إسئلنا

التشويه…

أن يكون العنوان مزيدا من التشويش أو التشويه أو التشكيك، لا فرق بين هذه الكلمات إلا عند ثلة قليلة من الأدباء والبلاغيين والضالعين في اللغة، أما لدى العامة من الناس فالنتيجة واحدة، وهي المزيد من العداء والخوف والتوجس والفتنة.

يؤسفني القول: إن إعلامنا العربي غير الحر – غالباً – والتابع لسياسات دولنا المريضة يمارس هذا الدور باحترافية قاتلة وبإصرار عجيب، لا يراعي فيه كرامة المتلقي، ولا يلتفت لأخلاقيات المهنة، ولا يتوقف عند حدود الدين، ولا يتأمل مفاعيل هذه السياسيات الإعلامية السيئة.
لقد كتب جون إسبوزيتو وشيلا لالواني عن انعكاس التشويه الدائم للمسلمين في أميركا: «وتتحدث شخصيات عامة أميركية بارزة وسياسيون، مثل بيل أورايلي وسارة بيلين وعضو الكونغرس بيتر كنغ ونيوت غينغريتش، بشكل مفتوح ضد المسلمين ويشجعون شكوكاً لا أساس لها حولهم. وتكون المحصِّلة النهائية زيادةً في معاداة الإسلام وهجوماً ضد المسلمين، كما شهدنا في الهستيريا التي أدت إلى حركة عبر حوالي 20 ولاية في أميركا لمنع الشريعة».1.
لو تأملنا سياسة التشويه والتشكيك الإعلامية على امتداد عالمنا العربي والإسلامي ضد هذا الطيف أو ذاك اللون أو ذلك الوجود من نسيج مجتمعاتنا العربية والإسلامية فسنلاحظه يهدف لأمرين اثنين، الأول هو إخراج المستهدف من الدين ليعامله بقية المجتمع بدونية وكره، والثاني إخراجه من الوطن، فيصنف في جهة الخونة والمتآمرين، وكلا المسارين أو الهدفين غاية في السوء والجريمة والظلم ضد المستهدف.
في أغلب الصحف والجرائد العربية يمكن للقارئ أن يلحظ بعض الأقلام التي لا تعزف إلا على هذا الوتر ولا تغريها إلا المواضيع والإشارات التي تطعن في الآخرين وتهين كرامتهم وتسخر منهم وتتهمهم بأبشع التهم.
ولهذا الصنف من الكتاب من يناصره في عالمنا العربي من خطباء الجمعة والمرتقين على منابر الوعظ والإرشاد، من شخصيات لها موقعيتها ومكانتها ومراكزها وجماهيرها، ولها إمكاناتها الرسمية وغير الرسمية، وبعضها قد يكون دكتوراً في الجامعات التي تخرج كفاءات الوطن وتصوغ عقول أبنائه وتوجه تفكيرهم، ويرسخ في أذهانهم مسارات يسلكونها في مقبل أيامهم.
هذه المواقف التي تملأ الصحف والجرائد وتطغى أحياناً على خطب الجمعة، لن تؤدي إلا إلى المزيد من الفرقة والفتنة، لن تصنع انكساراً في نفوس الآخرين بقدر ما تهيئ أرضية تدفع إلى الانتقام والكره والانفصام بين أجزاء المجتمع ومكوناته.
وهل يحمل وزر ذلك على الدول التي يمارس بعض مكوناتها تلك الطريقة الخرقاء ضد المكونات الأخرى؟
الجواب كما أظن كلا، إذا كانت تلك الدول تقوم بواجبها في المحاسبة والمعاقبة والمتابعة لهذه الأصوات المفتنة، وكانت تمنع حصول مثل ذلك بإجراءاتها المشددة والحامية للجميع. لكن سياسات هذه الدول تبقى في شباك المساءلة إذا رمت الحبل على الغارب، حيث يصعب على أي طيف أو لون من نسيج المجتمع أن يرى من ينال منه شهاراً جهاراً دون أن يتعرض للمساءلة والمحاسبة ودون أن يخضع للجزاء والعقاب، ودون أن تمس مصالحه بأذى يردعه عن غيه.
إن هذا الطيف سيقرأ ذلك باعتباره رسالة واضحة وصريحة للمعتدي مفادها التسيد فوق القانون والمساءلة، فقل ما تشاء ضد هذا وذاك فأنت السيد وليس القانون.
تلك الرسالة ستغري المعتدي بالمزيد من الاعتداء والتجني على الآخرين، فمن أمن العقوبة انعدمت عنده حدود التعامل مع الآخرين وساء أدبه وظهر فحشه جلياً في حروف قلمه كاتباً، وعلى فلتات لسانه خطيباً2.

  • 1. «الوسط» 10/ 6/ 2011
  • 2. نقلا عن الموقع الرسمي لسماحة الشيخ حسن الصفار (حفظه الله)، و المقالة منشورة في صحيفة الوسط البحرينية 4 / 7 / 2011م – 2:47 ص – العدد 3222.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى