إسئلنا

الخطاب القرآني…

من الملاحظات التي لفتت الانتباه بشدة في خطاب العقل في القرآن الكريم، إن جميع تسميات العقل وردت بصيغة الفعل، ولم ترد مرة واحدة بصيغة الاسم، وقد توقف عند هذه الملاحظة كثير من الباحثين العرب والمسلمين، وحتى من الأوروبيين، وسوف يتوقف عندها كل من ينظر ويتأمل في خطاب العقل والعقلانية في القرآن.

وتعد هذه الملاحظة، واحدة من أخص خصائص الخطاب القرآني في هذا الشأن، وهي وثيقة الصلة بطبيعة رؤية القرآن لمفهوم العقل، ولكل ما يتصل بمجاله وحقله الدلالي، ومن دون النظر لهذه الملاحظة، لا يمكن اكتمال المعرفة بهذا الخطاب القرآني، وفهم منطقه وحكمته، وإدراك غايته ومقاصده، فهذا العموم بالصيغة الفعلية جاء مقصوداً ودالاً، ولا بد من أخذ هذا العموم في تكوين المعرفة بمفهوم العقل في الخطاب القرآني، والنظر إلى هذا المفهوم في إطار هذا العموم.
وعند النظر في المواقف والتصورات المطروحة أمام هذه الملاحظة، يمكن تحديدها في اتجاهين أساسيين، اتجاه حاول أن يقلل من أهمية هذه الملاحظة، فاصلاً بينها وبين مفهوم العقل بالمعنى الحديث، واتجاه حاول أن يرفع من أهمية هذه الملاحظة، ويزيد من قيمتها وقيمة النظر إلى العقل والعقلانية.
الاتجاه الأول عبر عنه بصورة عامة، أولئك الذين يقتربون من الفكر الأوروبي، ويتواصلون مع مناهجه الحديثة، والاتجاه الثاني عبر عنه بصورة عامة، أولئك الذين يقتربون من الفكر الإسلامي، ويتواصلون مع مناهجه الإسلامية.
والحقيقة أن القرآن الكريم تحدث عن أفعال العقل، للتأكيد على ضرورة إعمال العقل، ولكي يلفت النظر إلى أن قيمة العقل هي في إعماله، وبهذا الإعمال يتجلى العقل عند الإنسان، فالله سبحانه وتعالى أودع العقل عند الإنسان ليكون فعلاً متجلياً ومتحققاً، وهذه الحقيقة هي من أبرز ملامح ومكونات فكرة العقلانية في التصور الإسلامي.
وهذا يعني أن عنصر الدهشة في الخطاب القرآني، أنه تحدث عن العقل بصيغة الفعل وليس بصيغة الاسم، ولو أنه تحدث عنه بصيغة الاسم من دون صيغة الفعل، لما كان هناك وقع لهذه الدهشة في الخطاب القرآني1.

  • 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ ـ الأربعاء / 17 أغسطس 2011م، العدد 16426.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى