التاريخ الإسلاميالجهاد و الشهادةالقرآن الكريمسادة القافلةسيرة أهل البيت (ع)في رحاب نهج البلاغةمناسباتمنوعات

المبعث الشريف> الحركة الرسالية عند البعثة

الخلية الإيمانية الأولى

وبعد اللقاء الأوّل مع وحي النبوّة أخذت تتدرّج الآيات القرآنية بالنزول، ويبدو أنه بعد أن نزلت عليه الآيات الأولى من سورة المزمل شرع النبي صلَّى الله عليه وآله يهيّء نفسه للخطوات التالية في طريق نشر الرسالة الإسلامية وبناء المجتمع الإسلامي، وكان عليه أن يعدّ العدّة لمواجهة الصعاب الكثيرة والمشاكل المتوقّعة، وأن يُحكم خطّته وأسلوبه في العمل.

إنّ أوّل ما بدأ به هو دعوة أهل بيته. أمّا خديجة (رضي الله عنها) فكان من الطبيعي أن تصدّق النبي صلَّى الله عليه وآله حيث عاشرته عمراً طويلاً ووجدت فيه منتهى السموّ الأخلاقي والطهر الروحي والتعلق بالسماء.

ولم يتكلّف النبي صلَّى الله عليه وآله جهداً في دعوة ابن عمه وربيبه علي بن أبي طالب عليه السلام الذي كان يحمل بين جوانحه قلباً طاهراً لم تلوّثه عبادة الأصنام قطّ، فبادر إلى التصديق به فكان أوّل القوم إسلاماً .

وكان اختيار النبيّ صلَّى الله عليه وآله لعلي صائباً وموفّقاً لما كان يملكه عليّ عليه السلام من مؤهلات الطاعة والانقياد والقوة والاندفاع في الوقت الذي كان النبيّ صلَّى الله عليه وآله بأَمسّ الحاجة إلى الناصر والمؤازر، فكان علي عليه السلام يمثّل ذراع النبوة في تبليغ الرسالة منذ انطلاقتها والعين الباصرة، ولسان الدعوة الناطق بها.
ثم التحق بهم زيد بن حارثة فكانوا هم المجموعة الخيّرة والنواة الأولى التي انفلق منها المجتمع الاسمى 1.


1-اعلام الهداية ج 1 ص75

المواجهة الأولى وإنذار الأقربين

حين شاع خبر الإسلام في أرجاء الجزيرة العربية وفي الوقت الذي بلغت فيه الفئة المؤمنة المستوى الروحي الذي يؤهلها لخوض الصراع كان لابد من الانتقال إلى مرحلة الإعلان العام وأول خطواته إنذار الأقربين في مجتمع تسوده الاعتبارات القبلية فمن الأولى إنذارهم قبل إنذار الناس كافة، فكان نزول الأمر الإلهي: وأنذر عشيرتك الأقربين ; من هنا دعا النبي صلَّى الله عليه وآله عشيرته الأقربين وأوضح لهم أمر الرسالة وهدفها ومستقبلها وكان فيهم من يرتجى خيره ويؤمل إيمانه. ولئن نهض أبو لهب معلناً المعاداة والكراهية فقد تبنّى أبو طالب عليه السلام دعم النبي صلَّى الله عليه وآله وحماية رسالته.

وقد روي أنّه ما إن نزلت الآية المباركة أمر النبي صلَّى الله عليه وآله علياً بإعداد وليمة ثمّ دعا عشيرته وكانوا أربعين رجلاً، وما إن تأهب الرسول صلَّى الله عليه وآله للحديث حتى قاطعه عمه عبد العُزّى ـ المعروف بأبي لهب ـ وحذّره من الاستمرار في التبليغ والإنذار، وحال دون تحقيق هدف الرسول فانفضّ المجلس. ولمّا كان من غد جدّد النبيّ صلَّى الله عليه وآله أمره لعلي ودعوته لعشيرته وبعد أن فرغوا من الطعام بادرهم صلَّى الله عليه وآله بقوله: (يا بني عبد المطلب، إني والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، إني جئتكم بخير الدنيا والآخرة وقد أمرني الله عَزَّ وجَلَّ أن أدعوكم إليه فأيّكم يؤمن بي ويؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟ فسكتوا جميعاً إلاّ علي بن أبي طالب إذ نهض قائلاً: أنا يا رسول الله أكون 1.


1-اعلام الهداية ج 1 ص90.

الدور الرسالي في مكة

لقد مرّ تبليغ الرّسالة الإسلامية على يدي النبيّ العظيم بثلاثة أدوار على الأقل حتى تهيّأت الظروف لتأسيس أوّل دولة إسلامية مباركة وهي كما يلي


1 ـ دور إعداد القاعدة الأولى للرسالة الإسلامية. واصطلح البعض على هذا الدور بدور الخفاء أو دور الدعوة الخاصة.
2 ـ دور الدعوة المحدودة بالأقربين والصراع المحدود مع الوثنية.
3 ـ دور الصراع الشامل.

تحرك النبيّ صلَّى الله عليه وآله داعياً إلى الإسلام بعد أن أمره الله تعالى بالقيام والإنذار ساعياً لبناء كتلة إيمانية تكون بؤرة نور وإشعاع لهداية المجتمع واستمر الحال هكذا حوالي ثلاث سنين مسدداً بالغيب معصوماً من الزلل.
وكان التحرك الرسالي هذا محفوفاً بالمخاطر والصعوبات ولكنه كان متقناً متكاملاً.
وكان من أسلوب الرسول صلَّى الله عليه وآله في هذه المرحلة من الدعوة أن ينوّع الاختيار من حيث الانتماء القبلي والموقع الجغرافي والعمر لأتباعه ليوضح شمولية الرسالة ويضمن لها الانتشار في المجتمع إلى أقصى ما يمكن; فاستجاب له ـ في بداية البعثة ـ المستضعفون والفقراء إذ كانت الرسالة الإسلامية منطلقاً نحو التسامي والحياة الكريمة والأمان، كما استجاب له من الأشراف من كان ذا نفس طيّبة وعقل منفتح ورغبة ففي السلوك النزيه.

ولم يتحسّس جبابرة قريش خطورة الرسالة وحسبوا أن الأمر لا يعدو تكهّنات وتأملات لها سوابق اندثرت; فلم يشدّدوا على محاربتهم للرسالة للقضاء عليها في مهدها.
وفي هذا الوقت القصير استطاع الرسول صلَّى الله عليه وآله أن يصوغ من النفوس التي آمنت برسالته عناصر فعالة تحمل قيم الرسالة لتنطلق بها للناس، وهم أشد حرصاً على إسلامهم وأكثر يقيناً بإيمانهم مستنكرين بذلك ما كان عليه آباؤهم من شرك وخلق منحرف حتى تزايد الاستعداد لديهم لتحمل آثار الجهر بالرسالة.
ويروى أن النبيّ صلَّى الله عليه وآله وأصحابه ـ في هذه الفترة ـ كانوا إذا جاء وقت العصر تفرقوا في الشِعاب فصلّوا فرادى ومثنى، فبينما رجلان من المسلمين يصليان في بعض شعاب مكة اِذ ظهر عليهما رجلان من المشركين ـ كانا فاحشين ـ فناكراهما وعابا عليهما ما يصنعان ثم تضاربوا، وانصرفا .
ولتجنب هذا النوع من المواجهات استعان النبي ببعض الدور للتخفي لممارسة العبادة والاتصال المنتظم به صلَّى الله عليه وآله بعيداً عن أنظار قريش فكانت دار الأرقم بن أبي الأرقم خير ملجأ للمسلمين حينئذ 1.


1-اعلم الهداية ج 1 ص 78_79.

المصدر: http://alrasoul.almaaref.org

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى