بسم الله الرحمن الرحيم
بقلم: زكريا بركات
وردت في كتاب الكافي للكليني (رض) وكتاب تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي (رض) رواياتٌ عن أهل البيت (عليهم السلام) تدل على أنَّ شهر رمضان لا ينقص عن ثلاثين يوماً، وأوجب ذلك التشويش في أذهان بعض المؤمنين الأخيار، كما أوجب فرح المنتمين إلى مذهب البُهرة الذين يعتقدون بأن شهر رمضان لا ينقص عن ثلاثين. وفي هذا الموضوع نحاول توضيح الأمر بما يزيل الإبهام والتشويش.. فنقول ـ مع توخِّي الاختصار ـ :
أوَّلاً: الروايات التي في الكافي ـ وهي ثلاثة ـ كلها ضعيفة السند، وكذلك الروايات في كتاب تهذيب الأحكام، ماعدا الرواية السادسة الأخيرة في التهذيب إلاّ أنها ليست عن المعصوم بل الكلام فيها صادر من أحد الرواة.
ثانياً: الرواية من الآحاد، وهي مُعارَضة بالثابت المتواتر أو المستفيض من النصوص الشرعية الدالة على أنَّ المعيار في إثبات شهر رمضان هي رؤية الهلال، ولذلك جعل الشيخ الكليني (رض) الرواية تحت عنوان (باب نادر) ، وعبر الشيخ الطوسي (رض) في التهذيب عن الخبر بوصفه: “خَبَراً وَاحِداً لَا يُوجِبُ عِلْماً وَلَا عَمَلًا وَأَخْبَارُ الْآحَادِ لَا يَجُوزُ الِاعْتِرَاضُ بِهَا عَلَى ظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَالْأَخْبَارِ الْمُتَوَاتِرَة”.
ثالثاً: مدار الرواية على حذيفة بن منصور، وهو وإن كان ثقة، إلاّ أنه مصنِّف صاحب كتاب، وكتابه معروفٌ مشهورٌ، والشيخ الطوسي صرَّح في التهذيب أن كتابه خال من هذا الخبر.. وهذا يجعلنا نحتمل ـ قويًّا ـ أنَّ الخبر من مختلقات محمد بن سنان الزاهري الذي ظهر اسمه في أكثر من سند من أسانيد الحديث المنسوب إلى المعصوم عليه السلام، ومحمد بن سنان الزاهري مُتَّهم بالكذب، بل عدَّه بعضُ الأساطين ـ وهو الفضل بن شاذان ـ من الكذَّابين المشهورين. ويؤكِّد ذلك أنَّ السند الذي خلي من الضعفاء، وهو الخبر الأخير في التهذيب، لم ينسبه الراوي إلى المعصوم، بل الحديث فيه موقوف، أي من كلام غير المعصوم، فمن المحتمل ـ جدًّا ـ أنَّ ابن سنان وغيره من الضعفاء عملوا على اختلاق النسبة إلى المعصوم.
وفيما يلي نورد نصَّ ما قاله الشيخ الطوسي (رض) تعليقاً على هذا الخبر في تهذيب الأحكام ج4 ص169 :
“هَذَا الْخَبَرُ لَا يَصِحُّ الْعَمَلُ بِهِ مِنْ وُجُوهٍ، أَحَدُهَا: (1) أَنَّ مَتْنَ هَذَا الْحَدِيثِ لَا يُوجَدُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأُصُولِ الْمُصَنَّفَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي الشَّوَاذِّ مِنَ الْأَخْبَارِ. (2) وَمِنْهَا: أَنَّ كِتَابَ حُذَيْفَةَ بْنِ مَنْصُورٍ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ عَرِي مِنْهُ، وَالْكِتَابُ مَعْرُوفٌ مَشْهُورٌ، وَلَوْ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحاً عَنْهُ لَضَمَّنَهُ كِتَابَهُ. (3) وَمِنْهَا: أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ مُخْتَلِفُ الْأَلْفَاظِ مُضْطَرِبُ الْمَعَانِي، أَلَا تَرَى أَنَّ حُذَيْفَةَ تَارَةً يَرْوِيهِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (ع) ، وَتَارَةً يَرْوِيهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (ع) بِلَا وَاسِطَةٍ، وَتَارَةً يُفْتِي بِهِ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ فَلَا يُسْنِدُهُ إِلَى أَحَدٍ؟ وَهَذَا الضَّرْبُ مِنَ الِاخْتِلَافِ مِمَّا يُضْعِفُ الِاعْتِرَاضَ بِهِ وَالتَّعَلُّقَ بِمِثْلِهِ. (4) وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَوْ سَلِمَ مِنْ جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ لَكَانَ خَبَراً وَاحِداً لَا يُوجِبُ عِلْماً وَلَا عَمَلًا، وَأَخْبَارُ الْآحَادِ لَا يَجُوزُ الِاعْتِرَاضُ بِهَا عَلَى ظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَالْأَخْبَارِ الْمُتَوَاتِرَة”.
رابعاً: نقول للبُهري: ما هي حُجَّتك أنت على صحَّة مذهبك في هذه المسألة؟ هل لديكم سندٌ صحيح ينتهي إلى المعصومين (ع) بنصٍّ صالح الدلالة على ما تذهبون إليه؟
أين هي كتبكم الحديثية المسندة؟
أين هي مصادركم التي تعرفون من خلالها صحيح السند من ضعيفه؟
من المعروف أنَّ البُهرة ليس لديهم حديث ولا سند في هذا المجال ولا غيره، بل هي فتاوى مُجرَّدة عن النصوص المسندة، ولذلك هم يفرحون بأي حديث يجدونه في كتب الإمامية مما يؤيد مذهبهم، ولكنهم لا يعتنون بالجانب السندي، ولا بالدراسة الموضوعية لجميع الأدلَّة مع المقايسة والمقارنة والتقييم، ولذلك يكون استدلالهم انتقائياً لا يتَّسم بالمنهجية والموضوعية، وبالتالي يكون عقيماً لا يُثمر نتيجةً ذات اعتبار عند أهل العلم.
والله وليُّ التوفيق.