إسئلنا

ماهي علاقة حوار الأديان والحضارات؟

هناك فرضية يمكن التسليم بصحتها، وإمكانية البرهنة عليها، وتحصيل القبول بها، وتتحدد هذه الفرضية في أن التقدم الحقيقي في مجال حوار الحضارات، لا يمكن أن يتحقق بدون التقدم في مجال حوار الأديان، وبالتالي لابد من التقدم في حوار الأديان، كشرط حيوي للتقدم في حوار الحضارات والثقافات؟

وتستند هذه الفرضية على أساس أن الحضارات وحتى الثقافات، إنما هي ترتكز على خلفيات دينية، تساهم في تشكيل بنيتهما وهويتهما وطبيعتهما، وتظل هذه العلاقة بين الحضارات والثقافات وخلفياتهما الدينية راسخة وثابتة، مع ما يظهر في هذه العلاقة من تفاوت وتباين قوة وضعفاً بين هذه الحضارات والثقافات.
بمعنى أن هذه الخلفيات الدينية، ليست على درجة واحدة في جميع الحضارات، وليست على وتيرة واحدة أيضاً حتى في نطاق الحضارة الواحدة، فهناك حضارات تمثل فيها الخلفيات الدينية مكانة واسعة وكبيرة كالحضارة الإسلامية، وهناك حضارات لا تمثل فيها الخلفيات الدينية إلا مكانة ضيقة ومحدودة كالحضارة الأوروبية المعاصرة.
وما يقرب هذه الفرضية، أن الحضارات التي بقيت في التاريخ، ارتبطت بديانات هي الأخرى بقيت في التاريخ، وعرفت هذه الحضارات بدياناتها، ليس هذا فحسب، وإنما بهذه الديانات تمايزت هذه الحضارات عن غيرها، وانفردت بطقوس وتقاليد شديدة الخصوصية، تتجلى في طريقة إحياء الشعائر والعبادات الدينية، وصولاً إلى تقاليد الزواج، وانتهاء بمراسيم الوفاة.
وفي هذا الشأن يرى صمويل هنتنغتون في كتابه المثير للجدل (صدام الحضارات)، أن من بين كل المقومات الموضوعية التي تحدد الحضارة، فإن أكثرها أهمية عادة يأتي الدين، كما اعتبر أن الحضارات الكبرى في التاريخ البشري، كانت قد ارتبطت في تحديدها بالديانات العالمية العظيمة.
ولاحظ هنتنغتون أن من بين الأديان الخمسة العالمية التي حددها عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر، أربعة منها مرتبطة بحضارات عظيمة، هي المسيحية والإسلام والهندوسية والكونفوشيوسية، وتوقف هنتنغتون عند البوذية التي أشار إليها فيبر، واعتبر رغم كونها ديانة رئيسية إلا أنها لم تكن أساساً لحضارة كبرى، والسبب في نظره يرجع إلى انقراضها الفعلي في الهند، وتكيفها واندماجها في الثقافات الموجودة في الصين واليابان.
وقبل هنتنغتون بما يقارب خمسة عقود، كشف الناقد البريطاني المعروف توماس إليوت عن العلاقة الراسخة والوثيقة بين الثقافة والدين في كتابه (ملاحظات نحو تعريف الثقافة) الصادر سنة 1948م، وحسب نظريته لم تظهر ثقافة ولا نمت إلا بجانب دين، ومن الخطأ في نظره تصور أن الثقافة يمكن حفظها وبسطها وتنميتها بغير دين، وأن رقي الثقافة سبب لتقدم الدين.
لا يراد من هذه الفرضية، خلق تعقيدات إضافية في طريق حوار الحضارات أو حوار الثقافات، وتصعيب هذه القضية بربطها بالدين وحوار الأديان، والقصد من ذلك هو الكشف عن أحد المداخل الحيوية في سبيل إحراز تقدم فاعل وحقيقي في حوار الحضارات والثقافات، وليس مجرد شكليات لا تقدم ولا تأخر.
من هنا كان من الضروري الالتفات إلى هذه الفرضية، وتكوين المعرفة بها، وتأكيد العناية والاهتمام بقضية حوار الأديان1.

  • 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ ـ الخميس / 7 أغسطس 2008م، العدد 15321.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى