سادة القافلةسيرة أهل البيت (ع)في رحاب نهج البلاغةمناسباتمنوعات

حوادث السنة الأولى للهجرة

قصّة الهجرة
كان زعماء قريش ورؤساؤها يجتمعون عند كل نائبة تنوبهم في “دار الندوة” لحل المشاكل ومعالجة ما عرض لهم من نائبةٍ من خلال التشاور حولها وتداول الرأي فيها، ومن خلال تضافر الجهود على حلها، ورفعها أو دفعها.

وفي السنوات: الثانية عشرة، والثالثة عشرة من البعثة واجه أهل مكة خطراً كبيراً جدّياً، فقد حصل المسلمون على مركز هام، وقاعدة صلبة في يثرب، وتعهّد اليثربيون الشجعان بحماية رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله والدفاع عنه، وكلُّ هذا كان من علامات ومظاهر ذلك التهديد الخطير، الذي بات يهدد كيان المشركين والوثنيين والزعامة القرشية.

وفي شهر ربيع الأوّل من السنة الثالثة عشرة من البعثة التي وقعت فيه هجرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وبينما لم يكن قد بقي من المسلمين في مكة إِلا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وعلي وأبو بكر وجماعة قليلة من المسلمين المحبوسين، أو المرضى، أو العجزة، وكان هؤلاء على أبواب الهجرة ومغادرة مكة الى المدينة اتخذت قريش فجأة قراراً قاطعاً وحاسماً وخطيراً جداً في هذا المجال.

فقد انعقدت جلسة هامة للتشاور في “دار الندوة” حضرها رؤساء قريش وزعماؤها وبدأ متكلمهم1 يتحدث عن تجمع القوى والعناصر الإسلامية وتمركزها في المدينة والبيعة التي تمت بين الخزرجيين والأوسيين وبين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ثم أضاف قائلاً:

يا معشر قريش إِنه لم يكن أحد من العرب أعزَّ مِنّا، نحن أهل اللّه تفد إِلينا العرب في السنة مرتين، ويكرموننا، ونحن في حرم اللّه لا يطمع فينا طامع، فلم نزل كذلك حتى نشأ فينا “محمّد بن عبد اللّه” فكنّا نسميّه (الأمين) لصلاحه، وسكونه، وصدق لهجته، حتى إِذا بلغ ما بلغ وأكرمناه ادّعى أنه رسول اللّه، وأن أخبار السماء تأتيه، فسفّه أحلامنا، وسبّ آلهتنا، وأفسد شبّاننا، وفرق جماعتنا، فلم يرد علينا شيء أعظم من هذا، وقد رأيت فيه رأياً، رأيت أن ندسّ اليه رجلاً منّا ليقتله، فان طلبت بنو هاشم بدمه2 اعطيناهم عشر ديات.

فقال رجل مجهول حضر ذلك المجلس ووصف نفسه بانه نجدي: ما هذا برأي لأن قاتل محمّد مقتول لا محالة، فمن هذا الذي يبذل نفسه للقتل منكم؟ فانه اذا قُتِل محمّد تعصّب بنو هاشم وحلفاؤهم من خزاعة، وإن بني هاشم لا ترضى أن يمشي قاتل محمّد على وجه الارض فيقع بينكم الحروب وتتفانوا.
فقال أبو البختري: نلقيه في بيت ونلقي اليه قوته حتى يأتيه ريبُ المنون.
فقال الشيخ النجديّ مرةً اُخرى: وهذا رأي أخبث من الآخر، لأن بني هاشم لا ترضى بذلك، فاذا جاء موسم من مواسم العرب استغاثوا بهم، واجتمعوا عليكم فاخرجوه.
فقال ثالث: نُخرجه من بلادنا ونتفرّغ نحن لعبادة آلهتنا، أو قال نرحّل بعيراً صعباً ونوثّق محمّداً عليه كتافاً، ثم نضربُ البعير بأطراف الرماح فيوشَكُ أن يقطّعه بين الصخور والجبال إِرباً إِرباً.

فانبرى ذلك النجدي يخطّئ هذا الرأي أيضاً قائلاً: أرأيتم إِن خلص به البعير سالماً إِلى بعض الناس فأخذ بقلوبهم بسحر بيانه وطلاقة لسانه، فصبأ3 القوم اليه، واستجابت القبائل له قبيلة فقبيلةً، فليسيرنّ حينئذ اليكم الكتائب والجيوش فلتهلكنّ كما هلكت أياد ومن كان قبلكم.

فتحيّروا وساد الصمت ذلك المجلس، وفجأة قال أبو جهل (وعلى رواية: قال ذلك الشيخ النجدي): ليس هناك من رأي إِلا أن تعمدوا الى قبائلكم فتختاروا من كل قبيلة منها رجلاً قوياً ثم تسلّحوه حساماً عضباً وليهجموا عليه معاً بالليل ويقطعوه إِرباً إِرباً فيتفرق دمه في قبائل قريش جميعاً فلا تستطيع بنو هاشم وبنو المطلب مناهضة قبائل قريش كلها في صاحبهم فيرضون حينئذ بالدية منهم!!

فاستحسن الجميعُ هذا الرأي، واتفقوا عليه، ثم اختاروا القتلة وتقرّر ان يقوموا بمهمتهم اذا جنّ الليل وساد الظلام كل مكان4.

الإمدادات الغيبية والعنايات الالهية
لقد كان اولئك العتاة الجهلة يتصورون أن رسالة محمّد صلّى اللّه عليه وآله المدعومة من قبل اللّه تعالى والمؤيّدة من جانبه سبحانه يمكن ان يقضى عليها بواسطة هذه الحيل والمكائد، والخطط والمؤامرات، ولم يكونوا يدركون أن هذا النبيّ- كغيره من الأنبياء- يتمتع بالمدد الالهيّ الغيبي، وان اليد التي حفظت مشعل الاسلام طوال ثلاثة عشر عاماً في وجه الاعاصير والرياح، قادرة على افشال هذه الخطة الاثيمة، وتعطيل هذه المؤامرة أيضاً.

يقول المفسرون: بعد أن دبّر الكفار ما دبروا نزل ملك الوحي “جبرئيل”، على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وأخبره بما حاك ضدّه المشركون من مؤامرة اذ قرأ عليه قول اللّه تعالى:﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِين5.

وعندئذ اُمِر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بالهجرة من مكة إِلى المدينة، ولكنّ التخلص من أيدي القساة المكلّفين بقتله من قبل زعماء الوثنيين وبالنظر الى المراقبة الدقيقة التي كانوا يقومون بها لجميع التحركات، لم يكن بالأمر السهل وخاصة بالنظر الى بُعد المسافة بين مكة والمدينة.

فاذا لم يكن رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله يخرج من مكة وفق خطة دقيقة صحيحة كان من المحتمل جداً أن يدركه المكيّون في أثناء الطريق ويقبضوا عليه ويسفكوا دمه الشريف قبل ان يصل الى أتباعه وأصحابه.

ولقد ذكر المفسرون والمؤرخون صوراً مختلفة لكيفية خروج النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وهجرته، والاختلاف الذي نلاحظه بين هؤلاء المفسرين والمؤرخين في خصوصيات وتفاصيل هذه الواقعة مما يقل نظيره في غيره من الوقائع.

وقد استطاع مؤلف “السيرة الحلبية” أن يُوفّق الى درجةٍ ما، بين المنقولات والمرويات المختلفة ببيان خاص، ولكنه لم يوفّق لازالة التناقض والاختلاف في بعض الموارد في هذا الصعيد.

على أنّ الموضوع الجدير بالإهتمام هو أن اكثر المؤرّخين الشيعة والسنة نقل كيفية هجرة النبيّ، وخروجه من منزله، ثم من مكة بنحو مؤداه إِسناد نجاة النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وخلاصه إِلى عامل الاعجاز، وبالتالي فقد اسبغوا عليه صبغة الكرامة، والمعجزة.

في حين أن الإمعان في تفاصيل هذه القصة يكشف عن أن نجاة النبيّ صلّى اللّه عليه وآله كانت نتيجة سلسلة من الاجراءات الاحترازية، والتحسبات، والتدابير الحكيمة، وإن إِرادة اللّه تعالى تعلّقت بان ينجّي نبيّه الكريم، عن طريق الأسباب العادية المألوفة، وليس عن طريق التدخّل الغيبيّ وإِعمال قدرته تعالى الغيبية.

ويدل على هذا المطلب أنّ النبيّ توسل بالعِلل الطبيعية، والوسائل والأسباب العادية (كمبيت شخص في فراش النبيّ، واختفاء رسول اللّه في الغار وغير ذلك مما سيأتي ذكره)، وبهذا الطريق نجّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله نفسه، وتخلّص من أيدي اعدائه، العازمين على إراقة دمه.

ملك الوحي يخبر رسول اللّه
لقد اخبر ملك الوحي “جبرئيل” رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بخطة قريش المشؤومة لاغتياله وامره بالهجرة، وتقرر- بغية إِفشال عملية الملاحقة- ان يبيت شخص في فراش رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ليتصوّر المشركون أنّ النبيّ لا يزال في منزله، ولم يخرج بعد، وبالتالي يركّزوا كلّ إِهتمامهم على محاصرة البيت، وينصرفوا عن مراقبة طرقات مكة، ونواحيها.

ولقد كانت فائدة هذا العمل أي حصر اهتمام المراقبين ببيت النبيّ انه تسنى لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله اغتنام الفرصة والخروج من مكة، والاختفاء في مكان ما من دون ان يحس به أحد من الذين باتوا يراقبون بيته، ويبغون قتله.

والآن يجب أن نرى من الذي تطوّع للمبيت في فراش رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وفدى النبيّ بنفسه، ووقاه بحياته؟

ستقولون حتماً: إِن الذي سبق جميع المسلمين الى الايمان برسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ويقي من بدء بعثته والى ذلك الحين يذب عنه، هو الذي يتعيّن أن يضحّي بنفسه في هذا السبيل، وبقي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بحياته في هذه اللحظة الخطيرة، وهذا المضحّي بحياته ونفسه، هو “عليّ” ليس سواه احد، انه تقدير صحيح، وحدس مصيب.

فليس غير “علي” يصلح لهذه المهمة الخطيرة.

ولهذا قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله لعليّ عليه السلام:“يا عليّ إِن قريشاً اجتمعت عَلى المكر بي وقتلي، وإِنّه اُوحيَ إِليّ عن ربّي أن اهجر دار قومي، فنَم على فراشي والتحف ببردي الحضرميّ لِتُخفي بمبيتك عليهم أثري فما أنت قائل وصانع؟؟

فقال علي عليه السلام: أوَتَسلَمَنَّ بِمَبِيتي هناك يا نبيَّ اللّه؟

قال: نعم، فتبسّم عليّ عليه السلام ضاحكاً مسروراً وأهوى إِلى الأرض ساجداً، شكراً لما أنبأه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله من سلامته، فلما رفع رأسه قال للنبيّ صلّى اللّه عليه وآله:إِمض لما اُمرتَ فِداك سمعي وبصري وسويداء قلبي، ومُرني بما شئتَ اكن فيه كمسرّتك، واقع فيه بحيث مرادك، وإِن توفيقي إِلا باللّه.

ثم رقدَ عليّ عليه السلام على فراش رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله واشتمل ببرده الحضرمي الاخضر، ولما مضى شطر من الليل حاصرَ رصَد قريش- وهم اربعون رجلاً- بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وقد جرّدوا سيوفهم، ينتظرون لحظة الهجوم على النبيّ صلّى اللّه عليه وآله ويتطلّعون إِلى داخل البيت من فرجة الباب بين الحين والآخر ليتأكدوا من بقاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في مضجعه، فيظنون أنّ النائمَ في الفراش هو النبيّ صلّى اللّه عليه وآله.

وهنا أراد النبيّ صلّى اللّه عليه وآله أن يخرج من بيته.

فمن جانب يحاصر الأعداءُ بيته صلّى اللّه عليه وآله من كل جانب، ويراقبون كلّ شيء، ومن جانب آخر تعلّقت مشيئة اللّه تعالى وارادته القاهرة الغالبة أن ينجو رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله من ايدي تلك الزمرة المنحطة، فقرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله سورة (يس) لمناسبة مطلعها لظروفه حتى بلغ الى قوله تعالى: “فهم لا يبصرون”6 وخرج من باب البيت دون ان يشعر به رصدُ قريش المكلّفون بقتله، وذهب الى المكان الذي كان من المقرر ان يختبئ فيه على النحو الذي سيأتي تفصيله.

وأما كيف استطاع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ان يخترق الحصار البشري المشدّد الذي ضُرِبَ على بيته، ويتجاوز رصد قريش من غير ان يشعروا به فذلك غير معلوم جيداً.

إِلا أنه يستفاد من رواية نقلها المفسرُ الشيعيٌّ المعروفُ المرحومُ عليٌّ بن ابراهيم في تفسيره: قول اللّه تعالى: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ ان رجال قريش كانوا نياماً ينتظرون الفجر عند خروج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، ولم يكونوا يتصوّرون أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قد عرف بتدبيرهم ومؤامرتهم.

ولكن يصرّح غيره من المؤرّخين وكُتّاب السيرة7 بان المحاصرين لمنزل النبيّ صلّى اللّه عليه وآله كانوا يقظين حتى لحظة الهجوم على بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وان النبيّ صلّى اللّه عليه وآله خرج من البيت عن طريق الاعجاز والكرامة من دون ان يروه ويحسوا به.

إِن امكان وقوع مثل هذه الكرامة ليس موضع شك، ولكن هل كان هناك ما يوجب ذلك؟؟

ان دراسة قصة الهجرة بصورة كاملة تجعل هذه المسألة أمراً قطعياً وهي أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه وآله كان عارفاً بمؤامرة القوم قبل محاصرة بيته، وكان قد دبّر ورسم لنجاته خطةً طبيعيةً عاديةً، ولم يكن في الأمر أي اعجاز.

ولقد كان يريد صلّى اللّه عليه وآله باضجاع علي عليه السلام في فراشه أن ينجو بنفسه من أيدي المشركين من الطرق العادية والقنوات الطبيعية من غير الاستعانة بالاعجاز والكرامة.

وعلى هذا كان في مقدور النبيّ صلّى اللّه عليه وآله ان يتحسب لمسألة المحاصرة والطوق الذي كان سيُضرَب على بيته من أوائل الليل، وذلك بمغادرة بيته قبل المحاصرة وقبل الغروب.

ولكن يمكن ان يكون لتوقف النبيّ صلّى اللّه عليه وآله في البيت حتى ساعة المحاصرة علة لا نعرفها الآن.

من هنا يكون إِدّعاء هذا الموضوع “وهو خروج النبيّ صلّى اللّه عليه وآله من البيت في الليل) غير مقطوع به لدى الجميع لاعتقاد البعض بان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله غادر منزله قبل فرض الحصار عليه، وقبل غروب الشمس“8.

إقتحام الاعداء لبيت الوحي
طوّقت قوى الكفر مهبط الوحي وبيت الرسالة وباتت تنتظر لحظة الإذن في إِقتحامه، والهجوم على النبيّ صلّى اللّه عليه وآله في فراشه وضربه وتقطيعه بالسيوف إِرباً إِرباً!

وقد أصرّ جماعة منهم أن ينفّذوا خطتهم المشؤومة هذه في منتصف الليل وقبل الفجر فمنعهم أبو لهب من ذلك وقال: لا أدعُكم أن تدخلوا عليه بالليل، فإنّ في الدار صبياناً ونساءً من بني هاشم، ولا نأمن أن تقع يد خاطئة، فنحرسه الليلة، فإذا أصبحنا دخلنا عليه.

وربما يقال أن علّة التأخير هي أنهم أرادوا أن يقتلوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله عند الصباح أمام أعين بني هاشم حتى يروا أن قاتله جماعة وليس واحداً.

وانقشع الظلام شيئاً فشيئاً، وانفجر الصبحُ، ودبّ في المشركين شوق غريب، مع اقتراب ساعة الصفر، فقد كانوا يتصوّرون بأنهم سينالون ما يريدون قريباً، وبينما هم ينتضون سيوفهم دخلوا حجرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، وبينما هم يهمّون بأخذ من كان راقداً في الفراش بسيوفهم، إِذا بهم يواجهون علياً عليه السلام يثب في وجوههم وهو يكشف عن نفسه برد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله الأخضر، وقال لهم في منتهى الطمأنينة والشجاعة: ما شأنكم؟ وماذا تريدون؟؟

فقالوا له بغضب: أين محمّد؟
فقال عليه السلام: اَجعلتموني عليه رقيباً؟!

فغضِب القوم غضباً شديداً، وكاد الغيظ يخنقهم، فقد ندموا على إِنتظارهم انفجار الصبح وحمّلوا أبا لهب الذي منعهم من تنفيذ الهجوم على النبيّ في منتصف الليل فشل الخطة وتفويت الفرصة، فاقبلوا عليه يلومونه ويوبخونه!!

أجل لقد انزعجت قريش بشدة لفشل هذه المؤامرة، ووجدوا انفسهم أمام هزيمة نكراء بدّدت كلّ أحلامهم، وحيث أنهم كانوا يتصوّرون بأن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله لا يستطيع الخروج عن حدود مكة في مثل تلك المدة القصيرة فهو إِما مختبئ في مكة، أو أنه لا يزال في طريق المدينة، لذلك أقدموا فوراً على العمل على ترتيب أمر ملاحقته والقبض عليه.

النبيُّ في غار ثور
ان ما هو مسلّم به هو أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أمضى هو وأبو بكر ليلة الهجرة وليلتين اخريين بعدها في غار ثور الذي يقع في جنوب مكة في النقطة المحاذية للمدينة المنورة9.
وليس من الواضح كيف تمت هذه المصاحبة والمرافقة ولماذا، فان هذه المسألة من القضايا التاريخية الغامضة.
فان البعض يعتقد بان هذه المصاحبة كانت بالصدفة، فقد رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أبا بكر في الطريق، فاصطحبه معه الى غار ثور.
وروى فريق آخر أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ذهب في نفس الليلة إلى بيت أبي بكر، ثم خرجا معاً في منتصف الليل إِلى غار ثور10.
وقال فريق ثالث: أن أبا بكر جاء هو بنفسه يريد النبيّ وكان صلّى اللّه عليه وآله قد خرج من قبل فأرشدهُ “عليّ” إِلى مخبأ النبيّ صلّى اللّه عليه وآله.

وعلى كل حال فان كثيراً من المؤرخين يُعدّون هذه المصاحبة من مفاخر الخليفة ومناقبه، ويذكرون هذه الفضيلة ويتحدثون عنها بكثير من الاسهاب والاطناب، وبمزيد من الاكبار والاعجاب.

قريش تفتش عن النبيّ
لقد تسبب فشل قريش في تغيير خطتها، فقد بادرت إِلى بث العيون والجواسيس في طرقات مكة، ومراقبة مداخلها ومخارجها مراقبةً شديدةً، وبعثت القافّة تقتص أثره في كل مكان، وفي طريق مكة- المدينة خاصة.

ومن جانب آخر جعلت مائة ابل لمن ياخذ نبي اللّه، ويردّه عليهم أو يأتي عنه بخبرٍ صحيح.

وعمد جماعة من قريش إِلى ملاحقة رسول اللّه والتفتيش عنه في شمال مكة، حيث الطريق المؤدي الى المدينة، على حين أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله كان قد اختبأ- كما قلنا- في نقطة بجنوب مكة لافشال عملية الملاحقة.

وتصدت مجموعة اُخرى لتتبع أثر قدم النبيّ صلّى اللّه عليه وآله ورفيقه!!

وكان الذي يقفو لهم الأثر يدعى أبا مكرز فوقف بهم على باب حجرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فقال هذه قدم محمّد، فما زال بهم حتى أوقفهم على باب الغار فانقطع عنه الأثر فقال: ما جاوز محمد ومن معه هذا المكان، إِما أن يكونا صعدا إِلى السماء، أو دخلا تحت الأرض، فان بباب هذا الغار- كما ترون عليه- نسجَ العنكبوت والقبجة حاضنة على بيضها بباب الغار11، فلم يدخلوا الغار.

ولقد استمرت هذه المحاولات بحثاً عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله ثلاثة أيام بلياليها ولكن دون جدوى، فلما يئس القوم بعد ثلاثة ايام من السعي تركوا التفتيش وكفوا عن الملاحقة.

التفاني في سبيل الحق
ان النقطة المهمة في هذه الصفحة من التاريخ هي ما قام به علي عليه السلام من تفان في سبيل الحق، والحقيقة.
إِن التفاني في سبيل الحق من شيمة الرجال الذين أحبّوا الحق وعشقوه بكل وجودهم وكيانهم.
إِن الذين يغضون نظرهم عن كلّ شيء من أشياء الدنيا ويضحُّون بالنفس والمال والشخصية، ويستخدمون كل طاقاتهم المادية والمعنوية في سبيل خدمة الحق، واحيائه، واقامته هم ولا شك من عشاق الحق والحقيقة الصادقين.
انهم يرون كمالهم وسعادتهم في هدفهم، وهذا هو الذي يدفعهم إلى أن يصرفوا النظر عن الحياة العابرة، والعيش الموقت، ويلتحقوا بركب الحياة الواقعيّة الأبدية.
إِنّ مبيت عليّ عليه السلام في فراش رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في تلك الليلة الرهيبة لنموذج بارز من هذا الحبّ الحقيقيّ للحق، والعشق الصادق للحقيقة، فان الدافع وراء التطوّع لمثل هذه المهمة الخطيرة لم يكن إلا حبّ “عليّ” لبقاء الاسلام الذي يكفل سعادة المجتمع، ويضمن ازدهار الحياة، لا غير.

إِن لهذه التضحية والتفاني من القيمة العظمى بحيث مدحها اللّه تعالى في كتابه العظيم، ووصفها بأنها كانت تضحية صادقة لكسب مرضاة اللّه، فان الآية التالية نزلت- حسب رواية اكثر المفسرين- في هذا المورد:﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾12.

ان عظمة هذه الفضيلة واهمية هذا العمل التضحويّ العظيم دفعت بكبار علماء الاسلام إِلى اعتبارها واحدة من أكبر فضائل الامام علي عليه السلام وإِلى أن يَصِفُوا بها علياً بالفداء والبذل والايثار، وإِلى ان يعتبروا نزول الآية المذكورة في شأنه من المسلّمات كلّما بلغ الحديث في التفسير والتاريخ اليها13.

إِنّ هذه الحقيقة مما لا ينسى أبداً فانه من الممكن اخفاء وجه الواقع والتعتيم عليه بعض الوقت إِلا أنه سرعان ما تمزق أشعةُ الحقيقة الساطعة حجب الاوهام، وتخرج شمس الحقيقة من وراء الغيوم.

إِنّ معاداة معاوية لأهل بيت النبوة وبخاصة للامام أمير المؤمنين علي عليه السلام مما لا يمكن النقاش فيه.

فقد أراد هذا الطاغية من خلال تطميع بعض صحابة النبيّ صلّى اللّه عليه وآله أن يلوّث صفحات التاريخ اللامعة ويخفي حقائقه بوضع الاكاذيب، ولكنه لم يحرز في هذا السبيل نجاحاً.

فقد عمد “سمرة بن جندب” الذي ادرك عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ثم انضمّ بعد وفاته صلّى اللّه عليه وآله إِلى بلاط معاوية بالشام، عمد إِلى تحريف الحقائق لقاء اموال أخذها من الجهاز الأموي، الحاقد على أهل البيت.
 
فقد طلب منه معاوية باصرار أن يرقى المنبر ويكذّب نزول هذه الآية في شأن علي عليه السلام، ويقول للناس أنها نزلت في حق قاتل عليّ (أي عبد الرحمن بن ملجم المرادي)، ويأخذ في مقابل هذه الاكذوبة الكبرى، وهذا الاختلاق الفظيع الذي أهلك به دينه مائة ألف درهم.

فلم يقبل “سمرة” بهذا العرض ولكن معاوية زاد له في المبلغ حتى بلغ اربعمائة ألف درهم، فقبل الرجل بذلك فقام بتحريف الحقائق الثابتة، مسوداً بذلك صفحته السوداء اكثر من ذي قبل وذلك عندما رقي المنبر وفعل ما طلب منه معاوية14.

وقبل السامعون البسطاء قوله، ولم يخطر ببال أحد منهم أبداً ان (عبد الرحمن بن ملجم) اليمنيّ لم يكن يوم نزول الآية في الحجاز بل لعلّه لم يكن قد وُلِد بعد آنذاك. فكيف يصح؟!

ولكن الحقيقة لا يمكن ان تخفى بمثل هذه الحجب الواهية، ولا يمكن ان تنسى بمثل هذه المحاولات العنكبوتية الرخيصة.

فقد تعرّضت حكومة معاوية وتعرض أهلها وانصارها للحوادث، واندثرت آثار الاختلاق والافتعال الذي وقع في عهده المشؤوم، وطلعت شمس الحقيقة والواقع من وراء حُجُب الجهل والافتراء مرة اُخرى، واعترف اغلبُ المفسرين الأجلّة15 والمحدّثين الافاضل- في العصور والادوار المختلفة، بأن الآية المذكورة نزلت في “ليلة المبيت” في بذل علي عليه السلام ومفاداته النبيّ صلّى اللّه عليه وآله بنفسه16.

ومن جرائم هذا الرجل انه قتل يوم وُلّيَ البصرة على عهد زياد بن أبيه في العراق ثمانية آلاف ممّن كانوا يحبون أهلَ البيت ويوالونهم وعندما سأله معاوية: هل تخاف ان تكونَ قد قتلتَ أحداً بريئاً؟

أجاب قائلاً: لو قتلتُ اليهم مثلَهم ما خشيت!!

هذا ومخازي هذا الرجل اكثر من ان تستوعبه هذه الصفحات القلائل.

وسمرة هذا هو ذلك الرجل الصلف الجاف الذي رد على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله طلبَه بأن يراعي حقَّ جاره في قضية النخلة مراراً فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله له: “إنك رجل مضارّ ولا ضرر ولا ضرار في الاسلام” ولمزيد التوضيح راجع كتب الحديث والتراجم والتاريخ.

كلام من ابن تيمية
احمد بن عبد الحليم الحرّاني الحنبليّ الذي مات في سجن بدمشق عام 728 من علماء السنّة، تعود اليه اكثر معتقدات الوهابيين، وأفكارهم.

ولابن تيمية هذا آراء ومواقف خاصة من النبيّ الاكرم صلّى اللّه عليه وآله وأمير المؤمنين، وعامة أهل بيت النبوة، وقد صرح باكثر آرائه ومعتقداته هذه في كتابه “منهاج السنة”.

وقد دفعت عقائدُه المنحرفة وآراؤه الضالّة الكثير من علماء عصره إِلى تكفيره، والتبرّي منه.

ولابن تيمية رأي عجيب حول هذه الفضيلة نذكره للقارئ الكريم مع تصرف بسيط في الألفاظ17.

ومن المؤسف ان يكون قد تأثر بآرائه بعض السذّج والجاهلين، فنجدهم يشيعون آراءه في المجتمع من دون تحقيق فيما قال، ومن دون مراجعة ذوي الاختصاص لمعرفة رأيهم في أفكاره ومعتقداته وهم غافلون عن أنّ مثل هذه الآراء قد صدرت من منحرف وكذّبه بل وكفّره بسببها أهل مذهبه.

هذا واليك خلاصة رأيه في فضيلة “المبيت”.

يقول: ان مبيت “عليّ” في فراش رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله لا تعدّ فضيلة لأن عليّاً عرف من طريقين بانه لن يصيبَه شيء في تلك الليلة:

الأوّل: إِخبار رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله الصادق المصدَّق نفسه ايّاه بذلك إِذ قال له في نفس تلك الليلة: “نَم في فِراشي فإنه لا يَخلُصُ إِليك شيء تكرَهُهُ”!!.

الثاني: أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه وآله كلّفه بردّ الودائع واداء الامانات التي أودعها أهل مكة عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، إِلى أصحابها.فعلم- من ذلك- أنهُ لن يُقتل والا لكلّفَ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله الآخرين بها.فعرف “عليّ” من هذا التكليف أنه لن يلحقه أذىً في هذه العمليّة وانه سيوفَّق لأداء ما كلّفَهُ به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله.


الجواب:وقبل أن نجيب عن هذا الكلام على نحو التفصيل نقول إِجمالاً: إِن ابن تيميّة بانكاره هذه الفضيلة أثبت فضيلة أعلى لعلي عليه السلام لأنه إِمّا كان ايمان عليّ بصدق مقالة الرسول كان ايماناً عادياً، وإِما أن كان إِيماناً قوياً جدّاً، وكانت جميع اقوال النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وإِخباراته لديه- في ضوء ايمانه- كالنهار في وضوحه.

وعلى الفرض الاوّل لم يكن لعليّ يقين بنجاته من تلك الواقعة لأنه لا يحصل لمثل هذه الطبقة من الناس (ولا شك أن عليّاً ليس منهم حتماً) يقين من كلام النبيّ صلّى اللّه عليه وآله، وحتى لو قبلوا به في الظاهر، فانهم سيساورهم القلق، ولا يفارقهم الاضطراب، واذا هم باتوا في فراشه في لحظات الخطر، فانه سيبقون فريسة الخوف والوجل وستمرّ في نفوسهم إِحتمالات كثيرة حول مآل الأمر ومصيره، وسيتمثل أمامهم شبح الموت المرعب في كل لحظة وآن.

وعلى هذا الفرض لا بد أن يقال: بأنَّ علياً عليه السلام لم يقدم على هذا الأمر الخطير إِلا وهو يحتمل الهلاك على أيدي المشركين، لا أنه بات وهو يتيقن النجاة والسلامة.

وأما بناءً على الفرض الثاني فانه تثبت لعليّ عليه السلام فضيلة أعلى واعظم، لأن ايمان الرجل يجب ان يبلغ من القوة والكمال بحيث لا يفرّق بين صدق كلام النبيّ وبين وضوح النهار أي أنهما يكونان عنده بمنزلة سواء.

ولا شك ان أهمية مثل هذا الايمان لا يمكن أن يعادِلها شيء.

ونتيجة هذا الايمان هي أن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله عندما قال له: نَم في فراشي فلن يصيبك من هجوم الاعداء الحاقدين مكروه أن ينام في فراش النبيّ صلّى اللّه عليه وآله بقلبٍ واثِقٍ بالسلامة، ونفس مطمئنةٍ الى النجاة، ومن دون أن يخالج نفسَهُ أقل إِحتمال للخطر.

ولو كان مراد ابن تيمية من قوله: ان عليّاً كان واثقاً من سلامته، لأن الصادق المصدّق أخبره بذلك هو: إِثبات أعلى درجات الإيمان لعليّ عليه السلام فقد اثبت له عليه السلام من حيث لا يشعر اكبر فضيلة، وأعلى منقبة، وهي كمال الايمان والثقة برسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وأخباره.

هذا هو الجواب الاجمالي واليك الجواب التفصيلي:

الجواب التفصيلي
فنقول عن الدليل الأول: إِن عبارة “لا يخلص اليك شيء تكرهه” لم ينقلها بعض أرباب السيرة ورجال علم التاريخ الذين لهم سابقة لا تنكر في هذا الصعيد18.
نعم روى ابن الاثير المتوفى عام  19630، والطبري المتوفى عام 310 20 هذه العبارة وكأنّما قد اخذاها عن ابن هشام في سيرته21 التي نقل فيها تلك العبارة بالصورة المتقدمة الذكر، خاصة أنّ عبارة ذينك المؤلّفين (الطبري وابن الأثير) تطابق عبارة ابن هشام في هذا المجال تماماً.هذا مضافاً إِلى أنّ القضية لا توجد بهذه الصورة في مؤلفات علماء الشيعة على ما نعلم.

ولقد نقل شيخُ الطائفة الامامية محمّد بن الحسن الطوسيّ المتوفى عام 460 في أماليه قصة الهجرة بشكل اكثر تفصيلاً ودقة، وذكر العبارة المذكورة مع تغيير بسيطٍ، الا أنه تختلف صورة القضيّة مع ذلك عما هي عليه في كتب أهل السنة، فانه رحمه اللّه يصرّح بان عليّاً عليه السلام انطلق هو و”هند بن أبي هالة” ابن خديجة وربيب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في منتصف الليل بعد ليلتين من الهجرة حتى دخلا على النبيّ صلّى اللّه عليه وآله فقال صلّى اللّه عليه وآله لعليّ:“إِنّهم لن يَصِلُوا مِن الآن إِليك يا علي بأمرٍ تكرهه حتّى تقدم عليَّ”22.

وهذه الجملة تشبه الجملة التي ذكرها ابن هشام والطبري وابن الأثير، ولكن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله قالها لعليّ عليه السلام مطمئِناً إِياه بعد ليلتين من المبيت في الفراش، وليس ليلة المبيت كما يروي الثلاثة المذكورون.
هذا علاوة على أنّ كلام علي نفسه خير شاهد على ما نقول:فلقد عدّ عليّ عليه السلام عمله هذا (أي المبيت في فراش رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في تلك الليلة الرهيبة) نموذجاً من بذله وتفانيه في سبيل الحق كما يتضح ذلك بجلاء من اشعاره حيث يقول:

وَقَيتُ بنفسي خيرَ من وطَأ الحصا               ومَن طاف بالبيتِ العتيقِ وبِالحجر

محمّد لما خافَ أن يمكُروا به                    فوقاهُ ربّي ذُو الجلالِ مِن المَكرِ

وبِتُّ اُراعي منهم ما يسوءني                    وقد وطّنت نفسي على القتل والأسر

وباتَ رسُولُ اللّهِ في الغار آمِناً                    هناك وفي حفظِ الاله وفي سَترِ23


ومع هذه العبارات الصريحة لا مجال للاعتماد على قول ابن هشام الذي تدل قرائنُ كثيرة على خطأه، ويُحتمل، احتمالاً قوياً، بأن اشتباهه وخطأه قد نشأ من تلخيصه لسيرة ابن اسحاق، وحيث أنه (ونعني ابن هشام) قد بنى في سيرته على الاختصار لذلك اكتفى بنقل أصل العبارة، مهملاً ظرف النطق بها لعدم أهمية زمن النطق بها وأنها قيلت في الليلة الثانية او الثالثة، في نظره، وروى الموضوع بنحوٍ يوهم بان جميع هذه الامور وقعت في ليلةٍ واحدةٍ!!

ويؤيد رأينا هذا أيضاً الحديث المعروف الذي رواه كثير من علماء السنة والشيعة وهو: أن اللّه أوحى إِلى جبرئيل وميكائيل عليهما السلام أنّي قد آخيت بينكما وجعلت عمر احدكما أطول من عمر صاحبه فأيّكما يؤثر أخاه.

وكلاهما كره الموت، فاوحى اللّه إليهما: عبداي ألا كنتما مثل وليي “عليّ” آخيت بينه وبين “محمّد” نبيي فآثره بالحياة على نفسه؟ أو قال: قد نام على فراشه يقيه بمهجته.ثم أمرهما بالهبوط إِلى الأرض وحراسة عليّ وحفظه من عدوه24.

واما الدليل الثاني الذي يستفيد منه ابن تيمية أن عليّاً كان يعلم بمصيره هو توصية النبيّ صلّى اللّه عليه وآله به بأداء الامانات والودائع إلى أهلها، التي كانت تكشف عن ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله كان يعلم بأنه لن يصلَ إِليه مكروه، ولهذا امره بردّ الودائع والامانات إِلى أصحابها.

ولكنّنا نعتقد ان في مقدورنا الحصول على حلٍّ لهذه المشكلة إِذا استعرضنا بقية قصة الهجرة بشكل صريحٍ وكاملٍ.

واليك بقيّة قصة الهجرة.

الخطيب وقضية المبيت
وينبغي أن نختم هذا الفصل بما كتبه الاستاذ عبد الكريم الخطيب حول مبيت علي عليه السلام في فراش رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله حيث قال: لقد دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله عليّاً ليلة الهجرة، وطلب إِليه أن يبيت في المكان الذي اعتاد الرسول صلّى اللّه عليه وآله ان يبيت فيه، وان يتغطى بالبرد الحضرميّ الذي كان النبيّ صلّى اللّه عليه وآله يتغطى به حتى اذا نظر ناظر من قريش الى الدار رأى كأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه وآله نائم في مكانه مغطى بالبرد الذي يتغطى به، وهذا الذي كان من عليّ في ليلة الهجرة اذا نظر اليه في مجرى الاحداث التي عرضت للامام علي في حياته بعد تلك الليلة فانه يرفع لعيني الناظر أمارات واضحة واشارت دالة على ان هذا التدبير الذي كان في تلك الليلة لم يكن أمراً عارضاً بل هو عن حكمة لها آثارها- الى ان قال- انه اذا غاب شخص الرسول كان علي هو الشخصية المهيّأة لأن تخلفه وتمثّل شخصه وتقوم مقامه، حين نظرنا إِلى عليّ وهو في برد الرسول وفي مثوى منامه الذي اعتاد أن ينام فيه فقلنا: هذا خلَفُ الرسول صلّى اللّه عليه وآله والقائم مقامه25.

بقية قصةِ هجرةِ النبيّ
انتهت المراحلُ الاُولى لنجاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وفق تخطيط صحيح، بنجاح، فقد لجأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في منتصف الليل الى غار ثور، واختبأ فيه، وبذلك أفشل محاولة المتآمرين عليه.

ولقد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله طوال هذا الوقت مطمئناً لا يحسُّ في نفسه بأيّ قلق أو إِضطراب، حتى انه طمأن رفيق سفره عندما وجده مضطرباً في تلك اللحظات الحساسة بقوله:(لا تحزَن إِنَّ اللّه مَعَنا)26.

وبقي هناك ثلاث ليال محروساً بعين اللّه تعالى ومشمولاً بعنايته ولطفه، وكان يتردّد عليه صلّى اللّه عليه وآله في هذه الاثناء علي عليه السلام وهند بن ابي هالة (ابن خديجة) على رواية الشيخ الطوسي في أماليه، وعبد اللّه بن أبي بكر وعامر بن فهيرة راعي اغنام أبي بكر (بناء على رواية كثير من المؤرّخين).

يقول ابن الاثير: كان عبد اللّه بن أبي بكر يتسمّع لهما بمكة نهاره ثم يأتيهما ليلاً، وكان يرعى غنمه نهاره على مقربة من الغار، وكان اذا غدا من عندهما عفى على أثر الغنم27.

يقول الشيخ الطوسي في أماليه: عندما دخل علي عليه السلام وهند على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في الغار (بعد ليلة الهجرة) أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله عليّاً أن يبتاع بعيرين له ولصاحبه، فقال أبو بكر: قد كنتُ أعددت لي ولك يا نبي اللّه راحلتين نرتحلهما الى يثرب.

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله إِني لا آخذهما ولا أحدهما إِلا بالثمن. ثم أمر صلّى اللّه عليه وآله عليّاً عليه السلام فدفع إِليه ثمن البعيرين28.

وكان من جملة وصايا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله لعليّ عليه السلام في الغار في تلك الليلة ان يؤدي أمانته على أعين الناس ظاهراً وذلك بأن يقيم صارخاً بالابطح غدوة وعشياً: ألا من كان له قِبل محمّد أمانة او وديعة فليأت فلنؤدِّ اليه أمانته29.

ثم أَوصاه صلّى اللّه عليه وآله بالفواطم (والفواطم هن: فاطمة الزهراء بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله الحبيبة لديه، والأثيرة عنده، وفاطمة بنت أسد اُمّ عليّ عليه السلام وفاطمة بنت الزبير ومن يريد الهجرة معه من بني هاشم)، وأمره بترتيب أمر ترحيلهم معه الى يثرب وتهيئة ما يحتاجون اليه من زاد وراحلة.

وهنا قال صلّى اللّه عليه وآله عبارته التي تذرّع بها ابن تيمية في دليله الأول: “انهم لن يصلوا من الآن اليك يا عليّ بأمرٍ تكرهه حتى تقدم عليَّ”.
فالملاحظ للقارئ هو أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله إنما قال هذه العبارة عندما أمره بأداء أمانته، وذلك بعد انقضاء قضية ليلة المبيت.
أي انه أمر علياً بذلك، وقال له تلك العبارة وهو يتهيّأ للخروج من غار ثور.

يقول الحلبي في سيرته: “وصى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في احدى الليالي وهو بالغار علياً رضي اللّه عنه بحفظ ذمته واداء امانته ظاهراً على اعين الناس”30.وثم ينقل عن مؤلف كتاب “الدر” ما يقتضي انه اجتمع به عند خروجه من الغار.

وخلاصة القول: انه مع رواية شيخ جليل من مشائخ الشيعة الامامية كالشيخ الطوسي بالاسناد الصحيحة أن الأمر بردّ الودائع والامانات صدر من جانب النبيّ صلّى اللّه عليه وآله إِلى عليّ عليه السلام بعد ليلة المبيت لا يحقّ لنا أن نعارض هذا النقل الصحيح، ونعمد إِلى الهاء العامة بالتوافه، وأما رواية مؤرخي اهل السنة هذا المطلب بشكل آخر يوحي ظاهرهُ بأن جميع وصايا النبيّ صلّى اللّه عليه وآله لعليّ تمت في ليلة واحدة هي ليلة الهجرة (ليلة المبيت) فقابل للتفسير والتوجيه، لأنه لا يبعد أن عنايتهم كانت مركزة على رواية أصل الموضوع، ولم يكن لظرف صدور هذه الوصايا والأوامر ووقت بيانها اهمية عندهم.

الخروج من الغار
هيّأ علي عليه السلام بأمر النبيّ صلّى اللّه عليه وآله ثلاث رواحل ودليلاً اميناً يدعى أريقظ ليترحلوها إلى المدينة، ويدلّهم الدليل على طريقها وأرسل كل ذلك إلى الغار.
ولما سمع النبيّ صلّى اللّه عليه وآله رغاء البعير او نداء الدليل نزل هو وصاحبه من الغار وركبا البعيرين وتوجها من أسفل مكة إِلى “يثرب” سالكين إِلى ذلك الخط الساحلي، وقد جاء ذكر المنازل التي مرّا بها في السيرة النبوية لابن هشام31 وفي الهوامش المثبتة على التاريخ الكامل لابن الاثير32.

صفحةُ التاريخ الاُولى
اجل لقد حلّ الظلام في كل مكان، ولملمت الشمس اشعّتها الذهبية من هذا الوجه من الكرة الأرضية لتوجّهها الى الوجه الآخر منها.
وعاد جماعة من رجال قريش الذين سلكوا كل طريق في مكة وضواحيها بحثاً عن النبيّ، ثلاثة أيام، بلياليها، الى بيوتهم ومنازلهم متعبين مرهقين، وقد يئسوا من الظفر بالجائزة (وهي مائة من الإبل) التي وضعتها سادة قريش جائزةً لمن يأخذ محمّداً أو يدل على مكانه، واُعيد فتح طريق مكة- المدينة التي اُغلقت لهذه الغاية بعد اليأس من الظفر برسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله-33.

وفي هذه اللحظات بالذات بلغ نداء الدليل الذي كان يصطحب معه ثلاث رواحل ومقداراً من الطعام، الى مسمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ورفيقه وهما في الغار وقد كان يقول بصوت خافت: لا بد ان نتخذ من ظلام هذا الليل ستراً، ونسرع في الخروج من حدود المكيّين، ونختار طريقاً يقلّ سالكوه ولا يهتدي إليه أحد.ويبدأ تاريخ المسلمين من العام الذي تضمَّن تلك الليلة بالضبط، وجعل المسلمون يقيسون كل ما يقع من الحوادث بذلك العام وبذلك يحددون تاريخه وزمان حدوثه.

لماذا أصبح العامُ الهجريُّ مبدأ للتاريخ
إِن الاسلام أكمل الشرائع السماوية قاطبة، وقد جاء الى البشرية باتتضمنه بشريعة موسى وعيسى عليهما السلام ولكن بصورة أكمل وبصيغة تطابق وتتمشى مع جميع الظروف والأوضاع.

ومع أن السيد المسيح عليه السلام وميلاده المبارك يحظى بالاحترام عند المسلمين إِلا أنّ ميلاده عليه السلام لم يُتخذ لديهم مبدأ للتاريخ، والتوقيت.

وكانت العرب قد جعلت عام الفيل34 مبدأً لتاريخها، وكانت تقيس حوادثها واُمورها إِليه فترة من الزمن، ومع أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله كان قَد وُلِدَ في ذلك العام نفسه، إِلا أن المسلمين لم يتخذوه مع ذلك مبدأً للتاريخ، لأنه لم يكن ينطوي على ما يتصل بقضية الإيمان والاسلام.

ولاجل هذا أيضاً لم يتخذوا عام البعثة مبدأً لتاريخ المسلمين أيضاً لأن عدد المسلمين لم يكن يتجاوز في ذلك اليوم ثلاثة أشخاص، إِذن فلم يكن في أي واحد من تلك الحوادث ما يعطي مبرراً قوياً لاتخاذه مبدأً للتوقيت والتاريخ، إذ لا بد ان يكون ما يتخذ لذلك قضية مصيرية بالغة الأهمية.

ولكنه في السنة الاولى من الاعوام الهجرية حقق المسلمون انتصاراً عظيماً وباهراً، وقد اُسست فيه حكومة مستقلة وتخلّص المسلمون من التشرذم والتبعثر، وتمركزت قواهم وعناصرهم في نقطةٍ واحدةٍ، وبيئةٍ حرةٍ لا أثر فيها للكبت والاضطهاد، من هنا جعلوا ذلك العام (أي العام الذي تحققت فيه هجرة النبيّ العظيم) مبدأً لتاريخهم، واخذوا يقيسون اليه- وحتى الآن- كل ما يحدث ويقع من خير وشر، لتحديد تاريخ وقوعه.

من هنا يكون قد مضى على عام هجرة النبيّ صلّى اللّه عليه وآله من مكة الى المدينة الف واربعمائة وتسعة اعوام.

الهجرة النبوية مبدأ لتاريخ المسلمين كافة
ولقد جعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله التاريخ الهجريّ بنفسه.وانّ أيَّ إِعراض وتجاهلٍ لهذا التاريخ، واختيار تاريخٍ آخر مكانه إِعراض عن سنة رسول الاسلام الكريم صلّى اللّه عليه وآله، ومخالفة لما رسمه للمسلمين في هذا المجال.إِن وجود تاريخ معين ثابت (مؤلّفٍ من السنة والشهر واليوم) في الحياة الإجتماعية البشرية، من الاُمور الضرورية بل هو في غاية الضرورة والحيوية، من أجل أن لا تتوقف عجلة الحياة الإجتماعية البشرية عن الدوران والحركة بسبب فقدان مقياس زمني ثابت ومعلوم للامور والحوادث.

وتلك حقيقة لا حاجة إِلى اقامة البرهان عليها لأنَّ الاستدلال عليها يكون مثل الاستدلال على الامور البديهية.

فهل يكون تنظيم المعاهدات، والمواثيق السياسية والعسكرية، والاتفاقيات والعقود الاقتصادية وتحويل وتسديد السندات والحوالات التجارية ودفع الديون وكتابة الرسائل العائلية من دون ذكر تاريخ معين فيها أمراً مفيداً؟ كلا حتماً، ودون ريب.

فعندما سأل بعض الصحابة النبيّ صلّى اللّه عليه وآله عن علة اختلاف أشكال القمر، وانه لماذا يكون هلالاً تارة ثم بدراً اُخرى. ثم يعود إِلى سيرته الاُولى هلالاً، نزل الوحيُ الالهي، يبيّنُ بعض حكمة هذه الظاهرة الطبيعية اذ قال تعالى:

﴿قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ﴾35.

أي ان اختلاف اشكال القمر وهيئاته انما هو لاجل ان يعرف الناسُ به الوقت والتاريخ فيعرفوا في أي يوم من الشهر هم، في مبدئه أو منتصفه، أو منتهاه، ولكي يعرفوا بواسطة ذلك مواعيد واجباتهم الشرعية والاجتماعية، ويعرف الدُّيّان موعد تسلّم دُيونهم، ويعمَدُ المَدِينون إِلى دفع ما عليهم في وقته، ويقوم المؤمنُون بفرائضهم المقيَّدة بالازمنة والاوقات كالصوم والحج وما شابه ذلك.

من هنا لا مجال للنقاش في احتياج كل اُمة إِلى تاريخ معينٍ ثابتٍ محدّد تجعله ملاكاً للتوقيت، ومداراً لتحديداتها الزمنية.

إِنما الكلام هو في ما ينبغي إتباعه والجري عليه من التواريخ، وتنظيم المستندات والمكاتبات والمواعيد وفقاً له.

وبعبارة اُخرى: إِن الكلام إِنما هو في ما ينبغي جعله مبدأً للتاريخ يقاس به كل العُقودِ والاتفاقات من حيث الزمان، والتوقيت.

فما الذي يصلح او ينبغي إِتخاذه مبدأً للتاريخ للامة الاسلامية؟

الجواب:
إِن الاجابة على هذا السؤال واضحة جداً، وتلك الاجابة هي:
اذا كانت لاُمة من الامم حوادث لامعة وسوابق مشرقة في حياتها، وثقافة خاصة بها، ودينٌ ومسلكٌ مستقلّ وشخصيات علمية وسياسية بارزة، واحداث ووقائع عظيمة مثيرة، تبعث على الفخر والاعتزاز، ولم تكن كنبتة وحشية نبتت عفواً واعتباطاً من غير قانون ولا جذور كبعض الجماعات والشّعوب الجديدة الظهور التي لا ترتكز الى اُصول ثابتة معلومة.

فان على مثل هذه الاُمة أن تتخذ من أعظم حوادثها الاجتماعية والدينية مبدأً لتاريخها الذي تقيس، وتنظم عليه بقية حوادثها وأعمالها التي سبقت تلكم الحادثة العظمى، أو التي وقعت او تقع بعدها.

ومن هنا تكون قد اكسبت شخصيتها وكيانها قوةً اكبر، وصانت نفسها من التبعية للشعوب والاُمم الاخرى، والميعان والفناء فيها.

وإِذ لم يكن في تاريخ الاُمة الإسلامية شخصية أعلى شأناً من شخصية رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، كما لم يكن هناك حادثة أعظم، وانفع من حادثة الهجرة النبوية المباركة، لأن هجرة النبيّ صلّى اللّه عليه وآله فتحت- في الحقيقة- صفحةً جديدةً في حياة البشرية، فقد خرج رسول الاسلام واتباعه من بيئة مكة الرازحة تحت الكبت، الى بيئة مناسبة حرة مكنتهم من إِحداث انطلاقةٍ كبرى لم يشهد التاريخُ البشريُّ برمّته له مثلاً.

فقد استقبل اهلُ المدينة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ومن هاجر معه من المسلمين الى يثرب استقبالاً حاراً، ووضعوا تحت تصرّفه كلَّ ما توفر لديهم من الامكانات والقوى، فلم يمض زمن إِلا وتمتع الاسلام بفضل هذه الهجرة المباركة بتشكيلات سياسية وعسكرية، واتخذ صورة وشكلَ حكومة قوية لها وزنُها، وشأنُها، وجانبُها المرهوب في شبه الجزيرة العربية، وسرعان ما نشر رايته على البسيطة كلها تقريباً، وأسس حضارةً عظمى لم تر البشرية لها نظيراً.

فاذا لم تحدث تلك الهجرة المباركة المعطاء لقُضي على الاسلام في محيط مكة، وحُرمَ العالم الانساني من هذا الفيض العظيم.

من هنا، ولأجل هذا اتخذ المسلمون هجرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله مبدأً لتاريخهم، ودأبوا على ذلك الى الآن حيث ينقضي أكثر من ألف وأربعمائة عام، أي أن هذه الامة الكبرى تركت وراءها إِلى هذا اليوم أربعة عشر قرناً من الأمجاد والمفاخر، وهي الآن على أعتاب القرن الخامس عشر؟

من الذي جعل الهجرة مبدأً للتاريخ؟

على العكس مما هو مشهور بين المؤرخين من أن الخليفة الثاني جعل هجرة النبيّ صلّى اللّه عليه وآله مبدأً للتاريخ باقتراح وتأييد من الامام أمير المؤمنين علي عليه السلام وامر بأن تؤرخ الدواوين، والرسائل والعهود وما شابه ذلك بذلك التاريخ، فان الامعان في مراسلات النبيّ صلّى اللّه عليه وآله ومكاتباته التي هي مدرجة في الأغلب في كتب التاريخ والسيرة والحديث والسنة، وكذا غير ذلك من الادلة التي سوف نذكرها في هذه الصفحات يثبت أن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله هو نفسه أول من اعتمد تلك الحادثة الكبرى كمبدأ للتاريخ، وكان يؤرّخ رسائله، وكتبه إِلى امراء العرب، وزعماء القبائل وغيرهم من الشخصيات البارزة بذلك التاريخ (أي التاريخ الهجري).

وها نحن ندرج هنا نماذج من تلك الرسائل النبوية المؤرخة بهذا التاريخ، ثم نعمد بعد ذلك الى استعراض الدلائل الاُخرى على هذا الأمر، ونحن نحتمل ان تكون هناك أدلة اُخرى غير ما سنذكره هنا- أيضاً- لم نقف عليها.

نماذج من رسائل النبيّ المؤرخة:
1- طلب سلمان من النبيّ صلّى اللّه عليه وآله ان يكتب له ولأخيه (ماه بنداذ) ولأهله وصية مفيدة ينتفع بها، فاستدعى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله عليّاً وأملى عليه اُموراً، وكتبها علي عليه السلام ثم جاء في آخر تلك الوصية:

“وكتب علي بن أبي طالب بأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في رجب سنة تسع من الهجرة”36.

2- أدرج المؤرخُ الشهير “البلاذري” في كتابه “فتوح البلدان” نصَّ معاهدة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله مع يهود “المقن” وذكر أن مصرياً رأى نص هذه المعاهدة في جلدٍ أحمر اللون عتيقٍ وكان قد استنسخها، فقرأها لي.

ثم نقل البلاذري نص تلك المعاهدة وقد جاء في نهايتها:
“وليس عليكم امير الا من انفسكم أو من اهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه (وآله) وسلّم وكتب علي بن أبو طالب في سنة تسع”37 ومع أن “أبا طالب” يجب أن يكتب حسب القواعد الادبية في المقام “أبي طالب” لكونه مضافاً اليه فقد كتب: “علي بن أبو طالب” ولكن مع ذلك ذكر المحققون ان قبيلة قريش كانت تتلفظ لفظة أب في جميع الموارد (أي في حالة النصب والرفع والجرّ) ب: “أبو” وتكتبها كذلك أيضاً، وقد صرح الاصمعيّ بهذا من بين الادباء.

ويقول البروفيسور “محمّد حميد اللّه” مؤلف كتاب “الوثائق السياسية”: اني لما كنت في المدينة المنورة في شهر محرم سنة 1358 وجدت في الكتابة القديمة التي في جنوبي جبل سلع في المدينة المنورة “أنا علي بن أبو طالب”38.

3- جاء في معاهدة الصلح التي نظمها “خالد بن الوليد” لاهل دمشق، ونص فيها على احترام دمائهم، واموالهم وكنائسهم: “وكتب سنة ثلاث عشرة”39.

وكلنا نعلم أن دمشق فتحت في أواخر حياة الخليفة الأوّل.

فما يدعيه البعض من ان التاريخ الهجري قد اتخذ في عهد الخليفة الثاني بارشاد وتأييد من الامام علي عليه السلام غير صحيح فان تاريخ ذلك يرتبط بالسنة السادسة عشرة او السابعة عشرة من الهجرة، والحال ان هذه المعاهدة قد نظّمت ودُوّنت واُرخت بالتاريخ الهجري قبل ذلك بأربع سنوات.

4- ان كتاب الصلح الذي كتبه الامام علي عليه السلام بأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله لنصارى نجران مؤرَّخٌ بالسنة الهجرية الخامسة.

فقد جاء في هذه الرسالة:
“وأمر علياً ان يكتب فيه انه كتب لخمس من الهجرة”40.

ان هذه الجملة تفيد بوضوح ان النبيّ الاكرم صلّى اللّه عليه وآله هو واضع التاريخ الهجري ومؤسسه الاوّل وهو الذي أمر علياً عليه السلام بان يؤرخ ذلك الكتاب بالتاريخ الهجري في ذيله.

5- جاء في مقدمة الصحيفة السجادية: قال جبرئيل وهو يفسر رؤيا رآها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: “تدور رحى الاسلام من مهاجرك فتلبث بذلك عشر، ثم تدور رحى الاسلام على رأس خمس وثلاثين من مهاجرك فتلبث بذلك خمساً، ثم لا بد من رحى ضلالة هي قائمة على قطبه”41.

6- يروي المحدثون الاسلاميُّون أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قال لام سلمة:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: “يُقتَل حسين بن علي على رأس ستين من مهاجري”42.

7- قال أنس بن مالك: “حدثنا أصحاب النبيّ صلّى اللّه عليه وآله ان النبيّ صلّى اللّه عليه وآله قال: لا تأتي مائة سنة من الهجرة ومنكم عين تطرف”43.

8- أرخ أصحاب النبيّ صلّى اللّه عليه وآله في ايام حياته الحوادث الاسلامية بهجرته فقالوا: وقع كذا في الشهر كذا من الهجرة، مثلاً كانوا يقولون:حولت القبلة من بيت المقدس الى الكعبة في شهر شعبان ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً او ثمانية عشر شهرا44.على رأس ثمانية عشر شهراً فرِضَ صوم شهر رمضان45.
وقال عبد اللّه بن انيس أمير الوفد الذي بعثه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: خرجت من المدينة يوم الاثنين لخمس خلونَ من المحرم على رأس أربعةٍ وخمسين شهراً46.
وقال محمّد بن سلمة عن غزوة القرطاء: خرجتُ في عشر ليال خلون من المحرم فغبت تسع عشرة وقدمتُ لليلة بقيت من المحرم على رأس خمسة وخمسين شهراً47.

إِنَّ هذا النوع من تاريخ الحوادث والوقائع يكشف عن ان المسلمين كانوا الى السنة الخامسة من الهجرة يقيسون الحوادث بهجرة النبيّ صلّى اللّه عليه وآله ويؤرخون بها عن طريق عدّ الأشهر، حتى إِذا كانت السنة الخامسة من الهجرة أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله باحلال السنة الهجرية مكان الشهر الهجري (كما مرّ في الرسالة رقم 4) حيث أمر النبيّ صلّى اللّه عليه وآله بان يُؤرّخ الكتاب الذي كتبه لنصارى نجران بالعام الهجري.

9- نقل المحدثون الاسلاميون عن الزهري قوله: ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله لما قدم المدينة مهاجراً أمر بالتاريخ فكتب في ربيع الأوّل (اي شهر قدومه المدينة)48.

10- روى “الحاكم” عن “ابن عباس” ان التاريخ الهجري بدأ من السنة التي قدم فيها النبيّ صلّى اللّه عليه وآله المدينة49.
إِن هذه النصوص تحكي عن أنّ قائد الاسلام الأكبر قد أوضح مسألة التاريخ من اليوم الاول، وانه جعل هجرته مبدأ لذلك التاريخ. غاية ما هنالك أن هذا التاريخ كان إِلى فترة من الزمن يعدُّ بالأشهر ثم حل العدُّ بالأعوام منذ حلول السنة الخامسة من الهجرة محل العدّ بالأشهر.

سؤال
ويمكن ان يسأل سائل: اذا كان حقاً أن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله هو مؤسس التاريخ الهجري وواضعه الأوّل فماذا نفعل بالخبر الذي رواه كثير من المحدثين والمؤرخين.

فانهم يقولون: رفع رجل إلى عمر صكاً مكتوباً على آخر بدين يحلّ عليه في شعبان فقال عمر: أي شعبان؟ أمِن هذه السنة أم التي قبلها أم التي بعدها؟

ثم جمع الناس (أي أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله) فقال: ضعوا للناس شيئاً يعرفون به حلول ديونهم… فقال: ان بعضهم أراد أن يؤرخوا كما تؤرخ الفرس بملوكهم كلما هلك ملك أرّخوا من تاريخ ولاية الذي بعده فكرهوا ذلك.

ومنهم من قال: ارخوا بتاريخ الروم من زمان اسكندر فكرهوا ذلك لطوله أيضاً.
وقال آخرون: أرّخوا من مولد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله.
وقال آخرون: أرخوا من مبعثه. واشار علي بن أبي طالب عليه السلام أن يؤرخ من هجرته الى المدينة لظهوره على كل أحد، فانه أظهر من المولد والمبعث، فاستحسن عمر ذلك والصحابة، فأمر عمر أن يؤرخ من هجرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله50.

الجواب
إنّ هذا القسم من التاريخ لا يمكن الاستناد إِليه في مقابل النصوص الكثيرة التي وصفت الرسول العظيم صلّى اللّه عليه وآله بكونه واضعَ التاريخ الهجري ومؤسسه الأول.

هذا مضافاً إِلى أنه من الممكن أن يكون التاريخ الهجري الذي وضعه النبيّ الكريم صلّى اللّه عليه وآله قد تعرّض للترك، وفقد رسميته بمرور الزمن وقلة الحاجة إلى التاريخ ولكن جُدّد في زمن الخليفة الثاني، بسبب اتساع نطاق العلاقات واُعيد الاهتمام به لاشتداد الحاجة إِليه في هذا العهد.

التذكير بنقطتين

1- لا نجد في الاقتراحات التي عرضت على الخليفة في مجال التاريخ أي ذكر للتاريخ المسيحي الذي يجعل ميلاد السيد المسيح عليه السلام مبدأً للتاريخ.

والعلة هي: أن التاريخ الميلادي ظهر في القرن الرابع الاسلامي بين المسيحيين بعد سلسلة من المحاسبات التخمينية، فهو لم يكن رائجاً قبل ذلك.

2- ان البلاد والاقطار الاسلامية بحاجة اليوم إِلى الوحدة والاتفاق اكثر من أي زمن مضى.

ومن مظاهر تلك الوحدة هو السعى للحفاظ على التاريخ الاسلامي الهجري.

ومن هنا يتوجب على الاقطار الاسلامية ان تقيم كل روابطها، وعلاقاتها على أساس التاريخ الهجري، شمسياً كان أو قمرياً.

وان هذا الأمر بحاجة الى مؤتمر إِسلامي كبيرٍ يشترك فيه كبارُ الشخصيات الفكرية الاسلامية من أجل توحيد التاريخ، ودراسة السبل الكفيلة بالوصول الى هذا الأمر، والتخلّص من التبعية الغربية في التاريخ.

ان من المؤسف جداً أن تتجاهل بعض الدول الاسلامية والعربية التاريخ الهجري وتعتمد التاريخ الميلادي المسيحيّ، حتى أن شيخ الجامع الازهر الذي يشكل قمة القيادة الدينية في المجتمع السني يؤرخ رسائله بالتاريخ الميلادي، ولا يذكر الى جانبه التاريخ الهجري على الأقل!!51

مؤامرة الطاغوت
وكانت ايران من الاقطار الاسلامية التي حافظت بشدة على التاريخ الهجري، واعتمدته في اعمالها، ولكن في المؤامرة التي نفّذت بواسطة الطاغية المقبور في عام 1399 هجري استبدلت التاريخ الهجري بالتاريخ الشاهنشاهي واُعلن في وسائل الاعلام عن وجوب اعتماد هذا التاريخ المختلق بدل التاريخ الهجري الاصيل!!

ولقد تصوَّر الطاغوتُ الأرعن أنه يستطيع بحذف التاريخ الهجري، واستبداله بالتاريخ الشاهنشاهي المشؤوم تثبيت قواعد حكومته المهزوزة، وسلطانه المنخور، ونظامه الظالم المهترئ، مدة أطول، ولكن العناية الالهية، وهمة الشعب الإيراني المسلم العالية، وقيادة الاستاذ الاكبر آية اللّه العظمى الإمام الخميني قدّس سرّه الشريف أفشلت هذه المحاولة النكراء، وآل الأمر إِلى اسقاط النظام الشاهنشاهي بثورة الشعب المجيدة واقامة حكومة الجمهورية الاسلامية على انقاض الحكم الملكي المباد، واحلال التاريخ الهجري الاسلامي المبارك محلّ التاريخ الشاهنشاهي المختلق. والحمد للّه52.

برنامج الرحلة في حادث الهجرة
لقد كان على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ان يقطع- للوصول الى المدينة- ما يقرب من اربعمائة كيلومتر، ولا شك أن طيّ هذه المسافة الطويلة تحت تلك الحرارة العالية الدرجة بحاجة إِلى خطة صحيحة، لضمان السلامة، خاصة وانهم كانوا يخافون من ان يقوم الأعراب الذين كانوا ربما يصادفونهم في اثناء الطريق باخبار قريش بهم، ولهذا كانوا يسيرون ليلاً ويستريحون نهاراً.

ويبدو أن شخصاً شاهد النبيّ ومن معه في أثناء الطريق فرجع إِلى مكة وأخبر قريشاً بذلك فخرج “سراقة بن مالك بن جعشم” يطلبهم طمعاً في جائزة قريش الكبرى فلحق برسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وقد صرف قريشاً عن ملاحقة النبيّ صلّى اللّه عليه وآله قبل ذلك ليتفرد بها53.

يقول ابن الاثير: تبعهم سراقة فلحقهم فقال أبو بكر: يا رسول اللّه ادركنا الطلبُ، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: “لا تحزن إِنّ اللّه معن”.
ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: “اللّهم اكفني شرَّ سُراقة بما شئت” فجمع به فرسُه وطرحه أرضاً.
فعلم سراقة أن هذا من دعاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ولهذا قال بنبرة المعتذر الملتمس: يا محمّد هذه إِبلي بين يديك فيها غلامي.
وان احتجت الى ظهرٍ (اي مركوب) أو لبن فخذ منه فقد حكّمتك في مالي.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: لا حاجة لي في مالك54.
وروى المجلسي ان سراقة قال: فسلني حاجة.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: رُدّ عنّا مَن يطلُبنا من قريش.
فانصَرف سراقة فاستقبله جماعة من قريش في الطلب فقال لهم: انصرفوا عن هذا الطريق فلم يمرّ فيه أحد، وأنا اكفيكم هذا الطريق فعليكم بطريق اليمن والطائف.
وهكذا ما كان يمرّ باحد إِلا وصرفه عن البحث عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله في هذا الطريق بمثل هذا الكلام.
ثم إن كُتّاب السيرة من الشيعة والسنّة يذكرون لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله كرامات كثيرة في طريق مكة- المدينة ونحن ندرج واحدة بعضها:
مرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في أثناء الطريق على خيمة اُم معبد وكانت إِمرأة شجاعة فاضلة فنزلوا بخيمتها وطلبوا منها تمراً ولحماً أو لبناً يشترون.
فقالت: ما يحضرني شيء وكانت أغنامها قد اُصيبت بالهزال بسبب الجدب، فنظر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله إِلى شاة في جانب من الخيمة فقال صلّى اللّه عليه وآله لها: ما هذه الشاة يا أم معبد؟ قالت: شاة خلّفها الجهدُ من الغنم فقال: هل بها من لبن؟.
قالت: هي أجهدُ من ذلك، قال: أتأذنين ان أحلبها؟
قالت: نعم ان رأيتَ بها حلباً فاحلبها.

فدعا بها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فمسح بيده ضرعَها، وسمّى اللّه عز وجل، ودعا لها في شأنها قائلاً: اللّهم بارك لها في شاتها فدرّت لبناً كثيراً بفضل دعائه صلّى اللّه عليه وآله، فطلب إِناء وحلبها، فسقاها أولاً حتى رُوّيَت ثم سقى أصحابَهُ حتى رووا وشرب هو آخرهم، وقال:“ساقي القوم آخرهم شرب”.

ثم حلب الشاة مرةً ثانيةً فغادره عندها، ثم ارتحلوا عنها إِلى المدينة55.

وقد ذُكرت هذه الكرامة في كثير من كتب السيرة والتاريخ، وهو أمر ممكن في رؤية المؤمن باللّه، لأن الدعاء أحدُ الاسباب التي تستطيع أن تؤثر في الطبيعة، وشأنها شأن غيرها من الكرامات التي ورد ذكرها في الكتب الدينية وصدقته التجربة56.

النزول في قرية قباء
تقع قرية قباء على ميلين من المدينة على يسار القاصد الى مكة وكانت مساكن “بني عمرو بن عرف” ومركزهم.

ولقد وصل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ومن معه إِلى قباء في الثاني عشر من شهر ربيع الاول يوم الاثنين، ونزل على “كلثوم بن الهرم” وهو شيخ من بني عمرو وكان ثمة جمع كبير من المهاجرين والانصار ينتظرون قدومه، ويستخبرون وروده.

ولقد لبث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في قباء إِلى آخر أيام الاسبوع، وقد خط في هذا الفترة مسجداً لقبيلة “بني عمرو بن عوف”، ونصب قبلته57.

وكان البعض ممن رافق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله يصرّ عليه أن يسارع في الدخول إلى المدينة، ولكن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله كان ينتظر ابن عمه علياً.

ويقول: فما أنا بداخلها حتى يقدم ابن اُمّي وأخي، وابنتي (يعني عليّاً وفاطمة عليهما السلام)58.

وأقام عليّ عليه السلام بمكة ثلاث ليال بايامها، حتى أدّى عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله الودائع التي كانت عنده للناس فقد وقف عليه السلام على مكان مرتفع في مكة ونادى قائلاً:“مَن كان لَه قِبلَ محمّد أمانة أو وديعة فليأتِ فنؤدّ إِليه أمانتهُ”.

فكان يأتيه من له امانة او وديعة عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ويذكر علامتها ويأخذها فلما فرغ عليه السلام من اداء الامانات والودائع خرج بفاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وامه فاطمة بنت اسد، وفاطمة بنت الزبير وآخرين ممن لم يكن قد هاجر مكة حتى تلك الساعة، وتوجه بهم نحو المدينة ليلاً سالكاً بها طريقاً في “ذي طوى”.

كتب الشيخ الطوسي في اماليه في هذا الصدد يقول: إِن جواسيس قريش عرفت بسفر علي مع تلك الجماعة، فخرجوا لملاحقتهم، لغرض اعادتهم الى مكة، فادركوهم في منطقة “ضجنان”.

ووقع بين رجال قريش وبين علي عليه السلام تلاحٍ وتناوش، وأخذ وردّ، ودنا الرجال من النسوة، والمطايا ليثوروها فحال عليّ عليه السلام بينهم، وبينها، ولم يجد عليه السلام طريقاً إِلا أن يدافع عن حرم الاسلام والمسلمين، فشدّ عليهم بسيفه شدّة الأسد الغضِب والليث الغيور وهو يقول مرتجزاً:

خَلُّوا سبيل الجاهد المجاهِد             آليتُ لا أعبُدُ غيرَ الواحِدِ

فلما وجدوا ما به من الجدّ والغضب خافوه وتفرّقوا عنه وقالوا- بنبرة الخائف المتضرع-: إِحبِس عنّا نفسَك يا ابن أبي طالب، فقال عليه السلام:“فإنّي مُنطَلِق إِلى ابن عمّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بيثرب فمن سرّهُ ان اُفري لحمه واُهريق دمه فليتبعني، وليدنُ مني”.

فتركه القومُ وعادوا من حيث أتوا، وواصل الركبُ رحلته باتجاه المدينة.

يقول ابن الاثير: قدم “علي” المدينة وقد تفطّرت قدماه، فقال النبيّ صلّى اللّه عليه وآله: ادعوا لي عليّاً، قيل: لا يقدر أن يمشي، فأتاه النبيّ صلّى اللّه عليه وآله واعتنقه وبكى رحمةً لما بقدميه من الورم59.

ولقد قدم رسول اللّه قباء في الثاني عشر من شهر ربيع الأول، والتحق به علي عليه السلام في منتصف ذلك الشهر نفسه60، ويؤيد هذا القول ما ذكره الطبري في تاريخه اذ كتب يقول: واقام علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه بمكة ثلاث ليال وأيامها حتى أدى عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم الودائع التي كانت عنده الى الناس61.

المدينة تهبُّ لقدوم النبيّ
ولقد كان يوم دخول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله يوماً عظيماً جداً، ومشهوداً.

فكم ترى ستكون عظيمةً فرحةُ الذين آمنوا برسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله منذ ثلاث سنوات، وظلوا طوال هذه الأعوام يبعثون برسلهم ووكلائهم اليه، ويذكرون اسمه المقدس، ويصلّون عليه في صلواتهم كل يوم، إِذا سمعوا أن قائدهم ذلك الذي طال انتظارهم اياه، واشتد تشوقهم إِليه كائن عند ميلين من مدينتهم قد نزل في قبا اياماً، وسيقدم اليهم ويدخل مدينتهم بعد ايام؟ وكم سيكون مبلغُ ابتهاجهم، وأي ابتهاج ترى سيعم كل صغير وكبير؟

إِنه حقاً لأمر يعجزُ القلم عن بيانه، ويكل اللسان عن وصفه.

ولقد كان لفتية الأنصار وشبابهم الظامئين إِلى الاسلام الحنيف برنامج رائع وعظيم، فقد كانوا عمدوا بغية تطهير جوّ المدينة من ادران الوثنية الى كل صنم في المدينة كان يقدّس ويعبد فاحرقوه وكسّروه، وقد كان كل شريف في بيته صنم يمسحه ويطيّبه، ولكل بطن من الأوس والخزرج صنم في بيت لجماعة يكرّمونه ويطيّبونه، ويجعلون عليه منديلاً ويذبحون له62.

ولا بأس في أن نذكر نموذجاً من هذا العمل الجليل الذي قام به الانصار في التخلّص من الوثنية:

لما قدم من بايع من الأنصار في العقبة الثانية الى المدينة اظهروا الاسلام بها وفي قومهم بقايا من شيوخ لهم على دين الشرك وعبادة الأوثان منهم “عمرو بن الجموح” وكان من سادات بني سلمة وشريفاً من أشرافهم وكان ابنه “معاذ” بن عمرو قد شهد بيعة العقبة.

وكان عمرو هذا قد اتخذ في داره صنماً من خشب يقال له: مناة، كما كانت الاشراف يصنعون، تتخذه إِلهاً تعظّمه وتطهّره، فلما أسلم فتيان بني سلمة: معاذ بن جبل، وابنه معاذُ بن عمرو بن الجموح كانوا يتسلّلون في الليل إِلى صنم عمرو بن الجموح فيحملونه ويطرحونه في بعض حُفَر بني سلمة ومزابلها، وفيها فضلات الناس وعذرها منكَّساً على رأسه!!

فاذا أصبح عمرو قال: ويلكم من عدا على آلهتنا هذه الليلة؟

ثم يغدو يلتمسه حتى إِذا وجده غسله وطهّره وطيّبه. ثم قال للصنم: أما واللّه لو أعلمُ من فعَلَ هذا بك لاُخزينّه!

فاذا أمسى ونام عمرو عدوا عليه ثانيةً ففعلوا به مثل ما فعلوا به أولاً.

فيغدو فيجدُه في مثل ما كان فيه من الأذى والوسخ فيغسله ويطهّره ويطيّبه، ثم يعدون عليه إِذا امسى فيفعلون به مثل ذلك.

فلما اكثروا عليه استخرجه من حيث ألقوه يوماً فغسله وطيّبه ثم جاء بسيفه فعلقه عليه، ثم قال: إِنّي واللّه ما أعلم من يصنعُ بك ما ترى، فإن كان فيك خير فامتنِع، ودافع عن نفسك فهذا السيف معك.

فلما أمسى ونام عمرو عدَوا على ذلك الصنم فأخذوا السيف من عنقه، ثم أخذوا كلباً ميّتاً فقرنوه به بحبلٍ، ثم ألقَوه في بئرٍ من آبار بني سلمة فيها عذر من عذر الناس وفضلاتهم. ثم غدا عمرو بن الجموح فلم يجده في مكانه الذي كان به.

فخرج يتبعه حتى وجده في تلك البئر منكساً مقروناً بكلبٍ ميّت، فلما رآه وأبصر شأنه وكلّمه من اسلم من رجال قومه فاسلم، وهجر الوثنية والأوثان وحسُنَ إِسلامه.

فقال حين أسلم وعرف من اللّه ما عرف وهو يذكر صنمه ذلك، وما أبصر من شأنه ويشكر اللّه تعالى الذي أنقذه مما كان فيه من العمى والضلالة:

واللّهِ لو كنتَ إِلهاً لم تكن              أنتَ وكلب وسطَ بئرٍ في قرَن

اُفٍّ لملقاكَ إلهاً مستدَن                 الآن فتشناك عن سوءِ الغبن

فالحمد للّه العلي ذي المِنَن             الواهبِ الرزاقِ ديّان الديَن

هُوَ الّذي أنقَذني من قبلِ أن             أكونَ في ظُلمَةِ قبرٍ مرتهَن

بأحمد المهدِي النبيِّ المرتهَن63

النبيّ يدخُلُ المدينة

بعد أن التحق علي عليه السلام ومن معه برسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في قباء توجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله الى المدينة ولما انحدر من ثنية الوداع (وهي منطقة قريبة من المدينة) وحط قدمه على تراب يثرب استقبله الناس رجالاً ونساء، كباراً وصغاراً، استقبالاً عظيماً ورحّبوا به اعظم ترحيب، وردّد المرحّبون أناشيد الترحيب التالية:

طلَعَ البدرُ علَينا                    مِن ثنيات الوَداع

وجبَ الشُّكرُ علَينا                 ما دَعا للّهِ داع

أيّها المبعوثُ فينا                جِئتَ بالأمر المُطاع

وكانت بنو عمرو بن عوف قد اجتمعت عنده وأصرّت عليه بأن ينزل في قباء وقالوا: أقم عندنا يا رسول اللّه فإنا أهل الجدّ والجلَد، والحلقة (أي السلاح) والمنعة، ولكن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله لم يقبل.

وبلغ الأوس والخزرج خروجُ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وقرب نزوله المدينة فلبسوا السلاح وأقبلوا يعدون حول ناقته لا يمرّ بحيٍّ من أحياء الانصار إِلا وثبوا في وجهه وأخذوا بزمام ناقته وأصرّوا عليه بأن ينزل عليهم هذا ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله يقول: خَلُّوا سبيلها فانها مأمورة.

واخيراً لما انتهت ناقته- وكان صلّى اللّه عليه وآله قد أرخى زمامَها- إِلى باب المسجد الذي هو اليوم، ولم يكن مسجداً إِنما كان أرضاً واسعة ليتيمين من الخزرج يقال لهما: سهل وسهيل وكانا في حجر أسعد بن زرارة فبركت الناقة على باب “ابي أيوب” خالد بن زيد64 الانصاري الذي كان على مقربة من تلك الأرض.

فاغتنمت ام أبي ايوب الفرصة فبادرت إِلى رحل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فحلّته وأدخلته منزلَها، بينما اجتمع عليه الناس ويسألونه أن ينزل عليهم.
فلما أكثروا عليه، وتنازعوا في أخذه قال صلّى اللّه عليه وآله أين الرحل؟؟
فقالوا: يخوف أم أيوب قد ادخلته في بيتها.
فقال صلّى اللّه عليه وآله: “المرء مع رحله” وأخذ اسعدُ بن زرارة بزمام الناقة فحوّلها الى منزله65.

أصل النفاق ومنشؤه
كانت الأوس والخزرج قد اتفقتا على أن تملّك عبد اللّه بن ابي بن سلول (رئيس المنافقين وكبيرهم) عليهم، وذلك قبل أن تبايع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في العقبة وتؤمن به وتعتنق الاسلام، ولكن هذا القرار اُلغي بعد اتصال الأوس والخزرج برسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، من هنا حنق عبد اللّه بن ابي على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله واضمر له العداوة منذ ذلك الحين، ولم يؤمن برسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله إِلى آخر حياته، بل كان ينافق باسلامه.

ولما دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله المدينة وشاهد عبد اللّه بن اُبي ذلك الاستقبال والترحيب العظيمين لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله الذي قام بهما الأوس والخزرج، شق عليه ذلك جداً، ولم يستطع اخفاء حنقه وغضبه، وحقده وعداوته للنبيّ صلّى اللّه عليه وآله!

فعندما انتهى صلّى اللّه عليه وآله إِلى عبد اللّه بن اُبي- وقد أرخى صلّى اللّه عليه وآله زمام ناقته لتبرك حيث تريد، أخذ عبدُ اللّه كمّه ووضعه على أنفه، وقد ثارت الغبرةُ بسبب الزحام وقال للنبيّ صلّى اللّه عليه وآله بنبرة الحانِق الغاضب: يا هذا إِذهب إِلى الّذين غرَّوك وخدعوك وأتوا بك، فانزل عليهم، ولا تُغشنا في ديارنا!!

فقام سعدُ بن عبادة- وقد خشي أن يسوء رسولَ اللّه صلّى اللّه عليه وآله هذا الموقف الوقِح الشِرير فقال: يا رسول اللّه لا يعرض في قلبك من قول هذا شيء، فإنّا كنّا اجتمعنا على ان نملِكَهُ علينا، وهو يرى الآن أنّك قد سلَبتهُ أمراً قد كان أشرفَ عليه66.

هذا ويتفق عامة المؤرخين وكتّاب السيرة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله دخل يثرب يومَ الجمعة، وصلّى صلاة الجمعة في بني سالم بن عوف في بطن واد لهم، وكانت هذه اوّل جمعة جمّعها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في الاسلام فخطب في هذه الجمعة وهي أوّل خطبة خطبها في المدينة، وقد تركت هذه الخطبة البديعة البليغة التي لم يسمع اهل المدينة مثيلها لفظاً ومعنى من قبل، أثراً عميقاً وطيّباً في قلوبهم ونفوسهم.

وقد أدرج ابن هشام نصّ الخطبة في سيرته67 كما أدرجها المجلسي في بحاره68 أيضاً.

غير أن عبارات ومضامين الخطبة التي نقلها ابن هشام واثبتها في سيرته تختلف عما رواها واثبتها المجلسي، وللاطلاع على ذلك يراجَع المصدران المذكوران.


1- وروي انه كان المتكلم: أبو جهل.
2- وفي رواية: بديته.
3- صبأ فلان: أي خرج من دينٍ إلى دين غيره وكانت العرب تسمّي النبيّ صلّى اللّه عليه وآله الصابئ لأنه خرج من دين قريش إِلى دين الاسلام وتسمي المسلمين: الصباة. وهو جمع الصابئ.
4- الطبقات الكبرى: ج 1 ص 227 و228، السيرة النبوية: ج 1 ص 480- 482.
5- الانفال: 30، ليثبتوك أي ليسجنوك.
6- يس: 9.
7- الطبقات الكبرى: ج 1 ص 228، تاريخ الطبري: ج 2 ص 100.
8- السيرة الحلبية: ج 2 ص 29.
9- حيث ان الطريق المؤدي إلى المدينة تقع في شمال مكة، فاختبأ النبيّ صلّى اللّه عليه وآله في منطقة مقابلة أي في اسفل مكة، ليعمي بذلك على قريش فلا يتبعوا أثره.
10- تاريخ الطبري: ج 2 ص 100.
11- الطبقات الكبرى: ج 1 ص 229 تاريخ الخميس ج 1 ص 327 و 328 وغيرها، ولقد ذكر عامة المؤرخين هذه الكرامة هنا، ولا ينبغي- نظراً لما ذكرناه في قصة الفيل وهلاك أبرهة وجنده بواسطة الابابيل، تأويل مثل هذا الكرامات.
12- البقرة: 207.
13- مسند احمد: ج 1 ص 87، وكنز العمال: ج 6 ص 407، وقد نقل كتاب الغدير: ج 2 ص 47- 49 طبعة لبنان مصادر نزول هذه الآية في شأن عليّ عليه السلام على نحو التفصيل، فراجع.
14- لاحظ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 4 ص 73.
15- شرح نهج البلاغة: ج 13 ص 262، ولقد أعطى ابن أبي الحديد حقّ الكلام حول هذه الفضيلة.
16- سمرة بن جندب من العناصر المجرمة في الحكومة الاموية، ولم يكتف سمرة بتحريف الحقائق وقلبها بما ذكرناه، بل أضاف الى ذلك- حسب رواية ابن ابي الحديد- أمراً آخر أيضاً اذ قال: ونزل في شأن “عليّ” قول اللّه: (ومِن النّاس من يُعجِبُك قولُهُ في الحياةِ الدُنيا ويشهدُ اللّه على ما في قلبِه وهُو ألَدُّ الخِصام)(البقرة: 204).
17- راجع السيرة الحلبية: ج 2 ص 263 وسبعة الجاحظ في العثمانية.
18- مثل مؤلّف الطبقات الكبرى: ج 1 ص 227 و228 المولود عام 168 والمتوفى عام 230، وكذا المقريزي في امتاع الاسماع، عند ذكرهم لتفاصيل قضية المبيت.
19- التاريخ الكامل: ج 2 ص 72.
20- تاريخ الطبري: ج 2 ص 99.
21- السيرة النبوية: ج 1 ص 483.
22- الأمالي: ج 2 ص 84.
23- المصدر السابق وغيره، هذا مضافاً إِلى أنَّ الامام عليه السلام نفسه قد استنشد المسلمين مراراً بهذه القضية مستدلاً بها على تفانيه في سبيل الاسلام.
24- بحار الأنوار: ج 19 ص 39 نقلاً عن احياء العلوم للغزالي.
25- راجع كتاب علي بن أبي طالب بقيّة النبوّة وخاتم الخلافة، ص 103- 105 ملخّصاً.
26- التوبة: 40.
27- الكامل في التاريخ: ج 2 ص 73 مع تصرف.
28- أمالي الشيخ: ج 2 ص 82.
29- الكامل: ج 2 ص 73، السيرة الحلبية: ج 2 ص 53.
30- السيرة الحلبية: ج 2 ص 35.
31- السيرة النبوية لابن هشام: ج 1 ص 491.
32- الكامل في التاريخ: ج 2 ص 75.
33- تاريخ الطبري: ج 2 ص 104.
34- وهو العام الذي سيّر فيه أبرهة جيشاً لهدم الكعبة تتقدمه الفيلة. راجع المحبّر: ص 5- 8.
35- البقرة 189 ومطلعها: “يسألونك عن الأهلة قل: هي مواقيت..”.
36- اخبار اصفهان تأليف ابي نعيم: ج 1 ص 52 و53.
37- فتوح البلدان: ص 72.
38- مكاتيب الرسول: ص 289 نقلاً عن شرح ملا علي القاري لشفاء القاضي عياض، وكذا الوثائق السياسية.
39- الاموال: طبعة مصر ص 297.
40- التراتيب الادارية: ج 1 ص 181 نقلاً عن السيوطي.
41- مقدمة الصحيفة السجادية، سفينة البحار: ج 2 ص 641.
42- مجمع الزوائد: ج 9 ص 190.
43- تاريخ الخميس: ج 1 ص 367.
44- نفس المصدر: ج 1 ص 368.
45- المغازي: ج 2 ص 531 تحقيق الدكتور مارسدن جونس.
46- المغازي: ج 2 ص 531.
47- المغازي: ج 2 ص 534.
48- فتح الباري: ج 7 ص 208، تاريخ الطبري: ج 2 ص 288 طبعة دار المعارف.
49- مستدرك الحاكم: ج 3 ص 13 و14 وقد صححه على شرط مسلم.
50- البداية والنهاية: ج 7 ص 73 و74، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 12 ص 74، الكامل لابن الاثير: ج 1 ص 10.
51- وقد رأيت أنا شخصياً رسالةً من شيخ الجامع الأزهر الاسبق هو الشيخ محمود عبد الحليم وعليها التاريخ الميلادي فحسب!!
52- يستخدم في ايران تاريخ هجري آخر هو التاريخ الهجري الشمسي وهو ينفع لمعرفة الفصول وما شاكل ذلك.
53- التاريخ الكامل: ج 2 ص 105.
54- يذكر كثير من المؤرخين كابن الاثير في الكامل: ج 2 ص 105، والمجلسي في البحار: ج 19 ص 75- 88 القصة كما نقلناها هنا، ولكن مؤلف حياة محمّد يقول: ان سراقة تطيّر لما كبا به فرسُه واُلقي في روعه أن الآلهة مانعة منه ضالّته.
55- بحار الأنوار: ج 19 ص 75.
56- بحار الأنوار: ج 18 ص 43 وج 19 ص 99- 103، الطبقات الكبرى: ج 1 ص 230 و231، تاريخ الخميس: ج 1 ص 333، اسد الغابة: ج 1 ص 377.
57- تاريخ الخميس: ج 1 ص 338.
58- الفصول المهمة لابن صباغ المالكي: ص 35 دون ان يذكر اسماً، وامالي الشيخ الطوسي: ج 2 ص 83.
59- الكامل في التاريخ: ج 2 ص 106.
60- إِمتاع الأسماع: ص 48 وعلى هذا تكون محاصرة بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قد تمّت ثلاث ليال قبل شهر ربيع الاول من السنة الاُولى من الهجرة، وقد خرج النبيّ من داره ليلة الاثنين ودخل غار ثور وبقي ماكثاً فيه ثلاثة أيام، وخرج منه ليلة الخميس اول ربيع الاول وتوجه نحو المدينة ووصل قباء في الثاني عشر منه راجع تاريخ الخميس: ج 1 ص 337- 338.
61- تاريخ الطبري: ج 2 ص 382.
62- بحار الأنوار: ج 19 ص 107.
63- اسد الغابة: ج 4 ص 99.
64- بحار الأنوار: ج 19 ص 108 ولكن ذهب البعض كصاحب الكامل في التاريخ الى أنهما كانا في حجر معاد بن عفراء.
65- تاريخ الخميس: ج 1 ص 341.
66- بحار الأنوار: ج 19 ص 108.
67- السيرة النبوية: ج 1 ص 500 و501.
68- بحار الأنوار: ج 19 ص 126.


المصدر: http://alrasoul.almaaref.org

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى