قال تعالى في معرض حكايته إلحاح إخوة النبي يوسف على أبيهم النبي يعقوب ؛ ليأذن لهم باصطحاب يوسف معهم، عارضين إشباعهم كلّ أشكال الحاجة لديه:
﴿ أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ 1.
من خلال هذه الآية الغناء، ومن ظلال أحداث قصتها، نستطيع إنشاء قاعدة تربوية عامة نستوحيها؛ لندرس (الحاجات الأساسية للطفل).
حينما ندرس الطفولة المهدورة في عالمنا اليوم، ونريد أن نعرف ما هو العمل إزاءها؟، وأيّ حاجات تلك التي تتطلبها هذه المرحلة؟، ستشرع الآية أمامنا أربع حاجات أساسية وهامة للطفل:
1ـ الحاجة إلى الغذاء
فالطفل يحتاج إلى الغذاء لينمو بدنه، ويشتد عوده، وليمدّ شجرته بالطاقة والحيوية.
وهذه الحاجة تصبّ في خدمة الجانب البيولوجي والفسيولوجي للطفل.
وقد جاءت حاجة الطفل إلى الغذاء محمولة على ظهر كلمة:﴿ … يَرْتَعْ … ﴾ 1المشيرة ـ لغوياً وتفسيرياً ـ إلى الأكل والشرب من جهة، والسعي والانبساط والتنزّه والراحة النفسية من جهة ثانية2.
فالأكل والشرب من الخضرة المتواجدة هناك، لاسيما في الرّيف الخصب في فلسطين ومروجه الفيحاء؛ حاجة مادية تتوقف عليها صحة الطفل ونموّه الجسمي.
2ـ الحاجة إلى الراحة النفسية
لا تقتصر حاجة الطفل على الجانب الغذائي، بل هناك حاجة أخرى ملحّة وضرورية له هي: الراحة النفسية والانبساط النفسي وبهجة المشاعر، حتى يغالب حالة الغبن النفسي والكدر الداخلي الذي قد يسبّبه تواصل مكثه في المنزل، ورتابة ونمطية الأجواء من حوله، وما تبعثه من ملل وسأم، ومن هذه الحاجة النفسية حاجته إلى التنزّه والانبساط في كنف الطبيعة الأخضر النضر، وما تبعثه الآفاق المفتوحة الممتدة والطبيعة الخلابة من مشاعر فيّاضة.
وهذه الحاجة تندرج ضمن الحاجة النفسية السيكولوجية.
وقد أشرنا في الفقرة السابقة إلى أنّ كلمة﴿ … يَرْتَعْ … ﴾ 1تختزن في أحشائها وليدين هما: (الأكل، والانبساط).
3ـ الحاجة إلى اللعب
هناك نزعة فطرية وحاجة نفسية بالغة لدى الطفل للقفز والمرح واللعب الذي يسهم في تعرّفه على الأشياء، واكتشاف المحيط من حوله، وإمضاء شيء من الوقت، والإسهام في تحقيق الراحة النفسية، وتصريف الطاقة المكتنزة بداخله.
يفيد (علم نفس النمو) أنّ الطبيعة العمرية للطفل ومرحلة الطفولة أنّه ميّال إلى الحركة واللعب، ماقت لحياة السكون والجمود، فهو يختلف اختلافاً جذرياً وتاماً عن مرحلة الشيخوخة، واختلافاً جزئياً عن مرحلة الشباب، وأنّ الطفل كلّما كان من نوع (الطفل الحركي) ومن يتصف بـ (فيضان الطاقة) احتاج إلى مزيد من اللعب؛ ليفرّغ شحنات الطاقة الزائدة لديه؛ حتى لا تنعكس على الوجود البشري والمادي من حوله، فيستحيل إلى طفل عدواني يضرب إخوته والأطفال، ويكسّر الأشياء، ويتسبب في كثير من الإزعاج والمعاكسات والمشاغبات لمن حوله.
فالحاجة إلى اللعب تخدم النمو الحركي والجانب النفسي ـ الحركي (المهاري) للطفل.
وقد أشارت كلمة:﴿ … وَيَلْعَبْ … ﴾ 1إلى هذه الحاجة الفطرية الماسة لدى الطفل.
4ـ الحاجة إلى الأمن
لا يستطيع الطفل أن يمتشق درع الدفاع عن النفس وحماية الذات أمام كثير من الأخطار الخارجية المحدقة به، سواء أكانت من بنات الطبيعة (الأمن البيئي)، أم من مبتكرات المدنية (الأمن المدني والصناعي والتقني)، أم من غرس المجتمع (الأمن الاجتماعي)، فيحتاج إلى من يوفر له (الحماية) والمناخ الآمن والملاذ المستقر.
فالطفل عود غضّ طري يحتاج إلى من ينشر عليه ظلال السلم البيئي والمدني والاجتماعي، فيحميه من السباع الكاسرة، ويحميه من مخاطر المدنية، كالكهرباء والسيارات، ويحميه من السباع اللابسة جلد البشر وثوب الإنسانية واسم الآدمية، وترى فيه (فريسة سهلة) تغتنم أكلها والعيث بساحة طهرها!!
وكلّما مالت كفة عمر الطفل إلى الصغر احتاج إلى الحماية أكثر، فالطفل الرضيع قد لا يحمي نفسه من نملة أو ذبابة أو دبوس، وحله الدفاعي عن النفس يكمن في البكاء ليأتي إليه أحد والديه، ويجنّبه الخطر الداهم.
والحاجة إلى الأمن والشعور بالاطمئنان هي قبس من جذوة الحاجات النفسية والشعورية والاجتماعية.
وقد أشارت عبارة:﴿ … وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ 1إلى هذه الحاجة الضرورية للأمن.
فائدتان
- حاجات الطفل حاجات (تكاملية) متواشجة، وهي كحبات العقد النضيد لابدّ من وجودها معاً.
- يعتقد البعض أنّه حينما يوفر لطفله الغذاء واللباس والسكن، فقد وفّر له كلّ شيء، وخرج بذلك من ربقة المسؤولية التي يختزنها ضميره، ولا يدرك أنّ حاجة الطفل إلى الراحة النفسية بإبعاده عن مكامن التوتر والقلق النفسي والنزاع الأسري بين الأبوين، وحاجته إلى الأمن من مخاطر الطبيعة والبيئة والمدنية والمجتمع؛ قد تفوق حاجته إلى الغذاء واللباس والسكن3.
- 1. a. b. c. d. e. القران الكريم: سورة يوسف (12)، الآية: 12، الصفحة: 236.
- 2. لسان العرب 5/ 131، مادة: (رتع)، والميزان في تفسير القرآن 11/ 97، والأمثل في تفسير كتاب الله المنزل 7/ 132، 135.
- 3. نقلا عن شبكة مزن الثقافية – 21/3/2015م – 7:44 ص.