التاريخ الإسلاميالجهاد و الشهادةسادة القافلةسيرة أهل البيت (ع)مناسباتمنوعات

الإمام الجواد(ع)…مصداق”وآتيناه الحكم صبيا”

إنّ في الإمامة عنصراً غيبياً لا يخضع للوسائل العادية المتعارفة لدى الناس…

آية الله السيد محمد حسين فضل الله

1 ـ جاء في الأحاديث عن عبد الله بن جعفر قال: دخلت على الرِّضا(ع) أنا وصفوان بن يحيى، وأبو جعفر(ع) قائمٌ قد أتى له ثلاث سنين، فقلنا له: جعلنا الله فداك، إنْ ـ وأعوذ بالله ـ حَدَثَ حَدَثٌ، فمن يكون بعدك؟ قال: ابني هذا ـ وأومأ إليه ـ فقلنا له: وهو في هذه السنّ؟ قال: نعم، وهو في هذه السنّ، إنَّ الله تبارك وتعالى احتجَّ بعيسى وهو ابنُ سنتين” (1)

2 ـ في الإرشاد: “أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمّد، عن محمد بن يعقوب، عن الحسين بن محمد، عن الخيراني عن أبيه، قال: كنت واقفاً بين يدي أبي الحسن الرضا(ع) بخراسان، قال قائلٌ: يا سيدي، إن كان كونٌ فإلى مَن؟ قال: “إلى أبي جعفر ابني”، فكأنّ القائل استصغر سنَّ أبي جعفر(ع)، فقال أبو الحسن(ع): “إنَّ الله بعثَ عيسى بن مريم رسولاً نبيّاً صاحب شريعة مُبْتَدَأةٍ في أصغرَ من السنِّ الذي فيه أبو جعفر(ع)” (2)

3 ـ أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن معمر بن خلاّد قال: سمعت الرضا(ع) وذكر شيئاً (من علامات الإمام وأشباهه) فقال: “ما حاجتكم إلى ذلك، هذا أبو جعفر قد أجلسته مجلسي وصيّرته مكاني” وقال: “إنَّا أهلُ بيتٍ يتوارث أصاغرنا عن أكابرنا القُذّة بالقُذّة” (3).

ونلاحظ في هذه النصوص أنّ الإمام الرضا(ع) الذي كان يؤكّد مستوى الإمامة في شخصيّة الإمام الجواد(ع) وهو في السنّ المبكرة من عمره، أراد أن يبيّن للناس الذين يسألونه عن الإمام من بعده، أنّ في الإمامة عنصراً غيبياً لا يخضع للوسائل العادية المتعارفة لدى الناس، وأنّ عليهم أن يتمثَّلوا ذلك في الملكات القدسية في مستقبل أمره مما يتعرفون فيه الدليل على ذلك.

وجاء في الكافي بسنده عن محمد بن الحسن بن عمار قال: “كنت عند علي بن جعفر بن محمد جالساً بالمدينة، وكنت أقمت عنده سنتين أكتب عنه ما سمع من أخيه ـ يعني أبا الحسن ـإذ دخل أبو جعفر محمد بن علي الرضا المسجد ـ مسجد رسول الله(ص) ـ فوثب علي بن جعفر بلا حذاء ولا رداء فقبّل يده وعظّمه، فقال له أبو جعفر: يا عم، اجلس رحمك الله، فقال: يا سيدي، كيف أجلس وأنت قائم، فلما رجع علي بن جعفر إلى مجلسه، جعل أصحابه يوبخونه ويقولون: أنت عم أبيه وأنت تفعل به هذا الفعل؟ فقال: اسكتوا! إذا كان الله عزّ وجلّ ـ وقبض على لحيته ـ لم يؤهّل هذه الشيبة وأهَّل هذا الفتى ووضعه حيث وضعه أُنكر فضله؟ نعوذ بالله مما تقولون بل أنا له عبد”(4).

إنّ هذه الشهادة من الثقة الجليل علي بن جعفر ـ وهو مَن هو في فضله ووثاقته وكبر سنّه ـ تدل على أنّ إمامة الإمام الجواد كانت في موقع الوضوح والتسليم عند كبار بني هاشم، ولذلك كان تعظيمه له وتواضعه لمقامه الإمامي بكلمته “وأنا له عبد”، هي أكبر شاهد على ذلك.. أما أولئك الذين كانوا محيطين بعليّ بن جعفر، فقد لاحظوا المسألة من حيث كبر السن وتقدّم درجة النسب لأنه عم أبيه، ولكنه ردّ عليهم بأنّ القضية هي قضية اللطف الإلهي الذي أعطاه مركز الإمامة ففضّله عليه، ولم يعط ذلك له، كأنه يقول لهم إنّ ميزان الإمامة لا يخضع للاعتبارات التي تسيطر على ذهنياتكم في مسألة التقويم.

الهوامش:

(1)كفاية الأثر، ص:324.

(2) الإرشاد، ص:279.

(3) الإرشاد، ص:276.

(4) الكافي، ج:1، ص:233

المصدر: موقع بينات

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى