الجهاد و الشهادة

أهمية الحرب النفسية وضرورتها

الموعظة القرآنية:

قال الله تعالى: ﴿سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ﴾1.

ما هي الحرب النفسية؟

تُعدّ الحرب النفسية من أخطر أنواع الحروب، وأقساها على الإطلاق. فهي تستهدف قلب الإنسان وعقله وسلوكه وتقوده نحو الهزيمة والاستسلام بعد القضاء على روح المواجهة لديه. 

وهي لا تستهدف الأفراد فقط بل تستهدف كلّ فئات المجتمع. وعُرِّفت الحرب النفسية بتعاريف مختلفة، منها: أنّها عبارة عن إجراءات يتّخذها الطرف الأوّل نحو الطرف الثاني من خلال الدعاية والإعلام بشتّى ألوانها للسيطرة على أفكار الآخر ومشاعره وعواطفه وسلوكه ومعنويّاته.

أهداف الحرب النفسية

تهدف الحرب النفسية إلى تحطيم الروح المعنوية وزعزعة الإيمان بالهدف المنشود والتشكيك في القيادات المسؤولة وبثّ الفرقة بين صفوف المجتمع وزرع اليأس وعدم الثقة وروح الاستسلام في النفس، وبالتّالي إضعاف الجبهة الداخلية لأيّ مجتمع وإحداث الثغرات فيه.

فالحرب بواسطة السلاح تستطيع أن تُدمّر القوّات والمعدّات، والحرب الاقتصادية يمكن أن تحرم الخصم من المواد والموارد الحيوية، أمّا الحرب النفسية فهي تستطيع أن تُحقّق ما هو أخطر وأعمق أثراً، إنّها تُجرّده من أثمن ما لديه وهو إرادته القتالية، فهي تستهدف في المقاتل أو المواطن عقله وتفكيره وقلبه وعواطفه لكي تُحطِّم روحه المعنوية وتقوده إلى الهزيمة.

كيف نواجه الحرب النفسية؟

تُعدُّ دائرةُ الحرب النفسية كما ذكرنا أكثر اتساعاً من دائرة الحرب العسكرية، ذلك أنّها تمتدّ من الناحية الزمانية على فترة أطول، حيث تبدأ قبل مدّة من بدء الحرب العلنية، وتستمرّ بعدها بمدّة أيضاً.

ومن الناحية المكانية، لا تنحصرُ الحرب النفسية في جبهة القتال، بل تطالُ آثارها الخطوط الخلفية للجبهة. وعليه، فالأفراد الذين ليسوا في حالة مواجهة عسكرية هم أيضاً عرضةٌ – وبشكل مباشر – لتهديدات الحرب النفسية، حيث تُشَاهد آثارها على أفكارهم وتصرّفاتهم.

وفي بعض الموارد، يكون سلاح الحرب النفسية أكثر فعاليّة وتأثيراً من سلاح الحرب العسكرية. والسبب في ذلك أنّ الحرب النفسية إنّما تنال من أفكار المجاهدين وعامّة الناس ومعنوياتهما، ومن خلال آثارها الإيجابية أو السلبية، تدفع بهم أكثر إمّا نحو الاستمرار في الحرب أو العدول عنها.

ولهذا السبب، يُلاحظُ أحياناً أنّ جبهةَ قتالٍ بعددِ جنودٍ قليل وتسليحٍ غير كافٍ، ولكن مع وجود معنويّات قويّة واعتقادٍ راسخ بصحّة الطريق، تنال النصر.

وفي المقابل، نجدُ أنّ فئة كبيرة قد تقبلُ الاستسلام أمام العدوّ – حتى قبلَ أن تحصل الهزيمة العسكرية فعلياً – بسبب عدم وجود معنويات قويّة.

وعلى المجاهدين وقيادتهم أن يمتلكوا زمام المبادرة في الحرب النفسية كما هو الحال في الحرب العسكرية، وأن يُعجِزوا العدو، ويقتربوا من النصر عن طريق القيام بهجوماتٍ متكرّرة، وردّ الحملات النفسية التي قد تُشنُّ عليهم.

هدفنا من الحرب النفسية

الأهداف الأساس من مواجهة الحرب النفسية يمكن اختصارها بالأمور والعوامل التالية:

توحيد صفوف المجاهدين وإيجاد الاختلاف في صفوف العدو:
إنّ الوحدة بين القوات المجاهدة من أفضل العوامل على الإطلاق، فهي ترفع المعنويات وتبعث الطمأنينة فيهم عند لقاء العدو، وتوفّر لهم أسباب الانتصار. ولأجل تحقيق هذا الغرض، حثّ القرآن الكريم المؤمنين على الوحدة، بقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ﴾2.

ومن ناحية أخرى، نهى المجاهدين عن التنازع فيما بينهم، لأنّ ذلك يؤدّي إلى زوال قوّتهم وشوكتهم، ويُجرّئ العدو عليهم، حيث قال تعالى: ﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾3.

وبهدف إيجاد الوحدة بين المؤمنين، عمد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم إلى إقامة عقدٍ للأخوّة فيما بينهم، وحيثما كان يشمّ رائحة الاختلاف بين المؤمنين، كان يسارع بكلماته البليغة إلى وأد هذا الاختلاف في مهده، ويزيل أرضية وجوده واستمراره.

وإن إيجاد الاختلاف أو تقوية الموجود منها بين صفوف العدو، يُعدُّ من العوامل الفعّالة في الحرب النفسية، لأنّ ذلك يؤدّي إلى أن ينشغل العدو بنفسه، وإلى سلب فرصة إثارة الفتن والمكائد من يده. ولقد اتبع النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في معركة الأحزاب خطّة مدروسة بعناية لإيجاد الاختلاف بين صفوف الكفّار، وكانت هذه الخطوة منه أحد الأسباب الرئيسة في انتصار المسلمين في تلك الحرب.

فقد أمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم نعيم بن مسعود، وكان قد أسلم حديثاً دون أن يعلم أحد من الكفار بذلك، بأن يوجد التفرقة بين اليهود والمشركين الذين كانوا قد تواطؤا معاً خلال معركة الأحزاب للإطاحة بالإسلام، مستفيداً من علاقته الحميمة والمقرّبة من الطرفين. وقد تمكّن نعيم عن طريق محادثات منفصلة مع يهود بني قريظة الذين كانوا داخل المدينة، ومع المشركين الذين كانوا يحاصرونها من خارج، أن يجعل كلّاً منهما يُسيء الظنّ بصاحبه، وبالتالي استطاع أن يفكّكَ اتحادهما، ممّا أضعفَ قدرتهم، فأدّى ذلك – إلى جانب عوامل أخرى – إلى انتصار المسلمين4. ويجب الالتفات في هذه المواجهة إلى أنّ العدو يلجأ أحياناً إلى استخدام هذه الحربة ضدّ المجاهدين، ويعمل على إيجاد التفرقة بين صفوفهم، ولذا يجب عليهم الوقوف بحذر ويقظة في وجه سعيه هذا.

تقوية معنويات المجاهدين وإيجاد روحية الشك في صفوف العدو:
إنّ عمل كلّ إنسان، وميزان قوّته أو ضعفه في إنجاز هذا العمل، يرجعُ إلى معتقداته وتصوّراته التي يحملها. فالإنسان الذي يعتقدُ بفائدةِ عملٍ ما وضرورته، ينجزه بمنتهى القوّة والدقّة والمسؤولية.

وإن كان متردّداً بشأنه، فإنّه يتركُه عندَ أول مشكلة يواجهها. ولهذا، يُعدُّ رسوخُ العملِ في معتقدات الإنسان، أهم عامل من الناحية النفسية في إنجازه وإتمامه.

وبالالتفات إلى هذا الأمر، ولأجل أن يؤدّي المجاهدون في سبيل الله ما عليهم في ساحة الحرب بشكل صائب، ولا تظهر منهم أدنى بوادر الضعف والتراجع، ينبغي عليهم في البداية أن يقوّوا معتقداتهم، وأن يُهيّئوا أنفسهم عن طريق معرفة الحقّ وتمييزه عن الباطل.

ومن جانب آخر، لإضعاف العدو يجب أن يعمل المجاهدون على أن تسودَ بينهم روحيّة الشكّ والضعف. فالأعداء الذين حضروا إلى ساحة القتال وهم يحملون عقائد واهية وباطلة، وهم يظنّون أنّها الحقّ، يمكن أن تُسلبَ القدرةُ منهم والمبرّرات بمجرّد بيان الحقائق والوقائع الصحيحة. ومثل هذا العدو، إن أمكننا أن نبدّل يقينه إلى شكّ، لن يحتاج بعدها إلى كثير عمل نقوم به في مواجهته، ويمكن هزيمته بسهولة.

ولهذا السبب ذُكِرَ في الفقه الإسلامي لزوم الدعوة إلى الإسلام قبل جهاد العدو ومقاتلته. وفي سيرة المعصومين عليهم السلام ما يحكي عن ذلك بوضوح. فقد كان أمير المؤمنين عليه السلام خلال الحروب، يسعى بقوّة – قبل بدء المعركة – إلى هداية أعدائه وتغيير ما هم عليه، وذلك عن طريق إلقائه أو أحد قادته، لخطبة أو حديث على مسامعهم.

وطبعاً لا تنبغي الغفلة عن أنّ العدو في هذا النوع من الحرب النفسية، يعمد إلى بذل جهود مقابلة لإضعاف قدرة المجاهدين. فرَفْع جيش معاوية للمصاحف على رؤوس الرماح في معركة صفّين كان لأجل تحقيق هذا الغرض، وهو ما أدّى بالفعل- وعن طريق إدخال الشكّ في نفوس كثيرين من جند الإمام علي عليه السلام – إلى دفع هؤلاء الجنود للضغط على الإمام عليّ عليه السلام لقبول وقف الحرب والتحكيم المفروض.

وقد نُقِلَ في بعض التفاسير5 أنّ البعض من أهل الكتاب كانوا يعمدون لأجل إيجاد روحية الشكّ والضعف في نفوس مسلمي صدر الإسلام، إلى الإيمان أوّل النهار والكفر في آخره، ليشكّكوا بهذه الوسيلة في صحّة الإسلام وصوابيّته، حيث يقول تعالى: ﴿وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾6.

الاستفادة من سلاح التبليغ والإعلام:
يجب أن يعمد المجاهدون، وبالاستفادة من الطاقات الفاعلة ووسائل الإعلام العامّة، إلى التبليغ بأفضل صورة. وينبغي خلال التبليغ ضدّ العدو، الاستفادة من أساليب يكون لها أكبر الأثر في تقوية معنويات المجاهدين، وإضعاف معنويات العدو وتدميرها.

فيما مضى، كان الارتجاز في الحرب عادة يُعملُ به. فعن طريقه، كان الأشخاص يُعرّفون أنفسهم أمام الخصم، وأحياناً يعلنون عن غاياتهم وأهدافهم. أمّا اليوم، وقد تعدّت الحروب إلى أبعد من مواجهة رجل لرجل، وأصبحت تُصيب بنارها الشعوب التي تفصلها آلاف الكيلومترات عن بعضها البعض، فلا بدّ من أجل التبليغ ضدّ العدو، والإشارة إلى أهدافنا ومقاصدنا، أن نستفيد من وسائل الإعلام والاتصال العامّة.

وأحد الأهداف المهمّة للتبليغ، هو سلب الدوافع من الأعداء للهجوم على المجاهدين، لأنّه إن أمكن سحب الذرائع من أيديهم، لم يَعُد بإمكانهم توفير حجّة للهجوم والإصرار على متابعة العمليات، وبضغط بسيط يمكن دفعهم نحو الاستسلام أو الهزيمة.

ومن الأهداف المهمّة الأخرى في التبليغ، تضخيمُ نقاط ضعفِ العدو وإبرازها. وفي هذا المجال، ينبغي في البداية الحصول على المعلومات الكاملة من خلال كلّ الوسائل المتاحة، حول النقاط الحسّاسة، والتي يمكن توجيه الضربات إليها عند
العدو، ومن ثمّ يمكن البدء بحرب نفسية وإعلامية لقلع العدو من مكانه. ومن ناحية أخرى، من الضروري مواجهة دعايات العدو، وتحوز مسألة الحذر من شائعاته أهمّيّة كبرى في هذه الحرب النفسية، لأنّ العدو يسعى عن طريق بثّ الإشاعات إلى حرف توجّهات المجاهدين والإضعاف من عزيمتهم.

لقد كانت شائعةُ مقتلِ النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في معركة أُحد من الشائعات التي قام العدو ببثّها، ممّا أدّى إلى فرار كثير من المسلمين. وكذلك، أدّى نشر شائعة الصلح بين الإمام الحسن عليه السلام ومعاوية خلال المواجهة بين الجيشين، إلى تراجع حدّة القتال، وتوقّف كثير من جنده عليه السلام عن متابعة المعركة.

وفي مثل هكذا حرب نفسية، ينبغي في البداية زيادة الوعي السياسي للمجاهدين، ومن ثم اطلاعهم، عن طريق إجراء التحليلات العميقة والصحيحة، على حقيقة هذه الشائعات التي أطلقها العدو بشكل مدروس، ومن جانب آخر، نأخذ بعين الاعتبار أسلوب القرآن المجيد في كيفية التعامل مع الشائعات. ففي إطار انتقاده للمنافقين، يقول تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيل﴾7.

ولأنّ العدو قد يلجأُ في بعضِ الأحيان إلى بثّ دعاياته ضدّ المجاهدين بشكل مدروس ودقيق، ينبغي القيام بالردّ عليه بالأسلوب المناسب وفق خطة إعلامية مشابهة، تماماً مثلما جرى في معركة أُحد، حيث ردَّ المسلمون بأمرٍ من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على شعار زعيم المشركين “أُعلُ هُبل” بشعار “الله أعلى وأجلّ” وعلى شعار “نحن لنا العُزَّى ولا عُزَّى لكم” بشعار “الله مولانا ولا مولى لكم”8.

وفي يوم عاشوراء، كان الإمام الحسين عليه السلام يواجه الأعداء عن طريق إطلاق الشعارات التي تُبيّن هدفه، وذلك ردّاً على أكاذيب العدو أيضاً. ويقول الشهيد مطهري قدس سره حول هذا الأمر: “لقد أطلق أبو عبد الله عليه السلام في يوم عاشوراء شعارات كثيرة، بانت فيها روح نهضته.

إيجاد السكينة بين المجاهدين وإنزال الرعب في قلوب الأعداء:
من الوسائل الأخرى الفعّالة في الحرب النفسية، توفير السكينة في نفوس المجاهدين، ويُعدُّ الاعتماد على الاعتقادات الإسلامية، من قبيل دور التوكّل والصبر في تحقيق النصر والنظرة الصحيحة إلى مسألة الموت والحياة الخالدة، وتقدير الموت وعدم تأخّر الأجل الحتمي، والأمل بالإمدادات الإلهية، من جملة المسائل التي تقوّي من تأثير المجاهدين وتزيده، وفضلاً عن كلّ الأشخاص المتواجدين خلف الجبهات، حيث سيواصلون أعمالهم دون خوف واضطراب، وبطمأنينة بالٍ، ولن تؤدّي مشكلات الحرب إلى اضطراب معنوياتهم أو خسرانها.

ونجد هذا الأسلوب من الحرب النفسية في سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام في حروبهم مع الأعداء نذكر منها:

1- في معركة أحد:
ومن الإجراءات الأخرى لإلقاء الرعب والخوف في قلوب الأعداء، القيام بالتحرّكات العسكرية المناسبة. فبعد هزيمة أُحُد، أمر النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم الأشخاص الذين قد شاركوا في المعركة، حتى الجرحى منهم، أن يخرجوا تحت إمرته لملاحقة العدو، وهو ما عُرف باسم غزوة “حمراء الأسد” والتي كانت استعراضاً للقوة في الواقع. وعلى أثر هذه المناورة ووصول خبرها إلى مسامع أبي سفيان ورجاله، والذين كانوا يعزمون على الرجوع إلى المدينة والقيام بالقضاء المبرم على المسلمين، أخذ الخوف والرعب من قلوبهم كلّ مأخذ، فعدلوا عن نيّتهم وعادوا إلى مكة9.

2- في فتح مكّة:
وكذلك، أمر صلى الله عليه وآله وسلم خلال فتح مكة أن يشعلوا النار على رؤوس المرتفعات المحيطة بمكة. وحينما خرج أبو سفيان للاطلاع على منشأ النار ذُهِلَ، وارتعب من صفوف المجاهدين التي كانت تمرُّ من أمامه، إلى الدرجة التي حذّر الناس عند عودته إلى مكة والوقوف في وجه جيش الرسول10. صلى الله عليه وآله وسلم وقد وفّر استعراض صفوف المجاهدين الأرضية المطلوبة لفتح مكة دون إراقة الدماء.

ويجب الالتفات إلى أنّه لأجل إيجاد الخوف بين الأعداء، من اللازم أن يُتمسَّك بأعمال لا يُحرِّمها الإسلام، لأنّ أعمالاً كالتمثيل بالقتلى أو قتل الأسرى11 أو إقامة محارقَ للبشر… فهي وإن كانت تُعدّ أعمالاً باعثة على رعب العدو وهلعه، ولكنّها ليست جائزة.

3- في حرب صفين:
وأمّا المسألة المهمّة في هذه المواجهة، فهي بعث الرعب والخوف في قلوب الأعداء، والذي يمكن تحقيقه من خلال القيام بعدّة أمور. وإحدى هذه الإجراءات هي القيام بتهديد العدو. ففي أحد أيام حرب صفين، أظهر الإمام علي عليه السلام بأنّه سيشنّ هجوماً على جيش معاوية مع طلوع الصباح، فوصل هذا الخبر إلى أسماع معاوية ورجاله، واستولى الخوف عليهم، وزالت معنوياتهم12.

4- في حرب الجمل:
وفي حرب الجمل كذلك، نادى أمير المؤمنين عليه السلام: “يا محمد بن أبي بكر! إن صُرِعَتْ عائشةُ فوارها وتولّ أمرها” فتضعضع القوم حين سمعوا ذلك واضطّربوا، وأمير المؤمنين عليه السلام واقف في موضعه…13.

* كتاب باب الأولياء، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1- سورة آل عمران، الآية151.
2- سورة الصف، الآية 4.
3- سورة الأنفال، الآية 46.
4- يُراجع، تاريخ الطبري، محمد بن جرير الطبري، ج2، ص578. والسيرة النبوية، ابن هشام الحميري، ج3، ص240. والمغازي، الواقدي، ج2، ص480.
5- يُراجع: تفسير راهنما: أكبر هاشمي رفسنجاني، وجمع من المحقّقين، مركز منشورات دفتر تبليغات اسلامى، ج4، ص105.
6- سورة آل عمران، الآية 72.
7- سورة النساء، الآية 83.
8- يُراجع، بحار الأنوار، ج20، ص44.
9- يُراجع، بحار الأنوار، ج20، ص64. وتاريخ إسلام: محمد إبراهيم آيتى، ص319.
10- يُراجع، بحار الأنوار، ج21، ص103. والمغازي، الواقدي، ج2، ص814. والسيرة النبوية، ابن هشام الحميري، ج3، ص78.
11- المقصود في الحالة التي لا يستمر معها الخطر، وتكون الحربُ قد وصلت إلى نتيجتها.
12- يُراجع: وقعة صفين، نصر بن مزاحم المنقري، ص468.
13- الشيخ المفيد، الجمل، مكتبة الداوري – قم – ايران، ص183.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى