روايات أهل البيت(ع)

تسامح الإمام الحسن(ع) مع معاوية…

نص الشبهة: 

يزعم الشيعة أن معاوية ـ «رضي الله عنه»ـ كان كافراً، ثم نجد أن الحسن بن علي «رضي الله عنه» قد تنازل له عن الخلافة ـ وهو الإمام المعصوم ـ، فيلزمهم أن يكون الحسن قد تنازل عن الخلافة لكافر، وهذا مخالف لعصمته! أو أن يكون معاوية مسلماً!

الجواب: 

بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
وبعد..
فإننا نجيب بما يلي:
أولاً: إن معاوية كان باغياً على إمامه محارباً له، تسبب ـ كما رووا ـ في قتل سبعين الفاً في صفين، خمسة وعشرين ألفاً من جيش علي «عليه السلام»، وخمسة وأربعين ألفاً من جيشه..
وكانت خلافة أمير المؤمنين «عليه السلام» شرعية بجميع المقاييس التي تفرض للشرعية، فالنبي «صلى الله عليه وآله» أخذ له البيعة من الناس يوم الغدير، وعمر بن الخطاب اضطر إلى أن يجعله في الشورى، وأجمع الناس عليه بعد قتل عثمان، فلم يرض في بادئ الأمر، وبقي أياماً عديدة حتى رضخ للأمر بعد أن أعطوه العهود التي أرادها منهم، وإن كان فريق منهم، قد نكث بيعته ونقض عهوده، وأخلف وعوده..
أما خلافة الإمام الحسن «عليه السلام»، فهي أولاً بنصب من رسول الله «صلى الله عليه وآله» بقوله: الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا، ثم بوصية من خليفة شرعي، ثم ببيعة من أهل الحل والعقد، كما هو المصطلح عند فريق كبير من المسلمين..
ولكن معاوية قد بغى عليه، وحاربه، كما بغى على أبيه وحاربه.
فإنما هي شنشنة أعرفها من أخزم.. وحسب معاوية أن يكون في موقع الباغي والخارج على إمامه الذي أمره الله بطاعته.. وحسبه أنه أوغل في دماء صحابة رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وقتل الإمام الحسن «عليه السلام»، وحجر بن عدي صبراً، وعمار بن ياسر الذي ملئ إيماناً إلى مشاشه، وهو جلدة ما بين عيني رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وقتل الكثير الكثير من أعيان الصحابة، ومن الأبرار الأخيار.
وإذا كان قد قتل ما قتل، وفعل ما فعل قبل أن تدور رحى الحرب بينه وبين الإمام الحسن «عليه السلام»، فلا يعلم إلا الله تعالى إلى أين ستنتهي الأمور بعد نشوب الحرب، ويمكنه من تحقيق النصر.
ألم يكن واضحاً لدى كل أحد أن ما فعله الإمام الحسن «عليه السلام» كان من أعظم إنجازاته، ومن أجلّ فواضله؟!
ألا يدلُّنا تسليمه الأمر لمعاوية الذي كانت هذه فعاله على مدى إيغال معاوية في البعد عن الله، وعن التزام أحكامه؟!
فلو أن رجلاً يقول لك: إما أن تعطيني مفاتيح الكعبة، وإما أن أهدم الكعبة، وأهلكك وأقتلك، وهو قادر على فعل ذلك، وقد أثبتت لك جرائمه، وأفاعيله أنه سيفعل ذلك بلا شك.. هل تعطيه المفاتيح، ام ترضى بأن ينفذ تهديداته؟!
وإذا قال لك: إما أن تعطيني الإمارة على هذا الجمع، وإما أن اقتل هذا الجمع كله، فهل تقول له: بل اقتل الجمع كله، لأن إمارتك عليهم حرام؟!
ولو قال: إما أن أقتل هذا النبي الذي هو في يدي، أو تعطيني مائة الف درهم، هل تقول له اقتل النبي لأنني بحاجة إلى المائة ألف لأصرفها على الأيتام، أو على أولادي؟!
ثانياً: إن الحديث عن الكفر والإيمان، والسعي لانتزاع إقرار بكفر هذا أو ذاك ليس له مبرر، بعد أن قلنا مراراً وتكراراً: إن الميزان في التعامل مع الأشخاص هو ما يظهرونه، أما الباطن فأمره إلى الله تعالى، فإنه هو العالم بالسرائر، والمطلع على الضمائر.. والمهم هو ملاحظة سلوك الإنسان، والتعامل معه على أساسه.
ثالثاً: إن القاعدة التي أسسها هذا السائل ليست صحيحة، فإن الكافر إذا اغتصب الحكم من المؤمن، فذلك لا يعني: أن ذلك الكافر صار مؤمناً، ففرعون كان متسلطاً على أهل مصر، ولم يكن موسى «عليه السلام» قادراً على إزاحته، فهل يصح أن يقال: إن فرعون مؤمن، لأن سكوت موسى «على نبينا وآله وعليه السلام» عنه يدلُّ على إيمانه؟!
كما أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد عقد صلحاً مع المشركين في الحديبية، فهل أصبح مشركوا مكة مؤمنين.
ولا فرق بين اغتصاب الحكم بقوة السيف مباشرة، وبين إجبار الإمام الشرعي الذي نصبه رسول الله «صلى الله عليه وآله»، واستخلفه الإمام الشرعي، وبايعه الناس على التنازل تحت طائلة التهديد بقتله، وإبادة شيعته لو لم يفعل.
ولا فرق بين أن يكون ذلك المتسلط مدعياً للإسلام أو مظهراً للكفر، وحتى لو كان معلناً بالكفر، فإن ذلك لا يخل بعصمة النبي أو الإمام الذي تعرض للتهديد والقهر والإجبار على التنازل عن الأمر، وهذا ما حصل للإمام الحسن «عليه السلام» بالفعل، وهذا هو حال الأنبياء الذين كانوا مستبعدين عن الحكم، الذي استأثر به أعداؤهم لأنفسهم..
والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله.. 1.

  • 1. ميزان الحق (شبهات.. و ردود)، السيد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، سنة 1431 هـ ـ 2010 م، الجزء الأول، السؤال رقم (21).
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى