نص الشبهة:
وقال رسول الله «صلى الله عليه وآله» لعلي «عليه السلام»: تقدم إلى بني النضير، فأخذ أمير المؤمنين الراية، وتقدم، وجاء رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وأحاط بحصنهم (تفسير القمي ج2 ص359 وعنه في البحار ج20 ص169 والصافي ج5 ص154). وحسب نص آخر: وحمل لواء رسول الله «صلى الله عليه وآله» علي بن أبي طالب (الثقات ج1 ص242 والطبقات الكبرى ج2 ص58 والوفاء ص689 وتاريخ الخميس ج1 ص461 والبحار ج20 ص165 عن الكازروني وغيره، وراجع: الكامل في التاريخ ج2 ص74 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص555 وزاد المعاد ج1 ص71 وحبيب السير ج1 ص355 والسيرة الحلبية ج2 ص264 و 265 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص261). ولكن الواقدي قال: «وقد استعمل علياً «عليه السلام» على العسكر ، وقيل: أبا بكر» (المغازي للواقدي ج1 ص371 والسيرة الحلبية ج2 ص265).
الجواب:
ونقول: لا بد من الإشارة هنا إلى أمرين:
الأول: بالنسبة لاستعمال أبي بكر على العسكر، فإنه قول منسوب إلى مجهول، لم يجرؤ الواقدي على ذكر اسمه، ولا مستنده، ونحن نشك في كونه مختلقاً وموضوعاً على أبي بكر؛ وذلك لما قدمناه من أن علياً كان صاحب لواء رسول الله «صلى الله عليه وآله» في بدر وفي كل مشهد 1.
وقد صرحوا: بأنه «صلى الله عليه وآله» لم يؤمِّر على علي أحداً «عليه السلام» 2، وقد كان «عليه السلام» في غزاة بني النضير، فكيف يكون قد أمَّر أبا بكر عليه؟!
وعدا عن ذلك كله.. فإن أبا بكر لم يكن معروفاً بالشجاعة والإقدام، إن لم نقل: إن الأمر كان على عكس ذلك تماماً، حسبما أوضحناه في الجزء الثالث من هذا الكتاب، حين الكلام حول حرب بدر، وما يذكر من شجاعة أبي بكر فيها، لبقائه مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» في العريش.
ومن الواضح: أن إمارة الجيوش وراياتها إنما تكون بيد الشجعان وأصحاب النجدة، قال علي «عليه السلام»: وهو يحث أصحابه على القتال:
«ورايتكم فلا تميلوها، ولا تجعلوها إلا بأيدي شجعانكم، والمانعين الذمار منكم؛ فإن الصابرين على نزول الحقائق، هم الذين يحفون براياتهم ويكتنفونها؛ حفاً فيها، ووراءها، وأمامها، لا يتأخرون عنها فيسلموها، ولا يتقدمون عليها، فيفردوها» 3.
ولعل الهدف من تلك الأكذوبة التي نسبها الواقدي إلى القيل: هو التشكيك فيما هو حق وصدق فيما يرتبط بعلي «عليه السلام»، والتخفيف من حدة النقد الموجه إلى أبي بكر، بسبب ما عرف عنه من إحجام عن خوض الغمرات، والفرار في مواطن الخطر، والتحدي الحقيقي، كما جرى له في أُحد وخيبر وغيرهما، مما هو مسطور في كتب الحديث والتاريخ.
الثاني: إن من الواضح: أن حمله «عليه السلام» لراية رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وقيادته للعسكر لمما يزيد في رعب اليهود، ويهزمهم نفسياً.
كيف لا.. وقد كانت أخبار مواقفه وبطولاته في بدر ـ وكذا في أحد، لو صح كون غزوة بني النضير بعدها، وقد استبعدناه ـ قد أرهبت وأرعبت القاصي والداني، من أعداء الله وأعداء رسوله ودينه.
فهو قد قتل نصف قتلى المشركين، وشارك في قتل النصف الثاني في حرب بدر، وفي أُحد ـ لو كانت القضية بعدها ـ كان الفتح وحفظ الإسلام على يديه، وقد آثرت قريش الفرار على البقاء والقرار، حينما علمت أنه «عليه السلام» يلاحقها في غزوة حمراء الأسد، رغم ما كانت تشعر به من زهو وخيلاء بالنسبة للنتائج التي تمخضت عنها حرب أُحد 4.
- 1. راجع: ترجمة الإمام علي أمير المؤمنين، من تاريخ ابن عساكر (بتحقيق المحمودي) ج1 ص154. وذخائر العقبى ص75 عن أحمد في المناقب، والطبقات الكبرى ج3 قسم 1 ص14 وكفاية الطالب ص336 وفي هامشه عن كنز العمال ج6 ص398 عن الطبراني، وراجع: هامش ص180 من احتجاج الطبرسي عن الرياض النضرة ج2 ص267 و202 عن نظام الملك في أماليه. وراجع أيضا: مناقب أمير المؤمنين لابن المغازلي ص200 والمناقب للخوارزمي ص258 و 259 وعمدة القاري ج16 ص216 ومستدرك الحاكم ج3 ص500 وتلخيصه بهامش نفس الصفحة للذهبي وصححاه على شرط الشيخين والمصنف لعبد الرزاق ج5 ص288 وحياة الصحابة ج2 ص514 و 515 وتاريخ الخميس ج1 ص434 وفتح الباري ج6 ص89 عن أحمد وأسد الغابة ج4 ص20 وأنساب الأشراف (بتحقيق المحمودي) ج2 ص106 وشرح النهج للمعتزلي الشافعي ج6 ص289، والغدير للعلامة الأميني ج10 ص168 عنه.
- 2. المناقب لابن شهرآشوب ج4 ص223 والبحار ج47 ص127 عنه.
- 3. نهج البلاغة ج2 ص5 وتاريخ الأمم والملوك ج5 ص17 والفتوح لابن أعثم ج3 ص73 وصفين ص235 والكافي ج5 ص39.
- 4. الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)، العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الخامسة، 2005 م. ـ 1425 هـ. ق، الجزء التاسع.