بسم الله الرحمن الرحيم
و الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة والسلام على خير خلقه و أشرف بريّته محمد و آله الطيبين الطاهرين . . و اللعنة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين .
و بعد . .
إننا نلفت نظر مجلة ( المجتمع ) إلى أن عليها قبل أن تبادر إلى توجيه أي اتهام أن تتأكد تماماً من صحة و سلامة وجهة نظرها لاسيما إذا كانت تدعي لنفسها أنها رائدة توحيد الكلمة و الدعوة إلى التصافي و التفاهم و التعاون ، بين المسلمين جميعاً . و أما إلقاء الكلام على عواهنه و من دون أي تثبت و تأكد ، فهذا ما لا نرضاه لها و لا لغيرها ، و نربأ بها أن تجعل نفسها ألعوبة للأهواء و فريسة للعواطف غير المتزنة و لا المسؤولة . .
و لقد طالعتنا هذه المجلة مؤخراً بعدة أعداد تحاول فيها النيل من كرامة طائفة معينة من المسلمين ، و الطعن في مقدساتها و في وجهات نظرها . . و حاولت أن تلقي في أذهان قرائها ذلك المفهوم الذي كان قد روج له فريق ما في وقتٍ ما من أجل الوصول إلى أهداف معينة في فترة معينة . . ألا هو الإيمان المطلق بعدالة الصحابة ، و طهارتهم و نزاهتهم من كل شين و ريب ، و على ذلك جرت قافلة طائفة كبيرة من المسلمين لا اجتهاداً و استناداً ، و إنما تقليداً و إتباعا .
و نحن . . في نفس الوقت الذي نؤمن فيه بأن فريقاً من الصحابة قد بلغوا القمة بل و ما فوق القمة في النزاهة و الطهر . . نؤمن بأن سائر الصحابة كانوا كسائر الناس العاديين لا يزيدون عليهم ، و لا يمتازون عنهم إلا في أنهم رأوا الرسول صلى الله عليه و آله و سلم و عاشوا معه فترة من الزمن ، لم يتهيأ لغيرهم أن يعيشوها . . و لكن الذي لا يعني أن مجرد رؤيتهم للرسول صلى الله عليه و آله و سلم تعطيهم ملكة العدالة و الاجتهاد ، و تضفي عليهم صفة النزاهة و الطهر . . كما يشهد على هذا كل من الكتاب و احاديث النبي صلى الله عليه و آله و سلم ، و كلمات الصحابة و التابعين و العلماء و الأبرار .
أما الكتاب ففيه سورة ( المنافقون ) و ( البراءة ) التي تسمى أيضاً الفاضحة و المبعثرة و المشردة و المخزية و المثيرة و الحافزة و المنكلة و المدمدمة و سورة العذاب 1 .
و كذلك ما في سورة النساء ، و ثلاثون آية في أول البقرة ، و سورة الأحزاب ، و غير ذلك من الآيات القرآنية الكثيرة جداً ، و التي لا مجال لذكرها في هذه العجالة . .
و لقد تخلف في غزوة تبوك بضعة و ثمانون رجلاً ، و حلفوا للنبي ( صلى الله عليه و آله ) فقبل منهم علانيتهم ، فنزل فيهم قوله تعالى :
﴿ سَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءَ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ * يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ﴾ 23 .
و قد صرح تعالى بفسق بعضهم في قوله ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ 4 و قد أجمع المفسرون ، و أهل الحديث ، و التراجم على نزول هذه الآية الكريمة بالوليد بن عقبة الصحابي ، و الذي شرب الخمر ، في عهد عثمان ، و صلى بالناس و هو سكران ، و جلد الحد بيد علي عليه السلام 5 .
و قال تعالى أيضاً : ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ 6 .
و قد استدل أبو بكر بهذه الآية على وفاة النبي ( صلى الله عليه و آله ) .
و أخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال : قال أبو بكر : ” لو منعوني و لو عقالاً أعطوا رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) لجاهدتهم ” ثم تلا : ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ … ﴾ 7 8 و كان حذيفة يتمثل بهذه الآية أيضاً في يوم اليمامة 9 . . و كان علي ( عليه السلام ) أيضاً يرددها في حياة رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) .
على أن القرآن الكريم يذكّر نبيّه و المؤمنين بأن : ﴿ وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴾ 10 . فإذا كان تعالى قد اختص نفسه بالعلم بهم ولم يعلم نبيه بهم فليس لأحد بعد هذا أن يدعّي العلم بعدالة كل من رأى الرسول ( صلى الله عليه و آله ) . إلا أن يتحقق من عدالة كل صحابي على حدة ، و إلا فإنه يكون من القول بغير علم ، و قد قال تعالى : ﴿ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ … ﴾ 11 .
و أما الآيات المتضمنة لرضا الله عنهم ، و الوعد لهم بالمغفرة ، و الأجر العظيم و ما إلى ذلك . . أما هذه الآيات فإنها كلها مقيدة بالإيمان و العمل الصالح ، كما لا يخفى على من لاحظها ، و تمعّن فيها . . و إلا فكيف يمكن أن نتصور رضى الله عن عبد الله بن أبي رأس النفاق ، مع أنه كان من المبايعين تحت الشجرة . . و كذلك كل من ارتكب بعدها أعظم الكبائر . . من قتل النفس المحترمة ، و الزنا ، و شرب الخمر ، و غير ذلك كما سنشير إليه فيما يأتي . .
و على كل حال . . فإن لدينا إلى جانب تلك الآيات القرآنية الكثيرة ، التي لا تزال تنعى على المنافقين الذين لم يكن النبي ( صلى الله عليه و آله ) نفسه يعلمهم ، و على كثير من الصحابة مواقفهم ، و تذمهم عليها إن لدينا إلى جانب ذلك الكثير من الروايات الواردة عنه ( صلى الله عليه و آله ) في ذلك ، و هو الذي ﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ 12 و يكفي أنه كان باستمرار يقرع أسماع أصحابه ، و أتباع دينه بالحديث عن الفتن ، في موارد مختلفة ، بقي لنا الكثير الطيب منها ، و هي مخرجة في أوثق المصادر عنهم ، و مخرجة في أصح الكتب بعد القرآن الكريم حسب ما يعتقده إخوتنا أهل السنة كالصحيحين و غيرهما و نحن نذكر بعضها على سبيل المثال :
1 ـ عن أبي وائل قال : قال عبد الله : قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم : أنا فرطكم على الحوض ، ليرفعن إليَّ رجال منكم ، حتى إذا أهويت لأناولهم اختلجوا دوني ، فأقول : أي رب أصحابي ، يقول : لا تدري ما أحدثوا بعدك 13 .
2 ـ عن ابي حازم قال : سمعت سهل بن سعد يقول : سمعت النبي صلى الله عليه و آله و سلم يقول : أنا فرطكم على الحوض من ورده شرب منه ، و من شرب منه لم يظمأ بعده أبداً ليرد عليّ أقوام أعرفهم و يعرفوني ، ثم يحال بيني و بينهم . .
قال أبو حازم : فسمعني النعمان ابن أبي عيّاش و أنا أحدثهم هذا فقال : هكذا سمعت سهلاً ؟ فقلت : نعم ، قال : و أنا أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته يزيد فيه قال : إنهم مني ، فيقال : إنك لا تدري ما بدّلوا بعدك ، فأقول : سحقاً سحقاً لمن بدّل بعدي 14 .
3 ـ عن ابن عمر أنه سمع النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) يقول : لا ترجعوا بعدي كفاراً . يضرب بعضكم رقاب بعض ونفس ذلك رواه أبو بكرة ، و جرير ، و ابن عباس عنه ( صلى الله عليه و آله و سلم ) 15 .
4 ـ عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم : إني فرطكم على الحوض ، و إني سأنازع رجالاً فأغلب عليهم ، فأقول : يا رب أصحابي . فيقال : لا تدري ما احدثوا بعدك 16 .
5 ـ عن حذيفة : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ليردن علي الحوض أقوام فيختلجون دوني فاقول : رب أصحابي رب أصحابي فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك 17 .
6 ـ عن ابن عباس في حديث له عنه يقول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فيه : وإن أناساً من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال ، فأقول : أصحابي ؟ أصحابي ؟ فيقول : إنه لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ، فأقول ، كما قال العبد الصالح : ” وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم . . إلى قول الحكيم” 18 .
7 ـ و عن أنس عن النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) قال : ليردن عليّ ناس من أصحابي الحوض ، حتى ( إذا ) عرفتهم اختلجوا دوني فأقول : أصحابي . فيقول : لا تدري ما أحدثوا بعدك . و عبارة مسلم : ليردنّ عليّ الحوض رجال ممن صاحبني حتى إذا رأيتهم و رفعوا إليّ اختلجوا دوني فلأقولنّ : أي رب أصحابي أصحابي 19 .
8 ـ عن أبي هريرة : إنه كان يحدث أن رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) قال : يرد عليّ يوم القيامة رهط من أصحابي ، فيحلؤون عن الحوض ، فاقول : يا رب أصحابي فيقول : إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى 20 .
9 ـ عن أبي هريرة عنه ( صلى الله عليه و آله و سلم ) إنه قال : ترد عليّ أمتي الحوض و أنا أذود الناس عنه ، كما يذود الرجل إبل الرجل عن إبله قالوا : يا نبي الله أتعرفنا قال : نعم لكم سيما ليست لأحد غيركم تردون عليّ غرّاً محجلين من آثار الوضوء و ليصدّن عني طائفة منكم فلا يصلون فأقول : يا رب هؤلاء من أصحابي ؟ فيجيبني ملك فيقول : هل تدري ما أحدثوا بعدك ؟ 21
10 ـ و عن أبي هريرة أيضاً عن النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) قال بينا أنا قائم إذا زمرة ، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني و بينهم فقال : هلم فقلت : أين ؟ قال إلى النار والله . قلت : و ما شأنهم ؟ قال : إنهم ارتدوا بعدك على إدبارهم القهقرى ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني و بينهم فقال : هلم قلت : أي أين ؟ قال : إلى النار والله . قلت : ما شأنكم ؟ قال : إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى ، فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم 22 .
11 ـ و روي عن عمار أيضاً : إن في أصحاب النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) إثني عشر منافقاً لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط 23 .
12 ـ عن أبي بكرة : إن رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) قال : ليردنّ عليّ الحوض رجال ممن صحبني و رآني ، حتى إذا رفعوا إلي و رأيتهم اختلجوا دوني فلأقولن : رب أصحابي أصحابي ، فيقال : إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك 24 .
13 ـ عن أبي سعيد الخدري عن النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) إنه قال : تزعمون أن قرابتي لا تنفع قومي ؟ والله إن رحمي موصولة في الدنيا و الآخرة إذا كان يوم القيامة يرفع لي قوم يؤمر بهم ذات اليسار فيقول الرجل : يا محمد أنا فلان بن فلان و يقول الآخر : أنا فلان بن فلان ، فأقول : أما النسب قد عرفت و لكنكم أحدثتم بعدي و ارتددتم على أعقابكم القهقرى 25 .
14 ـ قالت أسماء بنت أبي بكر : قال رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : إني على الحوض حتى أنظر من يرد علي منكم . و سيؤخذ أناس دوني فأقول : يا رب مني و من أمتي فيقال : أما شعرت ما عملوا بعدك ؟ والله ما برحوا بعدك يرجعون على أعقابهم الخ 26 .
15 ـ عائشة تقول : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) يقول ، و هو بين ظهراني الصحابة : إني على الحوض أنتظر من يرد عليّ منكم فوالله ليقتطعن دوني رجال . فلأقولن : أي رب مني و من أمتي فيقول : إنك ما تدري ما عملوا بعدك مازالوا يرجعون على أعقابهم 27 .
16 ـ و عن أم سلمة : إنه ( صلى الله عليه و آله و سلم ) قال : أيها الناس بينما أنا على الحوض جيئ بكم زمراً ، فتفرّقت بكم الطرق فناديتكم : ألا هلمّوا إلى الطريق ، فناداني منادٍ من بعدي ، فقال : إنهم قد بدّلوا بعدك ، فقلت : ألا سحقاً ألا سحقاً 28 .
17 ـ عن أم سلمة : إنه ( صلى الله عليه و آله و سلم ) قال : أيها الناس إني لكم فرط على الحوض فإياي لا يأتين أحدكم فيذب عني كما يذب البعير الضال ، فأقول : فيم هذا ؟ فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول : سحقاً 29 .
18 ـ عن أم سلمة قالت : قال النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : من أصحابي من لا أراه و لا يراني بعد أن أموت ابداً 30 .
19 ـ في كتاب المواهب لمحمد بن جرير الطبري الشافعي عن أبي علقمة قال : قلت لسعد بن عبادة و قد مال الناس إلى بيعة أبي بكر : ألا تدخل فيما دخل فيه المسلمون ؟ قال : إليك مني فوالله لقد سمعت رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) يقول : إذا أنا متُّ تضِلّ الأهواء ، و يرجع الناس على أعقابهم فالحق يومئذ مع علي و كتاب الله بيده ، و لا تبايع أحداً غيره 31 .
20 ـ و كان طلحة بن عبيد الله و ابن عباس و جابر بن عبد الله يقولون : صلى رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) على قتلى أحد وقال رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : أنا على هؤلاء شهيد ، فقال أبو بكر : يا رسول الله أليسوا إخواننا ، أسلموا كما أسلمنا و جاهدوا كما جاهدنا ؟ قال : بلى و لكن هؤلاء لم يأكلوا من أجورهم شيئاً و لا أدري ما تحدثون بعدي ، فبكى أبو بكر وقال : إنا لكائنون بعدك ؟ 32
21 ـ عن مرة قال : حدثني رجل من أصحاب النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) قال : قام فينا رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) على ناقة حمراء مخضرمة فقال : أتدرون أي يوم هذا ؟ إلى أن قال : ألا و إني فرطكم على الحوض أنظركم و إني مكاثر بكم الأمم فلا تسودّوا وجهي . ألا و قد رأيتموني و سمعتم مني ، فمن كذب علي فليتبوأ مقعده من النار ألا و إني مستنقذ رجلاً أو إناثاً و مستنقذ مني آخرون فأقول : يا رب أصحابي ؟ فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك 33 .
22 ـ و قال المغفور له العلامة الأميني في كتاب ” سيرتنا و سنتنا ، سيرة نبينا محمد ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ” صفحة 26 : أخرج الحفاظ بأسانيدهم الصحيحة عن ابن عباس : ” خرجت أنا و النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) و علي رضي الله عنه في حيطان المدينة ، فمررنا بحديقة فقال علي رضي الله عنه : ما أحسن هذه الحديقة يا رسول الله ؟ فقال : حديقتك في الجنة أحسن منها ثم أومأ بيده إلى رأسه و لحيته ثم بكى حتى علا بكاه . قيل : ما يبكيك ؟ قال ضغاين في صدور قوم لا يبدونها حتى يفقدونني ” و في لفظ عن أنس بن مالك : ” ثم وضع النبي رأسه عليّ فبكى فقال له: ما يبكيك يا رسول الله صلى الله عليك ؟ قال : ضغاين في صدور أقوام لا يبدونها حتى أفارق” .
و أخيراً . .
فقد قال المقبلي : إن أحاديث ” لا تدري ما أحدثوا بعدك ” متواترة بالمعنى 34 .
و هذا غيض من فيض ، مما يدل على أن الصحابة ليسوا كلهم عدولاً أبرار أخياراً بل هم كسائر الناس الآخرين يخطئون و يصيبون ، يطيعون و يعصون . . و إن كان ربما يكون الذنب منهم أعظم ، و المعصية منهم أشد ، باعتبار أنهم نالوا شرف رؤية الرسول الأكرم ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ، و سعدوا بمجالسته و رأوا من براهينه و معجزاته ما يبهر كل عقل و يقطع كل عذر . . و علي فكل ما يدعى لهم من صفات غير طبيعية و عدالة و نزاهة و طهارة حقيقية لا يعدوا أن يكون مجرد دعوى واهية لا تستند إلى دليل ولا يدعمها برهان .
و من أراد التوسع في هذا الموضوع فليراجع أيضاً بالإضافة إلى ما تقدم : مصنف عبد الرزاق : 11 / 406 ـ 407 ، و تنوير الحوالك : 1 / 51 ، و بحار الانوار : 28 كتاب الفتن / 26 ـ 36 ، و كنز العمال : 11 / 157 رقم 645 و في ذيله : ” إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك مرتدين على أعقابهم ” و رقم 746 و رقم 747 و فيه : ” و لكنكم ارتددتم بعدي و رجعتم القهقرى ” و صفحة 155 رقم 776 و فيه : “فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم بعضاً” و 11 / 221 رقم 2411 عن أبي هريرة و فيه : “إنك لا علم لك بما أحدثوا و بعدك إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى” و في بعضها عن حذيفة رقم 2412 و عن أنس رقم 2414 و عن سمرة رقم 2481 وعن أبي هريرة رقم 2415 و عن حذيفة رقم 2476 و 2471 و عن أم سلمة رقم 417 و عن انس وحذيفة رقم 2418 و عن زيد بن خالد رقم 2424 و عن ابن مسعود رقم 2470 و عن أسماء بنت أبي بكر و عائشة رقم 2416 و عن أبي سعيد رقم 2472 و غير ذلك مما لا يمكن استقصاؤه في هذه العجالة .
و حسب هذا الرأي قوة أن يكون مدعوماً بالنصوص القرآنية و بالنصوص النبوية التي رواها لنا عدد كبير من الصحابة أنفسهم كما يظهر مما تقدم مثل : سهل ، حذيفة ، ابن عباس ، عائشة ، أبي سعيد ، ابن مسعود ، أم سلمة ، أنس ، سمرة ، زيد بن خالد ، أسماء بنت أبي بكر ، ابن عمر ، أبي هريرة ، أبي بكرة ، عمار ، سعد بن عبادة ، طلحة ، جابر ، أبي الدرداء رجل من صحابة النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) و غير ذلك ممن لم يتهيأ لنا في هذه العجالة الإطلاع عليهم .
و على هذا فما ينسب إلى النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) من كلمات تدل على عدالة جميع الصحابة و وجوب الاقتداء بهم جميعاً لا يمكن أن تصح و لا شك في وضعها على لسانه ( صلى الله عليه و آله ) وافتعالها ، لأنها مما يكذبها كل افعاله و أقواله تجاههم و في حقهم ، و يدحضها عامة سلوكه معهم . .
و أما الحديث الذي يردده الناس في العصور الأخيرة و ينسب إليه ( صلى الله عليه و آله و سلم ) أنه قال : أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ” فهو باطل ، صرح ببطلانه جمع كثير من الأعلام قديماً و حديثاً كأحمد بن حنبل ، و البزار ، و ابن حزم ، و ابن الجوزي و ابن عبد البر ، و غيرهم كثير ، هذا عدا عن أن متن الحديث ذاته يدل دلالة واضحة على ضعفه ، فليس كل نجم من النجوم يهتدي به الضال في ظلمات البر و البحر . . ” .
و لعله وضع في مقال حديث : النجوم أمان لأهل السماء ، و أهل بيتي أمان لأمتي . . و بلفظ آخر : النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق ، و أهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف . .35 بل يظهر انه وضع ليجعل الأصحاب هم الهداة لسفينة نوح ، التي من ركبها نجا ، و من تخلف عنها غرق 36 بل في لسان الميزان : 1 / 136 إن النبي ( صلى الله عليه و آله ) قال : أهل بيتي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم .
و بعد . . فهل يمكننا أن نقتدي و نهتدي بمعاوية و مروان ، و عمرو بن العاص ، و الوليد بن عقبة ، و إضرابهم في لعنهم علياً و الحسن و الحسين عليهم السلام و غيرهم . . باعتبار أن معاوية و هؤلاء هم من تلك النجوم التي بأيها نقتدي و نهتدي ؟! . .
و هل يمكننا أن نهتدي بالحكم بن أبي العاص طريد رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ؟ و بالوليد بن عقبة الفاسق بنص القرآن الكريم ، و الذي نزل فيه ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا … ﴾ 37 و الذي شرب الخمر في عهد عثمان ، و صلى بالناس و هو سكران كما قدمنا ؟! .
و هل يصح أن نقتدي و نهتدي بكل أولئك المنافقين ، الذين كانوا على عهد الرسول ( صلى الله عليه و آله )؟ أم يعقل أنهم أصبحوا بمجرد موته ( صلى الله عليه و آله ) عدولاً أبراراً إن ذلك لعجيب و عجيب حقاً !! . .
و هل يمكن أن نقتدي و نهتدي بأولئك الذين ارتكبوا أعظم المنكرات سواء في حياة النبي أو بعد وفاته ؟! . .
فها نحن نرى بعضهم قد شرب الخمر في أيام عمر ، و أقام عليه عمر الحد ، و هو قدامة بن مظعون 38 مع أنه كان صحابياً ، بل و بدرياً أيضاً ، و من السابقين الأولين ، و قد هاجر الهجرتين .
كما و شربها أيضاً عبد الرحمن بن عمر ـ و عبد الرحمن قد عاصر الرسول( صلى الله عليه و آله ) ـ و أقام عليه أبوه الحد ، و مات من جراء ذلك ، و قضيته أشهر من أن تذكر 39 .
و اتهم المغيرة بالزنا ، و شهد عليه ثلاثة ، و تردد الرابع ـ و هو زياد بن أبيه ـ و تردده هو الذي درأ الحد عن المغيرة ، و ليس كون المغيرة صحابياً 40 مع ان المغيرة كان من المبايعين تحت الشجرة أيضاً ، و هي المعروفة ببيعة الرضوان .
و كان أبو محجن يزني ، و يشرب الخمر ، و قد جلده عمر سبعاً أو ثماني مرات لذلك و نفاه 41 .
و ارتد طليحة بن خويلد عن الإسلام و ادعى النبوة 42 .
و كان سمرة بن جندب يبيع الخمر في عهد عمر 43 و هو احد الثلاثة الذي قال لهم النبي( صلى الله عليه و آله ) : آخركم موتاً في النار .
و حد النبي نعيمان ثلاث مرات في الخمر ، و طلب عمر قتله في الرابعة ، فلم يقبل منه 44 مع أن نعيمان قد شهد المشاهد كلها ، و شهد العقبة أيضاً .
و بسر بن أبي أرطأة قد عاث في الأرض فساداً و قتل طفلين لعبيد الله بن العباس ، و ما ذنب الأطفال؟! .
و معاوية ـ و ما أدراك ما معاوية بائع الأصنام 45 ـ يجعل رأي نفسه مقدماً على قول الرسول الذي لا ينطق عن الهوى ، فإنه عندما باع بيعاً ربوياً ، و اعترض عليه أبو الدرداء بقوله : سمعت رسول الله( صلى الله عليه و آله ) ينهى عن مثل هذا إلا مثلاً بمثل فقال معاوية : ما أرى بهذا باساً . فقال أبو الدرداء : من يعذرني من معاوية ؟ أنا أخبره عن رسول الله( صلى الله عليه و آله ) و يخبرني عن رأيه ، لا أساكنك بأرض أنت بها ، ثم قدم أبو الدرداء على عمر بن الخطاب فذكر ذلك له ، فكتب عمر بن الخطاب إلى معاوية أن لا تبع ذلك إلا مثلاً بمثل وزناً بوزن 46 راجع مقدمة كتابنا : حديث الإفك .
و معاوية يسم الحسن عليه السلام ريحانة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم . و يفعل غير ذلك من أمور شنيعة كقتله حجر بن عدي ، و عمرو بن الحمق الخزاعي إلى آخر قائمة ضحايا معاوية الطويلة ، فقد قتل في صفين فقط من أهل بيعة الرضوان 63 رجلاً منهم عمار و من البدرين 25 رجلاً 47 .
و لقد نسي الناس أن الصحابة كانوا يتهمون أقرانهم بالفسق تارة ، و بالردة و الكفر أخرى ـ كما فعل بمالك بن نويرة الصحابي ـ و نسي الناس أيضاً : أن الصحابة أنفسهم قد ثاروا على خليفتهم عثمان و قتلوه ، أو شاركوا في التأليب عليه ، و إثارة الناس ضده . و كيف ينسى دور عائشة و طلحة ، و الزبير ، و ولده عبد الله ، و عمرو بن العاص ، و غيرهم في ذلك ، و بعد أن قتلوه تركوه ثلاثة أيام بلا دفن ، حتى دفن في ” حش كوكب ” مقبرة اليهود . فكيف جاز لهؤلاء الصحابة مخالفة نص الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الصحابة ؟ ولماذا لم يراعوا عدالتهم وهداهم ؟! .
و أخيراً . . فإن عمر نفسه يصرح بوجود المنافقين في الصحابة حين وفاة النبي صلى الله عليه و آله و سلم فقد أخرج ابن المنذر ، عن أبي هريرة قال : لما توفي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قام عمر بن الخطاب فقال : إن رجالاً من المنافقين يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم توفي 48 و تقدم تصريح أبي بكر بذلك . . إلى غير ذلك مم تضيق به كتب التاريخ ، و مجاميع الحديث و الرواية .
و يكفي أن نذكر أن البلاذري قد ذكر في أنساب الأشراف أسماء المنافقين ، و استغرقت عشر صفحات كاملة 2 / 274 ـ 283 .
و ختاماً ننقل كلام حذيفة بن اليمان ( و هو صاحب سر رسول الله و عرّفه صلى الله عليه و آله و سلم المنافقين ) عن صحيح البخاري في كتاب الفتن : ” إن المنافقين اليوم شر منهم على عهد النبي صلى الله عليه و آله و سلم كانوا يومئذ يسرون و اليوم يجهرون ” .
و لمعرفة المنافقين الذين يصفهم حذيفة إقرأ كتاب ” الغدير ” للعلامة الراحل الأميني و قد نشر منه حتى الآن أحد عشر مجلداً و غيره من الكتب العلمية التي توحد صفوف المسلمين مثل كتاب ” المراجعات ” للإمام شرف الدين العاملي و كتاب ” عبد الله بن سبأ و أساطير أخرى ” لصاحب الفضيلة العلامة السيد العسكري و كتاب ” خمسون و مأة صحابي مختلق ” له أيضاً . و كتاب ” أبو هريرة ” و ” أضواء على السنة المحمدية ” و ” قصة الحديث المحمدي ” و كلها لعلامة مصر الراحل و فقيد العلم و المعرفة الأستاذ المرحوم محمود أبو رية .
و بعد هذا . . فهل يصح أن يقال : إن حديث : ” أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ” صحيح ، و يجب العمل به ؟
و هل يصح الاقتداء حقاً بكل صحابي ، و في جميع أفعاله و أقواله ، حتى من لم ير النبي ( صلى الله عليه و آله ) ، إلا مدة يسيرة كيوم أو شهراً ، أو شهرين مثلاً ؟
و هل مجرد رؤيته له ( صلى الله عليه و آله ) تجعله لا يتعمد ذنباً ، و لا يميل إلى معصية ؟ .
و إذا كان الصحابي كلهم عدولاً أتقياء . . فلماذا كان النبي صلى الله عليه و آله و سلم يكذبهم في أقوالهم ، و يتبرّأ من كثير من أفعالهم ؟
و هذه كتب السير و الحديث و المغازي بين أيدينا و فيها ما لا يحد بحد ، و لا يعد بعد . . و لماذا يقولون إنه صلى الله عليه و آله و سلم قد جلد الذين قذفوا أم المؤمنين ، بعد أن نزلت الآية ببراءتها ، مع أنهم من صحابته ، و فيهم من هو بدري أيضاً ؟!
و إذا كان الصحابة كلهم عدولاً ، مطهرين ، منزهين ، فلماذا تقام عليهم الحدود و تجري عليهم القصاصات ، سواء في حياة النبي صلى الله عليه و آله و سلم ، أو بعد وفاته ؟
و كيف تقبل الشهادة ضدهم ، و كيف يهتم النبي صلى الله عليه و آله و سلم بقضية الإفك ؟
ولم لا يحكم بنزاهة أصحابه و يقول إنهم لا تجوز عليهم المعصية ، من دون أن ينتظر الخبر من السماء ؟! .
و إذا كان حديث النجوم هذا صحيحاً ، فهل من المعقول أن نعتبر أهل الشام و فيهم من الصحابة أمثال معاوية و عمرو بن العاص مهتدين في حربهم علياً في صفين ، في نفس الوقت الذي نعتبر فيه علياً و أهل العراق ، مهتدين في حربهم لأهل الشام ؟!! .
و إذا كان الخطاب بقوله : ” بأيهم اقتديتم اهتديتم ” للصحابة ، فمن منهم الموصى أن يهتدي و يقتدي ؟ و من منهم الذي يكون الإقتداء و الاهتداء به .
و بعد هذا . . و إذا كان الحق واحداً ، و واحداً فقط ، فبمن نقتدي و نهتدي من الصحابة ، الذين لا يزالون مختلفين في أكثر الأشياء ، و يكذب بعضهم بعضاً ، و يعبر بعضهم عن سوء رأيه بالآخر .
و ألسنا نجد أن أحداً من الصحابة لم يعمل بهذا الحديث . . فكل منهم يسب الآخر و يلعنه ، بل و يستحل دمه ، و يكفره فقد روي أن عماراً كان يكفر عثمان ، و يستحل دمه ، و أن عبد الرحمن بن عوف و ابن مسعود كانا يستحلان دم عثمان أيضاً ، على ما ذكره طه حسين 49 و قال المعتزلي الحنفي : إن عثمان قال لعبد الرحمن بن عوف : يا منافق . . 50 و ذلك في كتاب التاريخ و الحديث كثير ، و كثيرا جداً . .
بل و نجد الكثير الكثير مما يدل على أنهم ما كانوا يقبلون الاهتداء ببعضهم البعض ، فإن علياً لم يكن يجوز الاقتداء بمعاوية ، و الوليد ، و مروان ، و ابن العاص ، و إضرابهم . و عمر و عثمان ، و عائشة و علي ، قد أكذبوا أبا هريرة 51 .
و على ذلك جرى بعض الأئمة الكبار ، فقد نقل ابن أبي الحديد عن أبي حنيفة أن ” الصحابة كلهم عدول ما عدا رجالاً ، ثم عدّ منهم : أبا هريرة ، و أنس بن مالك ” و في المختصر في أخبار البشر لأبي الفداء عن الشافعي : ” إنه سرّ إليّ الربيع : لا يقبل شهادة أربعة من الصحابة و هم معاوية و عمرو بن العاص ، و المغيرة ، و زياد ” أقول لكن زياداً ليس من الصحابة ، لأنه ولد في زمن الرسول ولم يره . .
و قال شعبة : ” كان أبو هريرة يدلس ” كما في البداية و النهاية . و في العقد الفريد لابن طلحة صفحة 174 قصة طويلة يذكر فيها تكذيب جمع من العلماء لأبي هريرة في حضرة الرشيد ، و وافقهم الرشيد على ذلك إلى غير ذلك مما لا يمكن تتبعه و استقصاؤه .
و بعد كل ما قدمناه . . و إذا كان الصحابة أنفسهم لا يجيزون لنا الإقتداء ببعضهم البعض ، فلم لا نهتدي و نقتدي بهم و نقول : ” لا يجوز الإقتداء بكل صحابي ، إلا من ثبتت عدالته و نزاهته ” ؟ .
أم يعقل أن يكون معنى : ” أصحابي كالنجوم . . ” هو وجوب الإقتداء بهم في قضية أقوالهم و أفعالهم أو ببعض منهم هم دون البعض الآخر ؟ و إذا كان المقصود هو ذلك ، فهل يبقى معنى لقوله : ” بأيهم اقتديتم اهتديتم ” إن ذلك لعجيب ، و عجيب حقاً !
و عدا عن ذلك فلماذا لا يجوز لنا أن نقتدي بعلي عليه السلام في لعنه مثل معاوية ، و مروان ، و ابن العاص و اضرابهم مع أن الناس قد قلدوا معاوية عشرات السنين و لعنوا أخا رسول الله و وصيه ، و من هو منه بمنزلة هارون من موسى ، و لعنوا كذلك الحسن و الحسين عليهما السلام و قيس بن سعد ، و غيرهم من خيرة أصحاب الرسول ( صلى الله عليه و آله ) .
و إذا كان حديث النجوم هذا صحيحاً ، فلماذا عندما أعلن سب أعظم صحابي على آلاف منابر المسلمين ، عشرات السنين و كان بعض الصحابة المتهالكين على الدنيا يشاركون في ذلك و يشارك أيضاً التابعون ـ الذين يقولون : إن قرنهم خير القرون ـ لماذا لم نجد من يعترض على ذلك بأنه ينافي عدالة الصحابة و نزاهتهم ، ولم نجد من التابعين من قال أيها الناس لقد خالفتهم قول رسول الله( صلى الله عليه و آله ) : ” أصحابي كالنجوم . . ” مع ان كثيراً منهم ليس فقط قد شارك في سب الصحابة الأبرار و لعنهم ، و إنما شارك في قتلهم و سفك دمائهم ، و محاربتهم .
نعم . . لقد سب علي عليه السلام على المنابر مع أن الرسول ( صلى الله عليه و آله ) قد قال : ” من سب علياً فقد سبني ” 52 ولم نجد من يعترض على ذلك بمنافاته لعدالة الصحابي ، و لا بحديث النجوم ، و إنما كانت اعتراضات المعترضين و صرخات المخلصين تحاول التذكير بمواقف علي ، و بأقوال الرسول فيه ، و بالآيات الواردة في حقه ، و التي لم يعبأ بها المزيفون و أهل الدنيا ، و طلاب اللبانات .
و ليتنا ندري لماذا لم يكفر التابعون ، و كيف جاز لهم سب علي ، و قتلهم الحسين ، و غير ذلك من جرائم و فظائع ـ بل إن قرنهم خير القرون ـ و لماذا يوثق عمر بن سعد 53 و لماذا لم يجز هذا الشيعي أن يعبر عن رأيه في هؤلاء اللاعنين ، المصرين على هذا الإثم العظيم ، و يكشف حقيقتهم و واقعهم للناس جميعاً . بل إذا حاول ولو مرة واحدة أن يبدي رأيه فيهم ، فإنك ترى أصابع الإتهام بل و التكفير و الإخراج من الدين تنصب عليه من كل جانب و مكان . .
و لكن الحقيقة هي أن حديث : أصحابي كالنجوم قد وضع فقط لصالح أعداء علي و آل علي . فهؤلاء فقط هم العدول ، الأبرار و ليس لأحد أن ينالهم بسوء و لهم هم كل الحق في أن ينالوا علياً باللّعن ، و أهل البيت بالقتل و السبي ، و كل الفظائع . و هذا الحديث حينئذٍ لا يستطيع أن يؤثر أثره ، و لا أن يثبت وجوده .
و قبل أن نأتي على نهاية هذا الحديث نود أن نشير إلى أن حديث النجوم ـ الموضوع ـ لا يستطيع أن يقاوم حديث الثقلين المتواتر ، الوارد في الكتب المعتبرة عند إخواننا مثل : صحيح مسلم ، و الترمذي ، و مسند أحمد ، و غيرها بأسانيد كثيرة جداً حيث يأمرنا هذا الحديث ، و يأمر الصحابة بإتباع خليفتين ، أحدهما : كتاب الله ، و الآخر : أهل بيته ، و جعل الاهتداء مشروطاً بإتباعهما و التمسك بهما ، حيث قال : ” ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبداً ” و أهل بيته هم : عليّ ، و فاطمة , و الحسن ، و الحسين عليهم السلام؛ فالأجدر بنا أن نهتدي بهداهم ، و نتبع خطواتهم و نسير على نهجهم و من نهجهم نقد كل صحابي ، و إعطاء كل ذي حق حقه بلا إفراط و لا تفريط .
و أهل البيت فقط هم سفينة نوح ، التي من ركبها نجا ، و من تخلف عنها غرق ، لأنهم هم الذين أذهب الله عنهم الرجس ، و طهرهم تطهيراً . و كل من سواهم لابد له في الحكم بعدالته من دراسة تاريخ حياته ، و نقد عامة سلوكه و تصرفاته . .
و أخيراً . . فلقد صرح جماعة من إخواننا بأن الصحابة غير معصومين ، و فيهم العدول و غير العدول فقد ذكر صاحب كتاب أصحابي كالنجوم ص15 إن منهم السعد التفتازاني ، في شرح المقاصد و ابن العماد الحنبلي على ما في النصائح الكافية : 62 عن الآلوسي و الشوكاني في إرشاد الفحول و الشيخ المقبلي في العلم الشامخ ـ على ما في أضواء على السنة المحمدية و شيخ المضيرة ـ و المارزي شارح البرهان ـ على ما في النصائح الكافية : 161 و الإصابة : 2 / 391 ، 392 ـ و السيد محمد بن عقيل في النصائح الكافية ، و طه حسين في الفتنة الكبرى : عثمان ، و الشيخ محمود أبو ريه في أضوائه و شيخ مضيرته : 101 ، و الشيخ محمد عبده على ما أضواء أبي ريه ، و السيد محمد رشيد رضا على ما في شيخ المضيرة ، و الشيخ مصطفى صادق الرافعي في إعجاز القرآن ، و غيرهم .
و هكذا نجد : أن العلماء الأتقياء لا يزالون يعرضون أفكارهم على محك العلم ، و على الموازين الصحيحة التي يؤيدها القرآن ، و كلمات الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله و سلم و قوانين الشريعة الغراء ، و أخيراً . . العقل الفطري السليم .
و يكفي أن نذكر هنا: أن القرآن قد قرر أن لكل نفس ما كسبت ، و عليها ما اكتسبت ، و لو كان مثقال ذرة من خير ، أو من شر على حد سواء . . و أن أكرمكم عند الله أتقاكم ، لأن الإسلام لا ينظر إلى المصاحبة الجسدية كمقياس ، كيف و صحابا يوسف عليه السلام كانا مشركين ، و أصحاب موسى قد عبدوا العجل ، في حين كان نبيهم يناجي ربه عز وجل في شأنهم ، و إن عيسى أحس من أصحابه الكفر . إلى آخر ما هنالك .
و في الختام : إننا نود أن نذكركم بأن نقد الشيعة للصحابة ليس إلا لإحياء القيم الإسلامية و تقدير كل أحد منهم بمقدار ما يتوفر لديه من المكارم و الفضائل و التقوى و العلم و الشرف و الشجاعة و الطاعة و الإتباع و الكرامة و النجدة و العظمة و البخوع و للحق مضادة الباطل و كراهة العصيان و إقامة السنة و إبادة البدعة و ترويج الحق و محق الباطل و الحض على الخيرات و دحض المنكرات . و ما تتبعه الشيعة في معتقداتها معتضد بالعقل و النقل ( يعني الكتاب و السنة النبوية كما جاء في كتب الشيعة و أهل السنة ) ، و هم يناقشون الأحاديث و يميزون الغث من السمين و يتركون ذلك و يتمسكون بهذا ، و من نظر في كتبهم الكلامية يلمس هذه الحقيقة . و بهذه المناسبة تراهم يحبون جمعاً من الصحابة لا يستهان بعددهم من أولي الفضيلة الذين اجتمعوا حول أمير المؤمنين علي عليه السلام كسلمان الفارسي و أبي ذر و المقداد و عمار بن ياسر و آخرين كثيرين مذكورين في كتبهم و لكن لا يمكنهم إطراء الفئة التي ذكرناها لك من تلك الناحية و لكل قوم سنة و إمامها .
إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع و هو شهيد .
و ختاماً فنرجو من مجلة المجتمع : أن تنشر هذه الرسالة بحذافيرها إن كانت تعني ما تقول حينما تجعل من نفسها منبراً حراً للفكر الإسلامي .
و لكن المجلة المذكورة لم تنشر هذه المقالة ، و هي مع ذلك لا تزال تدعي : إنها منبر حر للفكر الإسلامي فاقرأ و اسمع و اضحك !! . .
و السلام على من اتبع الهدى 54 .
- 1. راجع : الكشاف ، و غيره من كتب التفسير و علوم القرآن
- 2. القران الكريم : سورة التوبة ( 9 ) ، الآية : 95 و 96 ، الصفحة : 202 .
- 3. راجع : أضواء على السنة المحمدية : 353 و أي كتاب آخر في السيرة .
- 4. القران الكريم : سورة الحجرات ( 49 ) ، الآية : 6 ، الصفحة : 516 .
- 5. راجع : صحيح البخاري : 5 / 63 و غيره .
- 6. القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 144 ، الصفحة : 68 .
- 7. القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 144 ، الصفحة : 68 .
- 8. الدر المنثور : 2 / 82 .
- 9. المصدر السابق .
- 10. القران الكريم : سورة التوبة ( 9 ) ، الآية : 101 ، الصفحة : 203 .
- 11. القران الكريم : سورة الإسراء ( 17 ) ، الآية : 36 ، الصفحة : 285 .
- 12. القران الكريم : سورة النجم ( 53 ) ، الآية : 3 و 4 ، الصفحة : 526 .
- 13. صحيح البخاري : 9 / 58 ؛ كتاب الفتن : 8 / 148 و في آخره أنه نقل أيضاً عن حذيفة ؛ و مسند احمد : 1 / 439 مع تفاوت يسير .
- 14. صحيح البخاري : 9 / 58 و 59 ؛ نفس المصدر : 8 / 150 ؛ و صحيح مسلم : 7 / 96 ؛ و الاستيعاب هامش الإصابة : 1 / 159 ؛ و مسند أحمد : 5 / 333 و راجع : 3 / 28 .
- 15. صحيح البخاري : 9 / 63 و 64 ؛ و صحيح مسلم : 1 / 58 .
- 16. صحيح مسلم : 7 / 68 بعدة أسانيد ؛ و مسند أحمد : 1 / 402 و 406 و 407 و 384 و 425 و 453 .
- 17. مسند أحمد : 5 / 388 ؛ و راجع ص 393 و أشار إليه في صحيح البخاري : 8 / 148 ـ 149 .
- 18. صحيح البخاري : 8 / 169 و 204 و ج 6 / 122 و 69 و 70 و ج 8 / 136 ؛ و صحيح مسلم : 8 / 157 ؛ و مسند أحمد : 1 / 235 و 253 ؛ و الاستيعاب هامش الإصابة : 1 /160 و عن الجمع بين الصحيحين .
- 19. صحيح البخاري : 8 / 149 ؛ و صحيح مسلم : 7 / 70 و 71 ؛ و مسند أحمد : 3 / 381 ؛ و عن الجمع بين الصحيحين الحديث رقم 131؛ و في إحقاق الحق باب ما رواه الجمهور في حق الصحابة أنهم رووا مثل ذلك عن أم سلمة و اسماء بنت أبي بكر و سعيد بن المسيب و حذيفة و أبي الدرداء .
- 20. صحيح البخاري : 8 / 150 و بعده نفس الحديث الذي رواه ابن المسيب عن أصحاب النبي ( صلى الله عليه و آله ) .
- 21. صحيح مسلم : 1 / 150 .
- 22. صحيح البخاري : 8 / 150 و 151 ؛ و المصنف لعبد الرزاق : 11 / 406 ؛ و عن الجمع بين الصحيحين الحديث 267 .
- 23. راجع : صحيح مسلم : 7 / 122 و 123 .
- 24. مسند الإمام أحمد : 5 / 48 و في صفحة 50 بسند آخر .
- 25. مسند أحمد : 3 / 39 و يقرب منه ما في صفحة 18 ؛ و كنز العمال : 11 رقم 2472 .
- 26. صحيح البخاري : 8 / 151 ـ 152 ؛ و صحيح مسلم : 7 / 66 ؛ و كنز العمال : 11 رقم 2461 .
- 27. صحيح مسلم : 7 / 66 ؛ و الاستيعاب هامش الإصابة : 1 / 159 ؛ و كنز العمال رقم 1416 .
- 28. مسند أحمد : 6 / 297 .
- 29. صحيح مسلم : 7 / 67 .
- 30. مسند أحمد : 6 / 298 .
- 31. ملحقات إحقاق الحق : 2 / 296 .
- 32. مغازي الواقدي : 1 / 410 .
- 33. مسند أحمد : 5 / 412 ؛ و في صحيح البخاري : 5 / 159 ـ 160 : عن العلاء بن المسيب عن أبيه ، قال : لقيت البراء بن عازب( رضي الله عنه ) فقلت : طوبى لك ، صحبت النبي ( صلى الله عليه و آله ) و بايعته تحت الشجرة ، فقال : يا ابن أخي لا تدري ما أحدثنا بعده . .
- 34. راجع : أضواء على السنة المحمدية : 350 نقلاً عن العلم الشامخ للمقبلي .
- 35. ذخائر العقبى : 17 و إسعاف الراغبين .
- 36. نزهة المجالس للصفوري الشافعي : 2 / 179 .
- 37. القران الكريم : سورة الحجرات ( 49 ) ، الآية : 6 ، الصفحة : 516 .
- 38. الإصابة : 3 / 228 ـ 229 ؛ و الاستيعاب بهامشها : 3 / 361 ؛ و أسد الغابة : 4 / 199 ؛ و شرح النهج : 20 / 23 .
- 39. الإصابة : 3 / 72 ؛ و الاستيعاب بهامشها : 2 / 403 ؛ و أسد الغابة : 4 / 312 ؛ و شرح النهج للمعتزلي : 20 / 23 .
- 40. الإصابة : 3 / 452 ؛ و شرح النهج للمعتزلي : 20 / 23 و القضية معروفة و مشهورة .
- 41. الإصابة : 4 / 174 ؛ و الاستيعاب بهامشها : 4 / 183 ـ 184 ؛ و أسد الغابة : 5 / 290 ؛ و شرح النهج للمعتزلي : 20 / 28 .
- 42. أسد الغابة : 3 / 65 ؛ و الإصابة : 2 / 234 ؛ و شرح النهج : 20 / 28 .
- 43. الأحاديث الموضوعة : حديث أصحابي كالنجوم : 77 عن البخاري و غيره .
- 44. صحيح البخاري : 8 / 196 ؛ و أسد الغابة : 4 / 199 ـ 200 و ج 5 / 36 ـ 37 ؛ و الإصابة : 3 / 404 و570 .
- 45. الأحاديث الموضوعة : حديث أصحابي كالنجوم : 77 عن المبسوط في الفقه الحنفي ، كتاب الإكراء .
- 46. موطأ الإمام مالك : 2 / 135 ؛ و شرح نهج البلاغة : 20 / 27 .
- 47. الاستيعاب هامش الإصابة : 2 / 278 ؛ و التنبيه و الإشراف : 256 .
- 48. الدر المنثور : 2 / 81 .
- 49. الفتنة الكبرى ، عثمان صفتحة 171 و 172 .
- 50. شرح نهج البلاغة للمعتزلي : 2 / 25 .
- 51. راجع : شرح نهج البلاغة للمعتزلي : 20 / 30 ؛ و تأويل مختلف الحديث : 10 ؛ و جامع بيان العلم جلد 2 .
- 52. مستدرك الحاكم : 3 / 121 و صححه الذهبي أيضاً .
- 53. وثقه العجلى على ما في تهذيب التهذيب : 7 / 451 .
- 54. جعفر مرتضى العاملي ، مؤرخة : 21/صفر/1397ﻫ .