مقالات

معنى تجويز أكل المؤمنين من بيوتهم (في الآية الـ 61 من سورة النُّور)

بسم اللّٰه الرَّحمٰن الرَّحيم

بقلم: زكريَّا بركات
16 سبتمبر 2022


قال اللّٰه تعالىٰ في كتابه الكريم: (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا) [النور: 61] .

تطرَّقت الآية الكريمة لذكر البيوت التي يجوز للمؤمنين أن يأكلوا منها بغير استئذان، والخطاب فيها موجَّه إلى المؤمنين، وفي صدر البيوت التي ذُكرت: (بيوتكم) ، وهو ما أدَّى إلى بروز تساؤُل عن وجه هذا التَّعبير مع أنَّ جواز أكل الإنسان من بيته يُعدُّ أمراً بديهيًّا لا يتساءلُ العقلاءُ عنه، ولا يتطلَّب جواباً وبياناً، وربما اتَّخذ بعضُ أعداء الإسلام هذا التُّساؤلَ ذريعةً للإشكال في القرآن الكريم!

وبمراجعة ما ذكره علماءُ المسلمين في تفاسيرهم، نجد أربعَةَ وجوه يمثِّل كلُّ واحد منها جواباً ـ ولو على مستوى الاحتمال ـ عن التساؤل المذكور، وبذلك ينتفي الاستغراب ولا يصلح التساؤل كإشكال على صحَّة القرآن الكريم وقُدسيَّته.

وإليك الإجابات المحتملة الأربعة:

الاحتمال الأوَّل: أنَّ المقصود بالبيوت في (من بيوتكم) هي بيوت الأبناء بالنسبة لآبائهم، وبيوت الأزواج بالنسبة للزَّوجات، وبيوت السادة بالنسبة إلى العبيد؛ فهي تعتبر ـ عُرفاً أو شرعاً ـ بمنزلة بيوت المخاطبين، فيُقال للأب: كُلْ من بيت ابنك فإنَّه بمنزلة بيتِكَ، ويُقال للزَّوجة: كُلي من بيت زوجك فإنَّه بمنزلة بيتِكِ، وهكذا بالنِّسبة إلى العبيد.

الاحتمال الثَّاني: أنَّ المقصود من ذكر (بيوتكم) تأكيد معنى جواز الأكل من البيوت الأخرى، وذلك بالتسوية بينها وبين بيوت المُخاطَبين، فكأنه يقول لهم: كلوا من البيوت المذكورة فهي مثل بيوتكم في حلِّية الأكل بغير استئذان.

الاحتمال الثَّالث: أنَّ المقصود جواز أكل ذوي الأعذار (الأعمى والأعرج والمريض) من بيوت المخاطبين؛ لأنَّ أصحاب الأعذار كانوا يتوهَّمون الحظر الشرعي، أو يتحرَّجون من ذلك توهُّماً لتأذِّي المؤمنين. والضمير في (تأكلوا) غُلِّب فيه الخطاب على الغيبة ليدخل المخاطبون فيه بالنسبة إلى البيوت الأخرى وليس بالنسبة إلى بيوتهم.

الاحتمال الرابع: أنَّ المقصود بذلك أكلُ صاحب البيت من بيته أكلاً غيرَ معتاد، وهو الذي تكون فيه أَثَرَةٌ، وذلك بأن يأكل الرجل أو المرأة أو غيرهما أكلاً لا يشاركه فيه غيره، كأن يكون الآخرون من أهل البيت غائبين أو لأي سبب آخر.. فالعبارة بصدد التَّرخيص لهذه الأَثَرة التي ربما تُوهُّم أنها غير جائزة شرعاً.

والحمدُ لله ربِّ العالمين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى