مقالات

الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف في كلام الولي دام ظله

غاية حركة إنسان بعمر 250 سنة


 

إنّ أصل المهدوية هو محلّ اتّفاق جميع المسلمين. وفي عقائد الأديان الأخرى، يوجد أيضاً انتظار المنجي في نهاية الزمان. فقد فهموا هذا المطلب أيضاً بنحوٍ صحيح في بُعدٍ من أبعاد القضيّة، ولكن في البُعد الأساسيّ المتعلّق بتحديد ومعرفة الشخص المنجي، ابتُلوا بنقص المعرفة. والشيعة يعرفون المنجي بالاسم والعلامة والخصائص وتاريخ الولادة، من خلال الأخبار المسلّمة والقطعيّة عندهم.(29/06/1384)

إنّ خصوصية اعتقادنا نحن الشيعة هي أنّنا قد بدّلنا هذه الحقيقة في مذهب التشيّع من حالة الأُمنية والأمر الذهنيّ المحض، إلى حالة واقعيّة موجودة. الحقيقة هي أنّ الشيعة عندما ينتظرون المهديّ الموعود فإنّهم ينتظرون اليد المنجية تلك، ولا يغرقون في عالم العقليات بل يبحثون عن الواقعيّة وهي موجودة. وحجّة الله حيٌّ بين الناس وموجودٌ ويعيش فيما بينهم ويرى الناس وهو معهم، ويشعر بآلامهم وأسقامهم. وأصحاب السعادة والاستعداد يزورونه في بعض الأحيان بصورة خفيّة. إنّه موجودٌ، هو إنسانٌ واقعيّ مشخّص باسمٍ معيّن، له أبٌ وأمّ محدّدين وهو بين الناس ويعيش معهم.هذه هي خصوصيّة عقيدتنا نحن الشيعة.

أولئك الّذين لا يقبلون هذه العقيدة من المذاهب الأخرى، لم يتمكّنوا في أيّ وقتٍ من إقامة أيّ دليلٍ يقبل به العقل لردّ هذه الفكرة وهذه الواقعيّة.

 فجميع الأدلّة الواضحة والراسخة، الّتي يصدقّها الكثير من أهل السنّة أيضاً، تحكي بصورة قاطعة ويقينيّة عن وجود هذا الإنسان العظيم، فهو حجّة الله، وهو الحقيقة الواضحة والساطعة – بتلك الخصائص الّتي نعرفها، أنا وأنتم – وأنتم تشاهدون هذه الأمور في العديد من المصادر غير الشيعيّة.

فالابن المبارك والمطهّر للإمام الحسن العسكري عليه الصلاة والسلام، معروفٌ تاريخ ولادته، ومن هم والداه وأصحابه ومعجزاته، وقد منحه الله عمراً طويلاً، وما زال. وهو تجسيدٌ لتلك الأمنية الكبرى، لجميع أمم العالم، وقبائله وأديانه وأعراقه عبر جميع العصور. هذه هي خصوصيّة مذهب الشيعة بشأن هذه القضيّة المهمّة (27/05/1387) 

هناك نكاتٌ بشأن الاعتقاد بالمهدويّة أشير إليها بالإجمال:

الأولى هي أنّ الوجود المقدّس لحضرة بقيّة الله أرواحنا فداه، هو عبارة عن استمرار النبوّات والدعوات الإلهية منذ بداية التاريخ وإلى يومنا هذا، أي كما تقرأون في دعاء النّدبة من: “وبعضهم أسكنتهم جنّتك”، الّذي هو آدم، وإلى: “أن انتهيت بالأمر”، أي الوصول إلى خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم ؛ ومن بعدها قضيّة الوصيّة وأهل بيت هذا النبيّ العظيم إلى أن يصل الأمر إلى إمام الزمان، فالجميع عبارة عن سلسلة متّصلة ومرتبطة ببعضها في تاريخ البشريّة. وهذا بمعنى أنّ تلك الحركة العظيمة للنبوّات وتلك الدعوات الإلهيّة بواسطة الرّسل، لم تتوقّف في أيّ مقطعٍ من الزمان. فالبشريّة تحتاج إلى الأنبياء والدعوات الإلهيّة، والدُعاة الإلهيين، وهذا الاحتياج باقٍ إلى يومنا هذا، وكلّما مرّ الزمان فإنّ البشر يصبحون أقرب إلى تعاليم الأنبياء.

لقد أدرك المجتمع البشريّ اليوم من خلال التقدّم الفكريّ والمدنيّة والمعرفة، الكثير من تعاليم الأنبياء – والّتي لم تكن قابلة للإدراك من قبل البشر قبل عشرات القرون من هذا – فقضيّة العدالة هذه، وقضيّة الحريّة، وكرامة الإنسان، وهذه الألفاظ الرائجة في العالم اليوم، هي كلماتُ الأنبياء. في ذلك الزمن، لم يدرك عامّة الناس والرأي العام هذه المفاهيم. وبعد مجيء الأنبياء وانتشار دعوتهم، غُرست هذه الأفكار في أذهان الناس وفي فطرتهم وفي قلوبهم جيلاً بعد جيل. فالدّعاة الإلهيّون لم تنقطع سلالتهم اليوم، والوجود المقدّس لبقيّة الله الأعظم أرواحنا فداه، هو استمرار سلالة الدعاة الإلهيّين حيث تقرأون في زيارة آل ياسين: “السلام عليك يا داعي الله وربّانيّ آياته”. أي أنّكم اليوم ترون تجسيداً، لدعوة إبراهيم ودعوة موسى، ودعوة عيسى، ودعوة جميع الأنبياء والمصلحين الإلهيين ودعوة النبيّ الخاتم في وجود حضرة بقيّة الله. فهذا الإنسان العظيم هو وارثهم جميعاً، وبيده دعوتهم ورايتهم جميعاً، وهو يدعو البشريّة ويعرض عليها تلك المعارف الّتي جاء بها الأنبياء عبر الزمان الممتدّ. هذه هي نقطةٌ مهمّة.

المعنى الحقيقي لانتظار الفرج

النقطة اللاحقة في باب المهدويّة، هي انتظار الفرج. فانتظار الفرج مفهومٌ واسعٌ جدّاً. وأحد أنواعه هو انتظار الفرج النهائيّ؛ أي أنّ الناس عندما يرون طواغيت العالم مشغولين بالنّهب والسلب والإفساد والاعتداء على حقوق النّاس، لا ينبغي أن يتخيّلوا أنّ مصير العالم هو هذا. لا ينبغي أن يُتصوّر أنّه في نهاية المطاف لا بدّ ولا مناص من القبول والإذعان لهذا الوضع، بل ينبغي أن يُعلم أنّ هذا الوضع هو وضعٌ عابر – “للباطل جولة1ـ وأمّا ما هو مرتبطٌ بهذا العالم وطبيعته فهو عبارة عن استقرار حكومة العدل وهو سوف يأتي. إن انتظار الفرج والفتح في نهاية العصر الّذي نحن فيه، حيث تعاني البشرية من الظلم والعذابات هو مصداقٌ لانتظار الفرج، ولكن لانتظار الفرج مصاديق أخرى أيضاً.

فعندما يُقال لنا انتظار الفرج، فلا يعني انتظار الفرج النهائيّ، بل يعني أنّ كلّ طريقٍ مسدود قابلٌ للفتح. الفرج يعني هذا، الفرج يعني الشقّ والفتح. فالمسلم يتعلّم من خلال درس انتظار الفرج أنّه لا يوجد طريق مسدود في حياة البشر ممّا لا يمكن أن يُفتح، وأنّه لا يجب عليه أن ييأس ويُحبط ويجلس ساكناً ويقول لا يمكن أن نفعل شيئاً؛ كلا، فعندما يظهر في نهاية مطاف حياة البشر ومقابل كلّ هذه الحركات الظالمة والجائرة، عندما تظهر شمس الفرج، فهذا يعني أنّه في كلّ هذه العقبات والسدود الموجودة في الحياة الآن، هناك فرجٌ متوقّع ومحلّ انتظار. هذا هو درس الأمل لكلّ البشرية. وهذا هو درس الانتظار الواقعيّ لجميع النّاس.

لهذا، عُدّ انتظار الفرج من أفضل الأعمال، ويُعلم من ذلك أنّ الانتظار هو عملٌ لا بطالةٌ. فلا ينبغي الاشتباه والتصوّر أنّ الانتظار يعني أن نضع يداً فوق يد ونبقى منتظرين حتّى يحدث أمرٌ ما. الانتظار عملٌ وتهيّؤٌ وباعثٌ على الاندفاع والحماس في القلب والباطن، وهو نشاطٌ وتحرّكٌ وتجدّدٌ في كلّ المجالات. وهذا هو في الواقع تفسير هذه الآيات القرآنية الكريمة ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ2 أو ﴿إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين3 أي أنّه لا ينبغي أن تيأس الشعوب والأُمم من الفرج في أيّ وقتٍ من الأوقات. 

لهذا ينبغي انتظار الفرج النهائيّ، مثلما ينبغي انتظار الفرج في جميع مراحل الحياة الفردية والاجتماعية. لا تسمحوا لليأس أن يسيطر على قلوبكم، فانتظروا الفرج واعلموا أنّ هذا الفرج سيتحقّق؛ وهو مشروطٌ في أن يكون انتظاركم انتظاراً واقعيّاً، وأن يكون فيه العمل والسعي والاندفاع والتحرّك.(29/06/1384)

إنّنا اليوم ننتظر الفرج. أي أنّنا ننتظر مجيء يدٍ مقتدرةٍ تنشر العدل وهي هزيمة الظلم والجور الّذي سيطر على كلّ البشرية تقريباً، فيتبدّل هذا الجوّ من الظلم والجور وينبعث نسيم العدل في حياة البشر لكي يشعر الناس بالعدالة. إنّ هذا هو حاجة أيّ إنسانٍ واعٍ بشكل دائم، الإنسان الّذي لم يجعل رأسه في حجره، ولم يستغرق في حياته الخاصّة. الإنسان الّذي ينظر إلى الحياة العامّة للبشر بنظرة كلّية فإنه من الطبيعي أن يكون في حالة انتظار، هذا هو معنى الانتظار. فالانتظار يعني عدم الاقتناع والقبول بالوضع الموجود لحياة البشر، وهو السعي من أجل الوصول إلى الوضع المطلوب؛ ومن المسلَّم به أنّ هذا الوضع المطلوب سوف يتحقّق على يد وليّ الله المقتدرة الحجّة بن الحسن المهديّ، صاحب الزمان (صلوات الله عليه وعجّل الله فرجه وأرواحنا فداه).

يجب أن نعدّ أنفسنا كجنودٍ مستعدّين لتلك الظروف والشرائط، ونجاهد في هذا المجال. لا يعني انتظار الفرج أن يجلس الإنسان ولا يفعل أيّ شيء، ولا ينهض لأيّ إصلاحٍ بل يمنّي نفسه بأنّه منتظرٌ لإمام الزمان عليه الصلاة والسلام، فهذا ليس انتظاراً. 

ما هو الانتظار؟ الانتظار يعني أنّه لا بدّ من مجيء يدٍ قادرةٍ مقتدرةٍ ملكوتيّةٍ إلهيّةٍ وتستعين بهؤلاء الناس من أجل القضاء على سيطرة الظلم، ومن أجل غلبة الحقّ وحاكمية العدل في حياة البشريّة ورفع راية التوحيد؛ تجعل البشر عباداً حقيقيين لله. يجب الإعداد لهذا الأمر. فكلّ إقدامٍ على طريق استقرار العدالة يمثّل خطوةً نحو ذلك الهدف الأسمى. الانتظار يعني هذه الأمور. الانتظار حركةٌ وليس سكوناً. ليس الانتظار إهمالٌ وقعودٌ إلى أن تصلح الأمور بنفسها. الانتظار حركةٌ واستعدادٌ. هذا هو انتظار الفرج. (27/05/1387)

خصائص المجتمع المهدوي

إنّ المجتمع المهدويّ هو ذلك العالم الّذي يأتي فيه إمام الزمان ليصلحه، وهو المجتمع نفسه الّذي ظهر من أجله جميع الأنبياء. أي أنّ كلّ الأنبياء كانوا مقدّمة لذلك المجتمع الإنسانيّ المثاليّ، والّذي سيتحقّق في نهاية الأمر بواسطة وليّ العصر والمهديّ الموعود. مثل بناءٍ شامخٍ، يأتي شخصٌ فيسطّح الأرض ويزيل منها الأشواك والعوائق ثمّ يأتي شخصٌ آخر من بعده ويصنع فيها الأسس، ثمّ يأتي شخصٌ آخر ليضع فيها الأعمدة والأركان، وهكذا شخصٌ بعد آخر، يأتون لعمارة الجدران حتّى يصل هذا القصر المرتفع، وهذا البنيان الرفيع إلى شكله النهائيّ. لقد جاء الأنبياء الإلهيّون، ومنذ بداية تاريخ البشرية، واحداً بعد آخر، من أجل أن يقرّبوا المجتمع والبشريّة خطوةً خطوة نحو ذاك المجتمع المثاليّ وذاك الهدف النهائيّ. لقد نجح جميع الأنبياء ولم يفشل أيّ واحدٍ من رسل الله على هذا الطريق، وفي هذا المسير، لقد كان حملاً على عاتق هؤلاء المأمورين الشامخين، وكلّ واحدٍ منهم تقدّم به خطوةً نحو المقصد والهدف النهائيّ وسعوا بكلّ جهدهم من أجل القيام بهذا العمل. وعندما كانوا يصلون إلى آخر حياتهم كان هناك من يأتي من بعدهم ليضع هذا الحمل على عاتقه ويتقدّم به مسافةً أخرى، مقترباً بذلك من ذلك الهدف. ووليّ العصر صلوات الله عليه، هو وارث جميع الأنبياء الإلهيين، فعندما يأتي ستكون الخطوة الأخيرة على طريق إيجاد ذلك المجتمع الإلهيّ. 

أتحدّث قليلاً حول صفات ذلك المجتمع. بالطبع، لو أنّكم دقّقتم في الكتب الإسلامية وفي المصادر الإسلاميّة الأساسيّة للاحظتم جميع خصائص ذلك المجتمع. فدعاء النّدبة هذا الّذي تُوفّقون بإذن الله لقراءته أيّام الجمعة، يذكر خصائص ذلك المجتمع. فعندما يقول: “أين معزّ الأولياء ومذلّ الأعداء” مثلاً، فذلك المجتمع هو مجتمعٌ يكون فيه أولياء الله أعزّاء وأعداء الله أذلّاء، أي أنّ القيم والمعايير الحاكمة في ذلك المجتمع تكون هكذا. “أين المُعدّ لإقامة الحدود”، ففي هذا المجتمع تُطبّق الحدود الإلهيّة وتُراعى كلّ الحدود الّتي عيّنها الله تعالى والإسلام في مجتمع إمام الزمان. فعندما يظهر إمام الزمان يصنع مجتمعاً له باختصار مثل هذه الخصوصيّة، دقّقوا حولها في الآيات وفي الأدعية عندما تقرأونها، فتتفتّح أذهانكم في هذا المجال، وتتّسع، فمجرّد قراءة دعاء النّدبة ليس كافياً، فالمطلوب هو الفهم وأخذ الدروس.

إنّ إمام الزمان صلوات الله وسلامه عليه، يبني مجتمعه على هذه الأسس؛أوّلاً، على إزالة وقمع وقلع جذور الظلم والطغيان. فلا ينبغي أن يكون في هذا المجتمع الّذي يكون في زمان وليّ العصر صلوات الله عليه، أيّ ظلمٍ وجور، لا أنّ الأمر يكون في إيران فحسب، ولا حتّى في المجتمعات الّتي يقطنها المسلمون، بل في كلّ العالم. فلن يكون أيّ ظلمٍ اقتصاديّ أو سياسيّ أو ثقافيّ أو أيّ نوعٍ آخر في ذلك المجتمع. فيجب اقتلاع كلّ الاختلافات الطبقيّة وكلّ أنواع التمييز وعدم المساواة والتسلّط والهيمنة. هذه هي الخصوصيّة الأولى.

ثانياً، إنّ من خصائص المجتمع المثاليّ الّذي يصنعه إمام الزمان صلوات الله عليه، هو الارتقاء بمستوى الفكر البشريّ، سواء على المستوى العلميّ الإنسانيّ أو المعارف الإسلاميّة. ففي زمن وليّ العصر، لن تجدوا في كلّ العالم، أيّ أثرٍ للجهل والأميّة والفقر الفكري والثقافيّ. هناك يتمكّن الناس من معرفة الدين معرفة صحيحة، وقد كان هذا، كما تعلمون جميعاً، من الأهداف الكبرى للأنبياء الّذي أشار إليه أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه، في خطبة نهج البلاغة الشريفة، “…ويثيروا لهم دفائن العقول…”4. لقد جاء في رواياتنا أنّه عندما يظهر وليّ العصر، فأنّ المرأة تجلس في بيتها وتفتح القرآن وتستخرج منه حقائق الدين وتفهمها. فماذا يعني ذلك؟ يعني ذلك أنّ مستوى الثقافة الإسلاميّة والدينيّة يرتقي إلى درجة أنّ جميع الأفراد، وكلّ أبناء المجتمع، والنساء اللواتي لا يشاركن في ميدان الاجتماع على سبيل الفرض، ويبقين في بيوتهنّ، فإنّهنّ يتمكّن من أن يصبحن فقيهات وعارفات في الدين. فيتمكنّ من فتح القرآن، وفهم حقائق الدين بأنفسهنّ. انظروا إلى مجتمعٍ يكون فيه الجميع – نساءً ورجالاً – وعلى كافّة المستويات قادرين على فهم الدين والاستنباط من الكتاب الإلهيّ، فكم سيكون هذا المجتمع نورانيّاً، ولن يبقى فيه أي نقطة ظلام وظلمانيّة. فكلّ هذه الاختلافات في وجهات النّظر والتحليل، لن يبقى لها أيّ أثرٍ في ذلك المجتمع.

الخاصيّة الثالثة لمجتمع إمام الزمان – المجتمع المهدويّ – هو أنّه في ذلك العصر ستكون جميع القوى الطبيعية وكلّ الطاقات البشرية في حالة انبعاثٍ فلا يبقى أيّ شيءٍ في باطن الأرض ولا يستفيد منه البشر. فكلّ هذه الإمكانات الطبيعيّة المعطّلة، وكلّ هذه الأراضي الّتي يمكن أن تغذّي الإنسان، وكلّ هذه الطاقات والقوى الّتي لم تُكشف بعد، كتلك الطاقات الّتي بقيت عبر قرون التاريخ. مثلاً، القدرة النووية والطاقة الكهربائية كانت وعبر قرون عمر هذا العالم، في باطن الطبيعة ولم يكن البشر يعرفونها، ثمّ بعد ذلك قاموا باستخراجها بالتدريج. فكلّ الطاقات والإمكانات اللامتناهية الموجودة في باطن الطبيعة هي من هذا القبيل، وسوف تُستخرج في عصر إمام الزمان. 

جملةً أخرى وخصوصية أخرى، هي أنّ المحور في عصر إمام الزمان هو محور الفضيلة والأخلاق. فكلّ من كان صاحب فضيلة أخلاقية أكثر سيكون مقدّماً وسبّاقاً.(06/04/1359)

وفي روايةٍ أخرى يقول: “القائم منّا منصورٌ بالرّعب مؤيّدٌ بالنصر، تُطوى له الأرض وتظهر له الكنوز، يبلغ سلطانه المشرق والمغرب”5، ممّا يعني أنّ كلّ الحكومات الظالمة والأجهزة الجائرة ستكون مرعوبةً منه. في ذلك الزمن، سيكون هناك حالةٌ في زمان وليّ العصر أرواحنا فداه، من الشمولية والعموميّة بحيث يمكن أن تحقّق الحكومة العالميّة. “مؤيّدٌ بالنصر”، فنصر الله يؤيّده. و”تُطوى له الأرض”، أي أنّها ستكون بيده وفي قبضة قدرته. وتظهر تلك الكنوز وتبلغ سلطته مشرق العالم ومغربه. 

وبعد عدّة جملٍ يقول، “فلا يبقى خرابٌ إلا قد عمر”6، أي أنّ هذه السلطة سوف تُنفق في عمارة الأرض، لا في السيطرة على ثروات البشر وفي استضعافهم. وفي كلّ نقاط العالم لن يبقى أيّ نقطةٍ من الخراب إلا وستُعمّر؛ سواءٌ كانت خرابات حصلت على أيدي البشر أو بسبب جهلهم. هناك رواية أخرى عن الإمام الباقر عليه الصلاة والسلام يقول فيها: “حتى إذا قام القائم جاءت المزايلة وأتى الرجل إلى كيس أخيه فيأخذ حاجته فلا يمنعه”7، وهي إشارة إلى أخلاق المساواة بين البشر وإلى الإيثار. وتبشّر هذه الرواية بنجاة البشر من تسلّط البخل والحرص الّذي كان أكبر سببٍ لشقاء البشرية. وهذا في الحقيقة علامةٌ على ذلك النظام الإسلاميّ السالم أخلاقياً واقتصاديّاً واجتماعيّاً في ذلك الزمان. فلا يوجد أيّ قهرٍ وإجبارٍ في البين، بل أنّ البشر أنفسهم ينجون من البخل الإنساني والحرص البشريّ وستتحقّق مثل هذه الجنّة الإنسانيّة. يوجد في روايةٍ أخرى أيضاً: “إذا قام قائمنا اضمحلّت القطائع، فلا قطائع8، فتلك القطائع الّتي تمنحها الحكومات المستكبرة في العالم لأتباعها وحلفائها، وذلك الكرم الحاتميّ الّذي يحصل من جيوب الشعوب سوف يتوقّف تماماً في العالم. وقد كانت القطائع في الماضي بشكل وهي اليوم بشكل آخر. كانت في الماضي بحيث أنّ الخليفة أو السلطان يمنح أرضاً أو صحراءً أو قريةً أو مدينةً أو حتّى ولايةً لشخصٍ ما، فيقول له اذهب هناك وافعل ما يحلو لك فيها، خذ من أهلها الجبايات والخراج واستعمل مزارعها واستفد منها وكلّ فائدة مادّية هي لك. وكان عليه طبعاً أن يعطي السلطان حظّه. واليوم، هي بصورة الاحتكارات النفطية والتجارية والصناعيّة والفنّية المختلفة، وكلّ هذه الصناعات الكبرى وهذه الاحتكارات الّتي جعلت الشعوب مسكينةً هي في الواقع في حكم القطائع، الّتي أُشير إليها، وفيها كانت تُمارس كلّ أنواع الرشاوة والمحاباة. إنّ هذا البساط الّذي يقتل البشر ويقضي على الفضيلة سوف يُطوى وسوف توضع أسباب الاستفادة والنفع بيد جميع الناس.

وفي روايةٍ أخرى ناظرة إلى الوضع الاقتصاديّ يقول: “ويسوّي بين الناس حتّى لا ترى محتاجاً إلى الزكاة”9، ما يعني أنّه لن يبقى هناك أيّ فقير يحتاج إلى زكاة أموالكم، وبالطبع سيكون لهذه الزكاة مصرفها في الأمور العامّة لا للفقراء، لأنّه لن يبقى هناك أي فقير؛ ومثل هذه الروايات ترسم الجنّة الإسلاميّة والعالم الواقعيّ. وليس هذا الأمر مشابهاً لتلك المدن الفاضلة الّتي صنعها البعض في خيالاتهم وأوهامهم، كلا. إنّ كلّ تلك الشعارات الإسلامية الّتي هي جميعاً قابلة للتطبيق، ونحن في الجمهورية الإسلامية نشعر أنّ هناك قدرة وقلب وفكر متّصل بالوحي والتأييد الإلهيّ ومعصومٌ يمكنه يقيناً أن يحقّق مثل هذا الوضع، وسوف تقبل البشرية على ذلك حتماً. هذه هي حالة ذلك العالم.(21/01/1366)

مسؤوليتنا في عصر غيبة الإمام عجل الله فرجه الشريف 

هنا إذا رجعتم إلى الآيات والروايات – وبالتأكيد إنّ المحقّقين والمتتبّعين قد فعلوا ذلك – فسوف تجدون خصوصيّات أخرى. المجتمع الّذي لا يوجد فيه أيّة علامةٍ للظلم والطغيان والعدوان؛ المجتمع الّذي تصل فيه المعرفة الدينيّة والمعرفة العلميّة للبشر إلى حدّها الأعلى؛ المجتمع الّذي تبرز فيه كلّ هذه البركات والنعم والفضائل والجماليّات وتكون في يد الإنسان؛ وفي النهاية المجتمع الّذي تكون فيه التقوى والفضيلة والإيثار والأخوّة والعطف والانسجام أصلاً ومحوراً. فانظروا إلى مثل هذا المجتمع، فهو ذاك المجتمع الّذي سيحقّقه مهديّنا الموعود وإمام زماننا، ومحبوبنا التاريخيّ القديم، والّذي يعيش الآن تحت هذه السماء وعلى هذه الأرض وبين النّاس. هذا هو اعتقادنا بإمام الزمان.

حسنٌ، ماذا نفعل بعد هذا؟ فبعد هذا تكليفنا واضح. أوّلاً، يجب أن نعلم أنّ ظهور وليّ العصر صلوات الله عليه، مثلما أنّه بثورتنا هذه أصبح أقرب خطوةً، فبهذه الثورة أيضاً يمكن أن يقترب أكثر. أي أنّ نفس هذا الشعب الّذي قام بهذه الثورة، وقرّب نفسه خطوةً إضافية إلى إمام زمانه، يمكنه أيضاً أن يتقدّم خطوةً ثمّ خطوةً ثمّ خطوة نحو إمام زمانه. فكيف(ذلك)؟ أوّلاً، كلّما استطعتم أن توسّعوا من دائرة هذا المقدار من الإسلام الّذي لدينا نحن وأنتم في إيران – لا نبالغ، الإسلام الكامل ليس متحقّقاً، ولكن قسمٌ من الإسلام قد طبّقه هذا الشعب في إيران – فهذا المقدار من الإسلام كلّما استطعتم أن تنشروه في الآفاق الأخرى للعالم، وفي البلاد الأخرى، وفي المناطق المظلمة، فإنّه بنفس المقدار سيساعد ويقرّب من ظهور وليّ الأمر وحجّة العصر.

ثانياً، إنّ الاقتراب من إمام الزمان ليس بمعنى الاقتراب المكانيّ ولا بمعنى الاقتراب الزماني. فأنتم الّذين تريدون أن تقتربوا من ظهور إمام الزمان، فإن الاقتراب من إمام الزمان ليس له تاريخٌ محدّد كأن يُقال مثلاً، بعد مئة سنة أو خمسين سنة، حتّى نقول أنّنا عبرنا سنةً أو سنتين أو ثلاث سنوات، من هذه الخمسين أو المئة سنة، فيبقى عندئذٍ هذا المقدار من السنوات، كلا، وليس أيضاً بلحاظ المكان حتّى نقول أنّنا تحرّكنا من هنا باتّجاه الشرق أو غرب العالم مثلاً، أو نحو الشمال أو الجنوب، لنرَ أين هو وليّ العصر لنصل إليه. كلا، إنّ اقترابنا من إمام الزمان هو اقترابٌ معنويّ، أي أنّكم في كلّ زمانٍ إذا استطعتم أن تزيدوا من حجم المجتمع الإسلامي كماً ونوعاً إلى خمس سنوات أو عشر سنوات أخرى، أو حتّى مئة سنة أخرى، فإنّ إمام الزمان صلوات الله عليه سيظهر.

لو استطعتم أن تحقّقوا في أنفسكم وفي غيركم، في داخل مجتمعكم – هذا المجتمع الثوريّ – التقوى والفضيلة والأخلاق والتديّن والزهد والقرب المعنوي من الله، وجعلتم قاعدة ظهور وليّ العصر صلوات الله وسلامه عليه أكثر رسوخاً وإحكاماً، وكلّما استطعتم أن تزيدوا باللحاظ الكمّي والمقدار، عدد المسلمين المؤمنين والمخلصين فإنّكم تكونون هنا أيضاً أقرب إلى إمام الزمان وإلى زمن ظهور وليّ العصر. فنحن نستطيع أن نقرّب مجتمعنا وزماننا وتاريخنا خطوةً بخطوة نحو تاريخ ظهور وليّ العصر صلوات الله وسلامه عليه؛ هذا واحدٌ.

النقطة الثانية هي أنّه لدينا في ثورتنا اليوم طرق ومناهج، فإلى أيّ جهةٍ ينبغي أن تتحرّك هذه المناهج؟ فهذه النقطة جديرة جدّاً بالتأمّل. فافرضوا أنّ لدينا طالباً مجدّاً يريد أن يصبح أستاذاً مثلاً في علم الرياضيات.

 فكيف ينبغي أن نؤمّن مقدّمات هذا الأمر. فينبغي أن نوجّه دراساته باتّجاه الرياضيات. فلا معنى أن نعطيه دروساً في الفقه مثلاً، إذا كنّا نريده أن يصبح عالماً رياضياً. أو أنّ من يريد أن يصبح فقيهاً نعطيه دروس الأحياء مثلاً، فينبغي أن تكون المقدّمات متناسبة مع النتيجة والغاية. الغاية هي المجتمع المثاليّ المهدويّ بتلك الخصائص الّتي ذكرتها. فيجب علينا إذاً أن نؤمّن المقدّمات بما يتناسب. يجب علينا أن نبعد أنفسنا عن الظلم ونتحرّك بحزمٍ ضدّه، أيّ ظلمٍ كان ومن أيّ شخص. يجب علينا أن نجعل توجّهاتنا نحو إقامة الحدود الإسلاميّة. وفي مجتمعنا، لا نعطي أيّ مجالٍ لنشر الأفكار المخالفة للإسلام. نحن لا نقول أنه علينا بالقهر والغلبة لأنّنا نعلم أنّه لا يمكن مواجهة الفكر إلّا عن طريق الفكر، لكنّنا نقول أنّه علينا بالطرق الصحيحة والمنطقيّة والمعقولة أن ننشر الفكر الإسلاميّ.

يجب أن تصبح كلّ قوانيننا ومقرّرات بلدنا وإداراتنا ومؤسّساتنا التنفيذية والكل إسلامياً بلحاظ الظاهر والمحتوى، وأن نقترب نحو أسلمتها يوماً بعد يوم. هذه هي الجّهة الّتي تمنحنا وتمنح حركتنا معنى انتظار وليّ العصر. أنتم تقرأون في دعاء النّدبة أنّ إمام الزمان يقاتل الفسوق والعدوان والطغيان والنّفاق ويزيل كلّ ذلك ويقضي عليه. وعلينا اليوم أن نتحرّك في مجتمعنا بهذا الاتّجاه ونتقدّم. هذا هو الشيء الّذي يقرّبنا إلى إمام الزمان صلوات الله عليه من الناحية المعنوية، ويقرّب مجتمعنا نحو مجتمع وليّ العصر صلوات الله وسلامه عليه، ذلك المجتمع المهدويّ العلويّ التوحيديّ ويزيده قرباً.(06/04/1359)

وهناك أثرٌ آخر ونتيجةٌ مختلفة لمستقبل هذا العالم، حيث يزول اليأس والإحباط من قلوب الشعوب، ونعلم حينها أنّ جهادنا مؤثّرٌ ومنتج. أحياناً، هناك أفرادٌ ممّن ليس لديهم اطلاع على هذا البعد من الفكر الإسلاميّ، يصابون بالحيرة واليأس أمام هذه الحسابات والمعادلات المادّية الكبرى في العالم، ويتساءلون فيما بينهم كيف يمكن لشعبٍ يريد أن يثور أن يقاوم مثل هذه القوى العظمى والتكنولوجيا المتطوّرة والأسلحة المدمّرة، ومثل هذه القنابل النووية الموجودة في العالم؟ يشعرون أنّ الصمود مقابل ضغط قوى الظلم والاستكبار أمرٌ غير ممكن. لكنّ الاعتقاد بالمهديّ والإيمان بتحقّق عصر الحكومة الإسلامية والإلهية على يد ابن النبيّ وإمام الزمان يحقّق هذا الأمل في الإنسان ويقول له، كلا، سنجاهد لأنّ العاقبة لنا، ولأنّ عاقبة أمرنا هي أنّ هذا العالم يجب أن يخضع ويسلّم وسوف يحصل هذا الأمر. وذلك لأنّ مسير التاريخ يتّجه نحو ما قمنا اليوم بوضع أسسه وقد حقّقنا أنموذجاً عنه ولو كان ناقصاً10. ومثل هذه الأمل لو وُجد في قلوب الشعوب المناضلة – وخاصّةً الشعوب الإسلاميّة – فسوف يمنحها حالةً من النشاط المستمرّ بحيث لا يمكن لأي عاملٍ أن يخرجها من ميدان الجهاد والنضال، أو أن يصيبها بالهزيمة الداخليّة.

ويوجد نقطةٌ أخرى وهي أنّ الاعلام والأفكار المغلوطة قد انغرست في ذهن النّاس، وعبر كلّ هذه السنين المتمادية، إلى تلك الدرجة حيث اعتقدوا أنّ أي تحرّكٍ إصلاحيّ لن يكون مفيداً ومثمراً قبل قيام المهديّ عجّل الله تعالى فرجه الشريف، ويستدلّون بأنّ الدنيا يجب أن تُملأ ظلماً وجوراً حتّى يأتي الإمام المهديّ، وما لم تمتلئ بالظلم والجور فإنّه لن يظهر. كانوا يقولون أنّ الإمام يظهر بعد أن تصبح هذه الدنيا مليئةً بالظلم والجور. والنقطة الموجودة هنا هي أنّ في جميع الروايات الّتي وردت بشأن الإمام المهديّ، فإن الجملة هي هكذا: “يملأ الله به الأرض قسطاً وعدلاً، كما مُلئت ظلماً وجوراً”11، أنا العبد لم أشاهد موضعاً واحد ولا أظن أنّه يوجد “بعدما مُلئت ظلماً وجوراً”. فبالالتفات إلى هذه النقطة، رجعت إلى الروايات العديدة في الأبواب المختلفة ولم أجد في أيّ مكانٍ جملة، “بعدما مُلئت ظلماً وجورا”، ففي كلّ الأماكن يوجد “كما مُلئت ظلماً وجورا”، أي أنّ امتلاء الدنيا بالعدل والقسط بواسطة الإمام المهدي لا يكون مباشرةً بعد أن تُملأ بالظلم والجور، كلا، بل أنّه كما حصل طوال التاريخ، وليس في موضعٍ واحد أو زمان واحد، بل في أزمنة مختلفة، كانت الدنيا تُملأ بالظلم والجور، سواءٌ في عهد الفراعنة، أو في عصور الحكومات الطاغوتية أو في أيّام السلطات الظالمة الّتي جعلت كلّ هذه الدنيا ترزح تحت وطأة ظلمها وفي ظلّ السحب السوداء للجور والعدوان بحيث أنّه لم نرَ فيها أيّ علامة على العدالة والحرّية، فكما أنّ الدنيا عاشت مثل هذا اليوم، فإنّها سترى يوماً يمتلئ العالم كلّه في جميع آفاقه بنور العدل، ولا يكون فيه أيّ مكانٍ لا يمتلئ بالقسط. وهناك لن يكون أيّ مكانٍ يحكمه الظلم أو يكون فيه البشر تحت وطأة الظلم وجور الحكومات وتسلّط المقتدرين، وآلام التمييز العنصريّ. أي أنّ هذا الوضع الّذي يهيمن على العالم اليوم وقد كان يعمّ هذه الدنيا في يومٍ من الأيام، سوف يتبدّل إلى عموميّة العدل.(21/01/1366)

ليس أنّه بوجود الحكومة الإسلاميّة لن تتأخّر عاقبة الموعود فحسب، بل سيسرّع من ذلك، وهذا هو معنى الانتظار. انتظار الفرج يعني انتظار حاكميّة القرآن والإسلام. فأنتم لم تقنعوا بما هو موجودٌ الآن في العالم، حتّى بهذا التقدّم الّذي حقّقتموه عبر الثورة الإسلاميّة تريدون أن تقتربوا أكثر إلى حاكمية القرآن والإسلام، هذا هو انتظار الفرج. انتظار الفرج يعني انتظار فرج أمر البشرية. 

واليوم، فإنّ حال البشرية قد وصل إلى المضائق الشديدة والعقد الصعبة. فاليوم إنّ الثقافة المادّية تُفرض على البشر بالقوّة وهذه معضلة. إنّ من يعذّب البشر اليوم على مستوى العالم هو التمييز، فهذه عقدةٌ كبرى. واليوم قد أوصلوا حال ذهنية الناس الخاطئة إلى حيث تضيع صرخات طلب العدالة من قبل شعبٍ ثائرٍ وسط عربدة المتسلّطين والمهيمنين وسكرهم؛ وهذه عقدةٌ أخرى أيضاً. واليوم يعاني مستضعفو أفريقيا وأمريكا اللاتينيّة، وملايين الناس الجائعين في آسيا وآسيا القصوى، وملايين ذوي البشرة الملوّنة من ظلم التمييز العنصري، وقد تطلّعت عيونهم بأملٍ نحو منجٍ ومنقذ، ولا تسمح القوى الكبرى لهذا النداء المنجي بأن يصل إلى أسماعهم، هذه معضلة. فالفرج يعني فتح هذه المضائق وحلّ هذه المعضلات وفكّ هذه العُقد. فوسّعوا من رؤيتكم، ولا نحدّ أنفسنا في بيوتنا وحياتنا اليومية، فالعالم كلّه يطلب الفرج ولكن لا يدري ما هو الطريق.

وأنتم أيّها الشعب الثوريّ المسلم يجب أن تقتربوا بحركتكم المنظّمة في مواصلة الثورة الإسلاميّة إلى الفرج العالميّ للبشريّة، وأن تقرّبوا أنفسكم من ظهور المهديّ الموعود والثورة الإسلامية النهائية للبشرية الّتي ستشمل العالم كلّه وتحلّ كلّ هذه العقد خطوة خطوة، وأن تقرّبوا البشرية بذلك أيضاً، فهذا هو انتظار الفرج. وإنّ لطف الرّب المتعال، ودعاء وليّ العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف المُستجاب، سيكون دعامتنا في هذا الطريق، ويجب علينا أن نتعرّف على هذا الإمام أكثر ونكون أكثر ذكراً له. فلا ينبغي أن ننسى إمام الزمان. فاحفظوا ذكر وليّ الله الأعظم في قلوبكم، واقرأوا “اللهمّ إنّا نرغب إليك في دولةٍ كريمة”12 من أعماق قلوبكم وبالضراعة الكاملة. فلتكن أرواحكم في انتظار المهديّ وكذلك قواكم الجسمانيّة فلتتحرّك في هذا الطريق. وإنّ كلّ خطوةٍ تخطونها على طريق تثبيت هذه الثورة الإسلامية ستكون خطوة إضافية نحو ظهور المهديّ.(29/03/1360)

 تقوية العلاقة الروحية بإمام الزمان عجل الله فرجه الشريف 

لقد تحرّك أئمّتنا جميعاً في هذا الخطّ، من أجل أن تسيطر الحاكميّة الإلهيّة وحاكميّة القانون الإلهيّ على المجتمعات. لقد بُذلت الكثير من الجهود والجهاد والآلام والمحن والسجون والنفي والاستشهاد المليء بالثمار والعطاء. واليوم أنتم وجدتم هذه الفرصة مثلما أن بني إسرائيل وبعد قرونٍ قد وجدوا هذه الفرصة في زمان سليمان النبيّ وداوود عليهما السلام . (18/02/1360)

إنّ الطريق الّذي سلكتموه يا أبناء شعب إيران العزيز، استمرّوا عليه وتحرّكوا وأكملوا هذا الطريق، وهو الطريق الّذي لحسن الحظّ نشاهد اليوم الشعوب المسلمة في مختلف أرجاء العالم الإسلاميّ تتحرّك نحوه بالتدريج، وشيئاً فشيئاً. يقول الله تعالى: ﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين13 فلو أنّنا جعلنا هذه التقوى منهاج عملنا، فمن المسلّم أنّ عاقبة الأمر ستكون من نصيب الأمّة الإسلاميّة وإنّ هذا المستقبل لن يكون بعيداً، إن شاء الله.(02/12/1389)

أذكر جملةً واحدة في الختام، فيما يتعلّق بضرورة الارتباط العاطفي والمعنويّ والروحي بإمامنا العظيم وليّ الله المعصوم، بالنسبة لكلّ واحدٍ منّا. القضيّة لا ينبغي أن تجعلوها محدودة في إطار التحليل الفكريّ والاستنارة الفكرية. فذاك المعصوم، الّذي هو صفيّ الله، يعيش اليوم بيننا نحن البشر في مكانٍ ما من هذا العالم ونحن لا نعلمه. إنّه موجودٌ، ويدعو، ويقرأ القرآن، ويبيّن المواقف الإلهيّة، إنّه يركع ويسجد ويعبد ويدعو ويظهر في المجامع ويساعد البشر. فله وجودٌ خارجيّ ووجودٌ عينيّ، غاية الأمر أنّنا نحن لا نعرفه. إنّ هذا الإنسان الّذي اصطفاه الله، موجودٌ اليوم، ويجب أن نقوّي علاقتنا به من الناحية الشخصية والقلبيّة والروحيّة، بالإضافة إلى الجانب الاجتماعي والسياسي والّذي بحمد الله صار نظامنا متوجّهاً نحو ما يريده هذا الإنسان العظيم إن شاء الله. فليجعل كلّ واحدٍ من أبناء مجتمعنا توسّله بوليّ العصر وارتباطه به، ومناجاته معه، وسلامه عليه، وتوجّهه إليه، تكليفاً وفريضةً وليدعو له كما لدينا في الروايات وهو الدعاء المعروف “اللهمّ كن لوليّك”14 الّذي يُعدّ من الأدعية الكثيرة الموجودة، ويوجد زياراتٌ في الكتب هي جميعاً بالإضافة إلى وجود البعد الفكري والوعي والمعرفة فيها، يوجد فيها أيضاً بعدٌ روحيّ وقلبي وعاطفي وشعوريّ وهو ما نحتاج إليه أيضاً. إنّ أطفالنا وشبابنا ومجاهدينا في الجبهة يحصلون على الرّوحية والمعنويات بالتوجّه والتوسّل بإمام الزمان ويفرحون ويتفاءلون. وببكاء الشوق ودموعه المنهمرة يقرّبون قلوبهم إليه، وهم بذلك يعطفون نظر الحقّ وعنايته إليهم، مثلما أنّ ذلك يتحقّق مع الإمام ويجب أن يكون موجوداً.(21/01/1366)

يا إمام الزمان! أيّها المهديّ الموعود المحبوب عند هذا الشعب! يا سلالة الأنبياء الأطهار! ويا وارث كلّ الثورات التوحيدية والعالمية! إنّ شعبنا هذا قد انبعث بذكرك واسمك واختبر لطفك في حياته وفي وجوده. أيّها العبد الصالح لله! إنّنا اليوم بحاجة إلى دعائك الّذي ينبعث من قلبك الإلهيّ والربّانيّ الطاهر ومن روحك القدسيّة من أجل انتصار هذا الشعب وهذه الثورة، ونحتاج إلى يد القدرة الإلهيّة الّتي جُعلت فيك لتساعد هذا الشعب وطريقه. “عزيزٌ عليّ أن أرى الخلق ولا تُرى”15، يا إمام الزمان إنّه لصعبٌ جدّاً علينا أن نرى أعداء الله في هذا العالم وفي هذه الطبيعة المترامية الّتي هي لعباد الله الصالحين، ونتلمّس آثار وجود أعداء الله ولكن لا نراك أنت ولا ندرك فيض حضورك.

اللهمّ! بمحمد وآل محمد نقسم عليك أن تطرّي قلوبنا بذكر إمام الزمان دائماً.

اللهمّ! نوّر أعيننا بجمال وليّ العصر.
اللهمّ! اجعل هؤلاء الّذين يجاهدون في سبيلك جنود إمام الزمان والمضحّين بين يديه. (06/04/1359)
اللهمّ! بمحمّد وآل محمّد، ارضِ القلب المقدّس لوليّك المعصوم عنّا. واجعلنا من المتوجّهين والمتوسّلين به.
اللهم! بحرمة محمّد وآل محمّد عجّل فرجه وعجّل قيام تلك الحكومة الإلهيّة.
اللهمّ! بمحمّد وآل محمّد، اجعلنا من أتباعه وشيعته في جميع أحوالنا وأمورنا (21/01/1366)
كان هذا مروراً سريعاً على أحد الفصول الأساسية في حياة أئمة أهل البيت عليهم السلام السياسية، طيلة 250 سنة على أمل أن يقوم المحقِّقون والمفكِّرون والباحثون في تاريخ القرون الأولى للإسلام بالمزيد من التنقيح والتفصيل والتحقيق.(18/05/1363)


1- تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم، ص 71.
2- سورة القصص، الآية: 5.
3- سورة الأعراف، الآية: 128.
4- نهج البلاغة، ج1، ص23. خطبته في صفة خلق آدم.
5- كمال الدين وتمام النعمة، ج 1، ص 331.
6- م. ن.
7- وسائل الشيعة، ج 5، ص 121.
8- جامع أحاديث الشيعة، البروجردي، ج 23، ص 1012.
9- بحار الأنوار، ج 52، ص 390.
10- يقصد الجمهورية الاسلامية في ايران (المترجم).
11- الكافي، ج 1، ص 341.
12- الكافي، دعاء الافتتاح، ج 3، ص 424.
13- سورة الأعراف، الآية: 128.
14- الكافي، ج 4، ص 162.
15- بحار الأنوار، من دعاء الندبة، ج 99، ص 108.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى