محاسن الكلام

(١){أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَ لَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا(٤٩)}النساء

قوله تعالى: «أَلَمْ تَرَ إِلَى اَلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ‌» قال الراغب: أصل الزكاة النمو الحاصل من بركة الله تعالى إلى أن قال : و تزكية الإنسان نفسه ضربان: أحدهما: بالفعل و هو محمود، و إليه قصد بقوله: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّٰى ، و الثاني بالقول كتزكيته لعدل غيره، و ذلك مذموم أن يفعل الإنسان بنفسه، و قد نهى الله تعالى عنه فقال: فَلاٰ تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ‌ ، و نهيه عن ذلك تأديب لقبح مدح الإنسان نفسه عقلا و شرعا، و لهذا قيل لحكيم: ما الذي لا يحسن و إن كان حقا؟ فقال: مدح الرجل نفسه، انتهى كلامه.

و لما كانت الآية في ضمن الآيات المسرودة للتعرض لحال أهل الكتاب كان الظاهر أن هؤلاء المزكين لأنفسهم هم أهل الكتاب أو بعضهم، و لم يوصفوا بأهل الكتاب لأن العلماء بالله و آياته لا ينبغي لهم أن يتلبسوا بأمثال هذه الرذائل فالإصرار عليها انسلاخ عن الكتاب و علمه.

و يؤيده ما حكاه الله تعالى عن اليهود من قولهم: نَحْنُ أَبْنٰاءُ اَللّٰهِ وَ أَحِبّٰاؤُهُ‌ : «المائدة: ١٨»، و قولهم: لَنْ تَمَسَّنَا اَلنّٰارُ إِلاّٰ أَيّٰاماً مَعْدُودَةً‌ : «البقرة: ٨٠» و زعمهم الولاية كما في قوله تعالى: قُلْ يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ هٰادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيٰاءُ لِلّٰهِ مِنْ دُونِ اَلنّٰاسِ‌ : «الجمعة: ٦»، فالآية تكني عن اليهود، و فيها استشهاد لما تقدم ذكره في الآيات السابقة من استكبارهم عن الخضوع للحق و اتباعه، و الإيمان بآيات الله سبحانه، و استقرار اللعن الإلهي فيهم، و أن ذلك من لوازم إعجابهم بأنفسهم و تزكيتهم لها.

قوله تعالى: «بَلِ اَللّٰهُ يُزَكِّي مَنْ يَشٰاءُ وَ لاٰ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً» إضراب عن تزكيتهم لأنفسهم، و رد لهم فيما زكوه، و بيان أن ذلك من شئون الربوبية يختص به تعالى فإن الإنسان و إن أمكن أن يتصف بفضائل، و يتلبس بأنواع الشرف و السؤدد المعنوي غير أن اعتناءه بذلك و اعتماده عليه لا يتم إلا بإعطائه لنفسه استغناء و استقلالا و هو في معنى دعوى الألوهية و الشركة مع رب العالمين، و أين الإنسان الفقير الذي لا يملك لنفسه ضرا و لا نفعا و لا موتا و لا حياة و الاستغناء عن الله سبحانه في خير أو فضيلة‌؟ و الإنسان في نفسه و في جميع شئون نفسه، و الخير الذي يزعم أنه يملكه، و جميع أسباب ذلك الخير، مملوك لله سبحانه محضا من غير استثناء، فماذا يبقى للإنسان‌؟.

الميزان في تفسير القرآن ج٤ ص٣٧١.
__

مدرسة أهل البيت
اللهم عجل لوليك_الفرج
محاسن_الكلام

للانضمام إلى مجتمعنا على الواتس اب:
https://chat.whatsapp.com/HQ5StBT435DGhOlHxy1VhT

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى