سادة القافلةسيرة أهل البيت (ع)في رحاب نهج البلاغةمناسباتمنوعات

شخصية الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام – الثالث

لبيب بيضون

زهد الامام وتقواه

مدخل:

يقول ابن ابي الحديد المعتزلي في شرحه للنهج عن زهد الامام (ع): وأما الزهد في الدنيا فهوسيد الزهاد، وبدل الابدال، واليه تشد الرحال.

ما شبع من طعام قط. وكان أخشن الناس مأكلا ولباسا. وكان لا يأكل من اللحم الا قليلا، ويقول: لا تجعلوا بطونكم مقابر الحيوان. وكان مع ذلك أشد الناس قوة واعظمهم أيدا. وهوالذي طلق الدنيا ثلاثا. وكانت الاموال تجبى اليه من جميع بلاد الاسلام فكان يفرقها ثم يقول:

        هذا جناي وخياره فيه  *****     اذ كل جان يده الى فيه

قال عمر بن عبد العزيز: ما علمنا أن أحدا كان في هذه الامة بعد النبي (ص) أزهد من علي بن أبي طالب (ع).

النصوص:

قال الامام علي (ع)

في نهاية الخطبة الشقشقية: ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز. (الخطبة ٣، ٤٤)

قال عبد اللّه بن العباس (رض): دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام بذي قار وهويخصف نعله، فقال لي: ما قيمة هذه النعل؟ فقلت: لا قيمة لها فقال (ع): واللّه لهي أحبّ إليّ من إمرتكم، إلاّ أن أقيم حقّا، أوأدفع باطلا. (الخطبة ٣٣، ٨٩)

ومن كلام له (ع) لما عزموا على بيعة عثمان: لقد علمتم أنّي أحقّ النّاس بها من غيري، وواللّه لأسلمنّ ما سلمت أمور المسلمين، ولم يكن فيها جور إلاّ عليّ خاصّة. التماسا لأجر ذلك وفضله، وزهدا فيما تنافستموه من زخرفه وزبرجه. (الخطبة ٧٢، ١٢٩)

ومن كلام له (ع) في ذكر عمروبن العاص: أما واللّه إنّي ليمنعني من اللّعب ذكر الموت، وإنه ليمنعه من قول الحقّ نسيان الآخرة. (الخطبة ٨٢، ١٤٩)

وقال (ع): واللّه لقد رقّعت مدرعتي هذه حتّى استحييت من راقعها. ولقد قال لي قائل: ألا تنبذها عنك؟ فقلت: أعزب عنّي، فعند الصّباح يحمد القوم السّرى (وهوالسير ليلا). (الخطبة ١٥٨، ٢٨٥)

أيّها النّاس، إنّي واللّه ما أحثّكم على طاعة إلاّ وأسبقكم إليها، ولا أنهاكم عن معصية إلاّ وأتناهى قبلكم عنها. (الخطبة ١٧٣، ٣١١)

ومن كلام له (ع) في معاوية: واللّه ما معاوية بأدهى منّي، ولكنّه يغدر ويفجر. ولولا كراهية الغّدر لكنت من أدهى النّاس. ولكن كلّ غدرة فجرة، وكلّ فجرة كفرة. «ولكلّ غادر لواء يعرف به يوم القيامة». (الخطبة ١٩٨، ٣٩٤)

وإنّ دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها. ما لعليّ ولنعيم يفنى، ولذّة لا تبقى. (الخطبة ٢٢٢، ٤٢٧)

من كتاب له (ع) الى عثمان بن حنيف الانصاري وكان عامله على البصرة، وقد بلغه أنه دعي الى وليمة قوم من أهلها، فمضى اليها قوله:

أمّا بعد، يا بن حنيف، فقد بلغني أنّ رجلا من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة فأسرعت إليها. تستطاب لك الألوان، وتنقل إليك الجفان وما ظننت أنّك تجيب إلى طعام قوم، عائلهم مجفو(أي محتاجهم مطرود) وغنيّهم مدعوّ. فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم (قضم: اكل بطرف اسنانه). فما اشتبه عليك علمه فالفظه، وما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه.

ألا وإنّ لكلّ مأموم إماما يقتدي به ويستضي‏ء بنور علمه، ألا وإنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه (أي ثوبيه الباليين)، ومن طعمه بقرصيه (أي رغيفيه).

ألا وإنّكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني بورع واجتهاد وعفّة وسداد. فواللّه ما كنزت من دنياكم تبرا، ولا ادّخرت من غنائمها وفرا، ولا أعددت لبالي ثوبي طمرا، ولا حزت من أرضها شبرا. ولا أخذت منه إلاّ كقوت أتان دبرة (التي عقر ظهرها فقل أكلها). ولهي في عيني أوهى وأهون من عفصة مقرة. بلى كانت في أيدينا فدك (قرية نحلها النبي )ص( لابنته الزهراء) من كلّ ما أظلّته السّماء، فشحّت عليها نفوس قوم (أي الخليفة الاول والثاني) وسخت عنها (أي زهدت بها) نفوس قوم اخرين (أي بني هاشم) ونعم الحكم اللّه. وما أصنع بفدك، وغير فدك والنّفس مضانّها في غد جدث (أي قبر) تنقطع في ظلمته آثارها، وتغيب أخبارها، وحفرة لوزيد في فسحتها، وأوسعت يدا حافرها، لأضغطها الحجر والمدر، وسدّ فرجها التّراب المتراكم.

وإنّما هي نفسي أروضها بالتّقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر، وتثبت على جوانب المزلق (كناية عن الصراط). ولوشئت لاهتديت الطّريق إلى مصفّى هذا العسل، ولباب هذا القمح، ونسائج هذا القزّ. ولكن هيهات أن يغلبني هواي، ويقودني جشعي إلى تخيّر الأطعمة ولعلّ بالحجاز أواليمامة من لا طمع له في القرص، ولا عهد له بالشّبع أوأبيت مبطانا وحولي بطون غرثى وأكباد حرّى، أوأكون كما قال القائل:

وحسبك داء أن تبيت ببطنة وحولك أكباد تحنّ إلى القدّ أ أقنع من نفسي بأن يقال: هذا أمير المؤمنين، ولا أشاركهم في مكاره الدّهر، أوأكون أسوة لهم في جشوبة العيش فما خلقت ليشغلني أكل الطّيّبات، كالبهيمة المربوطة، همّها علفها، أوالمرسلة شغلها تقمّمها (أي البهيمة السائبة شغلها أن تلتقط القمامة) تكترش من أعلافها، وتلهوعمّا يراد بها. أوأترك سدى وأهمل عابثا، أوأجرّ حبل الضّلالة، أوأعتسف طريق المتاهة. وكأنّي بقائلكم يقول:

«إذا كان هذا قوت ابن أبي طالب، فقد قعد به الضّعف عن قتال الأقران، ومنازلة الشّجعان». ألا وإنّ الشّجرة البريّة أصلب عودا، والرّوائع الخضرة أرقّ جلودا، والنّباتات البدويّة أقوى وقودا وأبطأ خمودا (أي أن النباتات الصحراوية تكون اقوى اشتعالا من النباتات المروية). وأنا من رسول اللّه كالصّنومن الصّنو(الصنوان: النخلتان يجمعهما اصل واحد) والذّراع من العضد. واللّه لوتظاهرت العرب على قتالي لما ولّيت عنها، ولوأمكنت الفرص من رقابها لسارعت إليها. وسأجهد في أن أطهّر الأرض من هذا الشّخص المعكوس، والجسم المركوس )أي مقلوب الفكر( حتّى تخرج المدرة (قطعة الطين اليابسة) من بين حبّ الحصيد (أي حتى يطهر المؤمنين من المخالفين). (الخطبة ٢٨٤، ٥٠٥)

إليك عنّي يا دنيا فحبلك على غاربك، قد انسللت من مخالبك وأفلتّ من حبائلك، واجتنبت الذّهاب في مداحضك. (الخطبة ٢٨٤، ٥٠٨)

أعزبي عنّي (يا دنيا) فواللّه لا أذلّ لك فتستذلّيني، ولا أسلس لك فتقوديني. وأيم اللّه يمينا أستثني فيها بمشيئة اللّه لأروضنّ نفسي رياضة تهشّ معها إلى القرص(أي تفرح بالرغيف من شدة ما حرمته) إذا قدرت عليه مطعوما، وتقنع بالملح مأدوما، ولأدعنّ مقلتي كعين ماء، نضب معينها، مستفرغة دموعها. أتمتلي‏ء السّائمة من رعيها فتبرك؟ وتشبع الرّبيضة من عشبها فتربض؟ ويأكل عليّ من زاده فيهجع قرّت إذا عينه (دعاء على نفسه (ع) بالموت، الذي علامته سكون عينه) إذا اقتدى بعد السّنين المتطاولة، بالبهيمة الهاملة والسّائمة المرعيّة. (الخطبة ٢٨٤، ٥٠٩)

ومن خبر ضرار بن حمزة الضبائي عند دخوله على معاوية ومسألته له عن أمير المؤمنين، قال: فأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله، وهوقائم في محرابه قابض على لحيته، يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين، ويقول: يا دنيا يا دنيا إليك عنّي. أبي تعرّضت أم إليّ تشوّقت؟ لا حان حينك، هيهات غرّي غيري، لا حاجة لي فيك. قد طلّقتك ثلاثا لا رجعة فيها فعيشك قصير، وخطرك يسير، وأملك حقير. آه من قلّة الزّاد، وطول الطّريق، وبعد السّفر، وعظيم المورد. (٧٧ ح، ٥٧٧) ورئي على الامام إزار مرقوع فقيل له في ذلك، فقال: يخشع له القلب، وتذلّ به النّفس، ويقتدي به المؤمنون. إنّ الدّنيا والآخرة عدوّان متفاوتان.. (١٠٣ ح، ٥٨٣) واللّه لدنياكم هذه أهون في عيني من عراق (هوجزء من الحشا) خنزير في يد مجذوم (أي في يد شوهها الجذام). (٢٣٦ ح، ٦٠٩)

الامام علي صوت العدالة الانسانية

وصايا الامام (ع) لعماله من كلام له (ع) فيما رده على المسلمين من قطائع عثمان: واللّه لووجدته قد تزوّج به النّساء، وملك به الإماء، لرددته، فإنّ في العدل سعة. ومن ضاق عليه العدل، فالجور عليه أضيق. (الخطبة ١٥، ٥٥)

الذّليل عندي عزيز حتّى آخذ الحقّ له، والقويّ عندي ضعيف حتّى آخذ الحقّ منه. (الخطبة ٣٧، ٩٦)

ولقد أصبحت الأمم تخاف ظلم رعاتها، وأصبحت أخاف ظلم رعيّتي.. أيّها القوم.. صاحبكم يطيع اللّه وأنتم تعصونه. (الخطبة ٩٥، ١٨٨)

لم تكن بيعتكم إيّاي فلتة، وليس أمري وأمركم واحدا. إنّي أريدكم للّه وأنتم تريدونني لأنفسكم. أيّها النّاس، أعينوني على أنفسكم، وايم اللّه لأنصفنّ المظلوم من ظالمه، ولأقودنّ الظّالم بخزامته، حتّى أورده منهل الحقّ وإنّ كان كارها. (الخطبة ١٣٤، ٢٤٧)

ولا تظنّوا بي استثقالا في حقّ قيل لي، ولا التماس إعظام لنفسي، فإنّه من استثقل الحقّ أن يقال له، أوالعدل أن يعرض عليه، كان العمل بهما أثقل عليه. فلا تكفّوا عن مقالة بحقّ، أومشورة بعدل. (الخطبة ٢١٤، ٤١٢)

وقال (ع) يتبرأ من الظلم: واللّه لأن أبيت على حسك السّعدان مسهّدا (الحسك: الشوك. والسعدان نبت له شوك ترعاه الابل)، أوأجرّ في الأغلال مصفّدا، أحبّ إليّ من أن ألقى اللّه ورسوله يوم القيامة، ظالما لبعض العباد، وغاصبا لشي‏ء من الحطام.

وكيف أظلم أحدا، لنفس يسرع إلى البلى قفولها، ويطول في الثّرى حلولها؟ (الخطبة ٢٢٢، ٤٢٥)

واللّه لقد رأيت عقيلا وقد أملق (أي اشتد فقره)، حتّى استماحني من برّكم (أي استعطاني من قمحكم) صاعا. ورأيت صبيانه شعث الشّعور، غبر الألوان من فقرهم، كأنّما سوّدت وجوههم بالعظلم (سواد يصبغ به، وقيل النيلة). وعاودني مؤكّدا، وكرّر عليّ القول مردّدا، فأصغيت إليه سمعي، فظنّ أنّي أبيعه ديني، وأتّبع قياده مفارقا طريقتي. فأحميت له حديدة. ثمّ أدنيتها من جسمه ليعتبر بها، فضجّ ضجيج ذي دنف (أي مرض) من ألمها. وكاد أن يحترق من ميسمها. فقلت له: ثكلتك الثّواكل يا عقيل. أتئنّ من حديدة أحماها إنسانها للعبه، وتجرّني إلى نار سجرها (أي أضرمها) جبّارها لغضبه أتئنّ من الأذى ولا أئنّ من لظى؟ وأعجب من ذلك طارق طرقنا بملفوفة في وعائها (نوع من الحلواء أهداها اليه الاشعث بن قيس)، ومعجونة شنئتها (أي كرهتها). كأنّما عجنت بريق حيّة أوقيئها. فقلت: أصلة أم زكاة أم صدقة؟ فذلك محرّم علينا أهل البيت. فقال: لا ذا ولا ذاك، ولكنّها هديّة. فقلت: هبلتك الهبول (هي المرأة التي لا يعيش لها ولد)، أعن دين اللّه أتيتني لتخدعني أمختبط أنت أم ذوجنّة أم تهجر (أي تهذي)؟ واللّه لوأعطيت الأقاليم السّبعة بما تحت أفلاكها، على أن أعصي اللّه في نملة أسلبها جلب (أي قشرة) شعيرة ما فعلته. وإنّ دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها. ما لعليّ ولنعيم يفنى ولذّة لا تبقى نعوذ باللّه من سبات العقل، وقبح الزّلل، وبه نستعين. (الخطبة ٢٢٢، ٤٢٦)

ومن وصية له (ع) للحسن والحسين (ع) لما ضربه عبد الرحمن بن ملجم، قال: يا بني عبد المطّلب، لا ألفينّكم تخوضون دماء المسلمين خوضا، تقولون: قتل أمير المؤمنين. ألا لا تقتلنّ بي إلاّ قاتلي. أنظروا إذا أنا متّ من ضربته هذه، فاضربوه ضربة بضربة، ولا يمثّل بالرّجل، فانّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يقول: «إيّاكم والمثلة ولوبالكلب العقور». (الخطبة ٢٨٦، ٥١٢)

لما بلغه (ع) اغارة أصحاب معاوية على الانبار، فخرج بنفسه ماشيا حتى أتى النخيلة، فادركه الناس، وقالوا: يا أمير المؤمنين نحن نكفيكهم. فقال: ما تكفونني أنفسكم، فكيف تكفونني غيركم، إن كانت الرّعايا قبلي لتشكوحيف رعاتها، وإنّني اليوم لأشكوحيف رعيّتي، كأنّني المقود وهم القادة، أوالموزوع (أي المحكوم) وهم الوزعة (جمع وازع بمعنى الحاكم). (الخطبة ٢٦١ ح، ٦١٨)

تواضع الامام وإنكاره التملق له

قال الامام علي (ع):

وقد كرهت أن يكون جال في ظنّكم أنّي أحبّ الإطراء، واستماع الثّناء. ولست بحمد اللّه كذلك. ولوكنت أحبّ أن يقال ذلك لتركته انحطاطا للّه سبحانه عن تناول ما هوأحقّ به من العظمة والكبرياء. وربّما استحلى النّاس الثّناء بعد البلاء، فلا تثنوا عليّ بجميل ثناء، لإخراجي نفسي إلى اللّه سبحانه وإليكم من التّقيّة في حقوق لم أفرغ من أدائها، وفرائض لا بدّ من إمضائها. فلا تكلّموني بما تكلّم به الجبابرة، ولا تتحفّظوا منّي بما يتحفّظ به عند أهل البادرة، ولا تخالطوني بالمصانعة، ولا تظنّوا بي استثقالا في حق قيل لي، ولا التماس إعظام لنفسي، فإنّه من استثقل الحقّ أن يقال له، أوالعدل أن يعرض عليه، كان العمل بهما أثقل عليه، فلا تكفّوا عن مقالة بحقّ، أومشورة بعدل. فإنّي لست في نفسي بفوق أن أخطي‏ء، ولا آمن ذلك من فعلي، إلاّ أن يكفي اللّه من نفسي ما هوأملك به منّي. فإنّما أنا وأنتم عبيد مملوكون لرب لا ربّ غيره. يملك منّا ما لا نملك من أنفسنا، وأخرجنا ممّا كنّا فيه إلى ما صلحنا عليه، فأبدلنا بعد الضّلالة بالهدى، وأعطانا البصيرة بعد العمى. (الخطبة ٢١٤، ٤١٢)

وقال (ع) وقد لقيه عند مسيره الى الشام دهاقين الانبار، فترجلوا له واشتدوا بين يديه.

فقال (ع): ما هذا الّذي صنعتموه؟ فقالوا: خلق منّا نعظّم به أمراءنا. فقال (ع): واللّه ما ينتفع بهذا أمراؤكم وإنّكم لتشقّون على أنفسكم في دنياكم، وتشقون به في آخرتكم. وما أخسر المشقّة وراءها العقاب، وأربح الدّعة معها الأمان من النّار. (٣٧ ح، ٥٧٢)

وقال (ع) لرجل أفرط في الثناء عليه، وكان له متّهما: أنا دون ما تقول وفوق ما في نفسك. (٨٣ ح، ٥٧٩) وقال (ع) وقد مدحه قوم في وجهه: اللّهمّ إنّك أعلم بي من نفسي، وأنا أعلم بنفسي منهم. اللّهمّ اجعلنا خيرا ممّا يظنّون، واغفر لنا ما لا يعلمون. (١٠٠ ح، ٥٨٢)

أقبل شخص يمشي مع الإمام والإمام راكب فقال له (ع): ارجع فإنّ مشي مثلك مع مثلي فتنة للوالي ومذلّة للمؤمن. (٣٢٢ ح، ٦٣١)

جهاد الامام علي وشجاعته

مدخل:

يقول ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح النهج: أما شجاعته فانه أنسى الناس فيها ذكر من كان قبله، ومحا ذكر من يأتي بعده. ما بارز احدا الا قتله، وما ضرب ضربة قط فاحتاجت الى ثانية. وفي الحديث: «كانت ضرباته وترا». وكانت العرب تفتخر بوقوفها في الحرب في مقابلته.

اما عن قوّته فقد قال ابن قتيبة: ما صارع أحدا قط الا صرعه.

وهوالذي قلع باب خيبر، واقتلع (هبل) من أعلى الكعبة، وكان عظيما جدا، وألقاه إلى الأرض.

اما في الفتوة، فان ارباب الفتوة سموه: سيد الفتيان. وشعارهم في ذلك:

       لا سيف إلاّ ذوالفقار*****    ولا فتى إلاّ علي

واما في الجهاد في سبيل اللّه فهوسيد المجاهدين، وهل الجهاد لأحد من الناس الا له. في (بدر) قتل سبعون شخصا من المشركين، قتل علي عليه السلام أكثر من نصفهم، وقتل المسلمون والملائكة النصف الآخر.

النصوص:

قال الامام علي (ع):

فإن أقل يقولوا: حرص على الملك، وإن أسكت يقولوا: جزع من الموت. هيهات بعد اللّتيّا والّتي، واللّه لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمّة. بل اندمجت على مكنون علم لوبحت به لآضطربتم اضطراب الأرشية (أي الحبال) في الطّويّ البعيدة. (الخطبة ٥، ٤٨)

واللّه لا أكون كالضّبع: تنام على طول اللّدم (الضرب بشي‏ء ثقيل على الارض) حتّى يصل إليها طالبها، ويختلها راصدها (يقصد الامام بذلك انه لا يخدع). ولكنّي أضرب بالمقبل إلى الحقّ، المدبر عنه. وبالسّامع المطيع، العاصي المريب أبدا، حتّى يأتي عليّ يومي. (الخطبة ٦، ٤٩)

وإنّ معي لبصيرتي: ما لبّست على نفسي ولا لبّس عليّ. وأيم اللّه لأفرطنّ لهم حوضا أنا ماتحه (أي لأملأن لهم حوضا هوحوض البلاء والحرب، أنا خبير به). لا يصدرون عنه (أي اذا ماتوا) ولا يعودون إليه (أي اذا لاذوا بالفرار). (الخطبة ١٠، ٥١)

فإن أبوا أعطيتهم حدّ السّيف وكفى به شافيا من الباطل، وناصرا للحقّ ومن العجب بعثهم إليّ أن أبرز للطّعان وأن أصبر للجلاد، هبلتهم الهبول (دعاء عليهم بالموت، لان الهبول هي المرأة التي لا يبقى لها ولد) لقد كنت وما أهدّد بالحرب، ولا أرهب بالضّرب. وإنّي لعلى يقين من ربّي، وغير شبهة من ديني. (الخطبة ٢٢، ٦٧)

وقال (ع) متبرما من أصحابه: يا أشباه الرّجال ولا رجال… لقد ملأتم قلبي قيحا… وأفسدتم عليّ رأيي بالعصيان والخذلان، حتّى لقد قالت قريش: إنّ ابن أبي طالب رجل شجاع، ولكن لا علم له بالحرب.

للّه أبوهم وهل أحد منهم أشدّ لها مراسا، وأقدم فيها مقاما منّي لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين، وها أنذا قد ذرّفت على السّتين ولكن لا رأي لمن لا يطاع. (الخطبة ٢٧، ٧٧)

وقال (ع) وقد ذكر بعثة النبي (ص) وهوسائر لقتال أهل البصرة: أما واللّه إن كنت لفي ساقتها، حتّى تولّت بحذافيرها. ما عجزت ولا جبنت، وإنّ مسيري هذا لمثلها. ولأنقبنّ الباطل حتّى يخرج الحقّ من جنبه. (الخطبة ٣٣، ٨٩)

ما لي ولقريش واللّه لقد قاتلتهم كافرين، ولأقاتلنّهم مفتونين. وإنّي لصاحبهم بالأمس، كما أنا صاحبهم اليوم واللّه ما تنقم منّا قريش إلاّ أنّ اللّه اختارنا عليهم، فأدخلناهم في حيّزنا. فكانوا كما قال الأوّل: أدمت لعمري شربك المحض صابحا وأكلك بالزّبد المقشّرة البجرا ونحن وهبناك العلاء ولم تكن عليا، وحطنا حولك الجرد والسّمرا (الخطبة ٣٣، ٩٠)

أنت فكن ذاك إن شئت، فأمّا أنا فواللّه دون أن أعطي ذلك ضرب بالمشرفيّة، تطير منه فراش الهام (العظام الرقيقة التي تلي القحف)، وتطيح السّواعد والأقدام. (الخطبة ٣٤، ٩٢)

أمّا قولكم: أكلّ ذلك كراهية الموت فواللّه ما أبالي دخلت إلى الموت أوخرج الموت إليّ. (الخطبة ٥٥، ١١١)

من كلام له (ع) لما خوّف من الاغتيال، يفيد توكله على اللّه: وإنّ عليّ من اللّه جنّة حصينة، فاذا جاء يومي انفرجت عنّي وأسلمتني. فحينئذ لا يطيش السّهم، ولا يبرأ الكلم. (الخطبة ٦٠، ١١٥)

وأيم اللّه لقد كنت من ساقتها (أي الجاهلية) حتّى تولّت بحذافيرها، واستوسقت في قيادها. ما ضعفت ولا جبنت، ولا خنت ولا وهنت. وأيم اللّه لأبقرنّ الباطل حتّى أخرج الحقّ من خاصرته. (وقد مرت برواية أخرى). (الخطبة ١٠٢، ١٩٩)

واللّه لولا رجائي الشّهادة عند لقائي العدوولوقد حمّ لي لقاؤه لقرّبت ركابي، ثمّ شخصت عنكم، فلا أطلبكم ما اختلف جنوب وشمال. (الخطبة ١١٧، ٢٢٧)

إنّ الموت طالب حثيث، لا يفوته المقيم، ولا يعجزه الهارب. إنّ أكرم الموت القتل والّذي نفس ابن أبي طالب بيده، لألف ضربة بالسّيف أهون عليّ من ميتة على الفراش، في غير طاعة اللّه. (الخطبة ١٢١، ٢٣٢)

واللّه لأنا أشوق إلى لقائهم، منهم إلى ديارهم. (الخطبة ١٢٢، ٢٣٣)

وأيم اللّه لأفرطنّ لهم حوضا أنا ماتحه (هوحوض الموت يسقي الامام منه أعداءه) لا يصدرون عنه بريّ، ولا يعبّون بعده في حسي (أي يسقيهم كأسا لا يتجرعون سواها). (الخطبة ١٣٥، ٢٤٨)

وإنّ أحبّ ما أنا لاق إليّ الموت. (الخطبة ١٧٨، ٣٢٢)

وقال (ع) في الخطبة القاصعة: أنا وضعت في الصّغر بكلاكل العرب، وكسرت نواجم قرون ربيعة ومضر. (الخطبة ١٩٠، ٤، ٣٧٣)

من كتاب له (ع) الى معاوية:… فأنا أبوحسن قاتل جدّك وأخيك وخالك شدخا يوم بدر (جد معاوية لأمه عتبة بن أبي ربيعة، وخاله الوليد بن عتبة، وأخوه حنظلة بن أبي سفيان). وذلك السّيف معي، وبذلك القلب ألقى عدوّي. ما استبدلت دينا، ولا استحدثت نبيّا. وإنّي لعلى المنهاج الّذي تركتموه طائعين، ودخلتم فيه مكرهين. (الخطبة ٢٤٩، ٤٥٠)

واللّه ما فجأني من الموت وارد كرهته، ولا طالع أنكرته. وما كنت إلاّ كقارب ورد، وطالب وجد ومَا عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ لِلأَبْرَارِ. (الخطبة ٢٦٢، ٤٥٩)

وذكرت أنّه ليس لي ولإصحابي عندك إلاّ السّيف، فلقد أضحكت بعد استعبار متى ألفيت بني عبد المطّلب عن الأعداء ناكلين، وبالسّيف مخوّفين؟. (الخطبة ٢٦٧، ٤٧١)

فواللّه لولا طمعي عند لقائي عدوّي في الشّهادة، وتوطيني نفسي على المنيّة، لأحببت ألاّ ألقى مع هؤلاء يوما واحدا، ولا ألتقي بهم أبدا. (الخطبة ٢٧٤، ٤٩٣)

 من كتاب له (ع) الى أخيه عقيل في ذكر جيش أنفذه الى بعض الاعداء: فسرّحت إليه جيشا كثيفا من المسلمين، فلمّا بلغه ذلك شمّر هاربا ونكص نادما. فلحقوه ببعض الطّريق. وقد طفّلت الشّمس للإياب. فاقتتلوا شيئا كلا ولا (كناية عن السرعة). فما كان إلاّ كموقف ساعة حتّى نجا جريضا (مغموما) بعد ما أخذ منه بالمخنّق، ولم يبق منه غير الرّمق. فلأيا بلأي مانجا… وأمّا ما سألت عنه من رأيي في القتال، فإنّ رأيي قتال المحلّين، حتّى ألقى اللّه، لا يزيدني كثرة النّاس حولي عزّة، ولا تفرّقهم عنّي وحشة. ولا تحسبنّ ابن أبيك ولوأسلمه النّاس متضرّعا متخشّعا، ولا مقرّا للضّيم واهنا، ولا سلس الزّمام للقائد، ولا وطي‏ء الظّهر للرّاكب المتعقّد، ولكنّه كما قال أخوبني سليم:

   فإن تسأليني كيف أنت فإنّني *****  صبور على ريب الزّمان صليب
    يعزّ عليّ أن ترى بي كآبة *****   فيشمت عاد أو يساء حبيب (الخطبة ٢٧٥، ٤٩٣)

وكأنّي بقائلكم يقول «إذا كان هذا قوت ابن أبي طالب، فقد قعد به الضّعف عن قتال الأقران، ومنازلة الشّجعان». ألا وإنّ الشّجرة البرّية أصلب عودا، والرّوائع الخضرة أرقّ جلودا، والنّباتات البدوية أقوى وقودا وأبطأ خمودا. وأنا من رسول اللّه كالصّنومن الصّنو، والذّراع من العضد. واللّه لوتظاهرت العرب على قتالي لما ولّيت عنها، ولوأمكنت الفرص من رقابها لسارعت إليها… (الخطبة ٢٨٤، ٥٠٧)

من كتاب له (ع) الى أهل مصر، مع مالك الاشتر لما ولاه امارتها: إنّي واللّه لولقيتهم واحدا، وهم طلاع الأرض كلّها (أي يملؤون الارض) ما باليت ولا استوحشت، وإنّي من ضلالهم الّذي هم فيه، والهدى الّذي أنا عليه، لعلى بصيرة من نفسي، ويقين من ربّي. وإنّي إلى لقاء اللّه لمشتاق، وحسن ثوابه لمنتظر راج. ولكنّني آسى أن يلي أمر هذه الأمّة سفهاؤها وفجّارها، فيتّخذوا مال اللّه دولا.. (الخطبة ٣٠١، ٥٤٨)

ومن كتاب له (ع) الى معاوية: وعندي السّيف الّذي أعضضته بجدّك وخالك وأخيك في مقام واحد. (الخطبة ٣٠٣، ٥٥١)

وقيل له (ع): بأي شي‏ء غلبت الاقران؟ فقال عليه السلام: ما لقيت رجلا إلاّ أعانني على نفسه (يومي بذلك الى تمكن هيبته في القلوب). (٣١٨ ح، ٦٣٠) واللّه ما خلعت باب خيبر، ودكدكت حصن يهود، بقوّة جسمانيّة، بل بقوّة إلهيّة. (٦٢٦ حديد)

يتبع ……..

المصدر: http://arabic.balaghah.net

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى