التعليمالقرآن الكريمالقرآن الكريممقالات

الامن والاقتصاد ركيزتان اساسيتان للتخطيط في الدعاء الابراهيمي

من الركائز القرآنيّة المهمة ما يدلنا عليها القرآن الكريم بأسلوب مناجاتي جميل بين النّبيّ -الذي كان أمة في نفسه- وبين رب العزة{، ونقل القرآن الكريم إلينا دعوات متعددة بينهما نختار منها هذا الدعاء:}وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ{(البقرة: 126).

في بداية الأمر لابدّ من التنويه أن الدعاء الوارد في القرآن الكريم ذو مضامين عالية ويحتوي على مسائل مهمة ولبيان أهم المضامين في هذا الدعاء سيتم الكلام فيما يأتي:

1-الإحساس بالمسؤولية:على ولي الأمر ومن هو في موقع القرار أن يستشعر ما هو مناط به ودوره في الحياة، حيث أن إبراهيم (عليه السلام) كان همه إنجاح المهمة المُلقاة على عاتقه ألا وهي العهد الذي أشار إليه{ في محكم كتابه:}وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ{(البقرة: 125).

2-اللجوء إلى الله: حيث ينبغي ألا نعتمد على أنفسنا وامكاناتنا المادية ونهمل الرعاية الإلهيَّة أو نعتمد كليا على الرعاية الإلهيَّة ونتكاسل عن أي عمل نؤديه، بل ينبغي أن تقترن الثقة والتوكّل بالله مع العمل النشيط الدؤوب كأساس لنجاح ما نصبو إليه.

3- الأمن والاقتصاد : حيث إنهما ركيزتان اساسيتان لبناء المجد والحضارات وهذا ما يتضح لنا من التفكّر والتأمل في سياق النص القرآنيّ الحالي، وبيان ذلك أن إبراهيم (عليه السلام) لما كان يعلم أن هذا البلد أي مكة المكرمة ستصبح محط أنظار الوجود برمته في الحاضر والمستقبل وقبلة لخاتم الأنبياء(صلى الله عليه واله ) هذا من جانب ومن جانب آخر أن مكة أرض ذات طبيعة تضاريسية من الصعوبة أن يحصل الإنسان فيها على مقومات الحضارة وكما عبّر القرآن الكريم:}بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ{(إبراهيم:37)، وبما أن الأمن مطلوب لذاته ومطلوب لإنجاح الاقتصاد كان لزاما على إبراهيم (عليه السلام) أن يدعو بهما معا، وهذا يتضح من الآية الكريمة:}إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا{(البقرة: 126) التي صرّح فيها بطلب الأمن وأشار إلى طلب الاقتصاد بقوله:}وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ{(البقرة: 126).

4-القانون الرادع: الحفاظ على الأمن وازدهار الاقتصاد لا يتم إلا بوجود نظام قانوني رادع ومعاقب للإفراد والمجموعات العابثة بأمن وسلامة المجتمع وهذا ما جاء في قوله تعالى:

}وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ{(البقرة: 126).

5- إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه وتكافئ الفرص: إنّ هذا المبدأ كان موجودا في هذا الدعاء، ويتضح ذلك من قوله تعالى:}مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ{(البقرة: 126) وهذا يعني مُكافأة الكافر بما يستحق والمؤمن بما يستحق أي إعطاء كل ذي حقّ حقّه حيث أن إبراهيم (عليه السلام) لما كان يعلم أن أثر الرزق سيكون بمقتضى إطلاق الدعاء سيشمل المؤمن والكافر احترز عن الأخير بقوله:}مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ{(البقرة: 126) واشار الى هذا المضمون اي التبري من الكفار قوله تعالى:}فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ{(التوبة: 114)، كما يتضح هذا مبدأ اعطاء كل ذي حق حقه في آيات آخر منها:}لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ{(المائدة: 100)، }هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ{(الزمر: 9)،}لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ{(الحشر: 20) . أما تكافئ الفرص فيتحقق في أن الدعوة إلى الإيمان لم تكن حكرا على طائفة أو مجموعة بعينها بك كانت لكل ذي عقل كما في قوله تعالى:}يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا{(الأعراف: 158).

6-التخطيط للمستقبل: كان إبراهيم (عليه السلام) وقت الدعاء بواد غير ذي زرع وكان الخليل يعلم أنه لابدّ من التخطيط بطريقة واعية لبناء الإنسان وتحقيق الغاية من خلقه ووجوده وبالتالي الهدف من بعث الأنبياء (عليهم السلام) بهذا الدعاء عن طريق إيجاد القاعدة والمركز لانطلاق ذلك على الأقل بمجموعة من الأنبياء  (عليهم السلام) وعلى رأسهم خاتمهم (صلى الله عليه واله ) التي كانت مكة منطلقا له ولدعوته المباركة.

وتتضح جوانب التخطيط للمستقبل هنا من خلال طلب الأمن والرزق وسيتم التطرق في العدد القادم إلى وجوه أخرى من هذا التخطيط.
علي عادل

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى