مقالات

رد على شبهات القاها هاشم العربي زاعما وجود اخطاء في القران الكريم …

نص الشبهة: 

هذه اجابات على شبهات ألقاها هاشم العربي في كتاب ملحق ترجمة كتاب الإسلام و بزعمه قد استخرج أخطاء في القرآن الكريم

الجواب: 

﴿ وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا … ﴾

قالوا: فيه لَحن، أَوّلاً تأنيث العدد مع أنّ التمييز مُذكّر، وثانياً جمع التمييز، والصحيح إفراده هنا 1.

لكن الكلام يتمّ بالعدد من غير ما حاجةٍ إلى ذِكر التمييز، كما في نظائره من قولك: قطّعتُ اللحم أربعاً، أي أربع قطع، وجئناك خمسةً، أي خمسة أشخاص، ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ … ﴾ 2 ، أي بعشر ليالٍ﴿ … يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا … ﴾ 3،  ، أي عشر ليال؛ وذلك لأنّ الاعتبار بحساب الليالي ـ كما قدّمنا ـ ﴿ … إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا ﴾ 4 .، ﴿ … فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ … ﴾ 5.، ﴿ عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ ﴾ 6 ، أي خازناً.
كلّ ذلك لمعلوميّة المعدود من غير حاجة إلى ذِكره، وكذا هنا، إذ قولك: فرّقتهم اثنتي عشرة، تعني: اثنتي عشرة فِرقةٍ، (وحذف ما يُعلم جائز)، بل ذِكره إمّا تأكيدٌ أو حشوٌ زائد.
قال المفسّرون: (أسباطاً) بدلٌ من (اثنتي عشرة)، تقديره: وفرّقناهم فِرَقاً أسباطاً وجعلناهم أُمَماً متفرّقة لا مُجتمعة، وهذا نَكال بهم من أَوّل يومِهم، حيث تفرّقهم في الرأي وعن إتّباع الرسول منذ البدء، على خلاف ما حَظيت به هذه الأُمّة من الاجتماع ووحدة الكلمة والتفافهم حول الرسول ﴿ إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ﴾ 7 ، الأمر الذي أراده بشأن كلّ اُمّةٍ من الأُمَم رُغم تفرّقهم وتشعّبهم فِرَقاً ﴿ وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ﴾8 ﴿ فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا … ﴾ 9 (أي قطعاً كزُبرِ الحديد أي صفحاته) ﴿ … كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ 9 ، الأمر الذي مُنيَ به بنو إسرائيل حيث تشتّتهم وتطاحنهم في الحياة.

﴿ … وَنُقَدِّسُ لَكَ … ﴾

زَعَم المُتعرّب (هاشم العربي) أنّ في ذلك لَحناً؛ حيث زيادة اللام من غير حاجة إليها وكان الصواب (نقدّسك) لأنّ الفعل متعدٍّ بنفسه، اللّهمّ إلاّ أنْ يُقدَّر المفعول به شيئاً من الأشياء، الأمر الذي يزيد في إبهام الكلام 10.
لكنّه لم يدرِ الفَرق بين (قَدَّسَه) و(قدّس له) !
يقال: قَدَّسه أي نَزَّهه ومَجَّده، أما إذا قيل: قَدَّس له، فيعني: تطهير النفس تمهيداً لإمكان الحضور لدى ساحة قُدسه تعالى.
قال أرباب اللغة: يقال: قَدّس الرّجلُ اللّهَ، أي نَزّهه ووَصَفه بكونه قُدُّوساً، والقُدّوس: المُتنزّه عن العُيوب والنقائص، وقَدَّس للّه، أي طهّر نفسه له، وذلك بأنْ مهّدها لإمكانِ الاستفاضةِ من أنوار الملكوت.
كانت الملائكة ترى من بني آدم ذواتاً منكدِرة لا تصلح للاستجلاء بجلاءٍ يَليق بمقام القُدس الأعلى، فعرضت نفسها وهي صالحة للاقتراب من مقام القرب الأدنى.
لكنّه تعالى أعلم بالمصالح فيما يُقدّر ويُدبّر ﴿ … قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ 11.
ثُمَّ على فرض التقدير في الكلام فإنّه ليس على ما فَرَضَه المتعرّب من الإبهام، قال الراغب: ﴿ … وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ … ﴾ 11 أي نُطهّر الأشياء ارتساماً لك 12، أي بدلاً من بني آدم ـ حيث يُفسدون في الأرض أي يَعبثون بوجوه الأشياء ليُغيّروها إلى جهة الفساد ـ نقوم نحن بتطهير الأشياء وتصقيلها إلى حيث الصفاء والجَلاء التامّ، الأمر الذي يتحقّق منه الامتثال التامّ لما أراده تعالى من الطهارة والنزاهة في خليقته جمعاء.

﴿ … ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾

قال تعالى: ﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ 13.
قالوا: وكان ينبغي أنْ يقول: ثُمّ قال له كنْ فكان.
قال بعضهم ـ تجاسراً على كتاب اللّه ـ: آثر الرويّ على المعنى، فآثر الإخلال بالمعنى ليستقيم له الرويّ، وزاد بشاعةً في القول: قد سَاقه إليه ما أَلفه لسانُه ـ يَعني مُحمّداً (صلّى اللّه عليه وآله) حيث كرّره في ستّة مواضع من كتابه بصيغة المضارع، ممّا كان متناسباً فيها غير ما هنا 14.
لكن المسكين ذَهب عنه أنّ هذه الجُملة تُمثّل كلمة التكوين وليست تكليفاً بالقول؛ ومِن ثَمَّ كان المسيح (عليه السلام) كلمة اللّه ألقاها إلى مريم 15.
قال الشيخ مُحمّد عَبده: يجوز أن تكون كلمة التكوين مجموع (كن فيكون) والمعنى: ثُمَّ قال له كلمة التكوين التي هي عبارة عن توجّه الإرادة إلى الشيء ووجوده بها حالاً، قال: ويظهر هذا في مِثل قوله تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ … ﴾ 16 ، ولو كان القول للتكليف لم يَظهر هذا؛ لأنّ قول التكليف من صفة الكلام، وقول التكوين من صفة المشيئة 17.
فلفظة (كن) تُمثّل إرادته تعالى المُتعلّقة بتكوين شيء، و (فيكون) تُمثّل تكوين الشيء حالاً فورَ إرادته تعالى، الأمر الذي يَتمثّل في لفظة المضارع الدالّة على التحقّق في الحال، ولا يصلح لذلك صيغة الماضي إلاّ بتأويله إلى إرادة الحال أي (فكان في الحال)، وهذا ممّا يكفله صيغة المضارع من غير تأويل، وهذا هو معنى قولهم: (فيكون) حكايةُ حالٍ ماضية 18. أي وإن كان الأمر قد مضى، لكنّها حكاية عن أمر كان حالاً في ظرفه: فقد تَكَوَّن الشيء حالاً فورَ الإرادة، وهذا من تصوير الحال الماضية كما يقول أهل المعاني.
فمعنى قوله (كن فيكون): أنْ لا فاصل زمنيّاً بين إرادته تعالى وتكوين الشيء ﴿ وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ ﴾ 19 ، ﴿ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ ﴾ 20 ، أي لا فاصل ـ عند إرادته تعالى لتكوين شيء ـ بين هذه الإرادة وتكوين ذاك الشيء حالاً.
قال الحجّة البلاغي: (فيكون) فعل مضارع دالّ على الثبوت، لبيان الملازمة الدائمة بين قوله (كن) وبين تكوّن الشيء بهذا الأمر لا محالة، وبهذه القُدرة التامّة والمُلازمة الدائمة خُلق عيسى من غير فَحل، إذ قال له: (كن).
وهو كلام صادر في مقام الاحتجاج بالتمثيل، ولا تقوم الحجّة بهذا التمثيل ولا يحصل المراد منه في الاحتجاج إلاّ ببيان الملازمة.
وهذا بخلاف ما لو قال: كن فكان؛ لأنّ هذا الأُسلوب (الثاني) لا يُفيد إلاّ أنّ آدم كان، سواءٌ أَكان ذلك باتفاق أم بملازمة خاصّة بذلك الكون أو عامّة، وهو أمرٌ معلوم لا فائدة في بيانه ولا حجّة فيه على خَلق عيسى من غير فحل، فلا يكون التفريع لو قيل: كن فكان، إلاّ لغواً في كلام متهافت 21.
والخلاصة: أنّ المُضارعة هنا يدلّ على المُلازمة الدائمة بين قولة (كن) والتكوين، فصحّ جريانه بشأن آدم والمسيح على سواء، وهذا على خلاف ما لو قيل (فكان)؛ لاحتمال مجرّد الاتفاق وليس عن ملازمةٍ دائمة… وهو تنبّه لطيف أَفادته قريحة شيخنا العلاّمة البلاغي المهديّ بهداية اللّه تعالى، فرحمة اللّه عليه مِن مجاهد في سبيل اللّه بالعلم والعمل الدائب، أفاض اللّه عليه شآبيب رضوانه، آمين.

﴿ … وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا ﴾

قال هاشم العربي: كان الصواب أنْ يقول: وكان قدّامهم… 22.
قلت: ما أقبح بالرجل لا عِلم له بالعربيّة وهو يتجرّأ في تخطئة أقدم وأقوم كلام عربي رصين، القرآن أصحّ سند عتيد حَفِظ على العرب لغتَهم الأصيلة، ولا تزال العرب تعرف أصالتها من القرآن وتَستلهم أساليب كلامها من تعابير القرآن، هذا ما يبدو من العرب خضوعهم تجاه عظمة القرآن، سواءٌ أكانوا ممّن آمنوا به وصدّقوه وحياً ـ وهم الأكثرية الساحقة ـ أم الذين بقوا على جاهليّتهم الأُولى وهم النَزر اليسير، لكنّهم جميعاً بَخعوا أمام كبرياء هذا الكتاب وجبروت هذا الكلام.
فيا لصاحبنا المسكين يُخطّئ ويُصوّب فيما لا شأن له !
إنّ كلمة (وراء) في هكذا موارد من استعمالاتها يُراد بها: الكارثة الخطيرة التي تَتَعقّبهم في مسيرة الحياة، والمعنى أنّهم سائرون لاهينَ، وتلاحقهم داهيةٌ دَهماءٌ تسعى وراءهم للنيل منهم وهم غافلون عنها غير مبالين بها، وهو مِن ألطف الكنايات.
وهذا كما في قوله تعالى: ﴿ … وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ 23 ، ﴿ مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا … ﴾ 24 ، ﴿ مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَىٰ مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ ﴾ 25 ، ﴿ … وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ ﴾ 26.
وهكذا جاء استعماله في الشعر الجاهلي، قال لبيد:
أَليسَ ورائي إنْ تراختْ مَنيّتي *** لُزُوُمُ العَصا تُحنى عليها الأَصابعُ
وقال عبيد:
أَليسَ ورائي إن تراخت مَنيّتي *** أدبُّ مع الوِلدان أزحفُ كالنسرِ
وقال المرقش:
لـيسَ على طولِ الحياة ندمٌ *** ومِن وراء المرء ما لا يعلمُ 27
قوله: أَليسَ ورائي، أي أَليس يتعقبني لزوم العصا ؟ وهو تعبير كنائي عن الانتظار لهم في منتهى خطّ المسير، فكان قول المفسّرين: أمامهم، هو لازم المعنى ولم يُريدوا ترجمة اللفظة.

﴿ وَطُورِ سِينِينَ ﴾

قال المتكلّف: هذا ممّا أخطأ القرآن فيه مُراعياً للرويّ، والوجه: سيناء كما جاء في سورة المؤمنون ﴿ وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ … ﴾ 28 29.
لكنّه تَجاهلَ استعمال اللفظة بكِلا الوجهَين في العهد القديم:
كانت البريّة التي خَرَجَ إليها بنو إسرائيل ـ بعد اجتيازهم بحر سوف (البحر الأحمر) ومنطقتي شور وإيليم ـ تُسمّى بريّة (سين) والتي تنتهي إلى جبل سيناء.
جاء في سِفر الخروج: (ثُمّ ارتحلوا من إيليم وأتى كلّ جماعة بني إسرائيل إلى برّية سين التي بين إيليم وسيناء) 30.
وسِيناء ـ بكسر السين ـ اسم جبل (حوريب) 31 وعَبّر عنه بسينيم أيضاً، كما أنّ الوادي كلّه سُمّي بسيناء 32 وسينيم باعتبار فخامة هذا الجبل الواقع فيه، جاء في سِفر إشعياء: (هؤلاء من بعيد يأتون وهؤلاء من الشمال ومن المغرب وهؤلاء من أرض سينيم) 33.
قال جيمس هاكس: فَسَّره جماعة بوادي (سين) و(سيناء)؛ نظراً للمناسبة القريبة الملحوظة في عبارة الكتاب 34.
وهكذا جاءت اللفظة في القرآن مُعرّبةً (سيناء) بفتح السين، و(سينين) بقلب الميم نوناً كما هي العادة الجارية في لغة العرب، فلم يكن هناك تَضايق من جهة الرويّ كما زَعم.
ومِن المُحتمل القريب أنّ (سينيم) جمع (سين) باعتبار أنّ الجمع في العِبريّة يأتي بالياء والميم، كما في (جَمَليم) و(حَمُوريم) و(رَكْبيم) جمع (جَمَل) و(حَمُور) و(رَكْب) 35، وعليه فقد أتى القرآن بسينين جمعاً بالياء والنون على النهج العربي وذلك قد التئم الرويّ من غير تَكلّف الأمر الذي اشتبه على المعرّب، وكم له من نظير!

﴿ سَلَامٌ عَلَىٰ إِلْ يَاسِينَ ﴾

اعترض المُتكلّف بأنّه جمعٌ في موضع الإفراد، والوجه أنْ يُقال: سلامٌ على إلياس. كما أُفرد في قوله: ﴿ سَلَامٌ عَلَىٰ نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ ﴾ 36 ، وقوله: ﴿ سَلَامٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ ﴾ 37 ، و ﴿ سَلَامٌ عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَارُونَ ﴾ 38 ، قال: وإنّما سَاقه إلى ذلك مراعاةُ الرويّ 39.
وقد فَاته أنّ الكلمة أَعجميّة يجوز التصرّف فيها حيث ساق الكلام وناسب المقام، عادة جارية عند العرب يتلاعبون باللغات الأجنبيّة مِن غير ضابطة تحدّدها، وقد جرى القرآن على منهجهم في الاستعمال ولا غضاضة ولا سيّما بعد مناسبة رعاية الرويّ.
قال المراغي: إلياسين لغةٌ في إلياس، وكثيراً مّا يتصرّفون في الأسماء غير العربيّة 40.
وقال الحجّة البلاغي: وقوله تعالى: ﴿ سَلَامٌ عَلَىٰ إِلْ يَاسِينَ ﴾ 41 بعد قوله: ﴿ وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ 42 ؛ ذلك لأنّ لاسم هذا الرسول في اللغة العربيّة تعريبَان، كما كان لاسمه في العِبريّة تعبيران: إلياهْ وإلياهُوّ 43 وهو المعروف بإيليّا التَّشبِيّ في العهد القديم 44.
هذا، وقد جرتْ عادة العرب على استعمال اللغات الأجنبيّة على غير مقياس واحد ـ ولعلّه امتهان بها ـ ودَرَجوا على التصرّف فيها حيثما شاءوا وحيثما سَاقهم مدارج الكلام.
فقد عرّبوا الفهلويّة إلى (دِرَخْم) وجاء في الشعر (دِرْهام) قال الشاعر:
لـو أنّ مِـئتي دِرْهام *** لجازَ في آفاقها خاتامي
وعرّبوا (مِتَكسا) اليونانيّة ومعناه القزّ، إلى (مِدَقس) و(دِمَقس) و(دِقَمس) و(دِمَقص) و(دِمْقاس) وهكذا.
والدُرْنوك والدِرْنيك والدِرْنك والدُرُموك مُعرّب من أصل حبشي بمعنى الطنفسة.
والزنجيل مأخوذ من الفارسيّة (شنكيل، شنكوير، شنكبير وشنكويل) من أصل سنكسريتية (شرنكوير)، فالكلمة في فارسيّتها متنوّعة؛ لأنّها متغيّرة من أصرٍ هندي، لكنّها في العربيّة لم تتغيّر.
والسُوذانِق معرّب (سه دانك) (نصف درهم) كثرت لغاته وتجاوزت العشرين:
سَوْذَنيق. سُوْذَنيق. سَيْذَنُوق. سُيْوذانِق. سُوْذانَق. سَوْذانِق. سَوْذانَق. سَوْذِيْنَق. سَوْذينِق. سذانِق. سذانَق. سَوْدَق. سَوْذَق. سُوْذَق. سَيْذاق. سَيْذَقان. سَيْذُقان. شَيْذَق. شَيْذَقان. شَيْذاق. شُوذاق. شَوذَق. شُوذَنُوق.
وسُليمان معرّب (سَلُومُون) بالعِبريّة.. و (شَليمو، شَليمون) بالسريانيّة، وغيّرته العرب الجاهلي، فجعله النابغة (سُلَيماً) ضرورة: (ونَسْجُ سُلَيمٍ كلَّ قضّاءَ ذائل)، واضطرّ الحُطَيئة أيضاً فجَعله سَلاّماً فقال:
فيه الرمّاحُ وفيه كلُّ سابغةٍ *** جَدلاء مُحكَمةٍ من نَسْج سلاّمٍ
وأَرادا جميعاً نسج داود والد سليمان، فلم يستقم لهما الشعر فجعلاه سليمان وغيّراه أيضاً 45.
وأمثال ذلك كثير ممّا ينبؤك عن إمكان التصرّف في اللغات الأجنبيّة حيث سَاقها القَدر، ولا محدوديّة إطلاقاً، الأمر الذي ذهب عن المُعتَرِض المُتكلّف !
هذا، والقرآن لم يَتجاوز حدود أساليب العرب في استعمال اللغات، فلا موضع للأَخذ عليه بسبب الأخذ برخص اللغة الأصيلة والجري على مناهجها القويمة.
ولعلّه من التعسّف ما زَعَمه البعض من كونه جمعاً لإلياسيّ ـ بياء النسبة المشدّدة ـ ثُمّ خُفّف بحذف ياء النسبة وجُمع بالياء والنون، كما قالوا: الأشعرون، يُراد: الأشعريّون 46.

﴿ … وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا … ﴾

تبتدئ سورة الأنبياء المكّيّة بمطلع قويّ الضَرَبات، يَهُزُّ القلوبَ هَزّاً وهو يُلفتها إلى الخطر القريب المُحدق وهي عنه غافلة لاهية: ﴿ … اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ ﴾ 47 … ﴿ لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ … ﴾ 48.

ويَزيدهم غفلةً: أنّهم أَسرّوا النجوى ـ أي تواطئوا فيما بينهم تجاه مقابلة الحقّ الذي أتاهم ليَصدّوا عنه، وكانت النجوى التشكيك في رسالة اللّه على يد بشرٍ مثلهم: ﴿… هَلْ هَٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ … ﴾ 48.
وهل كانت التوطئة الخبيثة إلاّ مِن قِبَل الملأ الذي سَطوا في البلاد وأظهروا الفساد بين العباد؛ ومِن ثَمَّ جاءت كلمة (الّذين ظلموا) اختصاصيّة، فاصلة بين الفاعل ـ لغرض تبيينه ـ والمفعول به، وهو أَبلغُ تفضيعاً بشأنهم ممّا لو أُسند الفعل إليهم رأساً.
والمعنى: وأَسَرَّ الغافلون النجوى ـ وأخصّ منهم الذين ظلموا ـ… هؤلاء، أشدّ وطئاً من سائر الغَفَلة الذي يُشكّلون عامّة المشركين آنذاك.
وقد ذَكَر النُحاة: أنّ محلّ (الذين ظلموا) إمّا نُصب على إرادة الاختصاص، أو رُفع على الإبدال من ضمير الجمع، قال الزمخشري: إشعاراً بأنّهم المَوسومُون بالظلم الفاحش فيما أَسرّوا به 49 وهكذا ذَكَر العلاّمة البلاغي بشأن الآية 50.

﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ … ﴾

قال تعالى: ﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ … ﴾ 51.
قال الزمخشري: فإنْ قلتَ: لِمَ جاء المُميّز على جمع الكثرة دون القلّة التي هي الأقراء ؟.
قلت: يَتّسعون في ذلك فيستعملون كلّ واحد من الجمعَين مَكان الآخر؛ لاشتراكهما في الجمعيّة، أَلا تَرى إلى قوله (بِأَنْفُسِهِنَّ) وما هي إلاّ نفوس كثيرة، ولعلّ القُرُوء كانت أكثر استعمالاً في جمع قُرء من الأَقراء، فأُوثر عليه، تنزيلاً لقليل الاستعمال منزلة المُهمل، فيكون مِثل قولهم: ثلاثة شسوع 52 53.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى