بسم الله الرحمن الرحيم
الصلاة البتراء
✍🏻 زكريا بركات
المقصود بالصلاة البتراء (أي المبتورة المقطوعة) : أن يُصلَّى على رسول الله (ص) مع حذف الصلاة على الآل، كأن يقال ـ مثلاً ـ : اللهم صلِّ على محمد، أو يقال: صلى الله عليه وسلم.. وأمَّا الصلاة التامة، أي غير البتراء، فهي أن يضاف ذكرُ أهل البيت (ع) في الصلاة، كأن يقال ـ مثلاً ـ اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، أو يقال: صلى الله عليه وآله وسلم.
ونظراً إلى أنَّ كثيراً من المسلمين يؤدُّون الصلاة بتراءَ، أي مبتورةً منقوصة بحذف ذكر الآل، أردتُ أن أبيِّن ما تيسَّر من الأدلَّة على خطأ هذا السلوك من الناحية الدينية، وأنَّ الصحيح الذي لا بدَّ منه هو أن نضيف ذكر الآل في الصلاة مع الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله.. وإليك البيان.
إنَّ المسلم حين يُصلِّي، يقول في نهاية التشهُّد مُصلياً على رسول الله (ص) : اللهمَّ صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، اللهم بارك على محمَّد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. فهذه الصلاة رُويت عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في صحيحي البخاري ومسلم عن الصحابي كعب بن عجرة الأنصاري، وهي الكيفية التي علَّمها النبي لأصحابه حين سألوه: “يا رسول الله كيف الصلاة عليكم؟”. والصلاة على النبي في التشهد مما اشترطه الإمام الشافعي وقال إنها فرض. أفاده ابن رشد في بداية المجتهد.
وفي ديوان الإمام الشافعي أبياتٌ صريحة في ذلك، حيث يقول:
يا آلَ بيتِ رسولِ اللهِ حبكمُ
فَرْضٌ مِنَ اللَّهِ في القُرآنِ أَنْزَلَهُ
كفاكمُ منْ عظيمِ الفخرِ أنَّكمُ
مَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْكُمْ لا صَلاة َ لَهُ
فنقول: إنَّ الصلاة البتراء بحذف الآل منها، مخالفة للصلاة بالكيفية التي علَّمها النبي (ص) لأصحابه.
أضف إلى ذلك أنَّ للصلاة كيفيات مروية في كتب الحديث، وجميعها تشتمل على ذكر الآل، ولذلك قال الصنعاني في كتابه “سبُل السلام”:
“حَذْفُ لفظ الآل من الصلاة – كما يقع في كتب الحديث – ليس على ما ينبغي. وكُنت ُ سُئلتُ عنه قديمًا فأجبتُ: أنه قد صحَّ عند أهل الحديث بلا ريب كيفيَّةُ الصلاة على النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، وهُم رُواتُها، وكأنَّهُم حذفوها خَطّاً، تقيَّةً لَمَّا كان في الدَّولة الأمويَّة من يكره ذكرهم”. اُنظر: “سُبل السلام” 1 : 193 ط. مصر.
فيتبين من ذلك أنَّ التقيَّة هي السبب في حذف الآل، ومع زوال سبب التقية يكون الحذف من الخطأ الذي لا وجه ولا مبرر له؛ لكونه مخالفاً للكيفية التي رويت عن الشارع المقدس.. هذا ما يستفاد من كلام الصنعاني وهو من أئمَّة أهل السنة والجماعة.
وقد رُوي عن رسول الله (ص) وعن أئمة أهل البيت (ع) ما يؤكِّد ضرورة ذكر الآل في الصلاة، وأنَّ الصلاة البتراء فاقدة للقيمة عند الله تبارك وتعالى.. وإليك ما تيسَّر من الأحاديث الشريفة:
1 ـ في المجلس الخامس والثمانين من كتاب الأمالي للشيخ الصدوق، ص580 ، برقم 18 ، بسند معتبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله، أنه قال ـ ضمن حديث ـ : “إذا صلَّى عليَّ ولم يُتبع بالصلاة عليَّ أهلَ بيتي، كان بينها وبين السماء سبعون حجاباً، ويقول الله جل جلاله: لا لبيك ولا سعديك، يا ملائكتي لا تصعدوا دعاءه إلاّ أن يُلحق بنبيِّه عترته. فلا زال محجوباً حتى يُلحق بي أهل بيتي.
2 ـ في الكافي 2 : 495 ، برقم 21 ، بسند معتبر عند بعض أهل العلم، عن الإمام مُحمَّد الباقر (ع) أنه سمع رجلًا متعلِّقاً بالبيت وهو يقول اللَّهُمَّ صلِّ على محمَّد، فقال له: يا عبدَ الله لا تَبْتُرْهَا، لا تَظْلِمْنا حقَّنا، قل: اللَّهُمَّ صلِّ على محمَّدٍ وأهلِ بيته.
3 ـ في المجلس السادس والثلاثين من كتاب الأمالي للشيخ الصدوق، ص 200 ، برقم 9 ، بسنده عن رسول الله (ص) أنه قال: من صلى علي ولم يُصلِّ على آلي، لم يجد ريح الجنة، وإنَّ ريحها لتوجد من مسيرة خمسمائة عام.
4 ـ في المجلس الستِّين من كتاب الأمالي للشيخ الصدوق، ص379 ، برقم 6 ، بسنده عن رسول الله (ص) ، أنه قال ـ في حديث ـ : مَنْ قال صلى الله على محمد، ولم يُصلِّ على آله، لم يجد ريح الجنَّة، وريحها توجد من مسيرة خمسمائة عام.
5 ـ في وسائل الشيعة 7 : 207 ، الباب 42 ، برقم 9127 ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله، قال: لا تُصَلُّوا عليَّ صلاةً مَبْتُورةً، بل صِلُوا إليَّ أَهلَ بيتي ولا تقطعوهم؛ فإنَّ كُلَّ نَسَبٍ وسَبَبٍ يومَ القيامة مُنقطعٌ إِلَّا نَسَبي.
والله وليُّ التوفيق.