روايات أهل البيت(ع)

خلافة النبي…

نص الشبهة: 

تقول مصادر السنيين من أنه صلى الله عليه و آله لم يوص إلى أحد، وأن جميع المسلمين لم يطرحوا معه هذا الموضوع في حياته أبداً، ولا سألوه عنه حتى مجرد سؤال!! وأنهم لم يطرحوا معه مسألة خلافته أبداً أبداً، حتى بصيغة سؤال عن الحكم الشرعي وواجبهم عند وفاته!

الجواب: 

مضافاً إلى منطق الأمور، توجد أدلة على أن خلافة النبي صلى الله عليه و آله كانت مطروحة في حياته صلى الله عليه و آله من أول بعثته، وأن الكلام كان يجري في خليفته بشكل طبيعي، لا كما تقول مصادر السنيين من أنه صلى الله عليه و آله لم يوص إلى أحد، وأن جميع المسلمين لم يطرحوا معه هذا الموضوع في حياته أبداً، ولا سألوه عنه حتى مجرد سؤال!!
1 ـ من هذه الأدلة: ما ورد في سيرته صلى الله عليه و آله أنه كان يعرض نفسه على القبائل في أول بعثته ويطلب منها أن تحميه ليبلغ رسالة ربه، وأن بعض القبائل قبلت بشرط أن يكون لها الأمر بعده فأجابها صلى الله عليه و آله بأنه مجرد رسول والأمر ليس له، فالله تعالى هو الذي يعين خليفته!
ونذكر منها قبيلة عامر بن صعصعة، وقبيلة كندة، وذلك في أول بعثته صلى الله عليه و آله، وقبيلة غطفان النجدية التي جاء رئيسها ابن الطفيل إلى المدينة ليفاوض النبي صلى الله عليه و آله على خلافته.
ففي سيرة ابن هشام: 2 / 289: (أتى بني عامر بن صعصعة فدعاهم إلى الله عز وجل وعرض عليهم نفسه، فقال له رجل منهم يقال له بيحرة بن فراس: والله لو أني أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب ثم قال له: أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك، ثم أظهرك الله على من خالفك، أيكون لنا الأمر من بعدك؟ قال: الأمر إلى الله، يضعه حيث يشاء. قال فقال له: أفنهدف نحورنا للعرب دونك، فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا، لا حاجة لنا بأمرك! فأبوا عليه. فلما صدر الناس، رجعت بنو عامر إلى شيخ لهم، قد كانت أدركته السن حتى لا يقدر أن يوافي معهم المواسم، فكانوا إذا رجعوا إليه حدثوه بما يكون في ذلك الموسم، فلما قدموا عليه ذلك العام سألهم عما كان في موسمهم، فقالوا: جاءنا فتى من قريش ثم أحد بني عبد المطلب، يزعم أنه نبي يدعونا إلى أن نمنعه ونقوم معه ونخرج به إلى بلادنا.قال: فوضع الشيخ يديه على رأسه، ثم قال: يا بني عامر هل لها من تلاف؟! هل لذناباها من مُطَّلب؟! والذي نفس فلانٍ بيده ما تقوَّلها إسماعيليٌّ قط، وإنها لحق، فأين رأيكم كان عنكم!) 1.
كما روى ابن كثير في سيرته: 2 / 159، حديث كندة فقال: (قال عبد الله بن الأجلح: حدثني أبي عن أشياخ قومه أن كندة قالت له: إن ظفرت تجعل لنا الملك من بعدك؟ فقال رسول الله (ص): إن الملك لله يجعله حيث يشاء، فقالوا لا حاجة لنا فيما جئتنا به)! انتهى.
وروى حديث عامر بن الطفيل رئيس قبائل غطفان: 4 / 114، قال: (عن ابن عباس أن أربد بن قيس بن جزء بن خالد بن جعفر بن كلاب وعامر بن الطفيل بن مالك، قدما المدينة على رسول الله (ص) فانتهيا إليه وهو جالس، فجلسا بين يديه. فقال عامر بن الطفيل: يا محمد، ما تجعل لي إن أسلمت؟ فقال رسول الله (ص): لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم. قال عامر: أتجعل لي الأمر إن أسلمت، من بعدك؟
فقال رسول الله (ص): ليس ذلك لك ولا لقومك، ولكن لك أعنة الخيل. قال: أنا الآن في أعنة خيل نجد! إجعل لي الوَبَر ولك المدَر.
قال رسول الله (ص): لا. فلما قفل من عنده قال عامر: أما والله لأملأنها عليك خيلاً ورجالاً! فقال رسول الله (ص): يمنعك الله).
وقال في / 112: (وكان عامر بن الطفيل قد أتى رسول الله (ص) فقال: أخيرك بين ثلاث خصال: يكون لك أهل السهل ويكون لي أهل الوبر، وأكون خليفتك من بعدك، أو أغزوك بغطفان بألف أشقر وألف شقراء! قال فطُعن 2 في بيت امرأة فقال: أغُدَّةٌ كغدة البعير وموتٌ في بيت امرأة من بني فلان! (وفي رواية في بيت سلولية) إئتوني بفرسي، فركب فمات على ظهر فرسه!).انتهى.
2 ـ ومن هذه الأدلة: أن بيعة النبي صلى الله عليه و آله للأنصار تضمنت من أولها ثلاثة شروط: الأول: أن يحموا النبي صلى الله عليه و آله مما يحمون منه أنفسهم. والثاني: أن يحموا أهل بيته وذريته مما يحمون منه أولادهم وذراريهم. والثالث: أن لا ينازعوا الأمر أهله! وهذا الشرط الأخير دليلٌ واضحٌ على أن مبدأ الإختيار الإلهي للأئمة بعد النبي صلى الله عليه و آله كان مفروغاً عنه من أول الرسالة، وأن لهذا الأمر أهلاً بعد النبي صلى الله عليه و آله على الأمة أن تطيعهم، وليس لها أن تختار، ولا أن تنازع الأمر أولي الأمر الذين يختارهم الله تعالى لقيادتها بعد نبيه!
وقد وفَى الأنصار بالشرط الأول وفاء حسناً، ولكن أكثرهم حنث بالشرطين الأخيرين حنثاً سيئاً مع الأسف! وقد روت الصحاح هذه الشروط النبوية الثلاثة: ففي صحيح البخاري: 8 / 122: (عن عبادة بن الصامت قال: بايعنا رسول الله (ص) على السمع والطاعة في المنشط والمكره وأن لا ننازع الأمر أهله، وأن نقوم أو نقول بالحق حيثما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم) 3.
وفي مجمع الزوائد: 6 / 49: عن عبادة بن الصامت أن أسعد بن زرارة قال: يا أيها الناس، هل تدرون على ما تبايعون محمداً (ص)؟ إنكم تبايعونه أن تحاربوا العرب والعجم والجن والأنس! فقالوا: نحن حرب لمن حارب وسلم لمن سالم. قالوا: يا رسول الله إشترط. قال: تبايعوني على أن: تشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وتقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة، والسمع والطاعة، وأن لا تنازعوا الأمر أهله، وأن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأهليكم.
وعن حسين بن علي قال: جاءت الأنصار تبايع رسول الله (ص) على العقبة فقال: يا علي قم فبايعهم، فقال علي: ما أبايعهم يا رسول الله؟
قال: على أن يطاع الله ولا يعصى، وعلى أن تمنعوا رسول الله (ص) وأهل بيته وذريته، مما تمنعون منه أنفسكم وذراريكم). انتهى.
ومن الملفت أن النبي صلى الله عليه و آله ضمَّنَ شروط بيعة الشجرة التاريخية، نفس هذا الشرط الذي اشترطه على الأنصار! أن يحموه وأهل بيته مما يحمون منه أنفسهم، وأن لا ينازعوا الأمر أهله!
قال النووي في شرح مسلم: 13 / 2: (وفي حديث ابن عمر وعبادة: بايعنا على السمع والطاعة، وأن لا ننازع الأمر أهله). وكان فيهم الأنصار والقرشيون، فالأمر بعد النبي صلى الله عليه و آله له أهلٌ معينون من الله تعالى، ولذا اشترط النبي صلى الله عليه و آله على الجميع أن لا ينازعوهم السلطة بعده!
3 ـ ومن هذه الأدلة: حديث الدار المعروف، فقد كانت دعوة النبي صلى الله عليه و آله على ثلاث مراحل، في أولاها كان يدعو الأفراد سراً إلى الإسلام، وفي الثانية أمره الله أن يدعو عشيرته الأقربين بني هاشم، وفي الثالثة أمره الله بدعوة الناس عامة.
لكن مدوني السيرة النبوية من أتباع السلطة طمسوا مرحلة دعوة بني هاشم وحذفوها، وكأنه لا يوجد في القرآن آية: ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ 4، واخترعوا بدلها مرحلة بيت الأرقم، وما قبل بيت الأرقم، وما بعد بيت الأرقم! في كثير من الروايات الموضوعة!
وعندما أمر الله رسوله صلى الله عليه و آله: ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ 4، دعا بني هاشم وقال لهم (بعثت إلى أهل بيتي خاصة، وإلى الناس عامة) 5، واختار منهم كما أمره ربه أخاً ووزيراً ووصياً.
ومعنى ذلك أن بني هاشم أقرب الى دعوة النبي صلى الله عليه و آله من غيرهم، لقرابتهم، ولأنه ليس فيهم عدو لدود له إلا أبو لهب، ولذلك التفوا جميعاً حوله صلى الله عليه و آله مؤمنهم وكافرهم، وتحملوا الحصار الذي فرضته عليهم قبائل قريش لثلاث سنين وأكثر، ولم يقل أحد منهم آخ!
أما مؤمنوهم وأولهم علي عليه السلام فكانوا أبطالاً مميزين، وعندما كانت تقع الشدائد على المسلمين لم يكن أحدٌ ينهض بحملها إلا بنو هاشم فقد انهزم المسلمون جميعاً في أحد ولم يثبت غيرهم! وفي الخندق لم يجرؤ أحد على مبارزة بطل العرب غيرهم! وفي حنين انهزم المسلمون وهم عشرة آلاف ولم يثبت مع النبي صلى الله عليه و آله إلا بنو هاشم!
قال السيوطي في الدر المنثور: 5 / 97: (وأخرج ابن إسحق، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وأبو نعيم، والبيهقي في الدلائل، من طرقٍ، عن علي رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية على رسول الله (ص): ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ 4، دعاني رسول الله فقال: يا علي إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين… فاصنع لي صاعاً من طعام واجعل عليه رجل شاة، واجعل لنا عساً من لبن، ثم اجمع لي بني عبد المطلب حتى أكلمهم وأبلغ ما أمرت به. ففعلت ما أمرني به ثم دعوتهم له، وهم يومئذ أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصونه، فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب، فلما اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم فجئت به، فلما وضعته تناول النبي (ص) بضعة من اللحم فشقها بأسنانه، ثم ألقاها في نواحي الصحفة، ثم قال: كلوا بسم الله، فأكل القوم حتى نهلوا عنه، ما ترى إلا آثار أصابعهم! والله إن كان الرجل الواحد ليأكل ما قدمت لجميعهم! ثم قال: إسق القوم يا علي، فجئتهم بذلك العس فشربوا منه حتى رووا جميعاً! وأيم الله إن كان الرجل منهم ليشرب مثله! فلما أراد النبي (ص) أن يكلمهم بدره أبو لهب إلى الكلام، فقال: لقد سحركم صاحبكم! فتفرق القوم ولم يكلمهم النبي (ص)! فلما كان الغد قال: يا علي إن هذا الرجل قد سبقني إلى ما سمعت من القول، فتفرق القوم قبل أن أكلمهم، فعُدْ لنا بمثل الذي صنعت بالأمس من الطعام والشراب ثم اجمعهم لي، ففعلت ثم جمعتهم 6 ثم دعاني بالطعام فقربته ففعل كما فعل بالأمس فأكلوا وشربوا حتى نهلوا، ثم تكلم النبي (ص) فقال: يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم أحداً في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه، فأيكم يوازرني على أمري هذا؟ فقلت وأنا أحدثهم سناًّ: إنه أنا، فقام القوم يضحكون).
ثم رواها السيوطي بسند آخر عن البراء بن عازب، وبتر الحديث ولم يذكر بقية كلام النبي صلى الله عليه و آله! وهو أسلوب رواة الخلافة القرشية، لأن بقية الحديث تقول إن الله أمر رسوله صلى الله عليه و آله من يومها أن يختار وزيره وخليفته من عشيرته الأقربين!
قال الأميني رحمه الله في الغدير: 1 / 207: (وها نحن نذكر لفظ الطبري بنصه حتى يتبين الرشد من الغي! قال في تاريخه: 2 / 217، من الطبعة الأولى: (إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه، فأيكم يوازرني على هذا الأمر، على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟ قال: فأحجم القوم عنها جميعاً، وقلت وإني لأحدثهم سناً وأرمصهم عيناً وأعظمهم بطناً وأحمشهم ساقاً: أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه. فأخذ برقبتي ثم قال: إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا. قال: فقام القوم يضحكون، ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع).
وقال الأميني في الغدير: 2 / 279: وبهذا اللفظ أخرجه أبو جعفر الإسكافي المتكلم المعتزلي البغدادي المتوفى 240، في كتابه نقض العثمانية وقال: إنه روي في الخبر الصحيح 7
ثم شكا الأميني رحمه الله من الذين حرفوا الحديث لإرضاء حكومات قريش، ومنهم الطبري الذي رواه في تفسيره بنفس سنده المتقدم في تاريخه لكنه أبهم كلام النبي صلى الله عليه و آله في حق علي عليه السلام فقال: (ثم قال إن هذا أخي، وكذا وكذا)! وتبعه ابن كثير في النهاية: 3 / 40 وتفسيره: 3 / 351!
وفي هامش البحار: 32 / 272: (وناهيك من ذلك مؤاخاته مع رسول الله صلى الله عليه و آله بأمر من الله عز وجل في بدء الإسلام حين نزل قوله تعالى: ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ 48.
أقول: وروى حديث الدار في دعائم الإسلام: 1 / 15، وفيه: (يا بني عبد المطلب أطيعوني تكونوا ملوك الأرض وحكامها، إن الله لم يبعث نبياً إلا جعل له وصياً ووزيراً ووارثاً وأخاً وولياً، فأيكم يكون وصيي ووارثي ووليي وأخي ووزيري؟ فسكتوا، فجعل يعرض ذلك عليهم رجلاً رجلاً، ليس منهم أحد يقبله حتى لم يبق منهم أحد غيري، وأنا يومئذ من أحدثهم سناً، فعرض علي فقلت: أنا يا رسول الله. فقال: نعم أنت يا علي. فلما انصرفوا قال لهم أبو لهب: لو لم تستدلوا على سحر صاحبكم إلا بما رأيتم، أتاكم بفخذ شاة وقدح من لبن فشبعتم ورويتم! وجعلوا يهزؤون ويقولون لأبي طالب: قد قدم ابنك اليوم عليك). انتهى.
ولا بد أن دعوة النبي صلى الله عليه و آله لبني عبد المطلب واختياره وزيراً وخليفة منهم، شاعت في قبائل قريش فاتهموا النبي صلى الله عليه و آله بأنه يريد تأسيس ملك لبني هاشم والترأس على قبائل قريش! فنزلت سورة: ﴿ … عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ * الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ ﴾ 9فقد كانت بعثة النبي صلى الله عليه و آله نبأ عظيماً عليهم، لأنهم لا يرون فيها إلا رئاسة بني هاشم عليهم! ويرون تأكيدها في تعيين علي عليه السلام خليفته! 10.
وتحير رواة الخلافة في تفسير النبأ العظيم فروت تفاسيرهم عن مجاهد أنه القرآن، وقال بعضهم البعث، وقال بعضهم القيامة، وقال بعضهم النبوة، وكلها ظنون واحتمالات بدون علم 11.
***
هذه الأدلة الثلاثة التي روتها مصادرهم الصحيحة، وغيرها من نوعها كثير، لا تدع مجالاً للشك في أن ولاية الأمر بعد النبي صلى الله عليه و آله كانت مطروحةً من أول بعثته إلى آخر حياته صلى الله عليه و آله، وأن القبائل كانت ترى في نبوته بحسابها المادي مشروعاً مغرياً، وتطلب منه وعداً بأن يكون لها الأمر من بعده، ومنها قبائل يمانية، وعدنانية، وزعيم قبائل غطفان وهوازن النجدية!
وبهذا تعرف السبب الذي جعل الحكومات القرشية تحذف ذلك من سيرة النبي صلى الله عليه و آله، لأنه يكشف كذب مقولتهم التي أشاعوها بأن النبي صلى الله عليه و آله لم يوص الى علي عليه السلام، بل تكشف عن وجود منافقين في المسلمين الأوائل من قبائل قريش وغيرها، جذبتهم الحركة النبوية لا لأنها دينٌ نازلٌ من عند الله تعالى، بل لأنها مشروعٌ مغرٍ يؤمل له النجاح وأن يجد المنافق القرشي المعدم موقعاً فيه، ينقله من مهانة الهامش القبلي إلى مركز قيادي مع هذا المتنبئ من بني هاشم!
وبهذه الفرضية فقط يمكنك أن تفهم لماذا ذكر القرآن أسوأ أنواع المنافقين (الذين في قلوبهم مرض) في الآية 31 من سورة المدثر التي نزلت أوائل البعثة! وأن تفهم سبب استعجال بعض (المسلمين) أن يقاتل النبي صلى الله عليه و آله قريشاً في مكة! حتى نزل فيهم قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَىٰ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا ﴾ 12.
فلم يكن هؤلاء فرساناً ولا أهل قتال، بل كانوا جبناء انتهازيين يريدون أن يقاتل بنو هاشم الأبطال قبائل قريش، لعلهم ينتصرون عليهم فيكون لهم موقع معهم!
لكن عندما دعاهم النبي صلى الله عليه و آله الى مواجهة قريش في بدر جبنوا ونكصوا فنزلت فيهم الآية! قال الطبري في تفسيره: 5 / 233: (نزلت في قوم من أصحاب رسول الله (ص) كانوا قد آمنوا به وصدقوه قبل أن يفرض عليهم الجهاد… فلما فرض عليهم القتال شقَّ عليهم)! وقد سمت بعض الروايات عدداً منهم ووصفتهم بالنفاق!
***
أمام هذه الحقائق الصارخة، لا يمكن للإنسان أن يصدق دعوى زعماء قريش ومصادرهم بأن النبي صلى الله عليه و آله لم يعين خليفته من بعده، وأنهم لم يطرحوا معه مسألة خلافته أبداً أبداً، حتى بصيغة سؤال عن الحكم الشرعي وواجبهم عند وفاته! فما أكثر من سأل النبي صلى الله عليه و آله فبين لهم، وما أكثر أحاديثه صلى الله عليه و آله عن مستقبل أمته، وعن ارتداد أصحابه من بعده وصراعهم على السلطة، وأنه سيدخلون النار بسبب ذلك، ولا ينجو منهم من النار إلا قليلٌ بقدر (هَمَل النَّعم) حسب نص البخاري (7 / 209)! 13.

  • 1. ورواه الطبري في تاريخه: 2 / 84. وابن كثير في سيرته: 2 / 158، وحكاه في الغدير: 7 / 134 عن سيرة ابن هشام: 2 / 32، والروض الأنف: 1 / 264، وبهجة المحافل للعامري: 1 / 128، والسيرة الحلبية: 2 / 3، وسيرة زيني دحلان: 1 / 302، وحياة محمد لهيكل / 152.
  • 2. أصيب بالطاعون.
  • 3. مسلم: 6 / 16، والنسائي: 7 / 137، بعدة روايات، وعقد باباً بعنوان (باب البيعة على أن لا ننازع الأمر أهله). وابن ماجة: 2 / 957. وأحمد 5 / 316، و / 415 وقال: (قال سفيان: زاد بعض الناس: ما لم تروا كفرا بواحاً) والبيهقي في سننه: 8 / 145.
  • 4. a. b. c. d. القران الكريم: سورة الشعراء (26)، الآية: 214، الصفحة: 376.
  • 5. المناقب: 1 / 305.
  • 6. وكانت الدعوة في المرتين في بيت أبي طالب رحمه الله.
  • 7. ورواه الفقيه برهان الدين في أنباء نجباء الأبناء / 46 ـ 48. وابن الأثير في الكامل: 2 / 24 وأبو الفداء عماد الدين الدمشقي في تاريخه: 1 / 116 وشهاب الدين الخفاجي في شرح الشفا للقاضي عياض: 3 / 37 (وبتر آخره) وقال: ذكر في دلايل البيهقي وغيره بسند صحيح. والخازن علاء الدين البغدادي في تفسيره / 390، والحافظ السيوطي في جمع الجوامع، كما في ترتيبه: 6 / 392، وفي / 397، عن الحفاظ الستة: ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وأبي نعيم، والبيهقي، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: 3 / 254.
  • 8. راجع: تاريخ الطبري: 2 / 321، كامل ابن الأثير: 2 / 24، تاريخ أبي الفداء: 1 / 11، والنهج الحديدي: 3 / 254، ومسند الإمام ابن حنبل: 1 / 159، وجمع الجوامع ترتيبه: 6 / 408، وكنز العمال: 6 / 401. ثم ذكر تجديد النبي صلى الله عليه و آله مؤاخاته علياً عليه السلام في المدينة وقال له: والذي بعثني بالحق نبياً ما أخرتك إلا لنفسي، فأنت مني بمنزلة هرون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي وأنت أخي ووارثي، وأنت معي في قصري في الجنة.ثم قال له: وإذا ذاكرك أحد فقل: أنا عبد الله وأخو رسوله، ولا يدعيها بعدي إلا كاذب مفتر. راجع: سيرة ابن هشام: 1 / 504. المحبر: 71 / 70. البلاذري: 1 / 270 الرياض النضرة: 2 / 168. منتخب كنز العمال: 5 / 45 و46.
  • 9. القران الكريم: سورة النبإ (78)، من بداية السورة إلى الآية 3، الصفحة: 582.
  • 10. راجع: الكافي: 1 / 207، المناقب: 2 / 276، والقمي: 2 / 401، وفرات / 533، وشواهد التنزيل: 2 / 418، واليقين / 113، والطرائف / 94، وشواهد التنزيل: 1 / 335، وإحقاق الحق عن الثعلبي: 14 / 371، والبحار: 36 / 167.
  • 11. عمدة القاري: 25 / 176 وتغليق التعليق: 5 / 360، وتفسير الطبري: 30 / 4، والميزان: 20 / 159، والأمثل: 19 / 323.
  • 12. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 77، الصفحة: 90.
  • 13. بشارة النبي صلى الله عليه و آله بالأئمة الإثني عشر عليهم السلام، علي الكوراني العاملي، الناشر: دار الهدى ـ قم، الطبعة الأولى، سنة 1427 هجرية ـ 2006 ميلادية، ص 9 ـ 20.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى