إسئلنا

نبي الله إبراهيم(ع)…

نص الشبهة: 

فإن قيل فما معنى قوله تعالى:﴿ وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ﴾ ، وكيف يحضر إبراهيم عليه السلام للملائكة الطعام وهو يعلم أنها لا تطعم؟ ومن أي شئ كانت مخافته منهم لما امتنعوا من تناول الطعام؟ وكيف يجوز أن يجادل ربه فيما قضاه وأمر به؟

الجواب: 

قلنا أما وجه تقديم الطعام فلأنه (ع) لم يعلم في الحال أنهم ملائكة لأنهم كانوا في صورة البشر فظنهم أضيافا، وكان من عادته (ع) أقراء الضيف، فدعاهم إلى الطعام ليستأنسوا به وينبسطوا، فلما امتنعوا أنكر ذلك منهم، وظن أن الامتناع لسوء يريدونه، حتى خبروه بأنهم رسل الله تعالى أنفذهم لإهلاك قوم لوط عليه السلام 1.
وأما الحنيذ: فهو المشوي بالأحجار. وقيل إن الحنيذ الذي يقطر ماؤه ودسمه. وقد قيل إن الحنيذ هو النضيج. وأنشد أبو العباس:
إذا ما اختبطنا اللحم للطالب القرى *** حنذناه حتى يمكن اللحم آكله
فإن قيل: فكيف صدقهم في دعواهم أنهم ملائكة؟.
قلنا: لا بد من أن يقترن بهذه الدعوى علم يقتضي التصديق. ويقال إنهم دعوا الله بإحياء العجل الذي كان ذبحه وشواه لهم، فصار حيا يرعى.
وأما قوله: يجادلنا، فقيل معناه يجادل رسلنا، وعلق المجادلة به تعالى من حيث كانت لرسله، وإنما جادلهم مستفهما منهم هل العذاب نازل على سبيل الاستيصال أو على سبيل التخويف ؟ وهل هو عام للقوم أو خاص ؟ وعن طريق نجاة لوط (ع) وأهله المؤمنين بما لحق القوم ؟ وسمى ذلك جدالا لما كانت فيه من المراجعة والاستثبات على سبيل المجاز، وقيل إن معنى قوله يجادلنا في قوم لوط (ع): يسائلنا أن تؤخر عذابهم رجاء أن يؤمنوا أو أن يستأنفوا الصلاح. فخبره الله تعالى بأن المصلحة في إهلاكهم، وأن كلمة العذاب قد حقت عليهم، وسمى المسألة جدالا على سبيل المجاز.
فإن قيل: فما معنى قوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَىٰ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ ﴾ 2 فأتى بفعل مستقبل بعد لما، ومن شأن ما يأتي بعدها أن يكون ماضيا.
قلنا عن ذلك جوابان. أحدهما أن في الكلام محذوفا، والمعنى: أقبل يجادلنا أو جعل يجادلنا، وإنما حذفه لدلالة الكلام عليه واقتضائه له.
والجواب الآخر: أن لفظه (لما) يطلب في جوابها الماضي، كطلب لفظه (إن) في جوابها المستقبل. فلما استحسنوا أن يأتوا في جواب (إن) بالماضي، ومعناه الاستقبال، لدلالة (أن) عليه، استحسنوا أن يأتوا بعد (لما) الاستقبال تعويلا على أن اللفظة تدل على مضيه. فكما قالوا إن زرتني زرتك، وهم يريدون إن تزرني أزرك. قالوا ولما تزرني أزرك، وهم يريدون لما زرتني زرتك.
وأنشدوا في دخول الماضي في جواب إن قول الشاعر.
إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا *** مني وما سمعوا من صالح دفنوا
وفي قول الآخر في دخول المستقبل جوابا بالماضي:
وميعاد قوم إن أرادوا لقـاءنا *** بجمع منى إن كان للناس مجمع
يروا خارجيا لم ير الناس مثله *** تشير لهم عين إلـيه و إصـبع
ويمكن في هذا جواب آخر، هو أن يجعل (يجادلنا) حالا لا جوابا للفظة لما. ويكون المعنى أن البشرى جاءته في حال الجدال للرسل.
فإن قيل: فأين جواب (لما) على هذا الوجه؟.
قلنا يمكن أن نقدره في أحد موضعين: إما في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ ﴾ 3 ويكون التقدير: قلنا إن إبراهيم كذلك. والموضع الآخر أن يكون أراد تعالى ﴿ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَىٰ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ ﴾ 2 ناديناه يا إبراهيم. فجواب (لما) هو ناديناه، وإن كان محذوفا ودل عليه لفظة النداء. وكل هذا جايز 4.

  • 1. قصص الأنبياء ص ـ 112 ـ 113 ط 3 ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
  • 2. a. b. القران الكريم: سورة هود (11)، الآية: 74، الصفحة: 230.
  • 3. القران الكريم: سورة هود (11)، الآية: 75، الصفحة: 230.
  • 4. تنزيه الأنبياء عليهم السلام للسيد مرتضى علم الهدى، دار الأضواء: 59 ـ 61.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى