول العرب في باب النسيان ، قد نسينا فلان ، فلا يذكرنا ، أي أنه لا يأمر لهم بخير ولا يذكرهم به ، فهل فهمت ما ذكر الله عز وجل ؟ قال : نعم فرجت عني فرج الله عنك وحللت عني عقدة ، فعظم الله أجرك .

قال : وأما قوله : يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا وقوله : والله ربنا ما كنا مشركين وقوله : يوم القيمة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا وقوله : إن ذلك لحق تخاصم أهل النار وقوله : لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد وقوله : اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون فان ذلك في مواطن غير واحد من مواطن ذلك اليوم الذي كان مقداره خمسين ألف سنة .

يجمع الله عز وجل الخلائق يومئذ في مواطن يتفرقون ، ويكلم بعضهم بعضا ، ويستغفر بعضهم لبعض ، أولئك الذين كان منهم الطاعة في دار الدنيا من الرؤسا والاتباع ، ويلعن أهل المعاصي الذين بدت منهم البغضاء ، وتعاونوا على الظلم والعدوان في دار الدنيا المستكبرين والمستضعفين يكفر بعضهم ببعض ، ويلعن بعضهم بعضا ، والكفر في هذه الآية البراءة ، يقول : فيبرأ بعضهم من بعض ، ونظيرها في سورة إبراهيم عليه السلام قول الشيطان : إني كفرت بما أشركتمون من قبل وقول إبراهيم خليل الرحمن كفرنا بكم يعني تبرأنا منكم .

ثم يجتمعون في موطن آخر يبكون فيه فلو أن تلك الأصوات بدت لأهل الدنيا لأذهلت جميع الخلق عن معايشهم ، ولتصدعت قلوبهم إلا ما شاء الله ، فلا يزالون يبكون الدم .

ثم يجتمعون في موطن آخر فيستنطقون فيه فيقولون : والله ربنا ما كنا مشركين فيختم الله تبارك وتعالى على أفواههم ويستنطق الأيدي والأرجل والجلود ، فتشهد بكل معصية كانت منهم ، ثم يرفع عن ألسنتهم الختم فيقولون لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شئ .

ثم يجتمعون في موطن آخر فيستنطقون فيفر بعضهم من بعض فذلك قوله عز وجل : يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه فيستنطقون فلا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا فيقوم الرسل صلى الله عليهم فيشهدون في هذا الموطن ، فذلك قوله تعالى : فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا .

ثم يجتمعون في موطن آخر فيكون فيه مقام محمد صلى الله عليه وآله وهو المقام المحمود فيثني على الله تبارك وتعالى بما لم يثن عليه أحد قبله ، ثم يثني على الملائكة كلهم ، فلا يبقي ملك إلا أثنى عليه محمد صلى الله عليه وآله ثم يثني على الرسل بما لم يثن عليهم أحد مثله ، ثم يثني على كل مؤمن ومؤمنة يبدأ بالصديقين والشهداء ثم بالصالحين فيحمده أهل السماوات وأهل الأرض ، وذلك قوله عز وجل : عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا فطوبى لمن كان له في ذلك المقام حظ ونصيب ، وويل لمن لم يكن له في ذلك المقام حظ ولا نصيب .

ثم يجتمعون في موطن آخر ويدال بعضهم عن بعض ، وهذا كله قبل الحساب فإذا أخذ في الحساب شغل كل إنسان بما لديه ، نسأل الله بركة ذلك اليوم ، قال : فرجت عني فرج الله عنك يا أمير المؤمنين ، وحللت عني عقدة فعظم الله أجرك . فقال عليه السلام : وأما قوله عز وجل : وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة وقوله : لا تدركه الابصار وهويدرك الابصار وقوله : ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى وقوله : يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما فأما قوله : وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة فان ذلك في موضع ينتهي فيه أولياء الله عز وجل بعد ما يفرغ من الحساب إلى نهر يسمى الحيوان ، فيغتسلون فيه ، ويشربون منه ، فتنضر وجوههم إشراقا ، فيذهب عنهم كل قذى ووعث ، ثم يؤمرون بدخول الجنة ، فمن هذا المقام ينظرون إلى ربهم كيف يثيبهم ، ومنه يدخلون الجنة فذلك قول الله عز وجل في تسليم الملائكة عليهم : سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين فعند ذلك أيقنوا بدخول الجنة والنظر إلى ما وعدهم ربهم فذلك قوله : إلى ربها ناظرة وإنما يعني بالنظر إليه النظر إلى ثوابه تبارك وتعالى .

وأما قوله : لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار فهوكما قال : لا تدركه الابصار ولا تحيط به الأوهام ، وهو يدرك الابصار ، يعني يحيط بها ، وهو اللطيف الخبير ، وذلك مدح امتدح به ربنا نفسه تبارك وتعالى وتقدس علوا كبيرا ، وقد سأل موسى عليه السلام وجرى على لسانه من حمد الله عز وجل رب أرني أنظر إليك فكانت مسألة تلك أمرا عظيما ، وسأل أمرا جسيما ، فعوقب فقال الله تبارك وتعالى :  لن تراني في الدنيا حتى تموت فتراني في الآخرة ولكن إن أردت أن تراني في الدنيا فانظر إلى الجبل فان استقر مكانه فسوف تراني .

فأبدى الله جل ثناؤه بعض آياته ، وتجلى ربنا تبارك للجبل ، فتقطع الجبل فصار رميما وخر موسى صعقا ثم أحياه الله وبعثه ، فقال : سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين يعني أول مؤمن آمن بك منهم أنه لن يراك .

وأما قوله : ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى يعني محمدا حيث لا يجاوزها خلق من خلق الله ، وقوله في آخر الآية : ما زاغ البصر وما طغى لقد رآى من آيات ربه الكبرى رأى جبرئيل عليه السلام في صورته مرتين هذه المرة ، ومرة أخرى ، وذلك أن خلق جبرئيل عليه السلام عظيم ، فهو من الروحانيين الذين لا يدرك خلقهم وصفتهم ، إلا الله رب العالمين .

وأما قوله : يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما لا تحيط الخلائق بالله عز وجل علما إذا هو تبارك وتعالى جعل على أبصار القلوب الغطاء فلا فهم يناله بالكيف ولا قلب يثبته بالحدود ، فلا نصفه إلا كما وصف نفسه ، ليس كمثله شئ وهوالسميع البصير ، الأول والآخر ، والظاهر والباطن ، الخالق البارئ المصور ، خلق الأشياء فليس من الأشياء شئ مثله ، تبارك وتعالى فقال : فرجت عني فرج الله عنك ، وحللت عني عقدة فأعظم الله أجرك يا أمير المؤمنين .

[ فقال عليه السلام : ] وأما قوله : وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أومن وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي باذنه ما يشاء وقوله : وكلم الله موسى تكليما وقوله : وناداهما ربهما وقوله : يا آدم أسكن أنت وزوجك الجنة .

فأما قوله : ما كان لبشر ان يكلمه الله إلا وحيا أومن وراء حجاب ما ينبغي لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا ، وليس بكائن إلا من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي باذنه ما يشاء ، كذلك قال الله تبارك وتعالى علوا كبيرا قد كان الرسول يوحى إليه من رسل السماء ، فتبلغ رسل السماء رسل الأرض ، وقد كان الكلام بين رسل أهل الأرض وبينه من غير أن يرسل بالكلام مع رسل أهل السماء وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا جبرئيل هل رأيت ربك ؟ فقال جبرئيل عليه السلام : إن ربي لا يرى .

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : فمن أين تأخذ الوحي ؟ فقال : آخذه من إسرافيل ، فقال : ومن أين يأخذه إسرافيل ؟ قال : يأخذه من ملك فوقه من الروحانيين ، قال : فمن أين يأخذه ذلك الملك ؟ قال : يقذف في قلبه قذفا .

فهذا وحي ، وهو كلام الله عز وجل ، وكلام الله ليس بنحو واحد ، منه ما كلم الله به الرسل ، ومنه ما قذفه في قلوبهم ، ومنه رؤيا يريها الرسل ، ومنه وحي وتنزيل يتلى ويقرأ فهو كلام الله ، فاكتف بما وصفت لك من كلام الله ، فان معنى كلام الله ليس بنحو واحد ، فإنه منه ما تبلغ منه رسل السماء رسل الأرض . قال : فرجت عني فرج الله عنك ، وحللت عني عقدة ، فعظم الله أجرك يا أمير المؤمنين .

[ فقال عليه السلام : ] وأما قوله : هل تعلم له سميا فان تأويله هل تعلم له أحدا اسمه الله ، غير الله تبارك وتعالى ، فإياك أن تفسر القرآن برأيك حتى تفقهه عن العلماء ، فإنه رب تنزيل يشبه بكلام البشر ، وهو كلام الله ، وتأويله لا يشبه كلام البشر ، كما ليس شئ من خلقه يشبهه ، كذلك لا يشبه  فعله تعالى شيئا من أفعال البشر ، ولا يشبه شئ من كلامه بكلام البشر ، فكلام الله تبارك وتعالى صفته ، وكلام البشر أفعالهم ، فلا تشبه كلام الله بكلام البشر ، فتهلك وتضل قال : فرجت عني فرج الله عنك وحللت عني عقدة ، فعظم الله أجرك يا أمير المؤمنين .

قال عليه السلام : وأما قوله : وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء كذلك ربنا لا يعزب عنه شئ ، وكيف يكون من خلق الأشياء لا يعلم ما خلق ، وهو الخلاق العليم .

وأما قوله : لا ينظر إليهم يوم القيمة يخبر أنه لا يصيبهم بخير وقد يقول العرب : والله ما ينظر إلينا فلان ، وإنما يعنون بذلك أنه لا يصيبنا منه بخير ، فذلك النظر ههنا من الله تبارك وتعالى إلى خلقه ، فنظره إليهم رحمة لهم قال : فرجت عني فرج الله عنك ، وحللت عني عقدة ، فعظم الله أجرك يا أمير المؤمنين .

فقال عليه السلام : وأما قوله : كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون فإنما يعني بذلك يوم القيامة ، أنهم عن ثواب ربهم يومئذ لمحجوبون ، وقوله : أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور وقوله : وهوالله في السماوات وفي الأرض وقوله : الرحمن على العرش استوى وقوله : وهومعكم أينما كنتم وقوله : ونحن أقرب إليه من حبل الوريد فكذلك الله تبارك وتعالى سبوحا قدوسا أن يجري منه ما يجري من المخلوقين ، وهو اللطيف الخبير ، وأجل وأكبر أن ينزل به شئ مما ينزل بخلقه ، شاهد لكل نجوى ، وهو الوكيل على كل شئ ، والمنير لكل شئ والمدبر للأشياء كلها تعالى الله عن أن يكون على عرشه علوا كبيرا ، وأما قوله : وجاء ربك والملك صفا صفا وقوله : ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وقوله :  هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقوله : هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أويأتي ربك أويأتي بعض آيات ربك فان ذلك حق كما قال الله عز وجل وليس له جيئة كجيئة الخلق ، وقد أعلمتك أن رب شئ من كتاب الله تأويله على غير تنزيله ، ولا يشبه كلام البشر ، وسأنبئك بطرف منه ، فتكتفي إن شاء الله .

من ذلك ، قول إبراهيم عليه السلام : إني ذاهب إلى ربي سيهدين فذهابه إلى ربه توجهه إليه عبادة واجتهادا ، وقربة إلى الله جل وعز ، ألا ترى أن تأويله غير تنزيله ، وقال : وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد يعني السلاح وغير ذلك .

وقوله : هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة يخبر محمدا صلى الله عليه وآله عن المشركين والمنافقين الذين لم يستجيبوا لله ولرسوله ، فقال : هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة حيث لم يستجيبوا لله ولرسوله أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يعني بذلك العذاب في دار الدنيا كما عذب القرون الأولى ، فهذا خبر يخبر به النبي صلى الله عليه وآله عنهم .

ثم قال : يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أوكسبت في إيمانها خيرا يعني من قبل أن تجئ هذه الآية ، وهذا الآية طلوع الشمس من مغربها ، وإنما يكتفي أولوا الألباب والحجى وأولوا النهى أن يعلموا أنه إذا انكشف الغطاء رأوا ما يوعدون ، وقال في آية أخرى : فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا يعني أرسل عليهم عذابا ، وكذلك إتيانه بنيانهم وقال الله عز وجل : فأتى الله بنيانهم من القواعد فاتيانه بنيانهم من القواعد إرسال العذاب ، وكذلك ما وصف من أمر الآخرة تبارك اسمه وتعالى علوا كبيرا وتجري أموره في ذلك اليوم الذي كان مقداره خمسين ألف سنة ، كما تجري أموره في الدنيا ، لا يلعب ولا يأفل مع الآفلين فاكتف بما وصفت لك من ذلك مما جال في صدرك مما وصف الله عز وجل في كتابه ولا تجعل كلامه ككلام البشر هوأعظم وأجل وأكرم وأعز ، وتبارك وتعالى من أن يصفه الواصفون ، إلا بما وصف نفسه في قوله عز وجل : ليس كمثله شئ وهوالسميع البصير قال : فرجت عني يا أمير المؤمنين فرج الله عنك ، وحللت عني عقدة .

[ فقال عليه السلام : ] وأما قوله : بلهم بلقاء ربهم كافرون وذكره المؤمنين الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وقوله لغيرهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وقوله : فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا فأما قوله : بلهم بلقاء ربهم كافرون يعني البعث ، فسماه الله عز وجل لقاءه ، وكذلك ذكره المؤمنين الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم يعني يوقنون أنهم يبعثون ويحشرون ، ويحاسبون ، ويجزون بالثواب والعقاب ، والظن ههنا اليقين ، وكذلك قوله : فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا وقوله : فمن كان يرجوا لقاء الله فان أجل الله لآت يعني فمن كان يؤمن بأنه مبعوث فان وعد الله لآت من الثواب والعقاب ، فاللقاء ههنا ليس بالرؤية واللقاء هو البعث ، فافهم جميع ما في كتاب الله من لقائه فإنه يعني بذلك البعث وكذلك قوله : تحيتهم يوم يلقونه سلام يعني أنه لا يزول الايمان عن قلوبهم يوم يبعثون ، قال : فرجت عني يا أمير المؤمنين فرج الله عنك ، فقد حللت عني عقدة .

[ فقال عليه السلام : ] وأما قوله : ورأي المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها يعني أيقنوا أنهم داخلوها ، وأما قوله : إني ظننت أني ملاق حسابيه وقوله : يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين وقوله للمنافقين : ويظنون بالله الظنونا فان قوله : إني ظننت أني ملاق حسابيه يقول : إني ظننت أني أبعث فأحاسب لقوله : ملاق حسابيه وقوله للمنافقين : يظنون بالله الظنونا فهذا الظن ظن شك ، فليس الظن ظن يقين ، والظن ظنان : ظن شك ، وظن يقين ، فما كان من أمر معاد من الظن فهوظن يقين ،وما كان من أمر الدنيا فهوظن شك ، فافهم ما فسرت لك ، قال : فرجت عني يا أمير المؤمنين فرج الله عنك .

[ فقال عليه السلام : ] وأما قوله تبارك وتعالى : ونضع الموازين القسط ليوم القيمة فلا تظلم نفس شيئا فهو ميزان العدل يؤخذ به الخلائق يوم القيامة يدين الله تبارك وتعالى الخلق بعضهم من بعض بالموازين ، وفي غير هذا الحديث الموازين هم الأنبياء والأوصياء عليهم السلام : ، وقوله عز وجل : فلا نقيم لهم يوم القيمة وزنا فان ذلك خاصة .

وأما قوله : فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب فان رسول الله صلى الله عليه وآله قال : قال الله عز وجل : لقد حقت كرامتي أو قال : مودتي لمن يراقبني ويتحاب بجلالي ، إن وجوههم يوم القيامة من نور ، على منابر من نور عليهم ثياب خضر ، قيل : من هم يا رسول الله ؟ قال : قوم ليسوا بأنبياء ولا شهداء ولكنهم تحابوا بجلال الله ، ويدخلون الجنة بغير حساب ، نسأل الله أن يجعلنا منهم برحمته .

وأما قوله : فمن ثقلت موازينه ومن خفت موازينه فإنما يعني الحساب بوزن الحسنات والسيئات ، والحسنات ثقل الميزان ، والسيئات خفة الميزان .

وأما قوله : قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم وقوله : الله يتوفى الأنفس حين موتها وقوله : توفته رسلنا وهم لا يفرطون وقوله : الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم وقوله : الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم فان الله تبارك وتعالى يدبر الأمور كيف يشاء ، ويوكل من خلقه من يشاء بما يشاء ، أما ملك الموت فان الله عز وجل يوكله بخاصة من يشاء من خلقه ، ويوكل رسله من الملائكة خاصة بما يشاء من خلقه تبارك وتعالى ، والملائكة الذين سماهم الله عز وجل وكلهم بخاصة من يشاء من خلقه تبارك وتعالى ، يدبر الأمور كيف يشاء ، وليس كل العلم يستطيع صاحب العلم أن يفسره لكل الناس ، لان منهم القوي والضعيف ولان منه ما يطاق حمله ومنه ما لا يطاق حمله إلا أن يسهل الله له حمله ، وأعانه عليه من خاصة أوليائه ، وإنما يكفيك أن تعلم أن الله المحيي المميت ، وأنه يتوفى الأنفس على يدي من يشاء من خلقه من ملائكته وغيرهم ، قال : فرجت عني يا أمير المؤمنين أنفع الله المسلمين بك .

فقال علي عليه السلام للرجل : لئن كنت قد شرح الله صدرك بما قد بينت لك فأنت والذي فلق الحبة وبرء النسمة من المؤمنين حقا ، فقال الرجل : يا أمير – المؤمنين كيف لي بأن أعلم أني من المؤمنين حقا ؟ قال : لا يعلم ذلك إلا من أعلمه الله على لسان نبيه صلى الله عليه وآله وشهد له رسول الله صلى الله عليه وآله بالجنة أو شرح الله صدره ليعلم ما في الكتب التي أنزلها الله عز وجل على رسله وأنبيائه .

قال : يا أمير المؤمنين ومن يطيق ذلك ؟ قال : من شرح الله صدره ووفقه له ، فعليك بالعمل لله في سر أمرك وعلانيتك ، فلا شئ يعدل العمل .

* – عن جابر عن أبي الزبير أن نداء ابن مرثد الخثعمي كانت صورته : يا أهل الشام ألا إن أمير المؤمنين عليه السلام يقول لكم : إني قد استأنيت بكم لتراجعوا الحق وتنيبوا إليه واحتججت عليكم بكتاب الله ودعوتكم إليه فلم تتناهوا عن طغيان ولم تجيبوا إلى حق فإني قد نبذت إليكم على سواء إن الله لا يحب الخائنين (شرح ابن أبي الحديد على المختار : ( ٥١ ) من شرحه : ج ١ ، ص ٧٥٧) .

الإمام علي عليه السلام والقران الكريم

نزل القران الكريم وكان اول مستمع له ومؤمن به بعد رسول الله صلى الله عليه واله هو امير المؤمنين عليه السلام ، اذ كان منذ اليوم الاول وهو يستمع للوحي في منزل رسول الله صلى اللة عليه واله، وكان النبي لا يخفي عليه اية اذ كان يخبره حين يكون غائبا ساعة النزول اذ كان قد ارسله النبي صلى الله عليه واله في مهمة وقد اطلعه النبي صلى الله عليه واله على ظاهر القران وباطنه وناسخه ومنسوخه ومجمله ومفصله وخاصه وعامه وكل الوجوه المتعلقة به وتوجه صلى الله عليه واله بان بشره بانه صلى الله عليه واله يقاتل على تنزيل القران وهو عليه السلام يقاتل على التاويل ثم قال 🙁 علي مع القران والقران مع علي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) ، وكان من ابرز كتاب الوحي ومن معلمي التفسير ورجع اليه جميع الصحابة في تفسير القران كما ان جميع القراء ينتهون اليه في القراءة .

 وفي هذه الفصول سوف تكون لنا رحلة مع امير المؤمنين عليه السلام والقران الكريم وصفا وقراءة وتفسيرا وبيانا لفضائله واحتجاجه به وارشادا لفهمه وقراءته وتحذيرا من هجره منذ اليوم الاول لجمعه بعد وفاة النبي صلى الله عليه واله الى اليوم الذي استشهد فيه حيث قال في وصيته لولده عليهم السلام :

(الله الله في القران لايسبقكم الى العمل به احد غيركم ) .

وصف الامام علي عليه السلام للقرآن

* – عن الصادق عليه السلام عن أمير المؤمنين صلوات الله عليهما في خطبة طويلة قال في آخره : فما دلك القرآن عليه من صفته فاتبعه ليوصل بينك وبين معرفته ، وائتم به ، واستضئ بنور هدايته ، فإنها نعمة وحكمة أوتيتها ، فخذ ما أوتيت وكن من الشاكرين ، وما دلك الشيطان عليه مما ليس في القرآن عليك فرضه ، ولا في سنة الرسول وأئمة الهدى أثره ، فكل علمه إلى الله عز وجل ، فان ذلك منتهى حق الله عليك . واعلم أن الراسخين في العلم هم الذين أغناهم الله عن الاقتحام في السدد المضروبة دون الغيوب ، فلزموا الاقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب فقالوا : آمنا به كل من عند ربنا ، فمدح الله عز وجل اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علما ، وسمى تركهم التعمق في حاله ، ما لم يكلفهم البحث عنه منهم رسوخا ، فاقتصر على ذلك ، ولا تقدر عظمة الله على قدر عقلك ، فتكون من الهالكين (الخطبة في النهج تحت الرقم ).

*- نهج البلاغة : قال عليه السلام : في القرآن نبأ ما قبلكم ، وخبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم (نهج البلاغة الرقم ٣١٣ من الحكم) .

*-  وقال عليه السلام في خطبة طويلة يذكر فيها بعثة الأنبياء عليهم السلام .

قال عليه السلام : إلى أن بعث الله سبحانه محمدا صلى الله عليه وآله لا نجاز عدته ، وتمام نبوته ، مأخوذا على النبيين ميثاقه ، مشهورة سماته كريما ميلاده ، وأهل الأرض يومئذ ملل متفرقة وأهواء منتشرة ، وطرائق متشتتة ، بين مشبه لله بخلقه ، أو ملحد في اسمه ، أو مشير إلى غيره ، فهداهم به من الضلالة ، وأنقذهم بمكانه من الجهالة .

ثم اختار سبحانه لمحمد صلى الله عليه وآله لقاءه ورضي له ما عنده ، فأكرمه عن دار الدنيا ، ورغب به عن مقام البلوى ، فقبضه إليه كريما ، وخلف فيكم ما خلفت الأنبياء في أممها ، إذ لم يتركوهم هملا ، بغير طريق واضح ، ولا علم قائم كتاب ربكم مبينا حلاله وحرامه ، وفرائضه وفضائله ، وناسخه ومنسوخه ورخصه وعزائمه ، وخاصه وعامه ، وعبره وأمثاله ، ومرسله ومحدوده ، ومحكمه ومتشابهه ، مفسرا جملته ، ومبينا غوامضه . بين مأخوذ ميثاق علمه ، وموسع على العباد في جهله ، وبين مثبت في الكتاب فرضه ، معلوم في السنة نسخه ، وواجب في السنة أخذه ، مرخص في الكتاب تركه وبين واجب بوقته ، وزائل في مستقبله . ومباين بين محارمه ، من كبير أوعد عليه نيرانه ، أو صغير أرصد له غفرانه وبين مقبول في أدناه ، وموسع في أقصاه . (نهج البلاغة في أواخر الخطبة الأولى) .

*-  وقال عليه السلام : وكتاب الله بين أظهركم ناطق لا يعيا لسانه ، وبين لا تهدم أركانه ، وعز لا تهزم أعوانه . (نهج البلاغة الرقم ١٣١ من الخطب) .

* – عن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن جده عليهم السلام قال : خطبنا أمير المؤمنين عليه السلام خطبة فقال فيها : نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بكتاب فصله ، وأحكمه وأعزه ، وحفظه بعلمه ، وأحكمه بنوره ، وأيده بسلطانه ، وكلاه من لم يتنزه هوى أو يميل به شهوة ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ، ولا يخلقه طول الرد ، ولا يفنى عجائبه ، من قال به صدق ، ومن عمل أجر ، ومن خاصم به فلج ، ومن قاتل به نصر ، ومن قام به هدي إلى صراط مستقيم . فيه نبأ من كان قبلكم ، والحكم فيما بينكم ، وخبر معاد كم ، أنزله بعلمه وأشهد الملائكة بتصديقه قال الله جل وجهه لكن الله يشهد بما انزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا فجعله الله نورا يهدى للتي هو أقوم وقال : فإذا قرأناه فاتبع قرآنه وقال اتبعوا ما انزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون وقال : فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطفوا إنه بما تعملون بصير ففي اتباع ما جاءكم من الله الفوز العظيم ، وفي تركه الخطأ المبين ، قال إما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى فجعل في اتباعه كل خير يرجى في الدنيا والآخرة ، فالقرآن آمر وزاجر ، حد فيه الحدود ، وسن فيه السنن ، وضرب فيه الأمثال ، وشرع فيه الدين ، إعذرا أمر نفسه وحجة على خلقه ، أخذ على ذلك ميثاقهم ، وارتهن عليه أنفسهم ، ليبين لهم ما يأتون وما يتقون ، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وإن الله سميع عليم . (تفسير العياشي ج ١ ص ٧).

* – نهج البلاغة : قال أمير المؤمنين عليه السلام : عليكم بكتاب الله فإنه الحبل المتين ، والنور المبين ، والشفاء النافع ، والري الناقع ، والعصمة للمتمسك والنجاة للمتعلق ، لا يعوج فيقوم ، ولا يزيغ فيستعتب ، ولا تخلقه كثرة الرد ، وولوج السمع من قال به صدق ، ومن عمل به سبق .

*- وقال عليه السلام : أرسله على حين فترة من الرسل ، طول هجعة من الأمم ، وانتقاض من المبرم فجاءهم بتصديق الذي بين يديه ، والنور المقتدى به ، ذلك القرآن فاستنطقوه ، ولن ينطق ولكن أخبركم عنه ، ألا إن فيه علم ما يأتي ، والحديث عن الماضي ، ودواء دائكم ، ونظر ما بينكم  .

 *- وقال عليه السلام : واعلموا أن هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغش ، والهادي الذي لا يضل ، والمحدث الذي لا يكذب ، وما جالس هذا القرآن أحد إلا قام عنه بزيادة  أو نقصان : زيادة في هدى ، أو نقصان من عمى .

واعلموا أنه ليس على أحد بعد القرآن من فاقة ، ولا لاحد قبل القرآن من غنى ، فاستشفوه من أدوائكم واستعينوا به على لاوائكم ، فان فيه شفاء من أكبر الداء ، وهو الكفر والنفاق والغي والضلال ، فاسألوا الله به ، وتوجهوا إليه بحبه ولا تسألوا به خلقه ، إنه ما توجه العباد إلى الله بمثله .

واعلموا أنه شافع مشفع ، وقائل مصدق ، وإنه من شفع له القرآن يوم القامة شفع فيه ، ومن محل به القرآن يوم القيامة صدق عليه ، فإنه ينادي مناد يوم القيامة : ألا إن كل حارث مبتلى في حرثه وعاقبة عمله ، غير حرثة القرآن ، فكونوا من حرثته وأتباعه ، واستدلوه على ربكم ، واستنصحوه على أنفسكم ، واتهموا عليه آراء كم ، واستعشوا فيه أهواءكم وساق الخطبة إلى قوله : وإن الله سبحانه لم يعظ أحدا بمثل هذا القرآن فإنه حبل الله المتين ، وسببه الأمين ، وفيه ربيع القلب ، وينابيع العلم ، وما للقلب جلاء غيره ، مع أنه قد ذهب المتذكرون ، وبقي الناسون والمتناسون .

* – الحارث الأعور قال : دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقلت : يا أمير المؤمنين إنا إذا كنا عندك سمعنا الذي نسد به ديننا ، وإذا خرجنا من عندك سمعنا أشياء مختلفة مغموسة ، لا ندري ما هي ؟ قال : أو قد فعلوها ؟ قلت : نعم ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : أتاني جبرئيل فقال : يا محمد سيكون في أمتك فتنة ، قلت : فما المخرج منها ؟ فقال كتاب الله فيه بيان ما قبلكم من خير وخبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم ، وهو الفصل ليس بالهزل ، من وليه من جبار فعمل بغيره قصمه الله ، ومن التمس الهدى في غيره أضله الله ، وهو حبل الله المتين ، وهو الذكر الحكيم ، وهو الصراط المستقيم ، لا تزيفه الأهواء ولا تلبسه الألسنة ، ولا يخلق عن الرد ، ولا تنقضي عجائبه ، ولا يشبع منه العلماء هوالذي لم تكنه الجن إذ سمعه ، أن قالوا : إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد من قال به صدق ، ومن عمل به أجر ، ومن اعتصم به هدي إلى صراط مستقيم ، هو الكتاب العزيز ، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد .

* قال عليه السلام : فالقرآن آمر زاجر ، وصامت ناطق ، حجة الله على خلقه ، أخذ عليهم ميثاقه ، وارتهن عليهم أنفسهم ، أتم نوره ، وأكرم به دينه ، وقبض نبيه صلى الله عليه وآله ، وقد فرغ إلى الخلق من احكام الهدى به ، فعظموا منه سبحانه ما عظم من نفسه ، فانه لم يخف عنكم شيئا من دينه ، ولم يترك شيئا رضيه أو كرهه إلا وجعل له علما باديا ، وآية محكمة تزجر عنه ، أوتد عوإليه ، فرضاه فيما بقي واحد ، وسخطه فيما بقي واحد.

* ومن خطبة طويلة له عليه السلام : ثم أنزل عليه الكتاب نورا لا تطفا مصابيحه وسراجا لا يخبو توقده ، وبحرا لا يدرك قعره ، ومنها جا لا يضل نهجه ، وشعاعا لا يظلم ضوؤه ، وفرقانا لا يخمد برهانه ، وتبيانا لا تهد أركانه ، وشفاء لا تخشى أسقامه ، وعزا لا تهزم أنصاره ، وحقا لا تخذل أعوانه ، فهو معدن الايمان وبحبوحته وينابيع العلم وبحوره ، ورياض العدل وغدرانه وأثا في الاسلام وبنيانه وأودية الحق وغيطانه وبحر لا ينزفه المستنزفون ، وعيون لا ينضبها الماتحون ومناهل لا يغيضها الواردون ، ومنازل لا يضل نهجها المسافرون وأعلام لا يعمى عنها السائرون ، وآكام لا يجوز عنها القاصدون ، جعله الله ريا لعطش العلماء ، وربيعا لقلوب الفقهاء ، ومحاج لطرق الصلحاء ، ودواء ليس بعده داء ، ونورا ليس معه ظلمة ، وحبلا وثيقا عروته ، ومعقلا منيعا ذروته ، وعزا لمن تولاه ، وسلما لمن دخله ، وهدى لمن أئتم به ، وعذرا لمن انتحله ، وبرهانا لمن تكلم به ، وشاهدا لمن خاصم به ، وفلجا لمن حاج به ، وحاملا لمن حمله ومطية لمن أعمله ، وآية لمن توسم ، وجنة لمن استلام ، وعلما لمن وعى وحديثا لمن روى ، وحكما لمن قضى.

* من خطبة له عليه السلام : واعلموا أنه ليس من شئ إلا ويكاد صاحبه يشبع منه ويمله إلا الحياة فانه لا يجد في الموت راحة ، وإنما ذلك بمنزلة الحكمة التي هي حياة للقلب الميت ، وبصر للعين العمياء ، وسمع للاذن الصماء ، وري للظمآن ، وفيها الغنا كله والسلامة . كتاب الله تبصرون به وتسمعون به وينطق بعضه ببعض ، ويشهد بعضه على بعض ، ولا يختلف في الله ، ولا يخالف بصاحبه عن الله ، قد اصطلحتم على الغل فيما بينكم ، ونبت المرعى على دمنكم وتصافيتم على حب الامال ، وتعاديتم في كسب الاموال ، لقد استهام بكم الخبيث ، وتاه بكم الغرور والله المستعان على نفسي وأنفسكم.

 * قال أميرالمؤمنين عليه السلام : عليكم بكتاب الله فانه الحبل المتين ، والنور المبين ، والشفاء النافع ، والري الناقع ، والعصمة للمتمسك والنجاة للمتعلق ، لا يعوج فيقوم ، ولا يزيغ فيستعتب ولا تخلقه كثرة الرد ، وولوج السمع من قال به صدق ، ومن عمل به سبق.

* وقال عليه السلام : أرسله على حين فترة من الرسل ، طول هجعة من الامم ، وانتقاض من المبرم فجاءهم بتصديق الذي بين يديه ، والنور المقتدى به ، ذلك القرآن فاستنطقوه ، ولن ينطق ولكن اخبركم عنه ، ألا إن فيه علم ما يأتي ، والحديث عن الماضي ، ودواء دائكم ، ونظر ما بينكم.

* وقال عليه السلام : واعلموا أن هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغش ، والهادي الذي لا يضل ، والمحدث الذي لا يكذب ، وما جالس هذا القرآن أحد إلا قام عنه بزيادة أو نقصان : زيادة في هدى ، أو نقصان من عمى .

واعلموا أنه ليس على أحد بعد القرآن من فاقة ، ولا لاحد قبل القرآن من غنى ، فاستشفوه من أدوائكم واستعينوا به على لاوائكم ، فان فيه شفاء من أكبر الداء ، وهو الكفر والنفاق والغي والضلال ، فاسألوا الله به ، وتوجهوا إليه بحبه ولا تسألوا به خلقه ، إنه ما توجه العباد إلى الله بمثله .

واعلموا أنه شافع مشفع ، وقائل مصدق ، وإنه من شفع له القرآن يوم القامة شفع فيه ، ومن محل به القرآن يوم القيامة صدق عليه ، فانه ينادي مناد يوم القيامة : ألا إن كل حارث مبتلى في حرثه وعاقبة عمله ، غير حرثة القرآن ، فكونوا من حرئته وأتباعه ، واستدلوه على ربكم ، واستنصحوه على أنفسكم ، واتهموا عليه آراء كم ، واستعشوا فيه أهواءكم وساق الخطبة إلى قوله : وإن الله سبحان لم يعظ أحدا بمثل هذا القرآن فانه حبل الله المتين ، وسببه الامين ، وفيه ربيع القلب ، وينابيع العلم ، وما للقلب جلاء غيره ، مع أنه قد ذهب المتذكرون ، وبقي الناسون والمتناسون .

*وقال عليه السلام : نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بكتاب فصله ، وأحكمه وأعزه ، وحفظه بعلمه ، وأحكمبه بنوره ، وأيده بسلطانه ، وكلاه من لم يتنزه هوى أو يميل به شهوة ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ، ولا يخلقه طول الرد ، ولا يفنى عجائبه ، من قال به صدق ، ومن عمل أجر ، ومن خاصم به فلج ، ومن قاتل به نصر ، ومن قام به هدي إلى صراط مستقيم .

فيه نبأ من كان قبلكم ، والحكم فيما بينكم ، وخبر معاد كم ، أنزله بعلمه وأشهد الملائكة بتصديقه .

 قال الله جل وجهه ( لكن الله يشهد بما انزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا ) فجعله الله نورا يهدى للتي هو أقوم .

وقال : ( فاذا قرأناه فاتبع قرآنه ) .

وقال ( اتبعوا ما انزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون ) .

وقال : ( فاستقم كما امرت ومن تاب معك ولا تطفوا إنه بما تعملون بصير ).

ففي اتباع ما جاءكم من الله الفوز العظيم ، وفي تركه الخطأ المبين ، قال ( إما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ) فجعل في اتباعه كل خير يرجى في الدنيا والاخرة ، فالقرآن آمر وزاجر ، حد فيه الحدود ، وسن فيه السنن ، وضرب فيه الامثال ، وشرع فيه الدين ، إعذرا أمر نفسه وحجة على خلقه ، أخذ على ذلك ميثاقهم ، وارتهن عليه أنفسهم ، ليبين لهم ما يأتون وما يتقون ، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حى عن بينة وإن الله سميع عليم.

* وقال عليه السلام في خطبة طويلة يذكر فيها بعثة الانبياء عليهم السلام قال عليه السلام : إلى أن بعث الله سبحانه محمدا صلى الله عليه وآله لا نجاز عدته ، وتمام نبوته ، مأخوذا على النبيين ميثاقه ، مشهورة سماته كريما ميلاده ، وأهل الارض يومئذ ملل متفرقة وأهواء منتشرة ، وطرائق متشتتة ، بين مشبه لله بخلقه ، أو ملحد في اسمه ، أو مشير إلى غيره ، فهداهم به من الضلالة ، وأنقذهم بمكانه من الجهالة .

ثم اختار سبحانه لمحمد صلى الله عليه وآله لقاء ورضي له ما عنده ، فأكرمه عن دار الدنيا ، ورغب به عن مقام البلوى ، فقبضه إليه كريما ، وخلف فيكم ما خلفت الانبياء في اممها ، إذ لم يتركوهم هملا ، بغير طريق واضح ، ولا علم قائم كتاب ربكم مبينا حلاله وحرامه ، وفرائضه وفضائله ، وناسخه ومنسوخه ورخصه وعزائمه ، وخاصه وعامه ، وعبره وأمثاله ، ومرسله ومحدوده ، ومحكمه ومتشابهه ، مفسرا جملته ، ومبينا غوامضه .

بين مأخوذ ميثاق علمه ، وموسع على العباد في جهله ، وبين مثبت في الكتاب فرضه ، معلوم في السنة نسخه ، وواجب في السنة أخذه ، مرخص في الكتاب تركه وبين واجب بوقته ، وزائل في مستقبله . ومباين بين محارمه ، من كبير أوعد عليه نيرانه ، أو صغير أرصد له غفرانه وبين مقبول في أدناه ، وموسع في أقصاه.

*- وقال عليه السلام : وكتاب الله بين أظهركم ناطق لا يعيا لسانه ، وبين لا تهدم أركانه ، وعز لا تهزم أعوانه.

* عن يوسف بن عبدالرحمن رفعه إلى الحارث الاعور قال : دخلت على أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقلت : يا أميرالمؤمنين إنا إذا كنا عندك سمعنا الذي نسد به ديننا ، وإذا خرجنا من عندك سمعنا أشياء مختلفة مغموسة ، لا ندري ماهي ؟ قال : أو قد فعلوها ؟ قلت : نعم ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : أتانى جبرئيل فقال : يا محمد سيكون في امتك فتنة ، قلت : فما المخرج منها ؟ فقال كتاب الله فيه بيان ما قبلكم من خير وخبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم ، وهو الفصل ليس بالهزل ، من وليه من جبار فعمل بغيره قصمه الله ، ومن التمس الهدى في غيره أضله الله ، وهو حبل الله المتين ، وهو الذكر الحكيم ، وهو الصراط المستقيم ، لا تزيفه الاهواء ولا تلبسه الالسنة ، ولا يخلق عن الرد ، ولا تنقضي عجائبه ، ولا يشبع منه العلماء هوالذي لم تكنه الجن إذ سمعه ، أن قالوا : ( إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد ) من قال به صدق ، ومن عمل به أجر ، ومن اعتصم به هدي إلى صراط مستقيم ، هو الكتاب العزيز ، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.

يتبع …..

المصدر: http://arabic.balaghah.net

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى