نص الشبهة:
إنّ عليّاً (عليه السلام) بايع كلاًّ من أبي بكر و عمر، أليس ذلك دليلاً على أحقّيتهما في الخلافة؟
الجواب:
في نظر الشيعة أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يبايع أحداً قط؛ وذلك لأنّه هو الخليفة المنصوص عليه من قبل الله تعالى، وكلّ ما في الأمر أنّه عندما رأى أنّ زمام الأمر آلَ إلى غيره، قام بتشخيص وظيفته الشرعيّة، المتمثِّلة في الإرشاد والهداية، ولهذا نجده يقول في كلام له: «فأمسكتُ يدي حتّى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليَّ أعظم من فوت ولايتكم…» 1.
إنّ الإمام علياً (عليه السلام) وفي الموارد اللاّزمة والضروريّة كشف الستار عن الحقيقة، ودافع عن حقّه المغتصب.
وأمّا ما يرويه أهل السنة من أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قد بايع بعد وفاة فاطمة الزهراء (عليها السلام) وأنّ فاطمة لم تبايع أبا بكر ولم تكلّمه وماتت غاضبة عليه، ولو صحّ ما ذكر، وأن علياً بايع الخليفة بعد وفاة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهذا يولد إشكالاً آخر وهو أنّ جميع المحدّثين والعلماء اتّفقوا على رأي واحد مفاده أنّ فاطمة لم تبايع إلى آخر يوم من حياتها، وأنّها أعرضت عن الخليفة بوجهها.
وممّا جاء في صحيح البخاري: «… فوجدَتْ فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلّمه حتّى توفّيت وعاشت بعد النبيّ ستّة أشهر» 2.
وهنا سؤال يطرح نفسه: لماذا لم تُبايع بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أبا بكر؟ وهي أفضل نساء العالمين طبقاً لرواية البخاري، وهي معصومة حسب آية التطهير، وغيرها، وسيكون كلّ المعصومين من نسلها.
وإذا كانت خلافة أبي بكر خلافة مشروعة حقيقةً، فلماذا كانت بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) غاضبة عليه؟ ومع مزيد من التوضيح نقول: إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) يذكر لنا حديثاً يستحيل لابنته المعصومة مخالفته وهو قوله: «من مات ولم يكن في عنقه بيعة لإمام فقد مات ميتةً جاهليّة» 3
وهنا يجب أن نختار أحد أمرين:
- إمّا أنّ بنت النبيّ لم تبايع أبا بكر مع كونه هو الخليفة الواقعي، ممّا يعني أنّها كانت مشغولة الذمّة بالبيعة لإمام زمانها، وبالتالي يكون موتها ـ والعياذ بالله ـ هو عبارة عن ميتة جاهليّة.
- وإمّا أن نقول: إنّ أبا بكر الذي قدَّم نفسه على أنّه هو إمام زمانه لم يكن هو الإمام الواقعي والحقيقي، ممّا جعل بنت النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) تمتنع عن مبايعته، وهي التي طهّرها الله من كلّ رجس، ووصفها رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله: فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة 4.
وكذلك قوله (صلى الله عليه وآله): «يا فاطمة إنّ الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك» 5.
وبما أنّها طاهرة مطهّرة يستحيل أن تخالف ما أمر به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)ممّا يجعلنا نستنتج:
إنّ الشخص الذي امتنعت عن بيعته لم يكن هو الإمام الحقيقي، وبما أنّ الزهراء (عليها السلام) لا تموت بدون بيعة لإمام زمانها، فهي حتماً وقطعاً بايعت الإمام الحقيقي، الذي لم يكن إلاّ عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وصيّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
وأخيراً تجب الإشارة إلى أنّه على فرض صحّة قول البخاري، أنّ عليّاً بايع بعد ستّة أشهر، فهو بنفسه ينقل أنّ هذا الانتخاب لم يكن صحيحاً في نظر الإمام، إذ لو كان صحيحاً لما توانى الإمام (عليه السلام) عن تأييده وبيعته.
عجباً! كيف يغض الطرف عن كلّ المستندات التاريخيّة الّتي تذكر مظلوميّة الزهراء وزوجها (عليهما السلام)، والجور الذي وقع عليهما في غصب إرثها وغصب حقّ عليّ في الخلافة، ثمّ يتحدّث عن بيعة حصلت بعد ستّة أشهر، محاولاً بذلك التعتيم على الحوادث المرّة التي حدثت بعد وفاة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) 6 7.
- 1. نهج البلاغة، الكتاب رقم 62.
- 2. . صحيح البخاري: 5 / 82 ـ 84، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر.
- 3. صحيح مسلم: 6 / 22، باب حكم من فرّق أمر المسلمين؛ سنن البيهقي: 8 / 156.
- 4. صحيح البخاري: 4 / 209، باب مناقب قرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
- 5. مجمع الزوائد للهيثمي: 9 / 203 ; المعجم الكبير للطبراني: 1 / 108.
- 6. سنبحث هذا الموضوع ضمن جوابنا عن السؤال رقم 124.
- 7. هذه الإجابة نُشرت على الموقع الالكتروني الرسمي لسماحة آية الله العظمى الشيخ جعفر السبحاني دامت بركاته.