إسئلنا

الفتوحات…

نص الشبهة: 

إذا كان أهل النفاق والردَّة في الصحابة بهذه الكثرة والعدة التي يدعيها الشيعة، فكيف انتشر الإسلام؟! وكيف سقطت فارس والروم، وفتح بيت المقدس؟!

الجواب: 

بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد ..
فإننا نجيب بما يلي:
أولاً: قلنا: إن فريقاً من الصحابة هم الذين سعوا إلى الاستئثار بأمر الخلافة بعد الرسول «صلى الله عليه وآله»، وأخذوها من صاحبها الشرعي .. فعارضهم بنو هاشم، وآخرون .. وسكت معظم الصحابة، إما رهبة، أو حباً بتجنب المتاعب، وإيثاراً للراحة والسلامة، كما هو حال عامة الناس في كل زمان ..
أو رغبة في الحصول على بعض الفوائد والعوائد، التي يطمع الكثيرون بالحصول عليها في أمثال هذه الحالات ..
فلم يرتد الصحابة بذلك عن الإسلام إلى الشرك، بل هم تخلفوا عن القيام بواجباتهم ، وعن العمل بتعهداتهم.
ثانياً: إن فتح البلاد له ظروفه وأسبابه، فقد يندفع الناس إلى الفتوحات بهدف نشر دينهم.
وقد يندفعون لها دفاعاً عن وجودهم وعن أنفسهم، إذا كانت الممالك التي تحيط بهم تشكل خطراً عليهم، وتعمل على إسقاطهم ..
وقد يندفع الكثيرون للحرب طمعاً بالغنائم والسبايا، أو رغبة ببسط النفوذ والاستيلاء على البلاد، والسيطرة على العباد.
وقد يندفعون استجابة لقيادة صارمة، لا تبقي لهم مجالاً للتملص أو التخلص، أو التواني في تنفيذ أوامرها.
وفي تاريخ الفتوحات ما يشير إلى هذه الدوافع المختلفة، التي تتجلى مفرادتها وشواهدها في هذا الفريق أو ذاك.
بل إن المراجع للنصوص يجدها صريحة بأن الفاتحين قد انشغلوا بالفتوحات، وأضاعوا الصلوات، حتى أصبح ترك الصلاة أمراً مألوفاً، بل صارت القلة منهم تصلي سراً .. كما رواه لنا حذيفة بن اليمان، حيث يقول: «فابتلينا حتى جعل الرجل منا لا يصلي إلا سراً» 1 .
ثالثاً: إن انتشار الإسلام شيء، واتساع الفتوحات شيء آخر. فللفتوحات أسبابها ووسائلها، ولانتشار الإسلام أسباب لعلها تختلف كثيراً عن وسائل الفتوحات .. ولعل أقوى عوامل انتشار الإسلام هو قوة تعاليمه، وصفاؤها ونقاؤها، وكونها متوافقة مع الفطرة، والعقل، ولعل بعض الفتوحات التي لم يلتزم فيها الفاتحون بأخلاق الإسلام وتوجيهاته، قد أخرت نشر الإسلام، وأعطت انطباعاً سيئاً عن الدين، بسبب الممارسات التي رآها الناس من المنتسبين إلى هذا الدين .. ولهذا الأمر شواهد كثيرة ..
رابعاً: والأهم من ذلك كله: أن الإسلام لم ينتصر بالكثرة العددية، ويدل على ذلك: فرار الكثرة، وانكسارها في حنين وأحد، والخندق، وخيبر، وذات السلاسل، وقريظة، و .. و .. بل انتصر بأيدي أهل البصيرة، واليقين الراسخ، والإخلاص التام.
وقد أشار القرآن إلى معادلة جديدة عن انتصار القلة على الكثرة، فقال: ﴿ … كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ … ﴾ 2، وقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ 3.
والعدو يعين على نفسه بشركه وظلمه واستكباره، والنصر إنما يستحقه أهل الإيمان بإيمانهم، وإخلاص المخلصين منهم، وإن قلُّوا.
والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله .. 4.

  • 1. صحيح مسلم ج 1 ص 91 وصحيح البخاري (ط سنة 1309 هـ ق) ج 2 ص 116 ومسند أحمد ج 5 ص 384 .
  • 2. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 249، الصفحة: 41.
  • 3. القران الكريم: سورة محمد (47)، الآية: 7، الصفحة: 507.
  • 4. ميزان الحق .. (شبهات . . وردود)، السيد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، الجزء الثالث، 1431 هـ . ـ 2010 م، السؤال رقم (121).
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى