مقالات

الهجوم الوهابي على كربلاء.. إبادة مدينة

تاريخ بشع يندى له جبين الإنسانية ويقشعر منه الضمير الإنساني الحي. صحائف سوداء وجرائم منكرة، ومجازر رهيبة وفظائع مهولة فاقت بوحشيتها جرائم طواغيت العصور.

بهذه الحصيلة سيخرج كل من يقرأ التاريخ الدموي والوحشي البشع للوهابيين والذي فاق في همجيته وفظاعته تاريخ أكثر الأقوام سادية عبر التاريخ البشري, بل تخطى تاريخهم الأسود في بشاعته وظلاميته وإجرامه بحق الأبرياء حتى العصور المظلمة التي سادت فيها التصفيات العرقية والجنسية والدينية.

إن النزعة الوحشية التي جُبلت عليها هذه الفرقة الدموية كانت وراء ارتكابها أفظع الجرائم ليس بحق المسلمين وحدهم فقط, بل بحق الإنسانية جمعاء, فلم يكن شيء أحب إلى نفوسهم المريضة من التلذّذ بالدماء وقطع الرؤوس وقتل الأطفال وسبي النساء والسلب والنهب والحرق والتخريب والفساد في الأرض حتى امتلأ تاريخهم بهذه الأعمال الإجرامية وأصبحوا وصمة عار بين تواريخ الأمم.

ومن أراد أن ينظر إلى بعض تلك جرائم الوهابيين في الماضي بعين الحاضر فلينظر إلى جرائم (داعش) الابنة الشرعية للفرقة الوهابية والتي غذتها فتاوى شيوخ الوهابيين المنحرفة وعقائدهم الفاسدة فشوّهت التاريخ الإسلامي وخالفت وكفّرت بها جميع المذاهب الإسلامية واتخذت من (ابن تيمية) و(محمد عبد الوهاب) أربابا من دون الله.

فالآراء الفاسدة والعقائد المنحرفة التي تبنّتها هذه الفرقة وكفّرت بها باقي المسلمين حاولت تطبيقها بالسلاح والبطش والدماء وارتكبت من أجل تحقيقها المجازر الفظيعة ولم ترضخ لأي منطق للحوار حولها ورفضت أي دعوة للنقاش, بل حكمت بكفر وقتل كل من خالفها من المسلمين.

ولسنا هنا بصدد عرض تلك الآراء والمعتقدات الفاسدة فقد استوفى علماؤنا الأعلام تفنيدها وإثبات بطلانها وإظهار فسادها وانحرافها بالبراهين الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والأدلة العقلية والنقلية القطعية, ولاسيما السيد محسن الأمين العاملي في كتابه (كشف الارتياب في أتباع محمد عبد الوهاب) حيث لم يدع هذا الكتاب مجالاً لأدنى شك للقارئ بأن هذه الفرقة الضالة المضلة هي ليست خارجة عن الإسلام فقط, بل عن جميع القيم والمبادئ السماوية السامية وخارجة أيضاً عن جميع القوانين والأعراف الإنسانية.

الغارة الجبانة

أما جرائمهم بحق المسلمين فهي كثيرة تنوّعت بين غاراتهم على المدن والقرى الآمنة وقتل أهلها, وبين التعرّض لقوافل الحجاج وقتل أفرادها وسلبهم أموالهم وأمتعتهم, ومن أبشع جرائمهم بحق الإسلام والمسلمين والإنسانية جمعاء، جريمتهم  التي تمثلت بإبادة مدينة آمنة مطمئنة مؤمنة بالله وبرسوله يقيم أهلها الصلاة ويؤتون الزكاة، ألا وهي جريمة غارتهم على مدينة كربلاء المقدسة عام (1216هـ/1801م) تلك الجريمة التي تقشعر لها الأبدان وتشمئز منها النفوس والتي بلغت من البشاعة والقسوة والفظاعة أن أثارت مشاعر السخط والغضب لدى المسلمين وغير المسلمين على حد سواء فوصفتها المصادر الغربية بـ (الغارة الوحشية) المقززة للنفوس والمستفزة لأعمق مشاعر السخط والغضب.

لقد كانت هذه الغارة مدروسة مسبقاً وأختير لها وقتا مناسباً وهو يوم (18 من ذي الحجة) وهو يوم الغدير حيث يخرج معظم أهالي كربلاء والمدن العراقية الأخرى إلى النجف الأشرف لزيارة قبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فكان اختيار هذا اليوم للهجوم على المدينة من الأساليب الدنيئة والجبانة التي عادة ما يستخدمها الوهابيون في غزواتهم وقد أجمعت المصادر على هول تلك الفاجعة حتى سميت بـ (حادثة الطف الثانية)!

يد العثمانيين تشترك بالجريمة

أشارت المصادر التاريخية إلى ضلوع العثمانيين في هذه الجريمة وإن اتفاقاً جرى بينهم وبين الوهابيين على استباحة كربلاء وإبادة أهلها يقول الرحالة ميرزا أبو طالب خان: (في الثامن عشر من ذي الحجة من عام (1216هـ) ــ وهو يوم عيد غدير خم ــ كان معظم سكان كربلاء قد ذهبوا لزيارة الإمام علي (عليه السلام) إذ داهمهم (25,000) ألف من فرسان الوهابيين يمتطون الجياد العربية الأصيلة، وسبق أن بعثوا قبل هذا التأريخ جماعة منهم إلى ضواحي كربلاء متنكرين بزي الزوار واتصلوا بحاكم كربلاء آنذاك المدعو عمر أغا وعقدوا معه اتفاقا سرياً ولما دخلوا كربلاء تعالت أصواتهم قائلين (اقتلوا هؤلاء المشركين)، وكانت حامية كربلاء تحت قيادة حاكمها المذكور ــ أي عمر أغا ــ وقد انسحب أفرادها إلى قرية الهندية القريبة من كربلاء بموجب الاتفاقية المذكورة) (1)

ويؤكد ذلك المستشرق البريطاني (ستيفن هسلي لونكريك) حيث يقول: (على أن الفاجعة الكبرى كانت على قاب قوسين أو أدنى، تلك الفاجعة التي دلت على منتهى القسوة والهمجية والطمع الأشعبي, واستعملت باسم الدين. فقد حدث في أوائل سنة (1801) أن تفشى الطاعون في بغداد, فاضطر الباشا (سليمان باشا الكبير) وحاشيته للالتجاء إلى الخالص حيث ابتعد عن منطقة المرض وما استتب حاله هناك حتى فوجئ بنبأ من المنتفك علم به أن القوات الوهابية تحركت للغزو الربيعي المعتاد فأرسل الكهية ــ علي باشا ــ إلى الهندية، إلا أنه ما كاد يغادر بغداد حتى وافت أخبار هجوم الوهابيين على كربلاء ونهبهم إياها، وهي أقدس المدن الشيعية وأغناها…) (2)

كما أكد هذا الاتفاق السيد محمد حسن مصطفى الكليدار حيث يقول: (ولم يجد وصول (الكهية) علي باشا إلى كربلاء نفعاً ذلك لأن حاكم كربلاء آنذاك (عمر أغا) لم يكن ليعمل شيئاً لحماية البلدة وكان متواطئاً مع المجرمين سراً، وعندما قربت فلولهم هرب إلى قرية الهندية القريبة من كربلاء…) (3)

وأشار الأستاذ جعفر الخياط إلى هذا الاتفاق أيضاً فقال: (لكن الملاحظ إن عمر أغا هرب إلى قرية قريبة من كربلاء أول ما علم بالخطر فلم يدافع قط، مع أن الناس كانوا يتهمونه بمخابرة الوهابيين والتواطؤ معهم…) (4)

وقد لقي عمر أغا جزاءه العادل إذ قتله سليمان باشا بعد الواقعة

الغارة في المصادر

استعرضت المصادر التاريخية الشرقية والغربية هذه الغارة الوحشية بالتفصيل وتناولها المؤرخون والمستشرقون بأدق التفاصيل ووصفوا همجيتها ووحشيتها وبشاعتها والخسائر الكبيرة في الأرواح التي أزهقت فيها وأسماء العلماء الشيعة الذين استشهدوا في هذه الغارة وحجم وتعداد النفائس التي سرقها الوهابيون من حرم الإمام الحسين (عليه السلام) عدا ما سرقوه من البيوت والأسواق وأصداء هذه الحادثة في العالم الإسلامي حيث يصفها لونكريك) بــ (الفاجعة التي دلت على منتهى القسوة والهمجية) ويصف كذلك أحداث ذلك اليوم الدموي بالقول:

(حالما انتشر خبر اقتراب الوهابيين من كربلاء في عشية اليوم الثاني من شهر نيسان ـ إبريل حتى سارع من بقي في المدينة لإغلاق الأبواب إذ أن معظم أهالي المدينة كانوا في النجف يقومون بالزيارة غير أن الوهابيين ويقدر عددهم بستمائة هجان واربعمائة فارس نزلوا فنصبوا خيامهم وقسموا قوتهم إلى ثلاثة فرق ومن وراء أحد الخانات قاموا بالهجوم على أقرب باب من أبواب المدينة وتمكنوا من فتحه عنوة ثم تسللوا إلى داخلها فاندهش السكان وأخذتهم حالة من الذعر وأصبحوا يفرون على غير هدى، أما الوهابيون القساة فقد واصلوا طريقهم إلى الأضرحة المقدسة وشرعوا في تخريبها فاقتلعوا القضبان المعدنية والسياج من أماكنها ونهبوا المرايا الكبيرة والنفائس والحاجات الثمينة بينها هدايا الباشوات وأمراء وملوك الفرس وسلبوا أيضا زخارف الجدران وقلعوا الذهب من السقوف وأخذوا الشمعدانات والسجاجيد الفاخرة والمعلقات القيمة والأبواب المزخرفة والمرصعة ولم يكتفوا بهذه الأعمال بل قتلوا قرابة خمسين شخصاً بالقرب من الضريح وخمسمائة شخص آخر خارج الضريح، أما المدينة نفسها فقد عاث فيها الغزاة المتوحشون فسادا وتخريبا وقتلوا من دون رحمة كل من صادفوه كما سرقوا كل دار ولم يرحموا الشيخ ولا الطفل ولم يحترموا النساء ولا الرجال فلم يسلم الجميع من وحشيتهم ولا من أسرهم ولقد قدر بعضهم عدد القتلى بألف نسمة فيما قدر الآخرون عددهم بخمسة أضعاف ذلك).(5)

أي دين هذا الذي يدين به هؤلاء الوحوش !! وأية عقيدة فاسدة ينتمون إليها !! بل أي منطق يبيح قتل الأطفال وقد ولدوا على الفطرة !! ثم أي شريعة تبيح سفك الدماء وانتهاك الأعراض والسلب والنهب والاعتداء على المقدسات !! ونترك الحديث عن وصف تلك الحادثة للسيد محسن الأمين حيث يصف تهديم القبر الشريف على يد الوهابيين وانتهاك حرمته فيقول ما نصه:

(في سنة (1216هـ) جهز سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود الوهابي النجدي جيشاً من أعراب نجد وغزا به العراق وحاصر مدينة كربلاء مغتنماً فرصة غياب جل الأهلين في النجف لزيارة الغدير ثم دخلها يوم 18 ذي الحجة عنوة وأعمل في أهلها السيف فقتل منهم ما بين أربعة آلاف إلى خمسة آلاف وقتل الشيوخ والأطفال والنساء ولم ينج منهم إلا من تمكن من الهرب أو اختبأ في مخبأ ونهب البلد ونهب الحضرة الشريفة وأخذ جميع ما فيها من فرش وقناديل وغيرها وهدم القبر الشريف واقتلع الشباك الذي عليه وربط خيله في الصحن المطهر ودق القهوة وعملها في الحضرة الشريفة ونهب من ذخائر المشهد الحسيني الشيء الكثير ثم كر راجعاً إلى بلاده). (6)

وتتضح فصول أخرى وتفاصيل أدق عن حجم الفظائع التي ارتكبها آل سعود والأشياء الثمينة والنفائس النادرة التي سرقوها في وصف السيد عبد الحسين الكليدار في كتابه (تاريخ كربلاء المعلى) حيث يقول بعد أن يصف دخول الوهابيين إلى كربلاء وقتل أهلها:

(وبعد أن أتم سعود مهمته الحربية التفت نحو خزائن القبر وكانت مشحونة بالأموال الوفيرة وكل شيء نفيس فأخذ كل ما وجد فيها وقيل أنه فتح كنزاً كان فيه جملة جمعت من الزوار وكان من جملة ما أخذه لؤلؤة كبيرة وعشرين سيفاً محلّاة جميعها بالذهب مرصعة بالأحجار الكريمة وأواني ذهبية وفضية وفيروز وألماس وغيرها من الذخائر النفيسة الجليلة القدر وقيل: إن من جملة ما نهبه سعود أثاثات الروضة وفرشها منها أربعة آلاف شال كشميري وألفي سيف من الفضة وكثير من البنادق والأسلحة). (7)

تصفية علماء الشيعة

سعى الوهابيون إلى تصفية علماء الشيعة في كربلاء واستهدافهم لحقدهم عليهم, فكان من بين العلماء المستشهدين في ذلك اليوم العالم الجليل السيد عبد الصمد الحسيني الهمداني الحائري الذي ذكره العلامة الأميني (صاحب الغدير) بقوله: (كان من حملة راية العلم فقيهاً محققاً ومحدثاً حكيماً محيطاً باللغة العربية, وملمَّاً بفروع العلم, سليم النفس, حسن السلوك, زاهداً ورعاً قُتل ظلماً في كربلاء على أثر هجمة الوهابيين) (8), كما ذكره السيد محسن الأمين فقال عنه: (السيد عبد الصمد الحسيني الهمداني الحائري من أحفاد المير السيد علي دفين همدان استشهد على يد الوهابيين يوم (18 ذي الحجة سنة 1216هـ) كان تلميذ البهبهاني (العلامة محمد باقر الوحيد البهبهاني) له مؤلفات في الفقه الاستدلالي مبسوط مع مستطردات ومستطرقات وله كتاب بحر المعارف في العرفان والتصوف ـ فارسي عربي ـ طبع في بمباي وتبريز قتله الوهابيون عند أخذهم كربلاء سنة (1216) فيمن قتلوا وهو أحد العلماء العرفاء المشاهير أخذ في كربلاء عن صاحب الرياض واتصل بعد إقامته في العراق أربعين سنة بنور علي شاه العارف الأصفهاني وأخذ الطريقة عنه وأصبح من جملة مريديه فانصرف إلى رياضة النفس ومجاهدتها وأذن له بلقاء الحاج محمد حسين الأصفهاني ثم عاد إلى كربلاء مؤثراً المجاورة فيها فقتله الوهابيون) (9) ويذكر السيد محمد حسن الكليدار بالتفصيل هذه الحادثة التي تدل على الهمجية والبشاعة التي جبل عليها الوهابيون فيقول في ترجمة الهمداني الحائري: (من أعلام الدين وحملة العلم فقيه محقق متكلم لغوي ماهر في العلوم زاهد…. استشهد بعد ما أخرجوه من داره بالحبل…) (10)

وإضافة إلى الهمداني فقد استشهد في هذه الحادثة من العلماء الأعلام: (الميرزا محمد طبيب الإيراني والميرزا محمد طبيب اللكهنوري وعلي نقي اللاهوري وشقيقه الميرزا قمر علي)

وذكر العلامة الشيخ محمد طاهر السماوي إن من أعيان كربلاء الذين استشهدوا على يد الوهابيين السيد محمد موسى (سادن الروضة الحسينية) وأخوته السيد حسن والسيد حسين وأبناء عمومته (11)

كما يذكر هذه الحادثة بقوله:

ولم يزلْ كلُ مـوالٍ يــعمرُ   ***   فيه إلى أن جاء جافٍ أحقرُ

فشدّ لا يثني هـواه الــثاني   ***   ومزّقَ الكتــــــابَ والمثاني

وهدّمَ الشباكَ والــــــرواقا   ***   واستلب الحليَ والأعـــلاقا

وقتلَ النساءَ والأطـــــفالا   ***   إذ لم يجد في كربلا رجــالا

لأنهم زاروا الغدير قصدا   ***   فأرخــــــــــوه (بغدير) عدّا (12)

وهناك حادثة في ذلك اليوم جرت للسيد علي الطباطبائي صاحب كتاب (الرياض) والذي كانت له رئاسة الحوزة العلمية في ذلك الوقت في كربلاء نقلها العالم الجليل المولى علي التبريزي دلت على أن الوهابيين كانوا يستهدفون إبادة المدينة بشكل عام وعلماء الشيعة بشكل خاص لتصفيتهم، ومجمل الحادثة أنهم قصدوا داره لقتله ولم يكن في البيت سواه وطفل رضيع فلما أحسّ بهم حمل الطفل على صدره واختبأ في أحد زوايا البيت ففتشوا كل البيت إلا تلك الزاوية حيث أعمى الله أبصارهم ونجى السيد علي بأعجوبة. (13)

النفائس المسروقة

“لا تقدر بثمن” هذه العبارة أطلقها كل من ذكر ما سرقه الوهابيون الغزاة من الأموال والنفائس والمجوهرات والتحف الثمينة من داخل الضريح المقدس فقد جاء في دائرة المعارف الإسلامية ما نصه: (ونهبوا البيوت والأسواق ونفائس الضريح المقدس وقد أخذوا على الأخص صفائح الذهب بعد أن اقتلعوها من مكانها ثم هدموا الضريح المطهر) ويصف لونكريك ما نهبه سعود وأتباعه من هذه النفائس بقوله: (رجع وحوش نجد الكواسر إلى موطنهم ثقالاً على إبلهم التي حملت بنفائس لا تثمَّن)، كما جاء في وصف عثمان بن بشر الحنبلي البشاعة التي استخدمت في هذه المجزرة التي قام بها الوهابيون بقوله: (فحشد عليها ــ أي كربلاء ــ الوهابيون وتسوروا جدرانها ودخلوها عنوة وقتلوا غالب أهلها في البيوت والأسواق وهدموا القبة الموضوعة التي كانت على القبر وأخذوا ما في القبة وما حولها وأخذوا النصيبة التي وضعوها على القبر وكانت مرصوفة بالزمرد والياقوت والجواهر وأخذوا جميع ما وجدوا في البلد من أنواع الأموال والسلاح واللباس والفرش والذهب والفضة والمصاحف الثمينة وغير ذلك مما يعجز عنه الحصر). (14)

دفتر النفائس

قيّض لنا أن نطالع مصدراً مهماً يعطي صورة أدق وأوضح عن حجم النفائس وتعدادها التي سرقها الوهابيون من المرقد المطهر للإمام الحسين (عليه السلام) وهم يتظاهرون اليوم بتطبيق الشريعة بقطع يد السارق وكان الأولى أن تُقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف كما في قوله تعالى (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) فأيّ حرب أشدّ على الله ورسوله من قتل ذرية الرسول والناس الأبرياء المؤمنين وسلبهم ونهبهم ؟ وأيّ فساد أعظم عند الله من هدم بيوته ونهبها وانتهاك حرمتها والتي أذن أن ترفع ويذكر فيها اسمه ؟

ولنعد إلى مصدرنا الذي يعد وثيقة مهمة تدين هذه الزمرة الفاسدة المجرمة وهذا المصدر هو كتاب (كربلاء في الإرشيف العثماني دراسة وثائقية 1840ـ1876) تأليف الكاتبة التركية (ديلك قايا) ترجمة (حازم سعيد منتصر ومصطفى زهران) إشراف وتقديم (زكريا قورشون) حيث تستعرض قايا (15) تحت عنوان (الهدايا الثمينة الموجودة في الأضرحة) الهدايا الواردة للعتبات المقدسة فتقول: (إن الهدايا الواردة للعتبات العالية بسبب حب واحترام الشيعة لها قد جعل الأضرحة كالخزائن المليئة وكان حفظ تلك الهدايا أمراً صعباً لارتفاع قيمتها)، ويتضح من قولها كثرة تلك الهدايا ونفاستها ثم تصف أنواع تلك الهدايا فتقول: (وها هي الهدايا التي أرسلت إلى أضرحة الإمام علي والإمام الحسين والإمام العباس: القرآن الكريم والماس والياقوت والزمرد والفيروز والذهب والفضة واللؤلؤ والأحجار الكريمة إلى آخره والنحاس والسجاد والستائر والمفروشات والكليم والحديد والأسلحة والشمعدانات المزينة وشال وخيام ورايات وأعلام إلى آخره) ثم تشرح بعدها القواعد التي انتهجت لحفظ تلك الهدايا القيمة وإحصائها وتسجيلها في دفاتر وتذكر إن أول إحصاء وفحص كان عام (1850) أما أكبر إحصاء فقد جرى عام (1858) وفيه تم إحصاء جميع ما في ضريحي الإمام الحسين والإمام علي (عليهما السلام) ثم تذكر إن هناك إحصاءً آخر جرى عام (1864) وفيه تم وضع نظام جديد لعملية الإحصاء كما تقول الكاتبة ثم تفصل الكاتبة عملية الإحصاء والشهود ونسخ صورة الإحصاء والتصديق عليها من قبل مجلس ولاية بغداد وحضور قائمقام كربلاء وكاتب المال وحاملي مفتاح الضريحين وغيرها من الأمور، ومن الواضح إن تلك الإحصائيات الثلاث قد جرت كلها بعد غزو الوهابيين كربلاء عام (1802) وهذا يعني إن الهدايا والنفائس التي سرقها الوهابيون لم تكن مسجلة ولم تخضع لعملية الإحصاء وتشير الكاتبة إلى عمليات السرقة التي وقعت في ضريحي الإمام الحسين والعباس فتقول: (وقد أوضحنا من قبل أن خزائن تلك الأضرحة كانت قد تعرضت للسرقة أكثر من مرة وكان النصيب الأكبر من تلك السرقات لضريحي الإمامين الحسين والعباس) وعندما تتطرق إلى ضريح الإمام علي (عليه السلام) تقول: (أما ضريح الإمام علي في النجف فكان محفوظاً للغاية ولعل السبب في ذلك هو التمكن من الإحاطة بالمدينة في وقت قصير).

وما يهمنا في هذا الموضوع هو أن الإحصائية التي اختارتها واستعرضت محتوياتها في كتابها هو الدفتر الخاص بضريح الإمام علي (عليه السلام) والذي لم يتعرض للسرقة حيث تقول: (وفي النهاية وجدنا أنه من المناسب أن نذكر الهدايا الموجودة في ضريح الإمام علي لتكون نموذجاً يعطينا فكرة عما تحتويه تلك الأضرحة من هدايا ثمينة) ثم تقول: (ويوجد في الإرشيف العثماني العديد من الدفاتر الخاصة بإحصاء وتعداد الهدايا الموجودة في ضريح الإمام علي والحسين والعباس ولقد وجدنا من المناسب والمفيد إيراد ترجمة لأحد هذه الدفاتر حتى تعطينا فكرة عامة عن الأمانات الموجودة في تلك الأضرحة وقد وقع اختيارنا على الدفتر الخاص بضريح الإمام علي).

ورغم أننا لا نعرف السبب في اختيارها الدفتر الخاص بضريح الإمام علي رغم أن الأولى أن تختار الدفتر الخاص بضريح الإمام الحسين لأن موضوعها حول كربلاء إلا أن ذلك من حسن الحظ لأن ضريح الإمام علي لم يتعرض للسرقة من قبل الوهابيين وإن محتوياته من الهدايا مماثلة لما كان يحتوي ضريح الإمام الحسين قبل السرقة على أقل تقدير إن لم تكن هدايا الضريح الحسيني أكثر منها حيث نستطيع القول بل الجزم إن الهدايا التي استعرضتها الكاتبة في كتابها بشكل مفصل ووصفتها وصفاً دقيقاً نقلاً عن دفتر الإحصاء الخاص بضريح الإمام علي كانت توجد مثلها في ضريح الإمام الحسين والتي سرقها الوهابيون إن لم تكن أكثر منها وسوف نستعرضها بإيجاز نظراً لكثرتها لتعطينا صورة أدق وأوضح عن حجم الهدايا والنفائس التي سرقها آل سعود من ضريح الإمام الحسين عدا ما سرقوه من الأموال والذهب وغيره من البيوت والأسواق وسلب النساء ما عليهن من الذهب ومن ذلك ما ذكره لونكريك عن الرحالة الهندي (الميرزا أبو طالب) إنه (لقي في كربلاء عمته (كربلائي بكم) ونسوة من حاشيتها ـ وكانت امرأة ثرية ـ وكان الوهابيون قد سلبوهن كل ما يملكن فأعانهن هو نفسه بكل ما استطاع من المعونة).(16)

ولنرجع إلى دفتر الإحصائية الخاص بضريح الإمام علي حيث تستعرض الكاتبة (679) قطعة من الهدايا والنفائس بالتفصيل والحجم والوزن والشكل وقد تنوعت هذه الهدايا وهي:

1ـ المصاحف الشريفة المتنوعة الحجم والمجدول بعضها بالذهب وبعضها يعد من النوادر

2ـ أغطية للصندوق الشريف أغلبها من الحرير الخالص وبعضها مرصعة بالنجوم

3ـ رمانات ذهبية ونحاسية على الضريح الشريف

4ـ علامات كبيرة من الذهب والفضة على الضريح الشريف

5ـ عمائم خضراء خاصة بالضريح الشريف من القماش الثمين

6ـ أعلام كبيرة ذات نجوم من الصلب على الضريح الشريف

7ـ مجموعة كبيرة جدا من الأحجار الكريمة مكونة من الياقوت والزمرد واللؤلؤ والفيروز والزبرجد بمختلف الأحجام

8ـ شمعدانات ذهبية وفضية

9ـ مباخر ذهبية ذوات أربع زوايا

10ـ وردات ذهبية مزينة باللؤلؤ والزمرد

11ـ ساعات ذهبية وذوات مينة ذهبية

12ـ كراسي بعضها من الذهب

13ـ معلقات ذوات سلاسل ذهبية مزينة بأحجار كريمة

14ـ أزرار ذهبية كبيرة مزينة بالأحجار الكريمة

15ـ كفوف من الذهب والفضة

16ـ نُجف متنوعة الأحجام بعضها مزين بالماس

17ـ قناديل كثيرة أغلبها من الذهب والفضة والبلور الأخضر والأبيض وبعضها مزين بالماس والزمرد والياقوت

18ـ ستائر من الحرير وغيره وبعضها مزينة باللؤلؤ

19ـ أكياس لمفتاح الضريح الشريف

20ـ صرر للمصاحف الشريفة

21ـ رحلات متنوعة

22ـ سيوف ودروع وخناجر وسكاكين بعضها منقوش بالذهب ومزين بالأحجار الكريمة

23ـ بنادق مختلفة الأحجام والأنواع

24ـ سجاد كبير ووسط

إضافة إلى أشياء أخرى مثل أكواب وأقفال متنوعة ومفارش من الحرير والأطلس الأحمر ولوحات من الخشب مغطاة بالذهب والفضة وأشياء كانت معروفة في ذلك الوقت مثل (لعل من الذهب وإينينة وكشكول وكليم وبورنجك وغيرها).

هذه الإحصائية الكبيرة والنفيسة هي تقديرية لحجم ونفاسة الأشياء التي سرقها الوهابيون من مرقد الإمام الحسين كوننا اعتمدنا على الدفتر الخاص بضريح الإمام علي ومن المؤكد أن تكون الأشياء التي سرقها الوهابيون أكثر بكثير من هذه الإحصائية إذا أضفنا إليها ما سرقوه من البيوت والأسواق من الأموال والحلي والمصوغات الذهبية والأحجار الكريمة.

الضحايا وصدى الحادثة

قدِّر عدد القتلى بخمسة آلاف شخص من الأبرياء قتلوا بطرق وحشية, وعن صدى هذا الحادث الأليم وانعكاسه على الحكومتين العثمانية والإيرانية يقول ريتشارد كوك: (إن هذا الحادث الأليم قد أحدث رعباً وقلقاً في بغداد كلها وسرعان ما انعكس ذلك في استانبول وإيران) ثم يقول: (إن الإيرانيين في الحقيقة قد اشتد هياجهم بحيث إن فتح علي شاه لم يمنعه من التدخل السافر وسوق الجيوش إلى العراق لهذا السبب إلا إرسال مبالغ طائلة من بغداد إليه في الوقت المناسب إرضاء لجشعه المسنون). (17)

كما وثق هذه الحادثة شعراً العديد من الشعراء وكان منهم شاهد عيان فيها فأنجاه الله من القتل ليسجل بشعره صوراً من تلك الجريمة البشعة التي لن يمحى عارها من تاريخ آل سعود المليء بالإجرام وهذا الشاعر هو السيد علي آل السيد سلمان النجفي الذي كان حياً سنة ١٢٣٣. كما ذكر ذلك السيد الأمين فقال بعد أن ترجم حياته: يقول السيد علي آل سلمان من قصيدة طويلة مستجيراً ومستنهضاً الإمام الحجة المنتظر(عجل الله فرجه الشريف) إثر غارة الوهابيين الوحشية على كربلاء وانتهاكهم لقدسية حرم سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين (عليه ‌السلام) وسفك دماء الابرياء:

الى م التمــادي يا بن أكــرم مـــــرسل   ***   وحتــــــــــــام فيها أنت متخـذ سترا

ألم تر أن الظــــــــــــلم أســــــدل لـيله   ***   على الافـق والاقطار قد ملئـت كفرا

فما الصبر والبلـوى تفاقــــــم أمـــرهـا   ***   فمن مقلــــــــة عبرا ومن كبد حرى

أما كان فعل القـــــوم مـــــــنك بكربلا   ***   بمــــرأى أمـا كنت المحيط بها خبرا

أفي كل يوم فجـــــــــــــعــة بعد فجعة   ***   لدى كربلا تذكــارها يصدع الصخرا

الى كم لنا بالطف شنـعاء ما رقـــــــت   ***   لها عـــــــــــــبرة الا ألمت بنا أخرى

وما فجعــــــــة بألطـف الا تفاقــــــمت   ***   علينــــــــــا ولـــم تبقي لسابقة ذكرى

فها كربـــــــلا هذا ذبيـح كما تــــــرى   ***   وهــــــــــذي وقـاك الله مسلوبة خدرا

اذا لم يغث في سوحكـم مســــــتجيرها   ***   فأيــــن سواها الـمستجار ومن أحرى

يطل لديها من دمـــــــــــــــــاء ولاتكم   ***   ألـــــــوف وما عـدى وأنت بها أدرى

وكم من مصونـات عفــــــات تروعت   ***   وكم مـن دم يجـرى وكم حرة حسرى

وانت خبير بالرزايا ومــــــــــــا جرى   ***   مــــــن القوم مـما لم يدع بعده صبرا

أجل ربما في الشرق والغرب من عما   ***   عواديــــه لا تخــــشى أثاماً ولا وزرا

مصـــــــــــــــائب أنستها بكر طرادها   ***   عليــــنا وأن لا مســــتجار لنا ـ شمرا

ألم ترنا كـــــــــــــــــــــشاف كل ملمة   ***   نعــــانـي الرزايا من غــــوائلهم غدرا

أحــــــــــاطوا بنا من كل فج وأرهبوا   ***   فما أضـيق الغبرا وما أبعد الـــــخضرا

كما ذكر هذه الحادثة بالتفصيل من الشعراء الشيخ محمد رضا الأزري في قصيدة طويلة بلغت أكثر من مائة بيت نقل فيها الصور المأساوية لتلك الفاجعة يقول منها:

لكل عشرِ سليبــــــــــــاتٍ تستّرُ في   ***   عبائةِ بين إخفـــــــــــــاءٍ وإعلانِ

لمعشرٍ محضوا الإيمانَ واعتصموا   ***   بالصبرِ والصبرُ مرسى كلّ إيمانِ

لقتلِ خمســـــــــــــــــةِ آلافٍ بآونةٍ   ***   من النهارِ سوى المستشرفِ الداني

محمد طاهر الصفار

……………………………………………….

1ــ رحلة (أبو طالب خان) ص 270 ــ 274 اسمها بالفارسية (مسير طالبي) وأبو طالب بن محمد الأصفهاني رحالة هندي كتب رحلاته عن بلدان آسيا وأفريقيا وأوروبا بالفارسية وترجمت إلى الإنكليزية وطبعت عام (1810) ثم ترجمت إلى الفرنسية وترجمها من الفرنسية الدكتور مصطفى جواد

2ــ أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث ترجمة جعفر الخياط 215 ــ 216

3ــ مدينة الحسين ج 3 ص 217

4ــ موسوعة العتبات المقدسة جعفر الخياط ج 8 قسم كربلاء

5ــ أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث

6ــ أعيان الشيعة ج 4 ص 307

7ــ تاريخ كربلاء المعلى ص 26

8ــ شهداء درب الفضيلة ص 288

9ــ أعيان الشيعة

10ــ مدينة الحسين ج 3 ص 120

11ــ مجالي اللطف بأرض الطف ص 556

12ــ نفس المصدر ص  109ـ 110

13ــ بهجة الآمال في شرح زبدة المقال

14ــ المجد في أحوال نجد ص 106

15ــ من ص 115 إلى ص 175 من الكتاب في

16ــ  ص 399

17ــ بغداد مدينة السلام ص 236  

18ــ الحصون المنيعة ج ٢ ص ٤٥٣

المصدر:imamhussain.org

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى