سادة القافلةسيرة أهل البيت (ع)في رحاب نهج البلاغةمناسباتمنوعات

المنتخب من أصحاب الإمام علي عليه السلام – الثاني

أصحاب الألوية والرايات في المعارك

١- الحارث بن همام بن مرة بن ذهل

بن شيبان النخعي الصهباني فارس شجاع، شاعر.

صاحب لواء الأشتر في صفين.

دعاه الأشتر فأعطاه لواءَه، ثم قال: يا حارث لولا أنّي أعلم أنّك تصبر عند الموت، لأخذت لوائي منك ولاأحبك بكرامتي. قال: والله يا مالك لأسرّنك اليوم أو لأموتنّ فاتبعني. فتقدم باللواء وهو يقول:

يا أشتر الخير ويا خير النخع ***** وصاحب النصر إذا عمّ الفزع

وكاشف الأمر إذا الأمر وقع ***** ما أنت في الحرب العوان بالجذع

قد جزع القوم وعموا بالجزع ***** وجرعوا الغيظ  وغصّوا بالجرع

إن تسقنا الماء فما هي بالبدع ***** أو نعطش اليوم   فجند مقتطع

ما شئت خذ منها وما شئت فدع

فقال الأشتر: ادن منّي يا حارث. فدنا منه فقبّل رأسه وقال: لا يتبع رأسه اليوم الأخير.

(أعيان الشيعة ٤/٣٧٨. تنقيح المقال ١/٢٤٨. جامع الرواة ١/١٧٦. جمهرةأنساب العرب / ٣٢٥، ٤٧٠. خلاصة الأقوال / ٥٤. رجال الطوسي / ٣٩.. الشعر والشعراء / ١٦٢. الكامل في التاريخ ١/٦٠٧. مجالس المؤمنين ١/٣١٦. مجمعالرجال ٢/٧٥. معجم رجال الحديث ٤/٢٠٩. معجم الشعراء / ٢٠٨. منتهى المقال / ٨٧. نقدالرجال / ٨١. وقعة صفين / ١٧٢، ١٧٣) .

٢- الحضين أبو سنان ابن المنذر

بن الحارث بن وعلة البصري الرقاشي الأنصاري المتوفى ٩٧هـ.

محدِّث يكنّى أبا ساسان، وهو صاحب راية عليٍّ (عليه السلام).

ثقة صحيح، عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) ارتدّ الناس إلا ثلاثة، أبوذر، والمقداد، وسلمان، فقال أبو عبدالله (عليه السلام) فأين، أبو ساسان، وأبو عمرة الأنصاري.

وكان قليل الحديث.

ولاه أميرالمؤمنين (عليه السلام) اصطخر، وكان من سادات ربيعة مات في ٩٧هـ.

وله شعر حسان. وفيه قال الشاعر حين دفع (عليه السلام) إليه الراية يوم صفين وهو ابن تسع عشرة سنة:

لمن راية سوداء يخفق ظلّها ***** إذا قيل قدِّمها حضين تقدما

ويوردها للطعن حتّى يزيرها ***** حياض المنايا تقطر الموت والدما

(إتقان المقال / ١٥٢. الأخبار الطوال / ١٨٩، ١٨٩. الاشتقاق / ٣٤٩. الإصابة ٤/٩٩. أعيان الشيعة ٦/١٩٤.. وفيات الأعيان ٦/٢٩٠) .

٣- رفاعة بن رافع

إبن مالك بن عجلان بن عمرو بن عامر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن عضب بن جشم بن الخزرج… الأنصاري مات ٤١هـ .

كان أبوه رافع، من أصحاب العقبة.

أما هو فشهد حرب صفّين، ومات في خلافة معاوية.

دفع إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) راية همدان حين خروجه إلى صفّين.

مات سنة ٤١هـ ، وأعقب: عتبة. عبد الرحمن. عبيد. معاذ. عبيدالله. النعمان. رملة. بثينة. أم سعد. أم سعد الصغرى. كلثم. وكان من عرفاء الشيعة وعلمائهم والمعروفين منهم بالتمسك بولاية عليًّ (عليه السلام)، ومن الذين بايعوا أميرالمؤمنين (عليه السلام) بعد قتل عثمان وفضّلوه على المسلمين كلهم كافة.

(إتقان المقال /١٩٠. الاستيعاب ١/٥٠١. أسد الغابة ٢/١٧٨.. الإصابة ١/٥١٧. أعيان الشيعة ٧/٣٠. الأعلام ٣/٥٥. البداية والنهاية ٨/٢٢. تقريب التهذيب ١/٢٥١. تنقيح المقال ١/٤٣٢. تهذيب التهذيب ٣/٢٨١. جامع الرواة ١/٣٢٠. الجرح والتعديل ٣/٤٩٣. جمهرة أنساب العرب /٣٥٨. الدرجات الرفيعة /٤٠٦.. شرح ابن أبي الحديد ٢/١٠ و٤/٨ و٧/٣٦ و١٤/١٧، ١١٧، ٢٠٤، ٢١١.. العقد الفريد ٣/٢٩٦. الغدير ٦/٢٦١ و٨/١٧٥ و٩/١٢٤، ١٦٤، ١٦٩، ١٩٩، ٢٠٢، ٣٦٣و١١/٢١، ٢٤. الغارات ٢/٦٠٣، ٦٠٤. قاموس الرجال ٤/١٣٢. الكامل في التاريخ ٢/٧٢و٣/٢٢٤ و٤/٤٤. مجمع الرجال ٧/٣ و٣/١٧. معجم الثقات /٢٧٢. معجم رجال الحديث ٧/١٩٦. منتهى المقال /١٣٦. نقد الرجال /١٣٤. النهاية في غريب الحديث، ٢/٨١. وقعة صفّين/٥٠٦) .

٤- شقيق بن ثور بن عفير

 إبن زهير بن كعب بن سدوس بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن عليَّ بن بكر بن وائل…

المتوفى ٦٤ هـ .

سيد فاضل، ساد قومه بعد قتل سويد ين منجوف بن ثور، وكان أول من دعا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) بالكوفة. وكان رئيس بكر بن وائل، ورايتهم معه يوم الجمل، وصفّين.

مات عام ٦٤ هـ ، بعد يزيد بن معاوية.

وحمل الراية مولاه رشراشة.

وذكره الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو من الثقات عند رجال الحديث.

وقدم على معاوية في خلافته. ومات عام ٦٤هـ .

(الاشتقاق /٣٥٣. أنساب الأشراف ٢/٢٣٧، ٣٠٦. الأعلام ٣/٢٩٤. تاريخ الطبري ٥/١٩٩، ٢١٢. تقريب التهذيب ١/٣٥٤. تنقيح المقال ٢/٨. تهذيب التهذيب ٤/٣٦١.جامع الرواة ١/٤٠٢. الجرح والتعديل ٤/٣٧٢. جمهرة أنساب العرب /٣١٨. رجال الطوسي /٤٥. شرح ابن أبي الحديد ٢/٢٢٠. العقد الفريد ٣/٢٨٠ و٤/١١٧. الغارات ٢/٧٩١، ٧٩٢. قاموس الرجال ٥/٨٦. الكامل في التأريخ ٣/٢٣٦ و٤/١٧٤. مجمع الرجال ٣/١٩٧. معجم رجال الحديث ٩/٣٩. نقد الرجال /١٦٨. النهاية في غريب الحديث ٣/٤، ٦٩، ٤٤٨. وقعة صفين٤٨٧) .

٥- الطفيل أبو صريمة…

من المقاتلين الأمراء، وحين أراد الإمام عليّ (عليه السلام)، التوجّه إلى صفين، عقد الألوية وأمر الأمراء، جعل الطفيل على سعد ورباب بالكوفة، فاشترك في صفين، وقاتل قتالاً شديداً.

(وقعة صفين /٢٠٥) .

٦- عبد الله بن بكير بن عبدي الليل بن ناشب

 إبن غيرة بن سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة الكوفي…

فارس. دفع إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) راية كنانة حين خروجه إلى صفين. وبنو بكير كلهم بدريون مهاجرون.

وله كتاب في الأصول.

(إتقان المقال /٢٠١. تنقيح المقال ٢/١٧٢. جامع الرواة ١/٤٧٦. الجرح والتعديل ٥/١٦. جمهرة أنساب العرب /١٨٣. شرح ابن أبي الحديد ٢/٢٨٧. الفوائد الرجالية ٣/١٦٨، ١٨٣. فهرست النديم /٢٤٣، ٢٧٦. قاموس الرجال ٥/٣٩٩. مجمع الرجال ٧/٣و٣/٢٧٠. معجم الثقات /٢٩٥. معجم رجال الحديث ١٠/١٣٠. منتهى المقال /١٨٦) .

٧- القاسم بن حنظلة الجهني…

مقاتل أمير، وحين كتب الكتائب أميرالمؤمنين (عليه السلام)، وعقد الألوية للأمراء، أمر القاسم بن حنظلة على اللفيف من القواصي، وذلك في حرب صفّين .

(وقعة صفّين / ٢٠٦) .

٨- النعمان بن قيس بن المرزبان بن ذو طي بن ماه…

فارس، مقاتل من أبناء فارس الأحرار.

وكان حامل راية الإمام (عليه السلام) يوم النهروان ودعا له (عليه السلام) في حينه، وناضل إلى آخر ساعة من حياته.

(تأنيب الخطيب / ٢٦) .

٩- هارون بن سعد الكوفي الجعفي العجلي…

صاحب راية أميرالمؤمنين (عليه السلام).

وذكره ابن حبان في الثقات. وهوغير هارون بن سعد الأعور الذي روى عن أبي حازم الأشجعي، وأبي إسحاق السبيعي، وأبي الضحى، والأعمش وغيرهم.

قال، قال عبدالله بن جعفر بن أبي طالب، لعليٍّ (عليه السلام) يا أمير المؤمنين، لو أمرت لي بمعونة أو نفقة، فوالله ما لي نفقة إلا أن أبيع دابتي، فقال: لا والله ما أجد لك شيئاً إلا أن تأمر عمك أن يسرق فيعطيك.

(تقريب التهذيب ٢/ ٣١١. تنقيح المقال ٣/ ٢٨٤. تهذيب التهذيب ١١/ ٦. جامع الرواة ٢/ ٣٠٦. الجرح والتعديل ٩/ ٩٠. رجال ابن داود / ٢٨٣.. الغدير ٣/ ٩٤. الغارات ١/ ٦٦. قاموس الرجال ٩/ ٢٧٨. لسان الميزان ٧/ ٤١٥. مجمع الرجال ٦/ ٢٠٣. منتهى المقال / ٣٢٢. ميزان الاعتدال ٤/ ٢٨٤. نقد الرجال / ٣٦٦) .

١٠- هرم بن شتير بن عمرو بن جندب…

مقاتل شهم، حضر صفين مع عياش بن شريك بن حارثة، الذي كان معه راية غطفان العراق بصفين، وحين تقدّم عياش للقتال قال لأنصاره: فإن قتلت فرأسكم الأسود بن حبيب، فإن قتل فرأسكم هرم بن شتير، فإن قتل فرأسكم عبدالله بن ضرار.

(شرح ابن أبي الحديد ٥/ ٢٠٧. وقعة صفين / ٢٦٠) .

١١- يعلى بن عميرة بن يعمر

بن حارثة بن عبيد بن سلامة بن زوى بن مالك بن نهد العبيدي فارس.

شهد القادسية، واشترك في وقعة صفين وحارب وكان معه اللواء.

تفرد بذكره عزّ الدين ابن الأثير الجزري في كتابه اللباب في تهذيب الأنساب .

(اللباب ٢/ ٣١٨) .

١٢- أبو الجوشاء الكوفي الطائي…

فارس، وكان صاحب راية أميرالمؤمنين (عليه السلام) يوم خرج من الكوفة ،متوجهاً إلى صفين.

فدفع رايته إلى أبو الجوشاء، ودفع راية المهاجرين إلى نوح بن الحارث بن عمرو بن عثمان المخزومي.

ودفع راية الأنصار إلى قرظة بن كعب.

ودفع راية كنانة إلى عبدالله بن بكير بن عبد ياليل.

وراية هذيل إلى عمرو بن أبي عمرو الهذلي.

وراية همدان إلى رفاعة بن أبي رفاعة الهمداني.

وخرج على مقدمته، أبو ليلي بن عمرو. وأبو سمرة بن ذويب.

(إتقان المقال / ٢٤٥. أعيان الشيعة ٢/ ٣١٧. أنساب الأشراف ٢/ ٣٧١. تنقيح المقال ٣/ ١٠ق الكنى. جامع الرواة ٢/ ٣٧٤. رجال ابن داود / ٢١٦.. قاموس الرجال ١٠/٣٥. معجم الثقات / ٣٦٢. مجمع الرجال ٧/ ٣. منتهى المقال / ٣٤٢. نقد الرجال / ٣٨٥ ) .

النساء

١- أروى بنت الحارث بن عبد المطلب القرشية

توفيت حدود ٥٠هـ .

من ربات البلاغة والبيان، وكانت أغلظ الوافدات على معاوية بن أبي سفيان خطاباً.

عاشت إلى زمنه وكان مقامها بالمدينة.

وفدت عليه إلى دمشق، وهي عجوزكبيرة، فلما رآها معاوية، قال: مرحباً بك يا عمة، قالت: كيف أنت يا ابن أخي قد كفرت بعدي بالنعمة، وأسأت لابن عمك الصحبة، وتسميت بغير اسمك، وأخذت غير حقِّك، بغير بلاء كان منك، ولا من آبائك في الإسلام، ولقد كفرتم بما جاء محمد صلى الله عليه واله فأتعس الله منكم الجدود، وأصعر منكم الخدود، حتّى ردّ الله الحق إلى أهله، وكانت كلمة الله هي العليا، ونبينا محمد صلى الله عليه واله هو المنصور على من ناواه، ولو كره المشركون.

فكنا أهل البيت أعظم الناس في الدين حظاً ونصيباً وقدراً، حتّى قبض الله نبيه صلى الله عليه واله مغفوراً ذنبه مرفوعاً درجته، شريفاً عند الله، مرضياً، فصرنا أهل البيت منكم بمنزلة قوم موسى من آل فرعون، يذبحون أبناءهم، ويستحيون نساءهم، وصار ابن عمّ سيد المرسلين فيكم بعد نبينا بمنزلة هارون من موسى، حيث يقول: يا ابن أم القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني.

ولم يجمع بعد رسول الله صلى الله عليه واله لنا شمل، ولم يسهل لنا وعر، وغايتنا الجنة، وغايتكم النار.

قال عمرو بن العاص: أيتها العجوز الضالة، أقصري من قولك وغضِّي من طرفك، قالت: ومن أنت لا أم لك؟ قال: عمرو بن العاص. قالت: يا ابن اللخناء النابغة أتكلّمني، أربع على ظلعك، واعن بشأن نفسك، فوالله ما أنت من قريش في اللباب من حسبها، ولا كريم منصبها، ولقد ادعاك ستة من قريش كله يزعم أنّه أبوك، ولقد رأيت أمك أيام منى بمكة، مع كل عبد عاهر فأثم بهم فإنّك بهم أشبه.

فقال مروان بن الحكم: أيتها العجوز الضالة، ساخ بصرك مع ذهاب عقلك فلا تجوز شهادتك، قالت: يا بني أتتكلم فوالله لأنت إلى سفيان بن الحارث بن كلدة أشبه منك بالحكم، وإنّك لشبهة في زرقةعينيك وحمرة شعرك، مع قصر قامته، وظاهر دمامته، ولقد رأيت الحكم ماد القامة ظاهرالأمة سبط الشعر، وما بينكما من قرابة إلا كقرابة الفرس الضامر من الأتان المقرب، فاسأل أمك عما ذكرت لك، فإنّها تخبرك بشأن أبيك إن صدقت.ثم التفتت إلى معاوية فقالت: والله ما عرضني لهؤلاء غيرك، وإنّ أمك هند القائلة في يوم أحد، في قتل حمزة رحمة الله عليه:

نحن جزيناكم بيوم بدر***** والحرب يوم الحرب ذات سعر

ما كان عن عتبة لي من صبر***** أبي وعمي وأخي وصهري

شفيت وحشي غليل صدري ***** شفيت نفسي وقضيت نذري

فشكر وحشي علي عمري ***** حتى تغيب أعظمي في قبري

فأجبتها:

يا بنت رقاع عظيم الكفر***** خزيت في بدر وغير بدر

صبّحك الله قبيل الفجر***** بالهاشميين الطوال الزهر

بكل قطاع، حسام يفري ***** حمزة ليثي، وعليّ صقري

إذ رام شبيب وأبوك غدري ***** أعطيت وحشي ضمير الصدر

هتك وحشي حجاب الستر ***** ما للبغايا بعدها من فخر

فقال معاوية، لمروان، وعمرو: ويلكما أنتما عرضتماني لها، وأسمعتماني ما أكره. ثم قال لها: يا عمة اقصدي قصد حاجتك، ودعي عنك أساطير النساء، قالت: تأمر لي بألفي دينار، وألفي دينار، وألفي دينار. قال: ما تصنعين يا عمة بألفي دينار؟قالت: أشتري بها عيناً خرخارة في أرض خوارة، تكون لولد الحارث بن عبدالمطلب، قال: نعم الموضع وضعتها. فما تصنعين بألفي دينار؟ قالت: أزوج بها فتيان عبدالمطلب من أكفائهم. قال: نعم الموضع وضعتها. فما تصنعين بألفي دينار؟ قالت: أستعين بها على عسر المدينة وزيارة بيت الله الحرام. قال: نعم الموضع وضعتها هي لك نعم وكرامة. ثم قال: أما والله لو كان عليّ ما أمر لك بها.

قالت: صدقت إنّ علياً أدى الأمانة، وعمل بأمر الله، وأخذ به، وأنت ضيعت أمانتك، وخنت الله في ماله، فأعطيت مال الله من لا يستحقه، وقد فرض الله في كتابه الحقوق لأهلها، وبيّنها فلم تأخذ بها، ودعانا عليّ إلى أخذ حقنا الذي فرض الله لنا، فشغل بحربك عن وضع الأمور مواضعها، وما سألتك مالك شيئاً فتمنّ به، إنّما سألتك حقنا ولا نرى أخذ شيءٍ غير حقنا، أتذكر علياً  فضّ الله فاك، وأجهد بلاءك، ثم علا بكاؤها وقالت:

ألا يا عين ويحك أسعدينا ***** ألا وابكي أميرالمؤمنينا

رزينا خير من ركب المطايا ***** وفارسها ومن ركب السفينا

ومن لبس النعال أو احتذاها ***** ومن قرأ المثاني والمئينا

إذا استقبلت وجه أبي حسين ***** رأيت البدرراع الناظرينا

ولا والله لا أنسي علياً ***** وحسن صلاته في الراكعينا

أفي الشهر الحرام فجمعتمونا ***** بخير الناس طرّاً أجمعينا

فأمر معاوية لها بستة آلاف دينار. وقال لها: يا عمة أنفقي هذه فيما تحبين، فإذا احتجت فاكتبي إلى ابن أخيك، يحسن صفدك ومعونتك إن شاء الله.

وفي رواية، قال لها معاوية: عفا الله عما سلف يا خالة، هات حاجتك. قالت: مالي إليك حاجة وخرجت عنه. فقال معاوية لأصحابه: والله لو كلمها من في مجلسي جميعاً لأجابت كل واحد بغير ما تجيب به الآخر، وإنّ نساء بني هاشم لأفصح من رجال غيرهم. وعادت إلى المدينة.

(الاستيعاب٤/ ٢٢٤. أسد الغابة ٤/ ٣٩٠. الإصابة ٤/ ٢٢٧. الدر المنثور / ٢٥. شاعرات العرب / ٣. الطبقات الكبرى ٥/ ٤٥٣. العقد الفريد ١/ ٣٠٢ و٥/ ٥. الغدير ٢/ ١٢١ و١٠/ ١٦٧. الكامل في التأريخ ٢/ ٧٤) .

٢- أسماء بنت عميس بن معد

 أبوها عميس بن معبد من بني خثعم ، وأمها هند بنت عوف بن زهير بن الحارث الكنانية ،أسلمت وهاجرت مع زوجها جعفر بن أبي طالب (عليه السلام ) الى الحبشة فلما استشهد تزوجها أبو بكر فولدت له محمد بن أبي بكر ، ثم مات عنها فتزوجها أمير المؤمنين (عليه السلام) فولدت له يحيى وزعم ابن الكلبي أن عون بن علي أمه أسماء بنت عميس ولم يقل ذلك غيره.

عدها الشيخ الطوسي في رجاله تارة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه واله وأخرى من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام).

إعتبرها اغلب علمائنا ثقة مقبولة الرواية لاسترحام الصادق عليها فقد قال (عليه السلام) في صفة ابنها محمد بن أبي بكر كانت نجابة محمد بن أبي بكر من قبل أمه رحمه الله ، لا من قبل أبيه .

وروى أبو بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال :سمعته يقول رحم الله الأخوات من اهل الجنة أسماء بنت عميس الخثعمية وكانت تحت جعفر بن أبي طالب وسلمى بنت عميس الخثعمية وكانت تحت حمزة وخمس من بني هلال ميمونة بنت الحارث كانت تحت النبي صلى الله عليه واله وأم فضل عند العباس واسمها هند والقميصاء أم خالد بن الوليد وعزة كانت في ثقيف عند الحاج ابن علاط وحمده لم يكن لها عقب وروت عن أسماء هذه أم جعفر وأم محمد ابنتي محمد بن جعفر.

من المسلمات الأوائل ، ومن اللواتي هاجرن الهجرتين ، حيث أسلمت قبل دخول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم دار الأرقم بمكة ، وهاجرت إلى أرض الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب ، ثم هاجرت إلى المدينة المنوّرة .

وهي من المؤمنات المواليات لأميرالمؤمنين الإمام علي بن أبي طالب سلام الله عليه ـ قبل أن تتزوّج منه ـ ولسيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء سلام الله عليها .

روت الحديث عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وروى عنها جماعة من الصحابة والتابعين .

وعَبر هذه الأسطر المتعدّدة والوريقات القليلة نُلقي الضوء على جوانبٍ من حياة هذه المرأة العظيمة ، راجين من الله الأجر والثواب ، ومن نساء هذه الاُمة الإقتداء بسيرة هذه المرأة الصالحة .

نسبها

هي أسماء بنت عميس بن مَعْد بن تيم بن الحارث بن كعب بن مالك بن قحافة بن عامر ابن ربيعة بن معاوية بن زيد بن مالك بن نَسْر بن وهب الله بن شهران بن عفرس بن أفتل وهو جماع خثعم ، هكذا ساق نسبها في الطبقات الكبرى .

وفي الاستيعاب قال : ( ابن الحارث بن تيم ) بدل ( ابن تيم بن الحارث ) ، و( جماعة ) بدل ( جماع ) ، وزاد بعد خثعم : ابن أنمار ، وقال : على الإختلاف في أنمار ، ثم قال : وقيل أسماء بنت عميس بن مالك بن النعمان بن كعب بن قحافة بن عامر بن زيد بن بشير بن وهب الله الخثعمية من خثعم .

وفي اُسد الغابة عن ابن مندة : عميس بن مغنم بن نسيم بن مالك بن قحافة بن تمام بن ربيعة بن خثعم بن أنمار بن معد بن عدنان ، قال : وقد اختلف في أنمار : منهم من جعله من معد ، ومنهم من جعله من اليمن وهو أكثر ، قال : ولا شك أنّ ابن مندة قد أسقط من النسب شيئاً فإنّه جعل بينها وبين معد تسعة آباء ، ومن عاصرها من الصحابة بل من تزوجها بينه وبين معد عشرون أباً كجعفر و أبي بكر وعلي عليه السلام ، وقد يقع في النسب تعدّد بزيادة رجل أو رجلين ، أمّا إلى هذا الحد فلا .

اُمّها

هند ، وهي خولة بنت عوف بن زهير بن الحارث بن حماطة بن جُرَش .

أخواتها

في الاستيعاب : هي اُخت ميمونة زوجة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، واُخت لبابة اُم الفضل زوجة العباس ، واُخت أخواتها ، فأسماء واُختها سلمى واُختها سلامة الخثعميات هنّ أخوات ميمونة لاُم ، وهنّ تسع ، وقيل : عشر أخوات لاُم وست لاُم وأب .

أزواجها

تزوّجها أوّلاً جعفر بن أبي طالب ، وهاجر وهي معه إلى أرض الحبشة ، فولدت له هناك عبدالله ومحمّداً وعوناً ، وقَدِمَ بها جعفر المدينة عام خيبر ، ثم قتل عنها بمعركة مؤتة شهيداً في جمادى الاُولى سنة ٨ من الهجرة ، فتزوّجها أبوبكر ، فولدت له محمّداً ، نَفست به بذي الحليفة ، وفي رواية بالبيداء ، وهم يريدون حجّة الوداع ، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تستثفر بثوب ثم تغتسل وتحرم وهي نفساء .

ثم توفّي عنها أبوبكر فتزوّجها علي بن أبي طالب سلام الله عليه ، فولدت له يحيى وعوناً .

وفي الإستيعاب : ولدت له يحيى ولا خلاف في ذلك ، وزعم ابن الكلبي أنّ عون بن علي اُمّه أسماء بنت عميس الخثعمية .

قال السيّد محسن الأمين في الأعيان : وإنّما لم يتزوّجها علي عليه السلام بعد قتل أخيه جعفر ؛ لأنّ فاطمة الزهراء كانت حيّة .

وفي اُسد الغابة : قيل : إنّ أسماء تزوّجها حمزة ، وليس بشيء ، إنّما التي تزوّجها حمزة اُختها سلمى بنت عميس . وكان لمحمّد بن أبي بكر يوم توفّي أبوه ثلاث سنين أو نحوها ، فربّاه أميرالمؤمنين عليه السلام ، فهو ربيبة في حجره ، ومن هنا جاءه التشيع وجاءه أيضاً من قبل اُمّه .

مع الحديث الشريف

عدّها الشيخ الطوسي رحمه الله في رجاله من الصحابيات ، ونسب الميرزا في كتابيه إلى رجال الشيخ عدّها من أصحاب علي عليه السلام أيضاً ، ولكن سائر النسخ خالية عن ذكرها .

روت عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ستين حديثاً .

وقال الدارقطني : انفرد بالإخراج عنها مسلم ، ولم يذكر عدد ما أخرج لها .

روى عنها ابناها عبدالله وعون ابنا جعفر بن أبي طالب ، وحفيدها القاسم بن محمّد بن أبي بكر ، وحفيدتها اُم عون بنت محمّد بن أبي جعفر ، وسعيد بن المسيب ، وعبيدالله بن رفاع ،

وأبو بردة بن أبي موسى ، وفاطمة بنت علي بن أبي طالب عليه السلام ، وعبدالله بن عباس ، وعبدالله بن شدّاد بن الهاد وهو ابن اُختها ، وأبو زيد المدني ، وعمر بن الخطاب ، وعروة بن الزبير ، وأبو موسى الأشعري .

وأخرج لها الشيخ الصدوق في الفقيه رواية قال : فروي عن أسماء بنت عميس أنها قالت : فبينما رسول الله نائم ذات يوم ورأسه في حجر علي عليه السلام ، ففاته العصر حتى غابت الشمس ، فقال : اللهم إنّ علياً كان في طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس ، قالت أسماء فرأيتها والله غربت ثم طلعت بعدما غربت ، ولم يبق جبل ولا أرض إلاّ طلعت عليه ، حتى قام علي عليه السلام وتوضأ وصلّى ، ثم غربت .

مع فاطمة الزهراء عليه السلام

اختلف المؤرّخون في وجود أسماء بنت عميس في ليلة زفاف الزهراء سلام الله عليها فمنهم من قال بوجودها .

ومنهم مَن أنكر ذلك ، وقال : إنّ التي حضرت زفاف الزهراء عليها السلام هي أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصاري .

ومنهم مَن قال : إنّ سلمى بنت عميس زوجة حمزة هي التي حضرت زفاف الزهراء سلام الله عليها .

ونقل هذه الأقول مع أدلتها السيّد محسن الأمين في الأعيان حيث قال : وروى كثير من أهل الآثار في خبر تزويج فاطمة عليها السلام أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر النساء بالخروج فخرجْنَ مسرعات إلاّ أسماء بنت عميس ، فدخل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، قالت أسماء : فلما رأى سوادي قال : مَن أنتِ ؟ .

قلت : أسماء بنت عميس .

قال : ألم آمرك أن تخرجي ؟ .

قلت : بلى يا رسول الله وما قصدت خلافك ، ولكني كنتُ حاضرة وفاة خديجة ، فبكتْ خديجة عند وفاتها ، فقلت لها : أتبكين وأنت سيّدة نساء العالمين ، وأنت زوجة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، ومبشّرة على لسانه بالجنة .

فقالت : ما لهذا بكيت ، ولكن المرأة ليلة زفافها لابدَّ لها من امرأة تفضي إليها سرّها وتستعين بها على حوائجها ، وفاطمة حديثة عهد بصبا وأخاف أن لا يكون لها من يتولّى أمرها حينئذٍ .

قالت أسماء بن عميس : فقلت لها : سيّدتي لك عهد الله عليّ إن بقيت إلى ذلك الوقت أن أقوم مقامك في ذلك الأمر .

فبكى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقال : أسأل الله أن يحرسك من فوقك ومن تحتك ومن بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك من الشيطان الرجيم .

وممّن صرح بوجود أسماء بنت عميس في زفاف الزهراء عليها السلام الحاكم في المستدرك ، فإنّه روى فيه بسنده عن أسماء بنت عميس قالت : كنتُ في زفاف فاطمة الزهراء سلام الله عليها ـ إلى أن قالت ـ فرجع فرأى سواداً بين يديه ، فقال : مَن هذه ؟

فقلت : أنا أسماء .

قال : أسماء بنت عميس ؟ .

قلت : نعم .

قال : جئت في زفاف ابنة رسول الله ؟

قلت : نعم ، فدعا لي .

وفي كتاب كفاية الطالب في مناقب أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب تأليف محمّد بن يوسف بن محمّد الكنجي الشافعي المتوفى سنة ٦٥٨هـ في خبر تزويج فاطمة عليها السلام في حديث قال : فأقبلا ـ علي وفاطمة ـ حتى جلسا مجلسهما ، وعندهما اُمهات المؤمنين ، وبينهن وبين علي حجاب ، وفاطمة مع النساء ، ثم أقبل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم حتّى دقّ الباب ، ففتحت له الباب أم أيمن فدخل ، وخرجت النساء مسرعات وبقيت أسماء بنت عميس ، فلمّا بصرت برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مقبلاً تهيأت لتخرج ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : على رسلك ، مَن أنتِ ؟ .

فقالت : أنا أسماء بنت عميس ، بأبي أنت و اُمي إن الفتاة ليلة بنائها لاغنى بها عن امرأة إن حدث لها حاجة أفضت بها إليها .

فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ما أخّرك إلاّ ذلك ؟.

فقالت : إي والذي بعثك بالحق ما أكذب والروح الأمين يأتيك .

فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : فأسأل إلهي أن يحرسك من فوقك ومن تحتك ومن بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك من الشيطان الرجيم ، ناوليني المخضب واملئيه ماءً .

فنهضت أسماء بنت عميس فملأت المخضب ماء ثم أتته به ، فملأ فاه ثم مجّه فيه ثم قال : اللهم انّهما منّي وأنا منهما فأذهب عنهما الرجس وطهّرهما تطهيراً .

ثم دعا فاطمة عليها السلام فقامت إليه وعليها النقبة وأزارها ، فضرب كفاً من ماء ما بين ثدييها ، واُخرى بين عاتقها ، وباُخرى على هامتها ، ثم نضح جلدها وجسدها ثم التزمها ثم قال : اللهم انّهما منّي وأنا منهما فكما أذهبت عنهم الرجس وطهّرتهم تطيراً فطهّرهما.

ثم أمرها أن تشرب بقية الماء ، وتتمضمض ، وتستنشق ، وتتوضاً .

ثم دعا بمخضب آخر فصنع كما صنع بالآخر ، ودعا علياً عليه السلام فصنع به كما صنع بصاحبته ، ودعا له كما دعا لها ، ثم أغلق عليهما الباب وانطلق .

فزعم عبدالله بن عباس عن أسماء بنت عميس أنّه لم يزل يدعو لهما خاصة حتى وارته حجرته ، ما شرك معهما في دعائه أحداً .

قال محمّد بن يوسف : هكذا رواه ابن بطّة العكبري الحافظ ، وهو حسن عال ، وذكر أسماء في هذا الحديث ونسبتها إلى بنت عميس غير صحيح ، وأسماء بنت عميس هي الخثعمية امرأة جعفر بن أبي طالب ، وهي التي تزوّجها أبوبكر فولدت له محمّد بن أبي بكر بذي الحليفة ، فلما مات أبوبكر تزوّجها علي بن أبي طالب فولدت له .

وما أرى نسبتها في هذا الحديث إلاّ غلطاً وقع من بعض الرواة أو من بعض الورّاقين ؛ لأن أسماء التي حضرت في عرس فاطمة عليها السلام إنّما هي أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصاري ، وأسماء بنت عميس كانت مع زوجها جعفر في أرض الحبشة وهاجر بها الهجرة الثانية ، وولدت لجعفر بن أبي طالب أولاده كلّهم بأرض الحبشة ، وبقي جعفر وزوجته أسماء بأرض الحبشة حتى هاجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة ، وكانت وقعة بدر واُحد والخندق وغيرها من المغازي ، إلى أن فتح الله عزّوجل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قرى خيبر في سنة سبع ، وقدم المدينة وقد فتح الله عزّوجلّ على يديه ، وقد قدم يومئذٍ جعفر بامرأته وأهله ، فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : ما أدري بأيّهما أسر بفتح خيبر أم بقدوم جعفر .

وكان زواج فاطمة عليها السلام من علي عليه السلام بعد وقعة بدر بأيام يسيرة ، فيتّضح من هذا أنّ أسماء المذكورة في هذا الحديث إنّما هي أسماء بنت يزيد ، ولها أحاديث عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وروى عنها شهر بن حوشب وغيره من الناس ، حقّق ذلك مؤلف هذا الكتاب محمّد بن يوسف بن محمّد الكنجي من كتب الحفّاظ من نقلة الأخبار .

وعلّق على ذلك السيّد الأمين في الأعيان قائلاً : اشتباه أسماء بنت عميس بأسماء بنت يزيد ممكن ، بأن يكون الراوي ذكر أسماء فتبادر إلى الأذهان بنت عميس ، لأنّها أعرف ، لكن ينافي ذلك ما مرَّ من أنّها حضرت وفاة خديجة ، وأسماء بنت يزيد أنصارية من أهل المدينة لم تكن بمكة حتى تحضر وفاة خديجة ، مع أنّه ورد ذكر جعفر في خبر زفاف فاطمة عليها السلام في غير موضع من سيرة الزهراء عليها السلام ، فإذا كان قد وقع الإشتباه في أسماء فكيف وقع في جعفر ، على أنّه من الممكن الإشتباه في ذكر جعفر أيضاً كما وقع في ذكر أسماء ، فظنّ الراوي وجوده مع وجود زوجته أسماء .

واحتمل في كشف الغمة أن تكون التي شهدت الزفاف هي سلمى بنت عميس زوجة حمزة ، وأنّ بعض الرواة اشتبه بأسماء لشهرتها ، وتبعه الباقون ، وسلمى يمكن شهودها وفاة خديجة ، والله العالم .

وممّا لا يختلف فيه المؤرخون أنّ أسماء بنت عميس حضرت وفاة الزهراء سلام الله عليها ، وصنعت لها نعشاً ، وهو أوّل نعش صنع في الإسلام ، وحضرت تغسيلها أيضاً .

قال السيّد محسن الأمين : ومما يدلّ على اختصاص أسماء بأهل البيت عليهم السلام وشدّة حُبها لهم وللزهراء عليها السلام ، أنّها كانت موضع سرّها ومحلّ حوائجها ، فلمّا مرضت أرسلت خلفها وشكت إليها أنّ المرأة إذا وضعت على سريرها تكون بارزة للناظرين لا يسترها إلاّ ثوب ، فذكرت لها أسماء النعش المغطّى الذي رأته بأرض الحبشة ، فاستحسنته الزهراء عليها السلام حتى ضحكت بعد أن لم تكن ضحكت بعد أبيها غير تلك المرّة ودعت لها .

وحضرت أسماء وفاتها وأعانت علياً عليه السلام على غسلها ، ولم تدع أحداً يدخل عليها من اُمهات المؤمنين ولا غيرهن سواها . فقد ذكر جماعة أنّ فاطمة الزهراء عليها السلام لما مرضت دعت اُم أيمن وأسماء بنت عميس وعلياً ، وفي رواية أنّ أسماء بنت عميس قالت للزهراء عليها السلام : إني كنت بأرض الحبشة رأيتهم يصنعون شيئاً فإن أعجبك أصنعه لك ، فدعت سريراً فأكبته لوجهه ، ثم دعت بجرائد فشدّتها إلى قوائمه وجعلت عليه نعشاً ، ثم جللته ثوباً ، فقالت فاطمة الزهراء عليها السلام :  اصنعي لي مثله ، استريني سترك الله من النار.

وفي الاستيعاب : أنّ فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالت لأسماء بنت عميس : إنّي استقبحت ما يصنع بالنساء ، إنّه يطرح على المرأة الثوب فيصفها .

فقالت أسماء : يا بنت رسول الله ألا اُريك شيئاً بأرض الحبشة ، فدعت بجرائد رطبة فحنتها ثم طرحت عليها ثوباً .

فقالت فاطمة : ما أحسن هذا وأجمله ، تعرف به المرأة من الرجل .

وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن علي بن الحسين ، عن ابن عباس قال : مرضت فاطمة مرضاً شديداً فقالت : يا أسماء بنت عميس ألا ترين إلى ما بلغتُ ؟ ! اُحمل على السرير ظاهراً .

فقالت أسماء : لعمري ، ولكن أصنع لكِ نعشاً كما رأيتُ يصنع بأرض الحبشة .

قالت : فأرينيه .

فأرست أسماء إلى جرائد رطبة وجعلت على السرير نعشاً ، وهو أوّل ما كان النعش ، قالت أسماء : فتبسّمت فاطمة وما رأيتها مبتسمة بعد أبيها إلاّ يومئذٍ .

وروى ابن عبد البر في الاستيعاب : أنّ فاطمة عليها السلام قالت لأسماء بنت عميس : إذا أنا مُتُ فغسليني أنت وعلي ولا تُدخلي عليّ أحداً ومثله روى أبونعيم في الحلية ثم قال : فلما تُوفّيت غسّلها علي وأسماء .

وفي روضة الواعظين : أنّ فاطمة عليها السلام لما نُعيت إليها نفسها ، دعت اُم أيمن وأسماء بنت عميس ووجّهت خلف علي فأحضرته ـ إلى أن قال ـ فغسّلها علي عليه السلام في قميصها ، وأعانته على غسلها أسماء بنت عميس .

قال ابن عبد البر في الاستيعاب : غسّلها علي بن أبي طالب مع أسماء بنت عميس .

وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن أسماء بنت عميس قالت : غسّلتُ أنا وعلي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . وكان علي هو الذي يباشر غسلها وأسماء تُعينه على ذلك ، وبهذا يرتفع استبعاد بعضهم أنّ تغسّلها أسماء مع علي وهي أجنبية عنه ؛ لأنّها كانت يومئذٍ زوجة أبي بكر .

وفي بعض الأخبار : أنّه أمر الحسن والحسين عليهما السلام يدخلان الماء ، ولم يحضرها غيره وغير الحسنين وزينب و اُم كلثوم وفضة جاريتها وأسماء بنت عميس .

قال ابن عبد البر في الاستيعاب : فلما توفّيت جاءت عائشة تدخل ، فقالت أسماء : لا تدخلي ، فشكت إلى أبي بكر فقالت : إنّ هذه الخثعمية تحول بيننا وبين بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد جعلت لها مثل هودج العروس ، فجاء فوقف على الباب فقال : يا أسماء ما حملك على أن منعت أزواج النبيّ أن يدخلْنَ على بنت رسول الله ، وجعلتِ لها مثل الهودج

فقالت : أمرتني أن لا يدخل عليها أحد ، وأريتها هذا الذي صنعتُ وهي حيّة ، فأمرتني أن أصنع لها ذلك .

قال أبوبكر : فاصنعي ما أمرتك ، ثم انصرف .

وفي بعض الروايات : أنّ أسماء كانت عندها حين وفاتها ، وأنّها أمرتها أن تأتي ببقية حنوط أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتضعه عند رأسها .

ما يدلّ على مكانتها :

فبالإضافة إلى ما مرّ من أحاديث ومواقف ، هناك أحاديث ووقائع اُخرى تدل على رفعة منزلة هذه المرأة وعلوّ مكانتها في الإسلام ، نذكر منها :

روى الصدوق في الخصال ، باب الأخوات من أهل الجنة : حدّثنا أبي رضي الله عنه ، قال : حدّثنا سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : سمعته يقول :

 رحم الله الأخوات من أهل الجنة ، فسمّاهن : أسماء بنت عميس الخثعمية وكانت تحت جعفر بن أبي طالب ، وسلمى بنت عميس الخثعمية وكانت تحت حمزة ، وخمس من بني هلال : ميمونة بنت الحارث كانت تحت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، و اُم الفضل عند العباس اسمها هند ، والغميصاء اُم خالد بن الوليد ، وعزّة كانت في ثقيف عند الحجّاج بن غلاّط ، وحميدة ولم يكن لها عقب .

وفي الاستيعاب : كان عمر بن الخطاب يسألها عن تعبير المنام ، ونقل عنها أشياء من ذلك ومن غيره .

وروى ابن سعد في الطبقات الكبرى : أنّه لما قدمت أسماء من أرض الحبشة قال لها عمر : يا حبشية سبقناكم بالهجرة .

فقالت : إي لعمري لقد صدقتَ ، كُنتم مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يُطعم جائعكم ويعلّم جاهلكم ، وكنّا البعداء الطرداء ، أمّا والله لآتين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلأذكرن له ذلك .

فأتت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت له ذلك فقال : للناس هجرة واحدة ، ولكم هجرتان .

وفي رواية اُخرى لابن سعد أنّه صلّى الله عليه وسلّم قال : كذب مَن يقول ذلك ، لكم الهجرة مرتين : هاجرتم إلى النجاشي ، وهاجرتم إليّ .

وروى ابن سعد في الطبقات أيضاً عن أسماء أنها قالت : أصبحتُ في اليوم الذي اُصيب فيه جعفر وأصحابه ، فأتاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولقد هنأت ـ يعني دبغت ـ أربعين إهاباً من ادم ، وعجنت عجينتي ، وأخذت بنيَّ فغسلت وجوههم ودهنتهم ، فدخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا أسماء أين بنوجعفر ؟.

فجئت بهم إليه ، فضمّهم وشمّهم ، ثم ذرفت عيناه فبكى .

قفلت : يا رسول الله لعله بلغك عن جعفر شيء ؟

قال : نعم ، قتل اليوم ، فقمتُ أصيح ، فاجتمع إلي النساء ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : يا أسماء لا تقولي هجراً ولا تضربي صدراً ، ودخل على ابنته فاطمة وهي تقول : واعمّاه ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : على مثل جعفر فلتبكِ الباكية ، ثم قال : اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد شُغلوا عن أنفسهم اليوم وفي الاصابة : لمّا بلغها قتل ولدها محمّد بمصر ، قامت إلى مسجد بيتها وكظمت غيظها حتى شخبت ثدياها دماً .

وقال الكشي في رجاله : حدّثني محمّد بن قولويه والحسين بن الحسن بن بندار القمّيّان ، قالا : حدّثنا سعد بن عبدالله بن أبي خلف القمّيّ ، قال : حدّثني الحسن بن موسى الخشّاب ومحمّد بن عيسى بن عبيد ، عن علي بن أسباط ، عن عبدالله بن سنان ، قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : كان مع أميرالمؤمنين عليه السلام من قريش خمسة نفر ، وكانت ثلاثة عشر قبيلة مع معاوية ، فأما الخمسة : محمّد بن أبي بكر رحمة الله عليه أتته النجابة من قبل أمه أسماء بنت عميس ، وكان معه هاشم بن عتبة بن أبي وقاص المرقال و . . ..

وروي أيضاً عن محمّد بن مسعود قال : حدّثني علي بن محمّد القمّي ، قال : حدّثني أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن زحل عمر بن عبدالعزيز ، عن جميل بن درّاج ، عن حمزة بن محمّد الطيّار ، قال : ذكرنا محمّد بن أبي بكر عند أبي عبدالله عليه السلام ، فقال أبوعبدالله عليه السلام : رحمه الله ، وصلّى عليه ، قال لأميرالمؤمنين عليه السلام يوماً من الأيام : أبسط يدك اُبايعك .

فقال : أو ما فعلت ؟

قال : بلى ، فبسط يده فقال : أشهد أنّك إمام مفترض الطاعة وأنّ أبي في النار . فقال أبوعبدالله عليه السلام : كان انجابه [ النجابة ] من قبل اُمه أسماء بنت عميس رحمة الله عليها ، لا من قبل أبيه .

وفي إعلام الورى : وفي مسند الرضا عليه السلام : عن علي بن الحسين عليهما السلام ، قال : حدّثني أسماء بنت عميس ، قالت : لمّا كان بعد الحول من مولد الحسن عليه السلام ولد الحسين عليه السلام ، فجاء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا أسماء هاتي ابني ، فدفعته إليه في خرقة بيضاء ، فأذّن في اُذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، ووضعه في حجره وبكى ، قالت أسماء : فداك أبي و اُمي ممّ بكاؤك ؟ قال : من ابني هذا .

فقلت : إنّه ولد الساعة .

قال : يا أسماء تقتله الفئة الباغية من بعدي ، لا أنالهم الله شفاعتي .

ثم قال : يا أسماء لا تخبرين فاطمة فإنّها حديث عهد بولادته ، ثم قال لعلي : أي شيء سمّيت ابني هذا ؟

قال : ما كنتُ لاسبقك بإسمه يا رسول الله ، وقد كنت أحب أن أسمّيه حرباً .

فقال رسول الله : ما كنتُ لأسبق باسمه ربي ، فأتاه جبرئيل فقال : الجبار يُقرئك السّلام ويقول : سمّه باسم ابن هارون .

فقال : ما اسم ابن هارون ؟

قال : شبير .

قال : لسان عربي .

قال : سمّه الحسين ، فسمّاه الحسين ، ثم عقّ عنه يوم سابعه بكبشين أملحين ، وحلق رأسه وتصدّق بوزن شعره ورقاً ، وطلا رأسه بالخلوق وقال : الدم فعل الجاهلية ، وأعطى القابلة فخذ كبش .

قبرها

وفي معارف الرجال قال الشيخ حرز الدين : يُنسب لها مرقد في العراق بضواحي الهاشميّة على نهر الجربوعية بعد نهري السفاح و القاسم في أراضي قبيلة الجوازرية ، وقفنا عليه سنة ١٣١٥هـ بعد زيارتنا لمرقد القاسم ابن الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام ، فكان القبر المنسوب لها عليه قبة متوسطة الحجم والإرتفاع ، موشاة ببعض الحجارة الملوّنة بالقاشي الأزرق ، وكان عليها آثار القِدم ، وفي نفس الوقت كانت محكمة البناء سميكة الجدران .. ولها في كتب المناقب والفضائل أحاديث وأخبار وافرة، تجدها في المراجع التالية.( رجال الطوسي ، تنقيح المقال ٢/٦٩ ، معجم رجال الحديث ، الاستيعاب ٤/ ٢٣٤. أسد الغابة ٥/ ٣٩٥. الإصابة ٤/ ٢٣١ ) .

يتبع ……

المصدر: http://arabic.balaghah.net

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى