روايات أهل البيت(ع)

لولاك ماخلقت الأفلاك…

نص الشبهة: 

يوجد حديث قدسي مفادُهُ : لولاك (يا محمد) ما خلقت الأفلاك ولولا علي لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما جميعاً. ينسبق إلى الأذهان بدواً من هذا الحديث أن علياً (عليه السلام) أفضل من النبي (صلى الله عليه وآله) وأن فاطمة (عليها السلام) أفضل منهما. وهذا ما يدعو الكثيرين إلى رفض هذا الحديث. ما هو التفسير الصحيح لهذا الحديث؟ ومع تفسيرهِ بشكل صحيح هل يقدح بهِ ضعفه السندي؟

الجواب: 

أولاً: بالنسبة للشق الأول: وهو لولاك لما خلقت الأفلاك، نشير إلى أن هذا هو المطابق للواقع والحقيقة.. ولا يحتاج الإيمان بمضمونه إلى ذكر سند له، إذ أن الله سبحانه يريد أن يوصل كل شيء إلى كماله..
فإن هذا الكون بكل ما فيه، ومن فيه قد اتقن الله صنعه.. وأفاض عليه ما وسعته طبيعة وجوده، وما تطلبته استعداداته..
ولكن بما أن الاقتصار على هذا المقدار، والوقوف عنده سيؤدي إلى التراجع والنقص، والتلاشي والزوال، لأن ذلك أيضاً هو ما تقتضيه حقيقته، وواقع حاله، وهو مركوز في عمق ذاته..
وهذا يعني أن هذا المقدار من الوجود الناقص، والزائل، والمتهالك، لا يستحق أن يكون هو الغاية والنهاية من كل هذا الخلق الواسع والعظيم.. بل لا بد أن تكون له غاية تليق بجلال الله سبحانه، وبقدرته، وبعظمته، وبعلمه وحكمته.
ولكي تكون كذلك فلا بد من أن تكون في المحل والمقام الأقصى في الكمال والجلال، والبهاء والجمال.
وليست هذه الغاية سوى الوجود الأقدس للنبي (صلى الله عليه وآله)، وعلي، والزهراء (عليهما السلام)، ومن نورهم كان الأئمة الطاهرون (عليهم السلام)، ومن قبساتهم، استفاد الأنبياء المعصومون، والأولياء الصالحون.. والملائكة المقربون.. وببركاتهم وفق الله العباد للباقيات الصالحات، التي اكتسبت البقاء والامتداد والإطلاق حين انتسبت إلى المطلق، وارتبطت بمصدر الفيض والعطاء سبحانه، وبمن هو يبقى ويفنى كل شيء، وكل شيء هالك إلا وجهه..
وذلك لأن الغاية من الخلق هي كما قال الله: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ 1 والعبادة التامة تحتاج إلى المعرفة التامة، وقد روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) تفسير بـ « ليعرفون » والجن والإنس هنا من المخلوقات العاقلة، والتي بواسطة ما تملكه من عقل تكون قادرة على بلوغ الكمالات. ثم هيأ لهما كل من في هذا الكون ليعينهما على بلوغ تلك المراتب الراقية، والكمالات العالية.
ومن الواضح: أن محمداً، وعلياً، وفاطمة (صلوات الله وسلامه عليهم)، هم أعرف الناس وهم أقدر الناس على الاستفادة مما في الكون في السير نحو الله سبحانه..
وذلك يعني: أن الكون مخلوق لأجلهم، ولتجسيد معرفتهم وعبادتهم، والخلق للعبادة يستلزم الخلق لأفضل العابدين..
وبذلك يتضح المراد مما ورد من أنه تعالى قال: ما خلقت سماء مبنية، ولا أرضاً مدحية، ولا قمراً منيراً، ولا شمساً مضيئة، ولا فَلكاً يدور، ولا بحراً يجري، ولا فُلكاً تسري إلا في محبة هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء..
ويتضح أيضاً المراد من الحديث القدسي: لولاك لما خلقت الأفلاك، ومطابقته للواقع.. فالإيمان بمضمونه لا إشكال فيه، ولا شبهة تعتريه، حتى لو لم يكن له سند، بل حتى لو لم تكن هناك رواية أصلاً.
ثانياً: بالنسبة للشق الثاني من السؤال نقول:
إن من الواضح: أن قيام عالم الإمكان كله، إذا كان بهؤلاء فإن لكل منهم موقعه الأساسي، والحقيقي، والمحوري فيه، حيث لا بد أن يتشارك الجميع في تحقيق الغاية الإلهية وتجسيدها.. بحيث يكون فقدان أي عنصر من هؤلاء موجباً لخلل حقيقي في الصورة.
إذ أن أية صورة لو فقدت بعض أجزائها، كصورة الإنسان إذا فقدت الرأس مثلاً، أو فقدت القسم الأعلى منه أو القسم الأيسر أو الأيمن منه، فإنها بفقدها له تفقد مبرر وجودها من الأساس..
وكمثال يوضح ما نرمي إليه، نقول: إنه لا فائدة للقلب بدون الرأس، وكذلك العكس، كما لا فائدة لهما بدون الرئتين.. كما أن فقد أحد شقي البدن يسقط الشق الآخر عن الفاعلية وعن الفائدة..
وعلى هذا الأساس، نقول: نعم، إن وجود علي (عليه السلام) بدون النبي (صلى الله عليه وآله)، لا يحقق الغرض الإلهي في هذا الوجود، كما أن وجود النبي (صلى الله عليه وآله)، بدون علي (عليه السلام)، سيكون كذلك، ووجودهما معاً يحتاج إلى وجود فاطمة (عليها السلام) أيضاً.. فيصح الحديث القدسي: « لولا علي لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما ». من دون أنه يكون فيه دلالة ولا إشارة إلى من هو الأفضل من بين هؤلاء، بل لمجرد بيان أن كمال الكون على أحسن وجه لا يكون إلا باجتماع هؤلاء جميعاً.. 2.

  • 1. القران الكريم: سورة الذاريات (51)، الآية: 56، الصفحة: 523.
  • 2. مختصر مفيد (أسئلة وأجوبة في الدين والعقيدة)، السيد جعفر مرتضى العاملي، «المجموعة الثالثة»، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، 1423 ـ 2002، السؤال (152).
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى