
و قد ورد عن أئمة أهل البيت عليهم السّلام وصف كثير في الشعر و الشعراء الهادفين و الدعاء لهم و إيصال الجوائز إليهم، بحيث يطول الكلام في ذلك «إن أردنا نقل الروايات عنهم».
إلا أنّه من المؤسف أنه على طول التاريخ أسقط جماعة هذه المنحة الإلهية و الذوق اللطيف، الذي هو من أجمل مظاهر الخلق، فأنزلوه من أوجه إلى الحضيض، و كذبوا فيه كثيرا حتى قيل في المثل المعروف: «أعذبه أكذبه».
و ربّما سخّروه في خدمة الجبابرة و الظالمين و تملّقوا لهم، رجاء صلة محتقرة رخيصة…
أو أنّهم أفرطوا في وصف الشراب و الفجور و الفسق أحيانا، إلى درجة يخجل القلم عن ذكرها! و ربّما أشعلوا الحروب بنيران أشعارهم، و جروا الناس إلى القتل و الغارات، و لطخوا الأرض بدماء الأبرياء.
إلا أن في الطرف الآخر و في قبالهم الشعراء الذين آمنوا بمبدئهم، و اشتدت همتهم، فسخّروا هذه القريحة الملكوتية في سبيل حرية الناس و التقوى، و مواجهة اللصوص و المستكبرين و الجبابرة، فبلغوا أوج الفخر! و ربّما دافعوا عن الحق فاشتروا بكل بيت من أبيات شعرهم بيتا في الجنّة. ربما وقفوا في وجوه حكام الظلم و الجور كبني أمية و بني العباس الذين كانوا يحبسون الأنفاس في الصدور، فتجلى القلوب بقصيدة كقصيدة دعبل «مدارس آيات خلت من تلاوة» و أماطوا عن الحقّ لثام الباطل، فكأنّما كان يجري على لسانهم روح القدس. و ربّما أنشدوا الأشعار لإنهاض المضطهدين الذين كانوا يحسّون في أنفسهم الاحتقار و الازدراء من قبل الظلمة… فهاجوهم و أثاروهم بتلك الأشعار…
و القرآن يقول في شأن هؤلاء: إِلاَّ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّٰالِحٰاتِ وَ ذَكَرُوا اَللّٰهَ كَثِيراً وَ اِنْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مٰا ظُلِمُوا .
ممّا يلفت النظر أن هؤلاء الشعراء قد يتركون شعرا خالدا مؤثرا بليغا… حتى أن أئمّة الإسلام الكرام كما تقول بعض الرّوايات أوصوا شيعتهم و أصحابهم بحفظ أشعارهم كما ورد ذلك في شأن «أشعار العبدي».
إذ ورد عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّه قال: «يا معشر الشيعة، علموا أولادكم شعر العبدي، فإنّه على دين اللّه».
و نختتم هذا البحث بقصيدة للعبدي، و هي من قصائده المعروفة، في شأن خلافة الإمام علي عليه السّلام وصيّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذ قال: وقــالـوا رســول الله مــا اخـتـار بـعـده
إمـــامــاً ولــكــنـا لأنــفـسـنـا اخــتــرنـا
أقـمـنـا إمــامـاً إن أقـــام عـلـى الـهـدى
أطــعـنـا، وإن ضــــل الـهـدايـة قـوّمـنـا
فــقـلـنـا إذا أنـــتــم إمـــــام امــامــكـم
بـحـمد مــن الـرحـمن تـهـتم ومــا تـهـنا
ولـكـنـنا اخـتـرنـا الـــذي اخــتـار ربــنـا
لــنـا يــوم خــمٍ مــا اعـتـدينا ولا حـلـنا
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل ج١١ ص٤٨٤.
__
مدرسة أهل البيت
اللهم عجل لوليك_الفرج
محاسن_الكلام
للانضمام إلى مجتمعنا على الواتس اب:
https://chat.whatsapp.com/HQ5StBT435DGhOlHxy1VhT



