التعليممقالات

مع زلزال سومطرة: سؤال عن الرحمة والعدل الالهيين

السؤال عن الرحمة والعدل الإلهيين أثناء نزول الكوارث يختزن في داخله سؤالا آخر هو: هل يخلق الله الشر؟ هذا السؤال القديم الجديد حاول الفلاسفة والمتكلمون الإجابة عليه، فمنهم من أجاب بنعم، ومنهم من افترض وجود إلهين للكون، إله الخير وإله الشر. ومنهم من أجاب إجابة مغايرة، وحل الإشكال بطريقة مختلفة، وذلك بالقول بأن الشر ليس أمرا وجوديا، بل هو أمر عدمي، والأمر العدمي لا يحتاج إلى علة، فالسؤال عن خلق الشر يكون منتفيا.

يقول الفيلسوف الكبير صدر الدين الشيرازي: 

وأنت إذا تأملت واستقربت معاني الشرور وأحوالها ونسبها وجدت كلما يطلق عليه اسم الشر لا يخرج من أمرين، فانه إما عدم محض أو مؤد الى عدم، فيقال شر لمثل الموت والجهل البسيط، والفقر والضعف، والتشويه في الخلقة، ونقصان العضو والقحط وأمثالها من عدميات محضة ويقال: شر لما هو مثل الألم والحزن والجهل المركب، وغير ذلك من الأمور التي فيها إدراك لمبدء ما وسبب ما، لا فقد لمبدء ما وسبب ما فُقِد.
ونقتبس هنا نصا من موقع سماحة الشيخ محمد العبيدان القطيفي نعتقد أنه يوضح الفكرة أكثر.

أقسام الخير والشر

ويمكننا تقسيم الخير والشر إلى ثلاثة أقسام:
الأول:الخير المطلق:وهو الخير الخالي من أي صفة سلبية.
الثاني:الشر المطلق:وهو الشر الذي ليس له أي صفة إيجابية.
وهذان الفردان، يندر وجود مصداق لهما خارجاً، بل غالب الموجود في الخارج،هو الأشياء أو الحوادث التي يمكن أن تـتصف بكونها خيراً،كما يمكن وصفها بكونها شراً،بمعنى أنها مركبة من صيغ إيجابية،وسلبية،وعليه فإن كانت الصفات الإيجابية فيها أكثر سميت خيراً،وإن كانت الحالات السلبية فيها أكثر سميت شراً.
الثالث:الخير والشر النسبيان:وقد أتضح معناه من البيان السابق،إذ مرادنا من الأمر النسبي،أنه قد يتصف الشيء بالنسبة إلى شيء بصفة الخيرية مثلاً،لكنه يتصف بصفة الشرية بالنسبة إلى شيء آخر،ولنوضح هذا من خلال عرض القصة التالية:
كان هناك عابد إسرائيلي، له ابنتان زوجهما من رجلين،أحدهما مزارع،والآخر فخار،وبعد فترة من الزمن ذهب لزيارتهما والاطمئنان على أحوا لهما،فزار زوجة المزارع وسألها عن أحوالهم وشؤونهم،فقالت له: بأن زوجها قد زرع زرعاً كثيراً،فإذا أرسلت السماء مطرها غزيراً سيكونوا أحسن بني إسرائيل حالاً،فشكر الله تعالى على ذلك ودعا لها ولزوجها بالصلاح والتوفيق.
ثم مضى إلى زوجة الفخار فسألها عن حالهم، فقالت له:أن زوجها قد صنع فخاراً كثيراً، فإذا حبست السماء مطرها وسلطت الشمس أشعتها الحارة لتجفف الفخار، فإنهم سيكونوا أحسن بني إسرائيل حالاً، فشكر الله تعالى ودعا لهما بالتوفيق.
فنلاحظ في هذه القصة أن المطر الذي كان يمثل الخير للأولى، يعتبر شراً بالنسبة للثانية، بينما الشمس التي تمثل الخير للثانية تعتبر شراً بالنسبة للأولى، وهذا ما يسمى بالأمر النسبي، أي أنه يكون بلحاظ شيء معين حسناً،وبلحاظ شيء معين غير ذلك.
فهناك بعض الأشياء تتصف بمثل هكذا أمر، فقد يكون الشيء شراً بلحاظ شيء، وهو خير في نفس الوقت لكن بلحاظ شيء آخر.
ثم لا يخفى عليك أنه من وجهة نظر الإنسان المؤمن المتدين بدين الإسلام، أنه لا يوجد عندنا إلا قسمين فقط، وهما الخير المحض، والأكثر خيراً، أما الشر المحض، أو الأكثر شراً، أو ما تساوى فيه الخير والشر،فيستحيل وجوده،نظراً لأن الموجود لهذا الكون والخالق له وهو الله سبحانه وتعالى حكيم،وصدور هذه الأشياء من الحكيم قبيح،وغير ممكن.

الشرور أمور عدمية

وهذا يجرنا إلى السؤال السابق المشار إليه في أول الحديث، وهو من الذي خلق الشرور، بعد التسليم بكونها موجودة؟…
وكيف يمكننا معالجة وجودها مع الحكمة الإلهية، والعدل الإلهي؟…
لقد أجاب الفلاسفة عن مثل هكذا تساؤلات، من خلال بيان حقيقة الشر، وأنه أمر عدمي، وليس أمراً وجودياً، وبالتالي، لا معنى للقول والسؤال، من خلق الشرور، توضيح ذلك:
إن الأشياء إما أن تكون متصفة بالوجود، أو تكون متصفة بالعدم، لأن الأمر لا يخلو عن أحد هذين، ولا ينفك الشيء عنهما، فهو إما موجود، وإما معدوم.
ولذا عرف الفلاسفة الشر، بأنه أمر عدمي، أو أنه أمر وجودي يؤدي ويؤول إلى العدم.
ويمكننا توضيح ذلك من خلال هذا المثال:لو قام زيد بذبح عمرو البريء، فإنه يقال: بأن ذبح زيد لعمرو البريء شر.

لكن ما هو الشر هنا؟…هل هو قوة ذراع زيد القاتل، أو قاطعية السكين وجودة عملها، أو تأثر رقبة المقتول وظرافتها التي يستطيع الإنسان بواسطتها ممارسة كل أنواع الحركة؟…
من الواضح المسلم به، أن أياً من هذه الأمور ليس بشر ونقص، وإنما الشر هنا هو انفصال أجزاء الرقبة والأوداج والعظام عن بعضها.
ولا يخفى على أحد أن الانفصال الذي حصل، أمر عدمي.
وقد يكون أمراً وجودياً أحياناً، كغذاء مسموم، يؤدي إلى موت متناوله، الذي هو أمر عدمي، لذا فهو شر، أو يؤدي مكروب معين، الذي هو أمر وجودي إلى الإصابة بمرض معين.
ومن المعلوم أن الموت ليس سوى انعدام الحياة، والمرض ليس إلا فقد السلامة.
فإذا كانت الشرور كلها أمور عدمية، فلا حاجة للقول بأن لها خالقاً يسمى إله الشر، لأن المعدوم لا يقال له مخلوق، وبهذا نعرف الإجابة على السؤال القائل:من خلق الشر؟…
لأن الشر لما كان عدماً، لا يصح أساساً تصور وجوده أو موجده.
نعم الأشياء الوجودية التي تكون مؤدية للعدم كالطعام المسموم، أو الميكروب المسبب للمرض أو المرض، فإنها أمور وجودية، لكن إذا تساوى خيرها وشرها، أو غلب شرها، أو كان شرها مطلقاً، فإنه لا يمكن أن تلبس خلعة الوجود.

الشر والخير النسبيان

نعم يمكن أن يقال: بأننا نجد بعض الشرور الموجودة خارجاً، كالجهل والعمى، والنوائب والبلايا والآفات والزلازل، فكيف تقولون بأن الشر عدم، فلا وجود له؟…
ونجيب بأن هذه الأمور المذكورة ترجع للأمر النسبي، الذي سبق وأشرنا إليه في تقسيم الخير والشر، فربما يكون الشيء متصفاً بكونه شراً بلحاظ لكنه خير بلحاظ آخر.
ولذا ذكروا أنه نظراً لنسبية الخير والشر والتأثير المتقابل للأشياء، كثيراً ما يتفق أن تكون الأمور المعدودة من الشرور في الظاهر طريقاً لبركات وخيرات ومنافع وفوائد مختلفة.
فكثير من حالات الحرمان تصير سبباً في تفتح الاستعدادات والجهود العظيمة، لأن الإنسان يبذل قصارى الجهد، ويسعى لإزالة النقص مما يكون سبباً للقفزات العلمية والاجتماعية.
ولذا نجد أن كثيراً من حالات الحرمان صارت سبباً للوصول إلى اختراعات كبيرة، وكثير من حالات النقص صارت مقدمة للوصول إلى منابع مهمة جديدة1.

  • 1. نقلا عن شبكة مزن الثقافية – 6/1/2005 م.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى