مقالات

المعاشرة بالمعروف …

جعل الله تعالى للرجل حق القوامة في الحياة الزوجية، فقال تعالى ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ … ﴾ 1. فهو يتحمل مسؤولية الكيان العائلي، بالمبادرة الى تأسيسه حيث يطلب يد الفتاة، ويدفع المهر، ثم هو المتكفل بالانفاق على متطلبات الحياة للأسرة، وهو المتصدى لحمايتها والدفاع عنها.
وهذا ما تشير اليه الآية الكريمة، فالرجل في موقعية تتيح له التزام هذه المسؤولية وتحملها، من حيث قوته الجسدية، وطبيعته النفسية المؤهلة اكثر لتحمل المشاق والأعباء، وتوفير نفقات الحياة.
بينما تمتاز المرأة برقة الجسد ونعومته، وبما تمتلك من فيض الحنان والعاطفة، الذي يؤهلها للقيام بدور الأمومة العظيم.
فهناك امتيازات وخصائص متقابلة بين الزوجين، فليس هناك امتياز مطلق لأحدهما على الآخر، بل نقاط قوة عند كل منهما تجاه الآخر، وبمشاركتهما وتكاملهما تتحقق سعادتها ويؤديان دورهما الانساني الاجتماعي.
وقوامة الرجل على المرأة في الحياة الزوجية تكليف قبل ان تكون تشريفا، وفي مقابل الواجبات الملقاة على عاتقه تجاهها، تكون له بعض الصلاحيات واهمها ان حق الطلاق بيده، ما لم تشترط هي في العقد وكالتها عنه في طلاق نفسها، حيث تشاركه بموجب هذا الشرط في حق الطلاق.
وللزوج حق الاستمتاع وهي تشاركه في ذلك، لكن صلاحيته أوسع، كما ان له التحكم في امر خروجها من المنزل على تفصيل، لكن هذه الصلاحيات الممنوحة للرجل من خلال موقع القوامة في الحياة الزوجية، لا يصح أبدا ان تتحول الى تسلط وقهر، والى استضعاف للمرأة واساءة لكرامتها، ولأن ذلك كثيرا ما يحدث من بعض الأزواج تجاه زوجاتهن، فقد جاء التأكيد في آيات عديدة، واحاديث كثيرة، على اهمية مراعاة حقوق الزوجة المادية والمعنوية، والتعامل معها باحترام واحسان.
تؤكد أكثر من آية في القرآن الكريم ان تعامل الزوج مع زوجته يجب ان يكون في اطار المعروف، وتكرر ذلك في اثنى عشر موضعا من القرآن الكريم منها: يقول تعالى:

  1. ﴿ … وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ … ﴾ 2
  2. ﴿ … فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ … ﴾ 3
  3. ﴿ … فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ … ﴾ 4
  4. ﴿ … وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ … ﴾ 5
  5. ﴿ … وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ … ﴾ 6
  6. ﴿ … فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ … ﴾ 7

والمعاشرة بالمعروف تعني ان تكون مخالطة الرجل ومعاملته لزوجته بأسلوب لائق منسجم مع تعاليم الشرع وأعراف المجتمع.
قال الطباطبائي في تفسير الميزان: «المعروف هو الذي يعرفه الناس بالذوق المكتسب من الحياة الاجتماعية المتداولة بينهم».
وقال الشيخ السعدي النجدي في تفسيره «تيسير الكريم الرحمن»: «وعاشروهن بالمعروف» وهذا يشمل المعاشرة القولية والفعلية، فعلى الزوج ان يعاشر زوجته بالمعروف، من الصحبة الجميلة، وكف الأذى، وبذل الاحسان، وحسن المعاملة، ويدخل في ذلك النفقة والكسوة ونحوهما، فيجب على الزوج لزوجته المعروف من مثله لمثلها في ذلك الزمان والمكان، وهذا يتفاوت بتفاوت الاحوال».
اما في السنة الشريفة فقد وردت أحاديث وروايات كثيرة توصي الأزواج بحسن المعاشرة مع زوجاتهم، ففي صحيح البخاري عنه انه قال: «فاستوصوا بالنساء خيرا» وعنه : «فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله».
وعنه : «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخيارهم خيارهم لنسائهم» في المقابل فان هناك نصوصا وتعاليم تؤكد على الزوجة حسن المعاشرة لزوجها، ومعاملته باحترام، فقد ورد عن رسول الله انه قال: «أعظم الناس حقا على المرأة زوجها». وعنه : «ويل لامرأة أغضبت زوجها وطوبى لامرأة رضي عنها زوجها».
الاحترام المتبادل:
المعاشرة بالمعروف بين الزوجين تعني شيئين: اولا: ان يؤدي كل منهما للآخر حقوقه ضمن المستوى المتعارف في المجتمع، وليس ضمن الحد الأدنى، فنفقة الزوجة مثلا، تكون حسب المتداول لمثيلاتها في المجتمع.
وثانيا: الاحترام المتبادل مما يرتبط بالجانب المعنوي، فلا يجوز ايذاء الزوجة بجرح مشاعرها او إهانتها واذلالها بغير حق، كما لا يجوز للزوجة خدش احترام زوجها وكرامته.
ولا يقف الامر عند حدود التحريم الشرعي واستحقاق الاثم عند ايذاء الزوجة، بل اقر الاسلام اجراءات رادعة، للانتصاف للمرأة وحماية حقوقها، اذا كان الزوج معتديا مسيئا، لأن الدين لا يسمح ان تبقى المرأة مستضعفة فريسة لاضطهاد الزوج غير الملتزم بأوامر الله تعالى.
فاذا كان الزوج يؤذي زوجته ويشاكسها بغير وجه شرعي، جاز لها رفع امرها الى الحاكم الشرعي، ليمنعه من الايذاء والظلم، ويلزمه بالمعاشرة معها بالمعروف، فان نفع والا عزره بما يراه – من توبيخ او ضرب او ما اشبه – فان لم ينفع ايضا كان لها المطالبة بالطلاق، فان امتنع منه ولم يمكن اجباره عليه طلقها الحاكم الشرعي.
والآيات القرآنية واضحة في ان الحالة المشروعة المقبولة للحياة الزوجية هي المعاشرة بالمعروف، والا فهو انهاء العلاقة والتسريح باحسان ﴿ … فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ … ﴾ 48

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى