منوعات

المودة بين المؤمنين

الباحث: سلام مكي الطائي

 الحمدُ لله حمد الشَّاكرين والصَّلَاة والسَّلَام على خير المُرسَلين مُحَمَّد صلَّى الله عليه وآله الطَّيِّبين الطَّاهرين، أمَّا بعد:

فإن التَّودّد والحب في الله تعالى والتقرب للآخرين والتَّواصل معهم، من الأخلاق والواجبات الدّينية الإسلامية التي حوتها الدَّعوة الإسلامية المباركة، وذلك لما له من أهمّيةٍ بالغةٍ في داخل الفرد المسلم، وفي تقوية العلاقات الاجتماعية بين المسلمين.

وهذا التوددّ والحب وتقرَّب المسلم من المسلم الآخر يقوي أواصر الترابط، ويجعل الأمور الدنيوية والعلاقات المبنية على أساس المصلحة خارجًا، مما يؤدِّي إلى بناء مجتمعٍ متماسكٍ يصعب على مناوئيه النيل منه، فالدين الإسلامي هو دين الوحدة المبنية على أساس الإيمان بالله تعالى ورسوله (صلَّى الله عليه وآله)، وحب عترته الأطهار (عليهم السَّلَام)، وموالاتهم، وقد حث أهل البيت (عليهم السلام) في كثير من أقوالهم على التَّودّد والمحبَّة والتقرَّب بين المسلمين، من ذلك ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السَّلَام)، أنَّه قال: (بالتَّودّد تَكُون المَحَبَّة)[1]. 

فإنَّ من يقوم بالتَّودّد ويحاول التّقرب من النَّاس، يحصل على حُبّهم وتكبر مكانته لديهم ويزداد قدره في داخلهم، وذلك لما قام به من عملٍ إنساني وأخلاقي مبنيٍّ على تعاليم الدين الإسلامي، وروي أيضًا عن أمير المؤمنين (عليه السَّلَام)، أنَّه قال: (من تألَّف النَّاس أحبّوه)[2].

فالإنسان الودود الذي يتواضع للنّاس ويتقرَّب إليهم ويحسن لهم، يكسب ألفتهم ومحبتهم له، وهذا من واجبات الشخص المسلم ومن الأسس التي دعا إليها الدّين الإسلامي وقام عليها، فيصبح هذا الشخص ممتلكاً لقلوب الآخرين ومسيطراً عليها، جراء ما قام به من أمرٍ مهم في تقوية العلاقات والحب بين المجتمع الإسلامي، ومن المؤكَّد أنَّ الحب يقوى في قلبه هو أيضاً عندما يستمر على التَّودّد والتَّقرّب من النَّاس، وهذا ما نفهمه من قول إمام البُلَغَاء الإمَام عَلِيّ بن أبي طالبٍ (عليه السَّلَام)، أنَّه قال: (بالتَّودّد تُملَك القلُوب)[3].

وبهذه الأعمال يحصل الفرد على رضا الباري (سبحانه)، وعلى غفرانه لذنوبه، وهذا ما ذكره أمير المؤمنين عَلِيّ بن أبي طالبٍ (عليه السَّلَام)، بقوله: (بالتَّودّد تُمحَّص السَّيّئات)[4].

فهذا التَّودّد والتقرّب والتواصل بين أفراد المجتمع الإنساني، النَّاتج عن قوة إيمان الفرد والتزامه بتعاليم الدِّين الإسلامي وواجباته وأخلاقه، وامتثالاً لأوامره ونواهيه، ليس التَّودّد والتقرّب المبني على أساس المصلحة الدنيوية كما أشرنا في أول الحديث، ورُبَّما يمكن أن يكون هذا التَّودّد صادراً من شخصٍ متصنِّعٍ، وهو أيضاً لا يختلف عن التَّودّد المبنيّ على المصلحة الشخصيّة إن صحَّ التَّعبير، فروي عن أمير المُؤمنين (عليه السَّلَام)، أنَّه قال: (رُبَّ متودد متصنع)[5].

فالتّودّد من الموضوعات ذات الأهميّة الكبيرة، ولا يمكن لنا أن نحصره في هذه الصّفحات القليلة، وختاما نشكر الله تعالى على نعمة الإسلام، والتّصديق بنبوَّة نبيّه مُحَمَّد (صلَّى الله عليه وآله)، وموالاة آل بيته الأطهار (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)، وجعلنا من المتودّدين والمتقرّبين للنَّاس فيما يرضيه سبحانه.

الهوامش:

[1] غرر الحكم ودرر الكلم للآمدي: 164.

[2] موسوعة الإمام عَلِيّ بن ابي طالبٍ (عليه السَّلَام)، في الكتاب والسُّنّة والتَّأريخ لمُحَمَّدِ الرِّي شهري: 10/219.

[3] غرر الحكم ودرر الكلم للآمدي: 164.

[4] عيون الحكم والمواعظ للواسطي: 186.

[5] ميزان الحكمة لمُحَمَّد الري شهري: 3/1980.

المصدر: http://inahj.org/

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى